بقلم الخبير المهندس حيدر عبدالجبار البطاط ..

منذ فجر التاريخ شكلت الكهانة والديانات القديمة دعامة أساسية للسلطات الحاكمة حيث قامت علاقة تبادلية بين الطرفين استفاد فيها كل طرف من الآخر.
الكهانة قدمت الدعم الروحي والمبرر الديني لسلطة الحكام بينما وفرت السلطة الحاكمة الرفاهية والدعم المالي للكهانة مما أدى إلى تكريس نظم قائمة على الظلم وغياب العدالة واستغلال الشعوب عبر مزيج من الخوف الروحي والخضوع الجسدي.

الدين كأداة للسيطرة

اعتمدت الكهانة على الدين كأداة لترويض العقول والتحكم بالمجتمعات عبر ترسيخ فكرة العقاب الإلهي والخوف من المجهول.
هذا التلاعب بالعواطف الروحية دفع الشعوب للقبول بالواقع مهما كان ظالماً خشية غضب الآلهة أو الكهنة الذين اعتبروا وسطاء بين العالمين.
وفي المقابل دعمت السلطة هذا الدور مستفيدة من قدرة الكهانة على تهدئة المجتمعات المضطربة وضمان استقرار الحكم.

السلطة راعية الكهانة

لعبت السلطة دور الممول الأساسي للكهانة والديانات القديمة.
فالمعابد لم تكن مجرد أماكن عبادة بل كانت مراكز اقتصادية وسياسية مهمة تمولها الضرائب والأوقاف وتمنحها السلطة امتيازات خاصة.
في المقابل وفرت الكهانة غطاءً روحياً لتصرفات الحكام وصوّرتهم كأصحاب حق إلهي في الحكم.

النتائج الاجتماعية والسياسية

هذا التحالف أدى إلى غياب العدالة الاجتماعية وانتشار الفقر والظلم.
فالضرائب المفروضة على الرعية لم تكن تذهب لتحسين حياتهم بل كانت تصرف على رفاهية الكهنة وقصور الملوك.

أصبح المجتمع منقسماً بين نخبة تستأثر بالثروات والسلطة وعامة مسحوقة بالخوف الروحي والقهر المادي.

سيطرة مزدوجة العقل والجسد

كان الخوف هو السلاح المشترك بين الكهانة والسلطة. الكهانة سيطرت على العقول باستخدام الدين كأداة لإثارة الرهبة بينما استبدّت السلطة بالجسد باستخدام القوة والقوانين القمعية.
بهذا الشكل وقع الإنسان بين سندان الدين الذي يهيمن على روحه ومطرقة السلطة التي تستنزف جسده.

رؤية معاصرة بقايا التحالف وأثره اليوم

على الرغم من التطور الذي شهده العالم في مجال حقوق الإنسان وفصل السلطات إلا أن العلاقة بين الدين والسياسة لا تزال قائمة بأشكال مختلفة.
في بعض الدول تُستخدم المؤسسات الدينية كأداة لإضفاء الشرعية على القرارات السياسية مما يعيد إنتاج التحالف القديم بين الكهانة والسلطة

الإعلام كبديل حديث للكهانة
في السياق الحديث قد تكون الكهانة التقليدية قد تراجعت لكنها استُبدلت بأدوات أخرى مثل الإعلام الموجّه الذي أصبح وسيلة حديثة لتشكيل العقول وصناعة الخوف الجماعي.
وكما كان الكهنة سابقاً يوظفون النصوص الدينية يُستخدم الإعلام اليوم لترويج سرديات تدعم السلطات الحاكمة

الدروس المستفادة

إن التاريخ يحمل بين طياته دروساً مهمة حول خطورة تحالف الدين مع السلطة.
فقد أظهرت هذه العلاقة كيف يمكن استغلال القيم الروحية لتحويلها إلى أداة هيمنة واستغلال.
الإصلاحات التي شهدتها بعض الحضارات لاحقاً حاولت الفصل بين الدين والسياسة لضمان العدالة ولكن هذا التحدي لا يزال قائماً في بعض المجتمعات.

إن فهم العلاقة بين الكهانة والسلطة في الديانات القديمة يفتح آفاقاً لفهم أعمق لطبيعة الاستبداد وكيفية مقاومته.
لا بد من العمل على بناء نظم اجتماعية عادلة تفصل بين الجانب الروحي والسلطة السياسية وتعيد للإنسان كرامته بعيداً عن الاستغلال والخوف.

حيدر عبد الجبار البطاط

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

قانون الإيجارات القديمة.. إخلاء الوحدات فور تحقق هذه الحالات دون محاكم

فى ظل الترقب الشعبي والجدل القانوني، تقترب ساعة الحسم بالنسبة لملاك ومستأجري الوحدات القديمة، لقانون الإيجارات القديمة، الذي أقرّه مجلس النواب نهائيًا في 2 يوليو الجاري. ويتساءل الجميع: متى يُنشر القانون في الجريدة الرسمية ويُصبح نافذًا؟   القانون الجديد لا يقتصر فقط على تحديد مدد انتهاء عقود الإيجار، بل يتضمّن ضوابط صارمة لحالات الإخلاء الفوري، والتي تمنح المالك حق استرداد وحدته فورًا دون الحاجة للجوء إلى دعوى قضائية مطولة، في حال تحقق شروط محددة نصّ عليها المشرّع بوضوح.   أبرز الحالات التي تتيح الإخلاء الفوري:   1. انتهاء المدة القانونية   يلتزم المستأجر – أو من امتد إليه العقد – بإخلاء الوحدة السكنية أو غير السكنية فور انتهاء المدة المحددة بالقانون (7 سنوات للسكن – 5 سنوات لغير السكن)، ما لم يتم التراضي بين الطرفين على خلاف ذلك.   2. إغلاق الوحدة أكثر من عام دون مبرر   إذا ثبت أن المستأجر أو من امتد إليه العقد قد ترك الوحدة مغلقة لمدة تزيد عن 12 شهرًا دون سبب مشروع أو مبرر قانوني، يحق للمالك استصدار أمر طرد مباشر.   3. امتلاك وحدة بديلة صالحة للاستخدام   في حال ثبوت امتلاك المستأجر (أو من امتد إليه العقد) لوحدة أخرى صالحة لنفس الغرض، سواء سكني أو تجاري، يجوز للمالك التقدّم بطلب طرد فوري أمام قاضي الأمور الوقتية.   ما الذي يتيحه القانون للمالك في هذه الحالات؟   * التقدّم بطلب إلى قاضي الأمور الوقتية لإصدار أمر بالطرد المباشر.   * المطالبة بتعويض عن الأضرار الناتجة عن الاستمرار غير القانوني في شغل الوحدة.   ويؤكد النص التشريعي أن إصدار أمر الطرد لا يُسقط حق المالك في التعويض، ما يعزز مبدأ حماية حقوق الطرفين في إطار قانوني منضبط ومتوازن.

مقالات مشابهة

  • رفع عدادات الكهرباء القديمة من الشقق في 10 حالات.. هل أنت منهم؟
  • قانون الإيجارات القديمة.. إخلاء الوحدات فور تحقق هذه الحالات دون محاكم
  • الخارجية الأمريكية تفرض عقوبات على مسؤولين في السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير
  • شفيونتيك تفرض «الهيمنة الكاملة» في «مونتريال»
  • أمين الإفتاء: 3 سور هي أنفع ما نقوله في التحصين الروحي من السحر
  • المنتخب المغربي في "شان" 2025: بين جرأة التغييرات ورهان استعادة الهيمنة القارية
  • شاهد بالفيديو.. الأب الروحي للمطربات السودانيات “عزيز كوشي” يصل السودان ويحتفل بإجازة “شهر العسل” من العاصمة الخرطوم
  • أستاذ علوم سياسية: إسرائيل تستخدم التجويع في غزة كأداة ضغط سياسي
  • عاصم الجزار: الجبهة الوطنية حزب شعبوي.. ونستهدف التأثير لا الهيمنة
  • الخارجية الفلسطينية: إسرائيل تستخدم التجويع كأداة للضغط بهدف التهجير القسري