بين دهاليز المعاناة والهجرة القسرية من وطن غارق في الألم إلى محافل العلم والإنجاز في أسكتلندا يقف الباحث السوري رواد قاق كقصة نجاح تستحق أن تروى.

لم تثنه ويلات الحرب عن متابعة حلمه العلمي، فاختار أن يضع علمه في خدمة الإنسانية متخصصا في مجال طب الأسنان الشرعي، ليساعد في حل إحدى أعقد الأزمات الإنسانية، وهي تحديد هوية المفقودين.

وفي هذا الحوار يكشف لنا قاق عن رحلته الطويلة من إدلب إلى جامعة دندي، وعن إنجازاته وأبحاثه التي تلامس الجراح الإنسانية، آملا أن يسهم علمه في بلسمة آلام الماضي ورسم مستقبل أكثر عدالة وإشراقا لسوريا وللمنطقة، فإلى نص الحوار..

بداية، هل ما حدث في سوريا يدعو للتهنئة أم للقلق والخوف على مستقبلها؟

بدون تردد، طبعا يدعو للتهنئة، فيكفي ما تابعناه خلال الأيام الماضية في ملف المعتقلين والمفقودين وما يتضمنه من قصص تدمي القلوب، ليكشف حكم المعاناة التي كنا نعيشها، والحمد لله كنت قد استشرفت هذا الوضع مبكرا، وأنجزت أبحاثا من مجال طب الأسنان الشرعي، والتي خرجت من خلالها بنتائج ربما تكون مفيدة في ملف تحديد هوية بعض الجثث التي فقدت ملامحها تماما.

لكن ما يتمناه كل سوري هو أنه بعد انتهاء سكرة الفرحة بزوال نظام بشار الأسد هو أن نحسن استغلال الحرية التي لم نعشها طوال سنوات القهر والاستبداد، والتي كان من تبعاتها أن حرمت من بلدي وأهلي طوال الـ10 سنوات الماضية.

الباحث السوري رواد قاق أمام ملصق يتضمن ملخصا لبحثة الرائد في تحديد جنس الجثث مجهولة الهوية من قياسات الجمجمة (رواد قاق) من إدلب إلى أسكتلندا قرأت على موقع جامعة دندي بأسكتلندا أنك حططت رحالك هناك بعد رحلة طويلة من المعاناة، فما هي أبرز محطات تلك الرحلة؟

بعد تخرجي في تخصص طب الأسنان كان علي الانضمام إلى الخدمة العسكرية الإلزامية، وكان أمامي خياران: إما الانضمام لجيش النظام وقمع شعبي أو الفرار، فاخترت الفرار، لأن حلمي كان إكمال دراستي العليا، وبدأت رحلتي بالانتقال إلى لبنان، ثم حاولت السفر إلى الولايات المتحدة، لكن الأبواب كانت مغلقة أمام السوريين، فانتقلت إلى تركيا لفترة قصيرة، ثم قررت الهجرة إلى أوروبا في عام 2015.

إعلان

كانت رحلتي مليئة بالتحديات، حيث بدأت بالقارب وصولا إلى اليونان، ثم عبرت دولا عدة مثل صربيا، مقدونيا، والنمسا حتى وصلت إلى ألمانيا، وهناك واجهت صعوبات في الاعتراف بشهاداتي والعمل بمجالي، وفي نهاية المطاف حصلت على منحة إنسانية للماجستير في جامعة دندي بأسكتلندا، حيث اخترت تخصص طب الأسنان الشرعي.

ولماذا اخترت هذا المجال تحديدا؟

اخترت طب الأسنان الشرعي لأنني استشرفت ما قد يحدث في سوريا بعد سقوط النظام، فهناك حاجة ملحة لتحديد هوية المفقودين الذين تحللت جثثهم، وأردت أن أساهم بطريقة فعالة وعلمية في حل هذه المشكلة، ليس فقط في سوريا، بل في كل البلاد التي تعاني من النزاعات.

وماذا حققت من إنجازات في هذا التخصص؟

بعد حصولي على الماجستير دعمتني جامعة دندي بمنحة لدراسة الدكتوراه ضمن "صندوق أبحاث التحديات العالمية"، وكان مشروعي البحثي يركز على استخدام الأسنان لتحديد هوية المفقودين في مناطق الصراع، كما حصلت على جائزة "هيرالد هاير إديكيشن أوارد" عن بحث يتعلق بتحديد الجنس باستخدام قياسات الجمجمة، وأنجزت دراسة في تحديد الأعراق البشرية من الأسنان، يعني أستطيع تحديد هوية الجثة من الأسنان، إن كانت من الأفريقيين أو الأوروبيين أو الأعراق الأخرى.

الباحث السوري رواد قاق داخل المشرحة حاملا أداة تستخدم في تشريح الأسنان (رواد قاق) دوافع شخصية ملهمة أشعر أن هناك قصة شخصية خلف اختيار هذا التوجه

لا أخفيك سرا، فقد غادرت سوريا بجسدي، ولم أغادرها بعقلي وقلبي، وكنت دائما أفكر في مصير القابعين خلف أسوار السجون، ومنهم أحد الجيران في مدينتي إدلب، ففكرت في أن هذا التخصص يمكن أن يكون مفيدا لبلدي ولكل البلاد العربية التي لا تزال عاجزة عن حسم ملف المفقودين في الحروب والنزاعات.

شغفك بالتخصص يبدو جليا في لهجتك، لكنه يبدو لي تخصصا غير مربح مثل مجال تركيبات الأسنان وغيرها من التخصصات التجارية التي قد تحتاج لها كلاجئ يقيم بالخارج، فلماذا حصرت نفسك في هذا الاتجاه؟

كما قلت لك سابقا: سوريا لم تغادر قلبي وعقلي، وكنت أبحث عن تخصص يتلامس مع واقع بلدي ويقدم حلولا للمشكلات، ومنها مشكلة تحديد هوية المفقودين، وبالمناسبة هذه مشكلة تعاني منها دولة العراق التي لم تنجح بحسب تقرير للجنة الدولية للمفقودين في هذه المهمة، وهناك مليون شخص مفقودون خلال فترات العنف السابقة هناك، ولا تزال المقابر الجماعية مليئة بالجثث غير المعلومة هويتها، ومن المرجح أن تتجاوز سوريا هذا الرقم.

إعلان المقارنة بالحمض النووي ولماذا لا يحل الحمض النووي (دي إن إيه) المشكلة، وهو طريقة قديمة ومجربة؟

قمت بإجراء تقييم لكل التجارب السابقة التي تم خلالها مضاهاة الحمض النووي للجثث المشوهة مع أقارب الباحثين عن ذويهم من المفقودين، فوجدت أن هذه الطريقة وإن كانت قد حققت بعض النجاح في بعض الدول إلا أن نجاحها لم يكن كاملا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تنفيذها مكلف للغاية وغير عملي في واقعنا العربي.

فالبوسنة -وهي من الدول التي حققت بعض النجاح في تحديد هوية بعض الجثث مجهولة الهوية بعد انقضاء حملة التطهير العرقي- استطاعت تحقيق ذلك بعد تلقي دعم تقني ومادي من أوروبا، إضافة إلى أن الأعداد لم تكن بضخامة الوضع في العالم العربي، إذ يحتاج تنفيذ تلك الطريقة إلى الحصول على الحمض النووي من أقارب المفقودين، ثم مضاهاة نتيجته مع الحمض النووي الخاص بالجثث مجهولة الهوية، وهذه عملية يصعب تنفيذها مع الأعداد الكبيرة وتحتاج إلى تكلفة هائلة.

لماذا وصفت ما تحقق في البوسنة بأنه "بعض النجاح"؟

لأنه لا يمكن في طريقة الحمض النووي حتى لو كانت الأعداد بالآلاف وليس بالملايين كما في حالتنا العربية تحقيق نجاح كامل، وسأعطيك مثالا آخر يؤكد ذلك ويتعلق بما حدث في الولايات المتحدة الأميركية بعد أحداث تفجير برجي مركز التجارة العالمي ضمن ما تعرف بـ"أحداث 11 سبتمبر"، حيث لا يزال إلى الآن في دولة بإمكانيات الولايات المتحدة هناك 3 آلاف شخص في عداد المفقودين، ولم يفلح الحمض النووي في الوصول إليهم.

حل عملي وغير مكلف وما الذي يمكن أن يقدمه طب الأسنان الشرعي من حلول لتلك المشكلة؟

حل بسيط وغير مكلف على الإطلاق، وهو التقاط صور لأسنان الجثث المشوهة قبل دفنها، ليتم لاحقا الحصول على صور من أقارب المفقودين تظهر فيها أسنان الشخص أثناء حديثه أو ابتسامته، وتتم مضاهاة هذه الصور مع صور أسنان الجثث التي تم الاحتفاظ بها، فهذه طريقة أسهل وأكثر عملية وغير مكلفة، لأن أسنان الشخص مثل بصمته لا يتطابق شكلها مع الآخرين.

إعلان هل تستطيع أن تعطيني مثالا عمليا تشرح من خلاله فكرتك؟

سأرسل لك حالا صورتين للناشط السوري مازن حمادة الذي تم العثور على جثمانه، فلو لاحظت صورته قبل السجن وهو يبتسم والتي يظهر فيها شكل أسنانه وقمت بمطابقتها مع الأسنان كما تظهر في جثته فستكتشف كيف يمكن أن تحقق نجاحا كبيرا في تحديد هوية المفقودين.

وما نسبة النجاح في هذه الطريقة؟

لن تقل عن الحمض النووي، وتتميز عن الحمض النووي كما أخبرتك بأنها مناسبة لمنطقتنا العربية من حيث التكلفة وسهولة التنفيذ.

ولماذا لا تسافر إلى سوريا وتقدم خبرتك العلمية في خدمة هذا الملف؟

سيحدث ذلك بلا شك، فأنا أود السفر إلى سوريا اليوم قبل غد، فكما أخبرتك فقد غادرت بلدي منذ 10 سنوات، لم أرَ خلالها أهلي الذين يقيمون حتى الآن في إدلب، لكن لدي ارتباطات بحثية لم تنته بعد، وإلى أن أتمكن من السفر فقد أرسلت رسالة عبر حساباتي الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي إلى القائمين على دفن الجثث مجهولة الهوية بضرورة التقاط صور لأسنان الجثة قبل دفنها، فقد تساعدنا تلك الصور لاحقا على تحديد الهوية.

أسنان الناشط السوري مازن حمادة كانت إحدى العلامات التي قادت لتحديد هويته (مواقع التواصل الاجتماعي) نبش الماضي أم نظر للمستقبل قد يقول قائل: وما قيمة هذا الملف الذي ينبش في آلام الماضي ونحن ننظر للمستقبل؟

الدراسة التي أجريتها ونشرت مؤخرا في دورية "فورنسيك ساينس إنترناشونال" تضمنت استبيانا تم خلاله سؤال السوريين عن أهمية العثور على المفقودين، فأكدوا أنه على المستوى السياسي يبدو أمرا شديد الأهمية في تحقيق العدالة الانتقالية، لأنه يكشف عن جدية الإصلاح ووجود نية حقيقية لإنصاف الضحايا، وعلى المستوى الإنساني تكفي متابعة الصور والفيديوهات الحية للأهالي حول سجن صيدنايا، لمعرفة أهمية أن يكون لديك ابن أو قريب وتريد معرفة مصيره.

إعلان تكشف لي فصول قصتك عن أن النظام التعليمي في سوريا لم يكن سيئا بدليل أنه أهّلك للدراسة في أسكتلندا.. هل أنا محق؟

دعنا نفرق بين التعليم والبحث العلمي، فالتعليم بالفعل كان جيدا إلى حد كبير، فلك أن تتخيل أن النظام الصحي الألماني يعتمد على عدد لا بأس به من الأطباء السوريين حتى أن هناك تخوفات الآن من انهيار هذا النظام في حال قرر الأطباء العودة إلى سوريا.

لكن في المقابل فإن البحث العلمي كان يكتنفه كثير من الجمود، وهذه سمة البلاد الدكتاتورية، وآمل في تطوره للأفضل بعد انقشاع غمة بشار الأسد.

كلمة أخيرة توجهها للسوريين

لا تفقدوا الأمل، وتمسكوا بالعلم والعمل الجاد، فهما الطريق لبناء وطن جديد، وآمل أن أتمكن قريبا من العودة إلى سوريا للمساهمة في هذا البناء.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجثث مجهولة الهویة الحمض النووی إلى سوریا فی تحدید فی سوریا فی هذا

إقرأ أيضاً:

رسم وجوه المجرمين عبر الحمض النووي.. هل اقترب الحلم من التحقق؟

يعتبر شكل الوجه علامة مميزة تستخدم للتعرف على الهوية الشخصية خاصة في مجال الطب الشرعي، ومؤخرا شكلت إعادة بناء صور ثلاثية الأبعاد للوجه البشري باستخدام الحمض النووي قفزة علمية تتيح التعرف على أفراد مجهولي الهوية.

ففي دراسة حديثة نشرت في مجلة "أدفانسد ساينس" تمكن العلماء من إعادة بناء صور ثلاثية الأبعاد للوجوه من بيانات الحمض النووي. واستخدموا لذلك برنامجا يستخدم الذكاء الاصطناعي أطلقوا عليه اسم "ديفايس" يستطيع تحويل بيانات الحمض النووي إلى صور للوجه، ومن الممكن أن تكون لهذه الدراسة تطبيقات مهمة في التحقيقات الجنائية في مسارح الجريمة.

وعند اختبار هذا البرنامج على قاعدة بيانات صينية لمجموعة الهان العرقية تضم 9 آلاف و674 زوجا من الأحماض النووية وصورا ثلاثية الأبعاد للوجوه، أظهر البرنامج أداء ممتازا في محاذاة الحمض النووي مع الصور الثلاثية الأبعاد وإعادة بنائها، كما يمكن للبرنامج توقع شكل وجوه الأفراد في مختلف الأعمار المستقبلية.

هناك حالات كثيرة يمكن للحمض النووي أن يساعد فيها المحققين الجنائيين خلالها (شترستوك)أهمية كبيرة

وفي تصريح للجزيرة نت، تقول الدكتورة ولاء عبد الهادي أبو زيد، مدرّسة الطب الشرعي والسموم الإكلينيكية بكلية الطب جامعة القاهرة، إن "بداية استعمال الحمض النووي في مجال الطب الشرعي في ثمانينيات القرن الماضي أحدث طفرة كبيرة، خصوصا في حالات الاستعراف، وهي عملية يتم فيها التعرف على هوية شخص ميت أو حي".

وتضيف "فمثلا في حالات فقد عدد كبير من الأشخاص في حادث طائرة أو حافلة يمكن التعرف على الجثث وردها إلى ذويها عن طريق مطابقة الحمض النووي مع الأقارب من الدرجة الأولى".

ويمكن أيضا استعمال هذا الأمر في حالات اختلاط الأطفال في المستشفيات أو إثبات البنوة، إذ إن كل الوسائل قبل الحمض النووي كانت تنفي العلاقة فقط، لكن الحمض النووي هو الوحيد الذي يمكن أن يثبت العلاقة.

إعلان

ويساعد استخراج الحمض النووي من مسرح الجريمة في الوصول إلى الجاني، فأي أثر يتركه الجاني من بصمته الوراثية يدل عليه، فالحمض النووي أشبه بالبطاقة الشخصية التي من دونها يعتبر الشخص مجهول الهوية.

ويمكن أن يترك الجاني بصمته الوراثية على كوب شرب منه أو عقب سيجارة بها أثر اللعاب، أو تحت أظافر الضحية التي قامت بمقاومة الجاني بعنف وتركت أثرا من جلد الجاني تحت الأظافر، أو من بقايا شعر الجاني أو أي خلية من جسم الجاني يوجد بها نواة حيث إن كرات الدم الحمراء لا تحتوي على نواة.

وحتى لو كانت الجثة متفحمة بالكامل يمكن أخذ عينات الحمض النووي من العظام أو الأسنان.

وبعد أن كانت الوسائل القضائية تستخدم بصمة الإصبع فقط، استحق الحمض النووي بجدارة لقب "البصمة الوراثية".

ولكن ما ينقصنا في الشرق الأوسط بسبب العوائق المادية وجود قاعدة بيانات مسجلة على أجهزة الحاسوب تحتوي على البصمة الوراثية لكل الناس، ولكن يتم التغلب على هذه المشكلة بأخذ عينات من أقارب الدرجة الأولى ومقارنتها مع المتوفين.

الحمض النووي استحق بجدارة لقب "البصمة الوراثية" (بيكسابي)تصميم ثلاثي البعد

وتقول الدكتورة ولاء عبد الهادي إنه في الفترة الأخيرة ظهرت العديد من الأبحاث المهتمة بتصميم صورة ثلاثية الأبعاد من خلال بيانات الحمض النووي تعيد بناء ملامح وجه المتوفى بغرض التعرف على شخص مفقود أو متوفى أو شخص موجود في مسرح الجريمة.

وهناك دراسات كثيرة في هذا النطاق استخدمت آليات كثيرة جدا دمجت بين الطب الشرعي وعلم الوراثة وعلم الآثار والنحت، وأيضا مع استخدام التصوير والكومبيوتر والأشعة السينية والمقطعية والوسائل المساعدة الأخرى لترميم الوجه.

وتم تطبيق هذا الأمر في مجال الآثار لإعادة بناء أوجه المومياوات الفرعونية، خاصة في حالة حدوث تآكل لأوجه المومياوات، والأمر نفسه يستخدم في مسرح الجريمة من أجل رسم صورة ثلاثية الأبعاد للجاني أو المتوفى الذي تغيرت معالم وجهه بعد تحلل الجثة، وبالفعل نجحت الدراسات في رسم صور ثلاثية الأبعاد تحاكي الواقع بنسب عالية.

ويمكن تطبيق هذه التقنية عمليا بأشكال عديدة، فمثلا شخص متوفى منذ مدة طويلة ولم يتبقّ من جسمه إلا العظام فقط، يمكن بعد استخراج الحمض النووي من العظام ورسم صورة ثلاثية الأبعاد لوجهه اكتشاف قصة جريمة حدثت منذ سنوات.

وأيضا يستخدم هذه التقنية علماء الأشعة لتطبيقها في مجال ترميم المومياوات، أما في مجال الطب الشرعي يدور الاستخدام حول عملية الاستعراف، سواء كان هذا الشخص متوفى أوجانيا قام بالجريمة أو هو المجني عليه.

في مجال الطب الشرعي يدور الاستخدام حول عملية الاستعراف (الفرنسية)تحديات كبيرة

وعن هذه الدراسة الحديثة التي استخدمت الحمض النووي لإعادة بناء صور ثلاثية الأبعاد للوجوه، يقول الدكتور رودولف إيبرسولد الأستاذ الفخري بقسم الأحياء في معهد بيولوجيا الأنظمة الجزيئية في سويسرا، في تصريح للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني، إن الدراسة "تحاول استخدام أساليب حسابية بواسطة الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بسمات الوجه من خلال تباين التسلسل الجيني في جينوم الأشخاص الذين تم اختبارهم".

إعلان

وتنشأ الأنماط الظاهرية التي تحدد سمات الوجه في معظم الحالات من التفاعل المعقد بين مواضع متعددة في الحمض النووي ومتغيراتها الجينية، وهي اختلافات في تسلسل الحمض النووي بين الأفراد وبعضهم وبين المجموعات السكانية وبعضها.

ولكن يعيب هذه الدراسة، بحسب إيبرسولد، أنها لا تتحقق من التنبؤ الجيني بسمات الوجه من خلال مجموعة تحقق مستقلة، رغم أن هذا الأمر يعدّ الاختبار الحاسم الذي سيكشف إذا كانت الدراسة تبالغ في ملاءمة البيانات الجينية مع سمات الوجه معتمدة فقط على بعض البيانات للتنبؤ.

ولكنها بشكل عام دراسة مثيرة للاهتمام بالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، إلا أنها وفقا للدكتور رودولف لا تزال بعيدة عن الاستخدام العملي العام، ومن المحتمل أن يكون ذلك بسبب تعقيدات علم الأحياء وليس بسبب قيود الأساليب الحسابية.

ووفقا للدراسة، فإن هذه التقنية الرائدة تتحدى المفاهيم الحالية للخصوصية الجينومية، مما يثير تداعيات أخلاقية وقانونية مهمة. ولهذا تدعو الدراسة الباحثين إلى المشاركة في نقاش علمي حول هذا الاستخدام للحمض النووي في التعرف على الأنماط الظاهرية مثل الوجوه وتأثير ذلك على الخصوصية، مما يُسهم في نهاية المطاف في دعم بحوث جينومية أكثر مراعاة للجوانب الأخلاقية.

مقالات مشابهة

  • أي دور لأوروبا في الملف النووي الإيراني؟
  • خبراء للجزيرة نت عن زلزال روسيا التاريخي: أدركنا همسات الأرض بأثر رجعي
  • في باكو.. اجتماع سوري إسرائيلي جديد
  • أرامل من غزة للجزيرة نت: أطفالنا يبكون جوعا ولا مؤسسات تكفلهم
  • الواقع القضائي في سوريا والتحديات التي تواجه عمل العدليات خلال اجتماع في وزارة العدل
  • «خامنئي»: الغرب يستغل الملف النووي كذريعة للاصطدام مع إيران
  • نازحون سوريون بلبنان للجزيرة نت: قلقون من العودة
  • رسم وجوه المجرمين عبر الحمض النووي.. هل اقترب الحلم من التحقق؟
  • ضمن برنامج العودة الطوعية من لبنان إلى سوريا… لقطات لعودة 72 لاجئاً سوريّاً عبر معبر جديدة يابوس
  • بالفيديو.. جورج عبد الله للجزيرة نت: عودتي ليست نهاية النضال والكفاح المسلّح حقٌ مشروع