محنةُ غزة... عيبٌ عربي
تاريخ النشر: 28th, July 2025 GMT
عبدالله بن سليمان العامري
عندما تقع محنة ما، ويدُب الخوف واليأس في الروح نستنجد بمن نظن أنهم أحياء. ونشعر في تلك اللحظة أن الحياة ستجري كالسيل في عروق الأمل. وسيسعفنا أكسجين الحياة من يصلنا بصلة الدين والدم. وسيظهر لنا من وراء ضباب اليأس لابسًا درع الإيمان بالله وسيف الحق والأخوة.
ويخيّلُ لنا أن من يصلنا بصلة الدين والدم سوف يملأ الروح من جديد عِزّةً وأملا، في لحظةٍ يُفترض ألا يخيبَ الظن فيه.
معركة الأسود والجواميس
أتابع أحيانا أفلاما وثائقية عن البرية والغابات، فرأيت في أحد تلك الأفلام جيشا من الأسود الضارية وهي تهجم على قطيع من الجواميس البرية الضخمة، وأمسكت بواحدٍ منها فعاد القطيع وهجم على الأسود لإنقاذ أخيهم ودارت معركة حامية قتل فيها أسد وأصيب البعض إصابات بالغة.
فكيف بالأخ إذا هاجمت قطط أخيه في الدم والدين، هل النار تخلف رمادا؟ وهل عرب اليوم لا يُشعلون نارًا ولا يعرفون" الخفارة" إذا استنجد بهم قريب، وهل سينسى عرب اليوم ولاءاتهم التي سبقت الزمن والمحن؟ وما أشبه اليوم بالبارحة.
أينسون "النكسة" ولاءات الخرطوم التي دوت في سماء العرب في شهر سبتمبر من نفس العام:
١ - لا صلح مع إسرائيل.
٣ - لا تفاوض مع إسرائيل.
أشعلت تلك اللاءات حينها وجدان الشعوب، وإن لم تحرق عدوًا فعلى الأقل حركت الدماء بعدما جمَدتْ في حرب الأيام الستة.
وظن البعض في محنة غزّة أن النار تُخلِّفْ نارًا عند الشدة وليس رمادًا، وأن قيود اتفاقية كامب ديفيد وأوسلو واتفاقية وادي عربة، وما بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية "انتفاضة الأقصى" ستُكسر، لأنها لا تمنع أخ من نجدة أخيه في محنته.. وما كُسرتْ.
الصندوق الأسود
بعد كل تلك المخرجات المؤلمة وكل تلك المآسي التي سبقت انتفاضة الأقصى، إذ بالرياح تجري بما لا تشتهي السفن مرةً أحرى وتنسف ما تبقى من آمال.
فقبل ٢٣ عاما، وبعد سنتين من انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠، وفي حفل بهيج باسم "القمة العربية" أكرمَ العرب شارون بجائزة من الصندوق الأسود "مبادرة السلام" مقابل الجرائم التي ارتكبها، ودُفِنت لاءات الخرطوم والآمال، ورفض شارون التكريم. فكتبت في ذاك الزمان مقالة في جريدة الوطن العمانية بعد رفض شارون للمبادرة، وختمتها بهذه الجملة: "مبادرة السلام العربية تحت أقدام شارون" وكان الأجدر أن أقول آنذاك "تحت أقدام اللاعبين الأساسيين بقضية فلسطين، زعماء الاحتلال وأمريكا وبريطانيا وفرنسا ومن يلعب في ملاعبهم".
ومقالةٌ أخرى ختمتها بسبع لاءات، ليس رجمًا بالغيب، وإنما هي خلاصة ما يمكن قراءته من الحفل وما سبقه من اتفاقيات وأحداث وهزائم، فالكتاب يقرأ من عنوانه، ولا تزال الخفايا في الصندوق الأسود، وخلاصة لاءات التكريم هي:
١ - لا للحرب.
٢- لا لقطع العلاقات.
٣- لا تطوع ولا جهاد.
٤- لا لفتح الحدود.
٥ - لا لسلاح النفط.
٦- لا لسلاح الاستثمارات والأرصدة في الولايات المتحدة.
٧ - لا تسليح للفلسطينيين
وها هي حرب الإبادة في غزة قد قاربت على السنتين، ولاءات العرب لا تسمع أنات أهل غزة المجوعون ولا ترى الإبادة. فمن سيأتي بالنجدة ومن أين؟ لقد كشف طوفان الأقصى ومحنة غزة حقيقة اتفاقيات السلام المُذلة ولاءاتها المخزية.
محنة غزة وسباق المجوعين
محنة أهل غزّة هي الصمود أمام أهداف الإبادة والموت ليس لأجل غزة، بل لأجل فلسطين، وحفظ الدين، وتطهير الأقصى من الدنس والمدنسين.
يتسابقون إلى ميدان الموت من شدّة الجوع، وهم في الأنفاس الأخيرة، لجلب طعام إن وجد، والموت أقرب إليهم مسافةً من ميدان الموت.
يتسابقون لجلب طعام وقد ذاب شحم المجوعين، وأُكلَ اللحم، والتصقَ الجلدُ بالعظم، فالحي فيهم هيكل عظم في انتظار الشهادة، ويموت المتسابقون وتموت الهياكل، نراهم يتدافعون، أطفال وصغار وشيوخ ونساء، يمدون أوعيتهم لغرفة من عدس أو طحين، والوعاء مملوء ألم وحزن، وعذاب، وخوف من سقوط القذائف والقنابل على رؤوسهم.
يتسابق المسعفون لإسعاف ضحايا الإبادة، فماتوا ومات المصابون، استُنفِرَ الأطباء لإنقاذ من هم في الرمق الأخير، فمات الأطباء ومات من هم في الرمق الأخير. ونفذت الأدوية والأكسجين، فمات المرضى المنتظرون، مات المنجدون ومات المنتظرون.
الطريق مغلق
غزة العزَّة تُقتلْ بالقنابل والتجويع والحصار المجنون، جريمة دولية لا تغتفر.
غزة مشروع موت بأحدث الأساليب وأسلحة المجرمين الفتاكة، وبأحجام وكميات ليس لها مثيل، ومبادرة سلام.
غزة قصة الأخ الشريك في قتلها، والقريب المتفرج على سلب روحها، والعدو الشامت من محنتها.
غزّة قصة كل المحاولات لقتلها، لتموت وتموت فلسطين. غزّة لن تموت، غزّة تحب الحياة والحق. غزة تقاتل بـ"لا إله إلا الله" وبأوعية الطعام وبارود الأنفاق لتنتصر، ولتبقى لأهلها الصامدين، ولتبقى فلسطين أرض أولى القبلتين.
غزة قالت: الطريق مغلق أمام بقاء المحتل، فغزة ابنة التاريخ العربي القديم وابنة الحق.
غزّة كشفت جريمة العصر المشتركة، وما في الصندوق الأسود، وأسرار وألاعيب الأنظمة العربية في القضية الفلسطينية، غزّة كشفت أن النصر الذي يناضل من أجله الفلسطينيون آتٍ بإذن الله.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الصندوق الأسود
إقرأ أيضاً:
علماء فلك يرصدون هبات رياح غير مسبوقة من ثقب أسود في مجرة بعيدة
للمرة الأولى، رصد علماء الفلك رياحا فائقة السرعة تنبعث من ثقب أسود في مجرة بعيدة، ما يسلط ضوءا جديدا على إحدى أكثر الظواهر الكونية غموضا.
في مجرة بعيدة جدا، يُثير ثقب أسود رياحا قوية إلى حدّ يعجز عقل البشر على الأرض عن تصور مداها. وللمرة الأولى، تمكن فريق عالمي من علماء الفلك من رصد هذه الظاهرة مباشرة.
يقع هذا الثقب الأسود العملاق، الذي يعادل كتلة 30 مليون شمس في مجرتنا، داخل المجرة الحلزونية NGC 3783 على بُعد نحو 130 مليون سنة ضوئية من الأرض.
وباستخدام اثنين من أبرز تلسكوبات الأشعة السينية الفضائية، رصد علماء الفلك الثقب الأسود وهو يلتهم كل ما حوله ليغذي منطقة شديدة السطوع والنشاط في مركز المجرة، المعروفة باسم "النواة المجرية النشطة" (AGN).
وأثناء ابتلاعه هذه المادة، أطلق الثقب الأسود توهجا ساطعا وعابرا من الأشعة السينية سرعان ما أعقبته رياح فائقة السرعة، بلغت سرعة بعضها قرابة 60.000 كيلومتر في الثانية، أي 20 في المئة من سرعة الضوء.
"لم نرَ من قبل ثقبا أسود يكوّن رياحا بهذه السرعة"، قال ليي غوه من "منظمة أبحاث الفضاء الهولندية" (SRON) في بيان.
"للمرة الأولى، رأينا كيف يؤدي اندفاع سريع لضوء الأشعة السينية من ثقب أسود إلى إطلاق رياح فائقة السرعة على الفور، وتتكوّن هذه الرياح خلال يوم واحد"، أضاف غوه، الذي قاد فريق الباحثين.
نُشرت أبحاث الفريق هذا الأسبوع في المجلة الدولية "Astronomy & Astrophysics."
لدراسة هذه الظاهرة، وهي من أكثر الظواهر استعصاء في الكون، استخدم غوه وزملاؤه اثنين من التلسكوبات القوية: XMM-Newton التابع لوكالة الفضاء الأوروبية (ESA) و"مهمة تصوير الأشعة السينية والتحليل الطيفي" (XRISM).
تتبع XMM-Newton تطور التوهج الأولي وقيّم مدى هذه الرياح، بينما رصد XRISM التوهج والرياح ودرس سرعتهما وبنيتهما.
"ينبع اكتشافهم من تعاون ناجح، وهو جزء أساسي من جميع بعثات وكالة الفضاء الأوروبية"، قال إريك كولكرس، عالم في مشروع XMM-Newton لدى ESA، في بيان.
ويرى مؤلفو الدراسة أن هذه الرياح نشأت عندما "انفك" التواء الحقل المغناطيسي المتشابك للثقب الأسود. وقالوا إن هذه العملية تشبه الانفجارات الشمسية الكبيرة في مجرتنا، المعروفة باسم "الانبعاثات الكتلية الإكليلية".
وهي "شبيهة بالتوهجات التي تنفجر من الشمس، لكنها على نطاق يكاد يتجاوز الخيال"، قال ماتيو غوايناتزي، المؤلف المشارك في الدراسة وعالم في مشروع XRISM لدى ESA.
تبعث هذه التشابهات على الاطمئنان، كما يقول الباحثون، إذ تُظهر أن الثقوب السوداء الهائلة قد تتصرف أحيانا مثل نجمنا المحلي، ما يبدد بعض الغموض المحيط بهذه الأجسام.
وقد سجّل العلماء انبعاثات كتلية إكليلية من شمسنا مؤخرا في 11 نوفمبر، بسرعات رياح بلغت 1.500 كيلومتر في الثانية.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة