خطوة أخرى نحو اليمين المتطرف في فرنسا
تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT
أعلنت الرئاسة الفرنسية مساء الإثنين الماضي عن تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة فرانسوا بايرو، بعد عشرة أيام من تعيينه في منصب رئيس الوزراء، ما قد يشكل في نظر البعض بداية مرحلة سياسية جديدة للسلطة التنفيذية في فرنسا.
ويعتبر بايرو رئيس الوزراء السادس للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ 2017 وإلى حدّ الآن وهو رئيس الوزراء الرابع في سنة 2024، ما يدلّل على عدم استقرار سياسي غير مسبوق في فرنسا، وينتمي فرانسوا بايرو البالغ من العمر 73 عاماً إلى تيار الوسط، وكُلّف بتشكيل الحكومة في 13 ديسمبر الحالي بعد سحب البرلمان الثقة من حكومة سلفه ميشال بارنييه.
واحتوى التشكيل الحكومي المعلن على وجوه سياسية بارزة بعضها من الوزن الثقيل وضمّ بالخصوص رئيس ورئيسة حكومة سابقين، واحتفظ فيه رئيس الوزراء المعيّن بنصف الحكومة السابقة رغم تعرضها لحجب الثقة، أما البقية، فهم في الغالب شخصيات تعود إلى الفترات الرئاسية الثلاث الأخيرة.
وتعتبر حكومة بايرو المعلنة أكثر يمينية مقارنة بالحكومة السابقة، حتّى أنّ هناك من يعتقد أنّ «الرسالة السياسية التي يوجهها فرانسوا بايرو، من خلال هذه الحكومة، تتناقض تماماً مع المهمّة التي أوكلها إليه رئيس الجمهورية ظاهرياً أيْ التحرر من التجمع الوطني اليميني المتطرف»، وهي إلى جانب ذلك تبعث برسائل سلبية إلى اليسار الفرنسي الذي جاء الأوّل في نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وتضعف بالتالي فرص إقناع الحزب الاشتراكي بعدم التصويت على اقتراح جديد لحجب الثقة.
ولا يبدو إذاً أنّ بايرو نجح كذلك في توسيع القاعدة التي تتأسّس عليها حكومته الجديدة، ما يجعلها عرضة لهزّات مستقبلية لن تكون في مأمن منها سوى بتحالف مكشوف مع اليمين المتطرّف بزعامة مارين لوبان، وهو تحالف صعب الإنجاز لأسباب تاريخية وسياسية وحتّى أيديولوجية معلومة.
وتوجّه أصابع الاتهام إلى فرانسوا بايرو بالارتماء في أحضان اليمين المتطرّف، وتجلّى ذلك بالخصوص من خلال تعيينه وجوهاً من صقور اليمين في حقائب وزارية مهمّة كالداخلية والعدل وهو ما رأى فيه اليسار الفرنسي تمهيداً لتصفية وجود الأجانب في فرنسا وتركيزاً على محوري الأمن والهجرة اللذين يوليهما اليمين المتطرّف واليمين عموماً، مكانة محورية في برنامجهم السياسي.
وفي كلّ الأحوال، فإنّ رأي رئيس الوزراء المعيّن يبدو أنّه استقر في المراهنة على خلق شروط التحالف الموضوعي الذي يشمل قوى الوسط وصولاً إلى اليمين المتطرف، رغم ما يحتوي هذا التمشي من مخاطر محدقة، بعضها يرجع إلى استحالة التوافق بين اليمين الجمهوري التقليدي واليمين المتطرف حول بعض المسائل وخصوصاً الاقتصادية والاجتماعية منها.
ويرجع البعض الآخر إلى أن رغبة هذا اليمين المتطرف التي كثيراً ما يُعلنها ببعض التردد والتمنع وهي دفع الأزمة السياسية إلى منهاها المنطقي، أي استقالة رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون والتسريع بانتخابات رئاسية مبكرة.
وباستثناء محوري الأمن والهجرة فإن القواسم المشتركة بين مكونات اليمين واليمين المتطرف تكاد تنعدم وهو ما يعرض حكومة بايرو إلى الانهيار في كل لحظة، إِذْ لا ينتظر الفرنسيون الشيء الكثير من الحكومة الجديدة في المسائل الاجتماعية والاقتصادية والتي لها علاقة مباشرة بمعيشة المواطنين.
كما أن فرانسوا بايرو لا ينوي التخلي أو التراجع عن قانون التقاعد الذي يعتبر مطلباً أساسياً لليسار والتنظيمات النقابية وحتى اليمين المتطرف، وهو ما يعني أن أمد الحكومة لن يطول وسيكون مآلها السقوط في اختبار حجب الثقة إن لم يكن القادم في 16 يناير المقبل والذي أعلن عنه حزب «فرنسا الأبية»، فسيكون مع اختبار حجب الثقة الذي يليه.
والأكيد أن وجود الحكومة الجديدة أصبح مرهوناً بمدى رضا اليمين المتطرف عن أفعالها وأقوالها وسياساتها، لتبقى أهم تحديات أمام فرانسوا بايرو هي، كيفية إقناع الفرنسيين بأن الحكومة الجديدة ستؤمن الاستمرارية والاستقرار وبأن التصويت على الميزانية القادمة سيمر دون المخاطرة بإثارة إمكانية سحب الثقة من الحكومة.
وبالطبع فإن هشاشة الوضع السياسي الداخلي الفرنسي واستمرار أزمتها المالية والاقتصادية والتي أثرت سلباً على ترقيمها السيادي، سينعكس كل ذلك على مكانة فرنسا دولياً بما قد يحد من تأثيرها في بعض القضايا المهمة وخصوصاً الحرب الروسية الأوكرانية وقضايا الشرق الأوسط.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات فرنسا الحکومة الجدیدة الیمین المتطرف فرانسوا بایرو رئیس الوزراء فی فرنسا
إقرأ أيضاً:
لوكورنو بعد إعادة تعيينه رئيسًا للوزراء في فرنسا: حكومتي لن تخضع للحسابات الحزبية
دعا رئيس الوزراء الفرنسي المعاد تعيينه سيباستيان لوكورنو إلى تشكيل حكومة بعيدة عن المصالح الحزبية، مؤكدًا استعداده لتحمل المسؤولية وسط انقسامات سياسية عميقة. اعلان
قال رئيس الوزراء الفرنسي المعاد تعيينه سيباستيان لوكورنو إن عدد المرشحين لتولي منصبه "لم يكن كبيرًا"، داعيًا إلى تشكيل حكومة بعيدة عن الحسابات الحزبية.
وخلال زيارة لمركز للشرطة في ضاحية لاهي لي روز الباريسية، أوضح لوكورنو: "سأقوم بواجبي ولن أكون سببًا في أي مشكلة"، محذرًا من أن حكومته "يجب ألا تكون رهينة للمصالح الحزبية". وأضاف أنه يدرك احتمال ألا يستمر طويلًا في منصبه، نظرًا للانقسامات السياسية العميقة في البلاد.
إعادة التكليف بعد أسبوع من الفوضى السياسيةأعاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تكليف لوكورنو بتشكيل الحكومة مساء الجمعة، بعد أسبوع من الاضطرابات السياسية. ودعا لوكورنو، البالغ من العمر 39 عامًا، إلى الهدوء وإلى تعاون القوى السياسية لإقرار موازنة الاتحاد الأوروبي لثاني أكبر اقتصاد في أوروبا قبل المهل المحددة.
ويُنظر إلى إعادة تعيينه على أنها آخر محاولة لماكرون لإحياء ولايته الثانية، الممتدة حتى عام 2027، في ظل غياب الأغلبية البرلمانية وتزايد الانتقادات داخل معسكره الوسطي.
Related لوكورنو يشكّل حكومة جديدة وسط ضغوط متزايدة.. ويستعد لخطاب السياسة العامة أمام البرلمان الثلاثاءالإليزيه: رئيس الوزراء الفرنسي الجديد لوكورنو يقدم استقالته وماكرون يقبلها ماكرون يعيد تعيين سيباستيان لوكورنو رئيسا للوزراء معارضة من اليمين واليسارقوبل قرار ماكرون بانتقادات واسعة من مختلف الاتجاهات السياسية. فقد وصف زعيم حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، جوردان بارديلا، إعادة تكليف لوكورنو بأنها "مزحة سيئة"، معلنًا أنه سيسعى فورًا لإسقاط الحكومة الجديدة.
في المقابل، قرر حزب "الجمهوريون" عدم المشاركة في الحكومة، مكتفيًا بتقديم دعم "نصٍّ بنصٍّ" لمشاريعها، بحسب بيان صادر عن المكتب السياسي للحزب، الذي أوضح أن "الثقة والشروط غير متوافرة في هذه المرحلة لانضمام الجمهوريين إلى الحكومة".
أما الحزب الاشتراكي، الذي يُعد من الكتل المتأرجحة في البرلمان، فأكد أنه "لا اتفاق" مع لوكورنو، مهددًا بإسقاط الحكومة ما لم يوافق على إلغاء إصلاح نظام التقاعد الذي يرفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عامًا.
تتزامن الأزمة السياسية مع تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع الدين العام، ما أثار قلقًا داخل الاتحاد الأوروبي من تداعيات الأزمة في ثاني أكبر اقتصاد في القارة.
وكان لوكورنو قد استقال الإثنين الماضي بعد شهر واحد فقط من توليه المنصب، قبل أن يعود إليه مجددًا بدعوة من ماكرون، مبررًا قراره بـ"الحاجة الملحة لإيجاد حلول مالية للبلاد"، ومؤكدًا أنه سيبقى "طالما توفرت الظروف لذلك".
وقال لوكورنو: "إما أن تتعاون القوى السياسية معي ونسير معًا... أو لن تفعل".
ولم يحدد موعدًا لتشكيل الحكومة الجديدة أو أسماء الوزراء، مكتفيًا بالتأكيد أن حكومته "لن تضم أي شخص يسعى للترشح للانتخابات الرئاسية عام 2027".
حكومات متعاقبة وأزمة ثقةولم يتطرق لوكورنو إلى مطالب المعارضة بإلغاء قانون رفع سن التقاعد، في وقت تشهد فيه فرنسا حالة من الجمود السياسي منذ عام، حيث سقطت عدة حكومات متعاقبة بسبب غياب الأغلبية في الجمعية الوطنية، ما جعل البلاد في حالة "شلل سياسي" بينما تواجه أزمة فقر متنامية وديونًا تقلق الأسواق وحلفاء الاتحاد الأوروبي.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة