تحذير: "الكربون الأسود" ملوث خارق للمناخ والغلاف الجوي
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
يشكل « الكربون الأسود » المنتشر بكثافة في هواء بلدان آسيوية كثيرة وفي المحيطات والمسبب بإذابة الأنهر الجليدية في جبال الهيمالايا والطبقة الجليدية في القطب الشمالي، « ملوثا خارقا » غير معروف بشكل كبير لكنه منتشر في كل مكان.
يقول كزافييه ماري، المتخصص في البيولوجيا الكيميائية ومدير الأبحاث في معهد الأبحاث المتعلقة بالتنمية (IRD) في بانكوك « إنه أقدم ملوث في العالم.
يتشكل « الكربون الأسود » الذي يساهم في تلويث الغلاف الجوي، خلال عمليات الاحتراق غير الكاملة للكتلة الحيوية (الخشب والنفايات الخضراء) أو الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز).
وقد تفاقمت انبعاثات هذا الملوث المنبعث من التدفئة المنزلية والطهي (43% من الانبعاثات العالمية)، والنقل (23%) والصناعة (11%)، عشر مرات منذ بداية الثورة الصناعية. وانخفضت بشكل طفيف منذ وصولها إلى ذروة في أوائل عام 2010.
يبقى « الكربون الأسود » في الغلاف الجوي اثني عشر يوما فقط، لكنه يؤثر بشكل كبير على صحة السكان المعرضين له، خصوصا في جنوب آسيا وإفريقيا.
يقول برتران بسانييه، المسؤول عن جودة الهواء في مركز « آي سي آي ام او دي » في كاتماندو النبالية ومعد أطروحة عن الهباء الجوي الكربوني، إن ها « جزيئات دقيقة يمكن أن تخترق الرئتين بعمق »، موضحا أن « الجزيئات الدقيقة مرتبطة عموما ببعض أنواع السرطان وأمراض القلب ».
في دراسة نشرت عام 2021، أثبتت باحثات في المعهد الوطني للصحة والبحوث الطبية في فرنسا، أن هذا الملوث يرتبط بزيادة خطر الإصابة بسرطان الرئة بنسبة 30%.
يساهم « الكربون الأسود » المضر بالصحة، بالاحترار أكثر مما يساهم به ثاني أكسيد الكربون بـ1500 مرة، بحسب التحالف المعني بالمناخ والهواء النقي للحد من ملوثات المناخ قصيرة العمر.
ويقول كزافييه ماري « إن لون الجسيم يشكل مؤشرا إلى مدى مساهمته في الاحترار. وبما أنه أسود، يمتص الضوء ويخزنه على شكل حرارة ».
يتكدس « الكربون الأسود » الذي تحمله الرياح، في أعلى الأنهر الجليدية في جبال الهيمالايا، وصولا إلى القطبين. بمجرد أن تغطى به، تخسر هذه الأسطح التي عادة ما تكون بيضاء قدرتها على عكس الإشعاع الشمسي.
في جبال الألب الفرنسية، يعمل « الكربون الأسود » مع الغبار المتأتي من الصحراء الكبرى، على تسريع ذوبان الثلوج. وقد أدى إلى تقليص فترة تساقط الثلوج بمقدار 17 يوما في المتوسط على مدى السنوات الأربعين الفائتة. ويساهم أيضا في التقدم باتجاه الوصول إلى ذروة المياه الذائبة في فصل الربيع، بحسب دراسة نشرت عام 2021 في مجلة « نيتشر كوميونيكيشن ».
تقول ماري دومون، رئيسة مركز دراسة الثلوج (سي ان ار اس/ميتيو فرانس) والمشاركة في إعداد الدراسة « إن كميات صغيرة من الكربون الأسود كافية لتحدث تأثيرا على لون الثلج وبالتالي على ذوبانه ».
وتشير إلى أن هذا الذوبان المبكر « يخل بتوازن النظم البيئية الجبلية الهشة »، ويؤثر أيضا على الزراعة وإنتاج الطاقة الكهرومائية.
ورغم ذلك، هناك « بارقة أمل »، إذ انخفضت انبعاثات الكربون الأسود في أوربا منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مما عوض قليلا تأثير الاحترار المناخي على ذوبان الغطاء الثلجي.
« الكربون الأسود » المنبعث خصوصا من السفن السياحية له « تأثير غير متناسب » على ذوبان الجليد البحري في المحيط المتجمد الشمالي، بحسب سيان بريور، مستشار « كلين أركتيك ألاينس » (CAA). يدعو هذا التجمع الذي يضم 23 منظمة غير حكومية إلى اعتماد قوانين ملزمة من أجل الحد بشكل كبير من انبعاثات « الكربون الأسود » من السفن التي تبحر في القطب الشمالي.
يلوث « الكربون الأسود » كل محيطات العالم. ويؤكد ماري أن الكمية التي تنبعث في المحيطات سنويا « أعلى بمرتين إلى عشر مرات من كميات البلاستيك التي ترمى فيها ».
ويوضح الباحث أن وجود « الكربون الأسود » بكميات هائلة يؤدي إلى تغيير « كفاءة مضخة الكربون البيولوجية »، وهي آلية تساهم في تخزين الكميات الكبيرة من ثاني أكسيد الكربون التي تمتصها المحيطات سنويا، على المدى الطويل.
ويدخل « الكربون الأسود » أيضا في السلسلة الغذائية، بدءا من العوالق الحيوانية وصولا إلى الثدييات. ويقول ماري « نجده أينما كان، حتى لدى الأطفال حديثي الولادة، لأنه يمر عبر المشيمة ».
كلمات دلالية بيئة تلوث كربونالمصدر: اليوم 24
إقرأ أيضاً:
محنةُ غزة... عيبٌ عربي
عبدالله بن سليمان العامري
عندما تقع محنة ما، ويدُب الخوف واليأس في الروح نستنجد بمن نظن أنهم أحياء. ونشعر في تلك اللحظة أن الحياة ستجري كالسيل في عروق الأمل. وسيسعفنا أكسجين الحياة من يصلنا بصلة الدين والدم. وسيظهر لنا من وراء ضباب اليأس لابسًا درع الإيمان بالله وسيف الحق والأخوة.
ويخيّلُ لنا أن من يصلنا بصلة الدين والدم سوف يملأ الروح من جديد عِزّةً وأملا، في لحظةٍ يُفترض ألا يخيبَ الظن فيه. فمن طبيعة البشر أن يتداعى الناس للنجدة عند المحن ما عدا محنة غزة فلا قريب ولا غريب منجد. محنة غزّة هي حرب الإبادة والجوع لأنها تحب الحياة والحق والحرية.
معركة الأسود والجواميس
أتابع أحيانا أفلاما وثائقية عن البرية والغابات، فرأيت في أحد تلك الأفلام جيشا من الأسود الضارية وهي تهجم على قطيع من الجواميس البرية الضخمة، وأمسكت بواحدٍ منها فعاد القطيع وهجم على الأسود لإنقاذ أخيهم ودارت معركة حامية قتل فيها أسد وأصيب البعض إصابات بالغة.
فكيف بالأخ إذا هاجمت قطط أخيه في الدم والدين، هل النار تخلف رمادا؟ وهل عرب اليوم لا يُشعلون نارًا ولا يعرفون" الخفارة" إذا استنجد بهم قريب، وهل سينسى عرب اليوم ولاءاتهم التي سبقت الزمن والمحن؟ وما أشبه اليوم بالبارحة.
أينسون "النكسة" ولاءات الخرطوم التي دوت في سماء العرب في شهر سبتمبر من نفس العام:
١ - لا صلح مع إسرائيل.
٣ - لا تفاوض مع إسرائيل.
أشعلت تلك اللاءات حينها وجدان الشعوب، وإن لم تحرق عدوًا فعلى الأقل حركت الدماء بعدما جمَدتْ في حرب الأيام الستة.
وظن البعض في محنة غزّة أن النار تُخلِّفْ نارًا عند الشدة وليس رمادًا، وأن قيود اتفاقية كامب ديفيد وأوسلو واتفاقية وادي عربة، وما بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية "انتفاضة الأقصى" ستُكسر، لأنها لا تمنع أخ من نجدة أخيه في محنته.. وما كُسرتْ.
الصندوق الأسود
بعد كل تلك المخرجات المؤلمة وكل تلك المآسي التي سبقت انتفاضة الأقصى، إذ بالرياح تجري بما لا تشتهي السفن مرةً أحرى وتنسف ما تبقى من آمال.
فقبل ٢٣ عاما، وبعد سنتين من انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠، وفي حفل بهيج باسم "القمة العربية" أكرمَ العرب شارون بجائزة من الصندوق الأسود "مبادرة السلام" مقابل الجرائم التي ارتكبها، ودُفِنت لاءات الخرطوم والآمال، ورفض شارون التكريم. فكتبت في ذاك الزمان مقالة في جريدة الوطن العمانية بعد رفض شارون للمبادرة، وختمتها بهذه الجملة: "مبادرة السلام العربية تحت أقدام شارون" وكان الأجدر أن أقول آنذاك "تحت أقدام اللاعبين الأساسيين بقضية فلسطين، زعماء الاحتلال وأمريكا وبريطانيا وفرنسا ومن يلعب في ملاعبهم".
ومقالةٌ أخرى ختمتها بسبع لاءات، ليس رجمًا بالغيب، وإنما هي خلاصة ما يمكن قراءته من الحفل وما سبقه من اتفاقيات وأحداث وهزائم، فالكتاب يقرأ من عنوانه، ولا تزال الخفايا في الصندوق الأسود، وخلاصة لاءات التكريم هي:
١ - لا للحرب.
٢- لا لقطع العلاقات.
٣- لا تطوع ولا جهاد.
٤- لا لفتح الحدود.
٥ - لا لسلاح النفط.
٦- لا لسلاح الاستثمارات والأرصدة في الولايات المتحدة.
٧ - لا تسليح للفلسطينيين
وها هي حرب الإبادة في غزة قد قاربت على السنتين، ولاءات العرب لا تسمع أنات أهل غزة المجوعون ولا ترى الإبادة. فمن سيأتي بالنجدة ومن أين؟ لقد كشف طوفان الأقصى ومحنة غزة حقيقة اتفاقيات السلام المُذلة ولاءاتها المخزية.
محنة غزة وسباق المجوعين
محنة أهل غزّة هي الصمود أمام أهداف الإبادة والموت ليس لأجل غزة، بل لأجل فلسطين، وحفظ الدين، وتطهير الأقصى من الدنس والمدنسين.
يتسابقون إلى ميدان الموت من شدّة الجوع، وهم في الأنفاس الأخيرة، لجلب طعام إن وجد، والموت أقرب إليهم مسافةً من ميدان الموت.
يتسابقون لجلب طعام وقد ذاب شحم المجوعين، وأُكلَ اللحم، والتصقَ الجلدُ بالعظم، فالحي فيهم هيكل عظم في انتظار الشهادة، ويموت المتسابقون وتموت الهياكل، نراهم يتدافعون، أطفال وصغار وشيوخ ونساء، يمدون أوعيتهم لغرفة من عدس أو طحين، والوعاء مملوء ألم وحزن، وعذاب، وخوف من سقوط القذائف والقنابل على رؤوسهم.
يتسابق المسعفون لإسعاف ضحايا الإبادة، فماتوا ومات المصابون، استُنفِرَ الأطباء لإنقاذ من هم في الرمق الأخير، فمات الأطباء ومات من هم في الرمق الأخير. ونفذت الأدوية والأكسجين، فمات المرضى المنتظرون، مات المنجدون ومات المنتظرون.
الطريق مغلق
غزة العزَّة تُقتلْ بالقنابل والتجويع والحصار المجنون، جريمة دولية لا تغتفر.
غزة مشروع موت بأحدث الأساليب وأسلحة المجرمين الفتاكة، وبأحجام وكميات ليس لها مثيل، ومبادرة سلام.
غزة قصة الأخ الشريك في قتلها، والقريب المتفرج على سلب روحها، والعدو الشامت من محنتها.
غزّة قصة كل المحاولات لقتلها، لتموت وتموت فلسطين. غزّة لن تموت، غزّة تحب الحياة والحق. غزة تقاتل بـ"لا إله إلا الله" وبأوعية الطعام وبارود الأنفاق لتنتصر، ولتبقى لأهلها الصامدين، ولتبقى فلسطين أرض أولى القبلتين.
غزة قالت: الطريق مغلق أمام بقاء المحتل، فغزة ابنة التاريخ العربي القديم وابنة الحق.
غزّة كشفت جريمة العصر المشتركة، وما في الصندوق الأسود، وأسرار وألاعيب الأنظمة العربية في القضية الفلسطينية، غزّة كشفت أن النصر الذي يناضل من أجله الفلسطينيون آتٍ بإذن الله.