أوروبا لا تنقصها الأفكار ولا المبتكرون أو المدخرات. فالأوروبيون يدخرون من دخلهم أكثر مما يدخر الأمريكيون. وحصتهم من طلبات براءات الاختراع العالمية قريبة من حصة الولايات المتحدة. لكن أوروبا كثيرا ما تجد صعوبة في تحويل الأفكار إلى تقنيات جديدة يمكنها الدفع بالنمو. أحد أسباب ذلك أنها أقل قدرة وإلى حد بعيد من الولايات المتحدة في ضخ مدخراتها الكبيرة لتعظيم وتوسيع نطاق الابتكار.

لكي تفعل ذلك أنفق الاتحاد الأوروبي سنوات في محاولة تكوين «اتحاد لأسواق رأس المال» . فمنذ عام 2015 كان هنالك أكثر من 55 مقترحًا إجرائيًا و50 مبادرة غير تشريعية. لكن تلك الأجندة العريضة لم تُفضِ إلى تقدم يذكر.

على أوروبا إعادة تركيز جهودها والكشف عن الانسدادات المفتاحية في قناة التمويل وتحديد عدد أقل من الحلول التي يمكن أن تحقق أعلى مردود. في هذا الجانب هنالك ثلاثة حلول بارزة اليوم.

أولًا: مدخرات أوروبا لا تدخل أسواق رأس المال بقدرٍ كافٍ. فالأوروبيون يحتفظون بثلث أصولهم المالية نقدًا أو في ودائع مقارنة بحوالي 10% في أمريكا. وإذا رفعت العائلات في الاتحاد الأوروبي معدل ودائعها إلى أصولها المالية، بحيث تتساوى مع معدل العائلات الأمريكية يمكن إعادة توجيه ما يصل إلى 8 تريليونات يورو (8.4 تريليون دولار) نحو استثمارات مرتكزة على السوق وطويلة الأجل.

هنالك حاجز يقف أمام مثل هذا التنويع. إنه واقع استثمار التجزئة في أوروبا. فالعديد من العائلات تواجه خيارات محدودة للاستثمار المناسب وبرسوم عالية. على سبيل المثال: مستثمرو التجزئة في صناديق الاستثمار المشتركة الأوروبية يدفعون رسوما تزيد بما يقارب 60% عما يدفعه نظراؤهم الأمريكيون.

إيجاد مجموعة منتجات ادخار موحَّدة على نطاق الاتحاد الأوروبي أفضل طريقة للتقدم إلى الأمام. مثل هذه المنتجات ستكون متاحة وشفافة وتقدم سلسلة من الخيارات الاستثمارية المصممة وفقًا لمعايير واضحة. وهذه الخيارات ستكون ميسورة التكلفة، إذ سيكون هنالك قدر أقل من الروتين (الإجراءات البيروقراطية) والمزيد من القدرة على المقارنة والمزيد من المنافسة. أيضا ستتعزز جاذبية المعيار الأوروبي بتوحيد الحوافز الضريبية في مختلف البلدان.

ثانيا: عندما تصل المدخرات فعلًا إلى أسواق رأس المال لا تنتشر في أرجاء أوروبا. ذلك يحد من القدرة على تكوين تركّزات (أوعية) رأسمالية كبيرة لتمويل التقنيات التي تُحدِث تحولا. مثلًا أكثر من 60% من استثمارات العائلات في الأسهم تقتصر على بلدانها.

هذه الحواجز الوطنية تحافظ عليها مجموعة متشظية على نحو غير طبيعي من البنى التحتية للأسواق المالية. فالاتحاد الأوروبي لديه 295 مقرًا للتداول و14 طرفًا مقابلًا مركزيًا (وسيط بين المشترين والبائعين في المعاملات المالية) و32 هيئة إيداع مركزية للأوراق المالية. بالمقارنة، في الولايات المتحدة توجد هيئتان فقط لمقاصَّة الأوراق المالية وهيئة واحدة للإيداع المركزي للأوراق المالية.

يشكل خليط قوانين الشركات والضرائب والأوراق المالية في بلدان الاتحادي عائقا أمام توحيد أسواق المال. ويفاقم ذلك اشتراط السلطات الوطنية استخدام مراكز الإيداع الوطنية لمعاملات معينة. المقاربة التي تبنتها أوروبا للتغلب على هذه الحواجز هي التوحيد التدريجي لهذه الأسواق. لكن التقدم في ذلك بالغ البطء.

أوروبا بحاجة إلى تغيير في المنهج للتغلب على المصالح القائمة والراسخة. وذلك هو السبب في الدعوة التي وجهتُها في العام الماضي لتشكيل هيئة أوروبية للأوراق المالية والبورصات لفرض قواعد إجرائية مشتركة في أرجاء الاتحاد الأوروبي وذلك على نحو مماثل لما تفعله الهيئة الأمريكية النظيرة. لكن إلى جانب هذا الهدف هنالك خيارات تكميلية يمكن لأوروبا اتخاذها.

أحد هذه الخيارات ستكون مقاربة من مستويين مثل مقاربة أوروبا الموجودة سلفًا لفرض قواعد المنافسة والإشراف المصرفي. فمقدمو الخدمات المالية الذين يستوفون معايير محددة مثل الحجم أو النشاط العابر للحدود سيخضعون للإشراف الأوروبي. وستستمر السلطات الوطنية في الإشراف على اللاعبين الوطنيين الصغار.

هنالك خيار آخر وهو استخدام نظام إضافي على مستوى الاتحاد الأوروبي (نظام رقم 28) في المجالات التي تعثَّر فيها التقدم وذلك لكي يشكل إطارًا قانونيًا للاتحاد له إجراءاته الخاصة به ويعمل جنبا إلى جنب الأطر القانونية الوطنية للبلدان الأعضاء الـ27 في الاتحاد. مثلًا يمكننا أن نتصور نظاما أوروبيا ( ثامنا وعشرين) لمصدري الأوراق المالية يقدم قانونا موحَّدا للشركات والأوراق المالية على نطاق الاتحاد.

ثالثًا: عند تخصيص المدخرات بواسطة أسواق رأس المال لا تتجه هذه المدخرات إلى الشركات والقطاعات الابتكارية بسبب تخلف النظام البيئي لرأس المال المغامر في أوروبا. فاستثمار رأس المال المغامر يساوي فقط حوالي ثلث المستويات الأمريكية. أوروبا تعتمد إلى حد كبير على مستثمري المال المغامر الأمريكيين لتمويل الابتكار. وأكثر من 50% من استثمار المرحلة الأخيرة في مشروعات التقنية الأوروبية يأتي من الخارج.

على أوروبا أن تطمح إلى تحقيق المستويات الأمريكية لرأس المال المغامر. لكن ذلك لن يحدث بين ليلة وضحاها. في الأثناء يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى استخدام كل المرونة المتوافرة في نظامه المالي للمساعدة في سد الفجوة.

نظرًا إلى أن المستثمرين المؤسَّسيِّين لديهم استراتيجيات استثمارية طويلة الأجل يجب أن يسمح لهم النظام الإجرائي للاتحاد الأوروبي بقدر أكبر من المساهمة للنمو في الأجل الطويل. (يُقصَد بالمستثمرين المؤسسيين صناديق التقاعد وشركات التأمين والصناديق المشتركة وصناديق التحوط والأوقاف وصناديق الثروة السيادية. وهي تهدف إلى تأمين عائدات من استثماراتها على مدى فترة زمنية طويلة لتمويل التزاماتها - المترجم).

مثلًا تخصص صناديق التقاعد في الاتحاد0.01% فقط من إجمالي أصولها لتمويل رأس المال المغامر. وهذا جزء ضئيل مما تستثمره نظيراتها الأمريكية في رأس المال المغامر بالولايات المتحدة.

على الاتحاد الأوروبي أيضًا الاستفادة الكاملة من إمكانيات بنك الاستثمار الأوروبي لتقسيم أو توزيع المخاطر وجذب رأس المال الخاص لتمويل رأس المال المغامر الأوروبي. وعليه استكشاف كيفية دعم الابتكار ليس فقط عبر رأس المال المساهم ولكن من خلال الاستدانة أيضا. ويمكن لتطوير «التوريق» في أوروبا أن يسمح للبنوك بإيجاد مساحة في ميزانياتها العمومية للعب دور أكبر في تمويل الابتكار.

التقدم في هذه المجالات الثلاثة سيعزز نفسه بنفسه. فوجود المزيد من الشركات التي تحقق مستويات عالية من النمو يعني تقييمات أعلى (لأسهمها) وسيولة أكبر في أسواق الاتحاد الأوروبي وعائدات أعلى للمدخرين. لكن ذلك سيتطلب تحولا في المقاربة من اتخاذ عدد كبير من الخطوات الصغيرة إلى اتخاذ عدد قليل من الخطوات الكبيرة واختيار الخطوات الأكثر جدوى والأقوى تأثيرا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی أسواق رأس المال

إقرأ أيضاً:

غزة تدفع أوروبا لخصام تاريخي مع إسرائيل

تصاعدت المواقف الأوروبية المستنكرة لحرب الإبادة والتجويع التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة، وهذا يجعلها في مواجهة مع أحد أكبر حلفائها الدوليين.

ففي حين اتخذت بريطانيا إجراءات عقابية ملموسة ضد إسرائيل وهددت فرنسا ودول أوروبية عديدة باتخاذ إجراءات مشابهة إذا لم توقف جرائم الإبادة والتجويع في غزة، وصف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إسرائيل بدولة الإبادة.

ودعت إسبانيا في بيان مشترك مع 6 دول أوروبية أخرى للوقف الفوري لحربها في غزة وإنهاء حصار وتجويع سكانها متوعدين بأنهم لن يقفوا صامتين أمام المجازر المستمرة.

وبدأ وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، أول أمس الثلاثاء، مناقشة دعوات قدمتها بعض الدول الأعضاء لاتخاذ قرار تاريخي بتعليق اتفاقية الشراكة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي.

فهل سيتمكن الأوروبيون من اتخاذ قرار كبير بهذا الحجم؟ أم أن بيروقراطية الاتحاد التي تفرض الإجماع في القرارات ستحول دون ذلك؟ وماذا يعني تعليق اتفاقية الشراكة بين الطرفين؟ وكيف يمكن أن تتضرر إسرائيل بذلك؟

استدعت الخارجية البريطانية السفيرة الإسرائيلية في لندن احتجاجا على توسيع العمليات في غزة (رويترز) مقترح هولندي وتحركات أوروبية

تولى وزير الخارجية الهولندي، كاسبار فيلدكامب، في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، تقديم مقترح تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، ويحظى المقترح أيضا -حسب تقرير لموقع يورو نيوزـ بدعم ما يزيد على 10 دول في الاتحاد الأوروبي، من بينها فرنسا وإسبانيا وأيرلندا وهولندا وفنلندا والبرتغال وسلوفينيا والسويد.

إعلان

وبالتزامن مع انعقاد الاجتماع الأوروبي، أعلنت بريطانيا عن إجراءات ضد إسرائيل، شملت عقوبات ضد مستوطنين، وتعليق بيع أسلحة ومفاوضات للتجارة الحرة، كما استدعت الخارجية البريطانية السفيرة الإسرائيلية تسيبي هوتوفيلي احتجاجا على توسيع العمليات العسكرية ومنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة.

وذكرت صحيفة الغارديان أن لجنة الأعمال في البرلمان البريطاني استدعت 3 وزراء معنيين بصادرات الأسلحة إلى إسرائيل، وقامت باستجوابهم بشأن مخاوف من إرسال أسلحة لاستخدامها في غزة. وتعهدت بريطانيا بتقديم مساعدات جديدة لغزة بأكثر من 5 ملايين دولار.

من جهتها، أكدت فرنسا على لسان المتحدث باسم الخارجية الفرنسية -في لقاء مع الجزيرة- أن الرئيس إيمانويل ماكرون أوضح أن "كل الخيارات مطروحة" للضغط على إسرائيل من أجل وقف الحرب وإدخال المساعدات.

وأضاف أن بلاده تراجع مجموعة من الخيارات ضد الحكومة الإسرائيلية بتنسيق أوروبي. كما ذكر أن باريس تفكّر في توسيع العقوبات على حكومة إسرائيل بسبب انتهاكاتها في غزة، واصفا توسيع العملية العسكرية الإسرائيلية في القطاع بأنه "أمر مروع وتصعيد مرفوض".

أما بلجيكا، فقد قال وزير خارجيتها، نائب رئيس الوزراء البلجيكي، مكسيم بريفو -في لقاء مع الجزيرة- إن 17 دولة أوروبية درست عقوبات على إسرائيل، وإن أغلب تلك الدول تدعم هذا المسار. وأكد أن بلاده تنظر في طريقة لمد جسر جوي يتيح إيصال المساعدات لقطاع غزة، مضيفا "يجب التحرك بأي ثمن لرفع الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة.. ليس مقبولا أن نرى مدنيين، نساء وأطفالا، بغزة يموتون من الجوع والعطش".

وقال الوزير بيرفو، قبيل الاجتماع الأوروبي، إنه سيقترح فرض عقوبات أوروبية على المستوطنين العنيفين وعلى القادة السياسيين والعسكريين من الجانبين، كما سيعلن دعم بلاده للمؤتمر الدولي المزمع تنظيمه الشهر المقبل في نيويورك للتحرك في اتجاه الاعتراف بفلسطين وحل الدولتين.

إعلان

اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل

تشكل اتفاقية الشراكة الإطار القانوني الرئيسي للعلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وتنص المادة الثانية من هذه الاتفاقية على أنه "تستند العلاقات بين الطرفين، وكذلك جميع أحكام الاتفاقية نفسها، إلى احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية، التي توجه سياستهما المحلية والدولية وتشكل عنصرا أساسيا في هذه الاتفاقية".

وحسب الباحثة البلجيكية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، ناتالي جان دوثي، في دراسة نشرتها في فبراير/شباط الماضي، فإنه نظرا للانتهاكات الخطيرة والمتكررة التي ترتكبها إسرائيل لهذه الاتفاقيات وللقانون الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإنه يتعين على الاتحاد الأوروبي تعليق اتفاقية الشراكة هذه حتى تحترم إسرائيل التزاماتها الدولية، لأنها تفتخر ببناء عملها الخارجي على أساس احترام حقوق الإنسان.

ويتخذ المجلس الأوروبي قرار التعليق على أساس اقتراح تعده المفوضية أو الممثل الأعلى للعلاقات الخارجية، ويجوز للمجلس أيضا أن يطلب من المفوضية تقديم مثل هذا الاقتراح، ولتعليق الاتفاق برمته لا بد من الإجماع في المجلس، لكن يجوز تعليق الأحكام التجارية للاتفاقية بأغلبية الدول الأعضاء.

يُذكر أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لإسرائيل، وبالتالي فإن قطع العلاقات التجارية معه سيشكل ضربة اقتصادية هائلة.

طلب الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل وهو في المنصب تعليق الحوار السياسي مع إسرائيل (الجزيرة) مناشدات سابقة متكررة

ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة طرحت مسألة تعليق اتفاقية الشراكة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي أكثر من مرة. ففي فبراير/شباط 2024، أرسلت أيرلندا وإسبانيا رسالة إلى المفوضية الأوروبية تطلب منها مراجعة مدى امتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب المادة 2 من اتفاقية الشراكة، ودعمت بلجيكا هذا الطلب، لكن المفوضية لم تستجب.

إعلان

وكان الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الوحيد الذي طلب من الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان أولوف سكوج إجراء تقييم لمدى امتثال إسرائيل للمادة الثانية من اتفاقية الشراكة، وبناء على هذا التقييم، دعا بوريل في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 الدول الأعضاء إلى تعليق الحوار السياسي مع إسرائيل وبما أن ذلك يتطلب إجماع الدول الأعضاء، فإنه ظل حبرا على ورق.

ونظرا للانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة والمنهجية للقانون الدولي، فقد دعا عدد متزايد من منظمات المجتمع المدني إلى تعليق اتفاقية الشراكة. ففي سبتمبر/أيلول 2024، أطلقت أكثر من 200 منظمة غير حكومية ونقابة عمالية أوروبية حملة لتعليق الاتفاق، وفي يناير/كانون الثاني 2025 حث أكثر من 250 برلمانيا من 17 دولة في الاتحاد الأوروبي المفوضية الأوروبية على مراجعة اتفاقية الشراكة.

وقالت مؤسسة المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن مراجعة امتثال إسرائيل للمادة الثانية من اتفاقية الشراكة ـكما طلبت أيرلندا وإسبانياـ ضرورية لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي، ويمكن أن تساعد في خلق مسار قابل للتطبيق لحل سياسي.

كما دعت نقابات عمالية فرنسية الاثنين الماضي في بيانات مشتركة الحكومة الفرنسية إلى دعم تعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في ظل الوضع الإنساني المأساوي في غزة والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان.

غسل عار دعم إسرائيل

وقد سبر تقرير لموقع كارنيغي الأوروبي للدراسات نشر في 15 مايو/أيار الجاري آراء بعض الباحثين الدوليين بشأن استمرار اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل على ضوء ما يُعلنه القادة الإسرائيليون بوضوح عن نيتهم ​​تهجير سكان غزة قسرا من القطاع، وهي سياسة تُعدّ بمثابة تطهير عرقي، وسأل التقرير الباحثين عن مدى انسجام ذلك مع حفاظ الاتحاد الأوروبي على التزاماته في مجال حقوق الإنسان.

إعلان

واعتبر منسق برنامج البحث في مركز الدراسات الشرقية، ماريك ماتوسياك، أن من يجادلون في مسؤولية إسرائيل عن جرائم الحرب المرتكبة في قطاع غزة يختارون تجاهل الواقع الذي لم يعد مخفيا حتى في إسرائيل نفسها، حيث يتحدث السياسيون الإسرائيليون بحرية عن تجويع سكان غزة وعن تطهير القطاع من سكانه، ويناقش الجنود الإسرائيليون علنا استهداف المدنيين وينشرون مقاطع فيديو تُظهر أنفسهم وهم يفجرون الجامعات والمستشفيات والمساجد.

لذلك -يضيف الباحث- فإن السؤال الذي يواجهه الاتحاد الأوروبي لا يتعلق بالحقائق، بل بالسياسة، فلن يكون تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل أمرا سهلا ولكنه ضروري لإظهار أن أفعال إسرائيل غير مقبولة، ولمنع الاتحاد الأوروبي -الذي طالما روّج لنفسه بأنه منارة لحقوق الإنسان- من أن يصبح موضع سخرية عالمية.

أما مديرة معهد الشؤون الدولية، ناتالي توتشي، فقالت "لا ينبغي للاتحاد الأوروبي تعليق اتفاقية الشراكة بينه وبين إسرائيل اليوم، بل كان يجب عليه فعل ذلك منذ زمن بعيد، على الأقل منذ أن أصبحت جرائم الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة موثقة بوضوح، حيث وجدت محكمة العدل الدولية ما يكفي من الأدلة للمضي قدما في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق قادة إسرائيليين.

أما الحجة التي تُسمع كثيرا، وهي أن تعليق اتفاقية الشراكة لن يردع إسرائيل عن مواصلة حرب الإبادة الجماعية في غزة، فهي داحضة، فعندما تبدأ إسرائيل بالشعور بثمن أفعالها قد تُدفع لتغيير مسارها، ومهما كان تأثير تعليق اتفاقية الشراكة إلا أنه خطوة في الاتجاه الصحيح. أما العكس، فيعني ببساطة الاستمرار في مسار التواطؤ مع جرائم إسرائيل، وهو ما يسلكه الاتحاد الأوروبي منذ سنوات طويلة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

إعلان

تهديد المصالح الأوروبية الجوهرية

وبدوره، يرى الباحث السياسي في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية هيو لوفات أن إسرائيل أصبحت القوة الرئيسية اليوم لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، فمن غزة إلى سوريا، تُقوّض تدخلاتها العسكرية المتوسعة وضمّها لأراضٍ أجنبية الحكومات الصديقة للغرب، وتُهدّد المصالح الأوروبية الجوهرية.

ويضيف لوفات أنه من خلال التعبير بوضوح عن هذا الخيار، يمكن للأوروبيين تعزيز موقف الكتلة الإسرائيلية المناهضة لنتنياهو، والتي تنتقد الحكومة لتحويلها البلاد إلى دولة منبوذة، مع دعم أولئك الإسرائيليين الذين يجادلون بصوت عالٍ بأن إنهاء الحرب في غزة والعودة إلى الدبلوماسية هو السبيل الوحيد لإنقاذ إسرائيل.

أما رئيسة وحدة أبحاث الدفاع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أميلي فيري، فتقول "سيُمثل إنهاء اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل قطيعة غير مسبوقة مع التقليد الأوروبي الراسخ في دعم دولة إسرائيل".

فطالما اعتبرت إسرائيل نفسها امتدادا لأوروبا في الشرق الأوسط، لأن الصهيونية وُلدت في أوروبا؛ ولأن النخبة السياسية والفكرية والعسكرية في البلاد غالبيتها من الأشكناز؛ ولأن شريحة كبيرة من سكان إسرائيل اليوم يحملون جواز سفر أوروبيا.

وبحسب فيري، فإن نقض هذه الاتفاقية سيؤكد أن ارتباط أوروبا بإسرائيل لا يُبرر غض الطرف عن المبادئ الأساسية للقانون الدولي، كما ستسمح هذه الخطوة للاتحاد الأوروبي بالرد على اتهامات الجمود وازدواجية المعايير، التي تحرص روسيا والصين وإيران على استغلالها. والأهم من ذلك، أنها ستتوافق مع فكرة أن أوروبا قادرة -بل ذلك واجبها- على تجسيد بديل ديمقراطي على الساحة العالمية.

مقالات مشابهة

  • الصين تندد برسوم الاتحاد الأوروبي وتطالب ببيئة تجارية عادلة وغير تمييزية
  • عضو بالبرلمان الأوروبي: أوروبا لم تقدم شيئاً لوقف المذبحة في غزة
  • غزة تدفع أوروبا لخصام تاريخي مع إسرائيل
  • توتنهام الإنجليزي يتوج بطلا للدوري الأوروبي
  • فرص التمويل والشراكات البحثية.. ورشة عمل متخصصة مع الاتحاد الأوروبي
  • جوارديولا عن رحيل نجم السيتي: لا يمكن تعويضه
  • «المنتج الإماراتي» تميّز وابتكار وشراكات عالمية
  • وزير المالية السوري: رفع العقوبات الأوروبية «قرار تاريخي»
  • وزير المالية الدكتور محمد يسر برنية لـ سانا: قرار الاتحاد الأوروبي رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا تاريخي، لأنه يسرّع جهود بناء شراكة وتعاون سوري أوروبي قائم على المصالح المشتركة
  • «الرقابة المالية» توافق على زيادة رأس المال البنك التجاري الدولي لـ33.77 مليار جنيه