لماذا تختلف سوريا عن ليبيا بعد سقوط الأسد؟
تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT
في تحليله لسوريا ما بعد الصراع، يقول تيم إيتون، الزميل ببرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس"، ومقره لندن، إن التحديات التي تواجهها سوريا أعظم بكثير من تلك التي واجهتها ليبيا في عام 2011.
تعتمد قيادة الشرع بشكل كبير على موقف هذه القوى الخارجية
في حين تعامل الليبيون مع انتفاضة قصيرة نسبياً تركت بنيتهم التحتية سليمة إلى حد كبير، دمر الصراع السوري الذي دام عقداً من الزمن الدولة، وخلق الظروف لانتقال أكثر غموضاً وتحدياً.
وقارن إيتون بين أوجه التشابه بين البلدين، مسلطاً الضوء على الفروق الحاسمة، والصعوبات التي سيمر بها التعافي السوري. دمار على نطاق غير مسبوق
وقال الكاتب في تحليله بموقع "تشاتام هاوس": أحدثت الحرب السورية المطولة دماراً هائلاً. فعلى النقيض من ليبيا، حيث أطيح بالزعيم معمر القذافي في أقل من عام، استمر الصراع في سوريا لأكثر من عقد من الزمان، مما أسفر عن مقتل أكثر من 600 ألف شخص وتشريد الملايين. كما تم تدمير البنية الأساسية للبلاد، وتشكلت انقسامات طائفية واجتماعية عميقة.
وفر اقتصاد النفط في ليبيا العامل الأساس للتعافي. وعلى الرغم من التنافسات السياسية، أدركت الفصائل المتحاربة في ليبيا أهمية الحفاظ على إنتاج النفط، باعتباره مصلحة وطنية مشتركة.
Libya has been held up as a cautionary tale for Syria. Some brief thoughts from me over what lessons Libya might offer, particularly in the security space and the disconnect between civilian and armed leaderships. https://t.co/jWm1ih2vCz
— Tim Eaton (@el_khawaga) December 19, 2024
وعلى النقيض من ذلك، لا يوجد ما يوحد سوريا اقتصادياً. فالكثير من البنية الأساسية النفطية في البلاد تسيطر عليها الفصائل الكردية، وتفتقر البلاد إلى القدرة التصديرية الكبيرة، ويؤدي هذا المشهد الاقتصادي الممزق إلى تفاقم التوترات، وتقليص احتمالات التعافي المتماسك.
ويزيد الأمر تعقيداً تحول سوريا تحت العقوبات إلى "دولة مخدرات"، حيث اعتمد نظام الأسد بشكل كبير على إنتاج الأمفيتامينات، مما أدى إلى خلق اقتصاد إجرامي سيكون من الصعب تفكيكه. وفي الوقت نفسه، تعمل أجزاء من شمال سوريا وكأنها مقسمة، حيث يستخدم السكان الليرة التركية كعملة، مما يسلط الضوء بشكل أكبر على الطبيعة المجزأة للاقتصاد السوري بعد الصراع.
ورأى الباحث أن التحديات الأمنية في سوريا تشبه ليبيا بشكل صارخ، حيث ترسخت فصائل مسلحة متعددة. في ليبيا، فشلت إلى حد كبير الجهود الرامية إلى دمج الجماعات المسلحة تحت سيطرة الدولة وتقوم الميليشيات بالسطو على مؤسسات الدولة، مما أدى إلى خلق مشهد سياسي عسكري للغاية. والوضع أفدح في سوريا. وبرغم إعلان أحمد الشرع، زعيم هيئة تحرير الشام، عن نيته حل الفصائل المسلحة، ووضع المقاتلين تحت إشراف وزارة الدفاع، ترتفع شكوك كثيرة في جدوى مثل هذه الخطوة، بالنظر إلى تنوع الفصائل المتمردة في سوريا، بدءاً من الجماعات المدعومة من تركيا إلى قوات سوريا الديمقراطية الكردية.
Syria’s challenges are even greater than those Libya faced in 2011 |
Chatham House – International Affairs Think Tank … @el_khawaga https://t.co/EHqwLxxX5i
وبالاستفادة من تجربة ليبيا، يحذر إيتون من أن محاولات مركزية السيطرة الأمنية في سوريا قد تثير المزيد من الصراع بين الفصائل المتنافسة. ودون الإجماع بين الجماعات المسلحة المختلفة، يمكن أن تنهار الجهود الرامية إلى إنشاء إطار أمني مستقر بسهولة.
تواجه سوريا مخاطر مماثلة. ويشارك العديد من نفس الجهات الفاعلة ذات المصالح الخاصة في ليبيا - مثل روسيا وتركيا - في سوريا. وسوف تعتمد قيادة الشرع بشكل كبير على موقف هذه القوى الخارجية، التي قد تؤدي مصالحها المتنافسة إلى إحباط الجهود الرامية إلى إرساء الحكم والاستقرار. وأشار الكاتب إلى أن التدخل العسكري التركي وشراكاته مع الفصائل في شمال سوريا يتوازى مع دورها في غرب ليبيا. الانفصال بين السياسة والأمن ولفت الكاتب النظر إلى درس حاسم من ليبيا؛ ألا وهو الانفصال بين القيادة السياسية والجماعات المسلحة. لقد فشلت القيادة الليبية بعد عام 2011 في فرض سيطرتها على الفصائل التي أطاحت بالقذافي، مما سمح للميليشيات بالهيمنة على مؤسسات الدولة.
وحذر الباحث من أن سوريا تخاطر باتباع مسار مماثل. فقد ظل الائتلاف الوطني السوري، الذي تشكل أثناء الحرب الأهلية لمعارضة الأسد، بعيداً عن الفصائل المسلحة العاملة على الأرض. ورغم أن الشرع شخصية بارزة، فإنه لا يتحالف مع الائتلاف، مما يثير المخاوف بشأن ما إذا كانت الحركة السياسية التي يقودها مدنيون قادرة على استعادة السيطرة على عملية الانتقال..
وخلص الكاتب إلى القول إن المرحلة الانتقالية في سوريا تتطلب معالجة هذه القضايا المتعددة الجوانب بمستوى من التنسيق والالتزام الذي كافحت ليبيا لتحقيقه. وفي غياب التعاون الهادف بين أصحاب المصلحة الداخليين والخارجيين، تخاطر سوريا بالدخول في فترة طويلة من عدم الاستقرار، والتي قد تخلِّف عواقب دائمة على المنطقة. وتعمل المقارنة التي عقدها إيتون كقصة تحذيرية، تحث صناع السياسات على استخلاص الدروس من إخفاقات ليبيا لتجنب تكرارها في سوريا.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات سقوط الأسد الحرب في سوريا فی سوریا فی لیبیا
إقرأ أيضاً:
سوريا تطلق هوية بصرية جديدة تمثل دولة ما بعد الأسد
في مشهد احتفالي حمل دلالات رمزية وتاريخية، أعلنت سوريا، أمس الخميس، عن إطلاق "هوية بصرية جديدة" تمثل الدولة في مرحلتها الانتقالية، تحت إشراف الرئيس المؤقت أحمد الشرع، الذي وصف الهوية بأنها "تجسيد لسوريا الموحدة، المتحررة، والمقبلة على عهد سياسي مختلف".
وخلال فعالية أقيمت في قصر الشعب بدمشق، قال الشرع إن الهوية الجديدة تمثل "سوريا التي لا تقبل التجزئة ولا التقسيم"، وتعبر عن "التنوع الثقافي والعرقي"، مشيرًا إلى أنها "تعكس القطيعة مع منظومة القهر والاستبداد، وتفتح الباب نحو دولة كريمة وإنسان سوري متمكن من قراره".
الشعار الجديد، كما قدمته الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، يتخذ من "العقاب الذهبي السوري" شعارًا رسميًا للدولة، بعد إعادة تصميمه بما يلائم اللحظة التاريخية الجديدة. وذكرت الوكالة أن العقاب "استحضر من الماضي، لا باعتباره رمزًا للقتال، بل ككائن بصري يجسد الحكمة، والسرعة، والدقة، وحماية أبناء الوطن".
وفي كلمته، استعار الشرع صفات العقاب في وصف السوريين قائلاً:
"هو المناور البارع، الصائد الذكي، الباسط جناحيه لحماية أهله، كما يجب أن يكون السوريون في عصرهم الجديد."
وتضمنت الهوية عناصر رمزية دقيقة:
ذيل العقاب مكون من خمس ريشات، تمثل المناطق الجغرافية الكبرى في سوريا (الشمالية، الجنوبية، الشرقية، الغربية، الوسطى)، في إشارة إلى وحدة الأرض ورفض التقسيم.أجنحة العقاب تتكون من 14 ريشة، تمثل كل واحدة منها محافظة سورية، تأكيدًا على أهمية كل إقليم في توازن الدولة واستقرارها.النجوم الثلاث التاريخية في العلم السوري تحررت بصريًا، واتخذت موقعًا أعلى العقاب، للدلالة على "تحرر الشعب من الصهر القسري بين الدولة والحكم"، كما تقول سانا.وأكدت الجهات الرسمية أن الشعار الجديد يحمل خمس رسائل جوهرية:
الاستمرارية التاريخية: بقاء العقاب امتدادًا لشعار 1945 يؤكد على أصالة الهوية السورية.تمثيل الدولة الجديدة: العقاب ليس مجرد طائر، بل تمثيل بصري لسوريا الجديدة المنبثقة من إرادة شعبها.تحرر الشعب وتمكينه: عبر تحرير النجوم من هيمنة الترس، في إشارة لتحرر الشعب من منظومة الحكم العسكري.وحدة الأراضي السورية: الذيل المتوازن والريش المتساوي ترمز إلى تكامل المناطق، لا تفاضل بينها.عقد وطني جديد: الشعار يعاد تعريفه كوثيقة سياسية تربط الدولة بالشعب، لا كرمز سلطوي.وفي خلفية الإعلان، أشارت "سانا" إلى أن ثورة عام 2011 كانت نقطة التحول الكبرى التي "كسرت القيد بين المواطن والقرار السياسي"، مشيرة إلى أن الشعب السوري قدم "ملايين الشهداء والجرحى والمعتقلين من أجل لحظة الاستحقاق الوطني هذه".
وتعد الهوية البصرية الجديدة، وفق مراقبين، أول محاولة رسمية لتجسيد التحولات السياسية والاجتماعية التي تعيشها سوريا ما بعد الحرب، وسط محاولات داخلية وخارجية لإعادة بناء العلاقة بين الدولة ومواطنيها على أساس التمثيل والمشاركة لا السيطرة والقمع.