الفاشر- في أحد المواقع العسكرية بمدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور في غرب السودان، يقف الشاب محمد آدم، الذي يبلغ من العمر 30 عاما، ممسكا بسلاحه ومرتديا زيا عسكريا بسيطا، في مواجهة قتال عنيف تشنه قوات الدعم السريع على أحد المحاور الحيوية في المدينة.

وتعتبر هذه اللحظة حاسمة بالنسبة لمحمد ورفاقه، الذين انتقلوا من الحياة المدنية إلى العسكرية للدفاع عن أنفسهم وعائلاتهم.

بعدما عانت الفاشر من ويلات حرب مستمرة دفعت الكثيرين لاتخاذ هذا القرار الصعب. وتتزايد الضغوط على المدنيين في الفاشر مع تكرار الهجمات المستمرة، وهذا يدفعهم إلى التفكير في كيفية حماية أنفسهم.

ويشعر محمد بعبء هذا القرار، حيث يواجه خيارا صعبا بين الاستسلام للخوف أو اتخاذ موقف يضمن سلامته وأمن عائلته. وفي ظل هذه الظروف القاسية، أصبح الانخراط في القتال ضرورة ملحة تفرضها الأحداث اليومية، وهذا يعكس تحولا جذريا في حياة هؤلاء الشباب.

تاجر السيارات ربيع آدم قرر حمل السلاح بعدما تعرض أقاربه لمواقف مروعة (الجزيرة) قرار الانضمام للقتال

يقول محمد للجزيرة نت: "كنت طالبا في جامعة الفاشر، وعضوا في حركة العدل والمساواة السودانية، ولم أكن قد حملت السلاح من قبل. لكننا اليوم أُجبرنا على ذلك للدفاع عن أنفسنا. نحن نواجه وضعا مأساويا يستدعي اتخاذ موقف حازم".

ويضيف: "لم يكن اتخاذ هذا القرار سهلا، لكننا نشعر بالحاجة الملحة لحماية كرامتنا وحقوقنا. لقد عايشنا انتهاكات مروعة من قبل المليشيات، حيث تعرض المدنيون للقتل والنهب والقصف المدفعي المتعمد، وهذا دفعنا للقتال من أجل البقاء".

ويواصل: "الأمر لا يقتصر على القتال، بل يتعلق بالحفاظ على هويتنا وثقافتنا. نريد أن نعيش بكرامة، ونُعلم أطفالنا أن لديهم مستقبلا آمنا"، ويؤكد: "رغم كل الصعوبات، نحن مصممون على الصمود والتضحية من أجل أرضنا، ولن نسمح لهذه المليشيات والدول الداعمة لهم بسرقة أحلامنا أو القضاء على مستقبلنا".

إعلان

ومن جهته، يقول ربيع آدم، الذي كان سابقا تاجر سيارات، إنه قرر حمل السلاح بعد أن شهد انتهاكات مروعة تعرض لها أقاربه في المدينة، ويضيف: "لقد عشت لحظات قاسية لا تُنسى، فقد رأيت كيف تعرض أهلي وأصدقائي للظلم والاعتداء. هذا الواقع المؤلم دفعني لاتخاذ قرار حمل السلاح والدفاع عن المدينة".

ويضيف: "سأظل صامدا في الفاشر، حيث أصبحت قضية تحريرها بالنسبة لي مسألة حياة أو موت. إن الظلم الذي عانينا منه لا يمكن أن يستمر، وسأبذل قصارى جهدي للدفاع عن أرضي وأحبائي". ويختتم بالقول: "رغم كل الصعوبات، أومن بأن النصر قريب، وأن صوت الحق سيعلو في النهاية. لا يمكن أن تستمر المعاناة إلى الأبد، وسأظل أدافع عن قضيتي حتى آخر نفس".

وكشفت فاطمة الطاهر، وهي نازحة تعيش في مخيم زمزم، في حديثها للجزيرة نت، أن ابنها الثاني، سليمان، انخرط في معسكر تدريب لفترة من الزمن، ويحمل الآن البندقية ويقاتل مع الجيش في الصفوف الأمامية.

وأوضحت أنها تشعر بقلق عميق على سلامته، ومع ذلك، أكدت أن ابنها يعتبر نفسه ملتزما بالدفاع عن عائلته ومجتمعه، ولا يمكنه تركهم فريسة للنهب والقتل. وأشارت إلى أن هذا القرار لم يكن سهلا، لكن، في الوقت نفسه، ترى فاطمة أن للقتال من أجل الوطن معنى كبيرا، وتابعت قائلة: "نحن نعيش في حالة من القلق والترقب، لكن الأمل في مستقبل أفضل لا يزال يضيء".

كتائب المستنفرين

ومنذ العاشر من مايو/أيار الماضي، زادت قوات الدعم السريع من نشاطها العسكري في اتجاه مدينة الفاشر، حيث استهدفت المستشفيات والمرافق الحيوية بالقصف المدفعي، رغم التحذيرات الدولية.

وفي هذا السياق، أبدى عدد كبير من المدنيين رغبتهم في التطوع للدفاع عن المدينة، وتجمعوا في معسكرات تدريب تحت اسم "كتائب مستنفرين ومجاهدين للدفاع عن العرض والوطن".

وفي كلمته خلال حفل تخريج مجموعة كتائب نصر الفاشر، أكد والي شمال دارفور المكلف، حافظ بخيت، أن المدينة ستظل صامدة بفضل المدافعين عنها من المستنفرين والمجاهدين. وأوضح أن سقوط الفاشر يعني سقوط السودان، وأن ما يقوم به المدنيون هو عمل مبارك، مشيرا إلى أن الوضع في المدينة جيد وأن الجميع يقاوم بصمودهم من دون النزوح إلى مناطق أخرى.

إعلان تفاؤل رغم الصعوبات

ومن جهة أخرى، أفاد والي جنوب دارفور، بشير مرسال، بأن نحو 14 ألف مواطن من دارفور انضموا طواعية إلى صفوف الدفاع الوطني. وأوضح مرسال في حديث للجزيرة نت أن هؤلاء الأفراد تلقوا تدريبات شاملة في معسكرات خاصة شمال السودان، وأصبحوا جاهزين لحماية مجتمعاتهم من مليشيات الدعم السريع، مع تأكيدهم على التحاقهم بجبهات القتال.

ورغم التحديات، يبقى أهل دارفور متفائلين بمستقبل أفضل. يقول المتطوع الإنساني محمد الفاتح للجزيرة نت: "نحن نؤمن بأن النصر قريب. لا يمكن أن تستمر المعاناة إلى الأبد، وسنقاتل حتى يتحقق السلام".

ويضيف: "كلما زادت التضحيات، زادت قناعتنا بأننا نمضي نحو تحقيق السلام. لن نتخلى عن أحلامنا في بناء وطن آمن لأطفالنا".

ورغم إقراره بأنهم يواجهون "صعوبات كبيرة" يصر على أن "روح التضامن والشجاعة تجعلنا نؤمن بأن الغد سيكون أفضل. سنعيد بناء بلادنا، وسنحقق السلام الذي نستحقه".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات هذا القرار للجزیرة نت للدفاع عن

إقرأ أيضاً:

هل تغير معارك كسر العظم في غرب السودان الخريطة العسكرية؟

الخرطوم- اتسع نطاق المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في ولايات إقليم كردفان الثلاث، ويرى خبراء أن قيادة الدعم السريع تسعى لقطع الطريق أمام الجيش المندفع نحو إقليم دارفور، حتى لا تدافع عن مدنه داخل محيطها. ويعتقد مراقبون أن معارك غرب كردفان يمكن أن تغيّر موازين القوة والخريطة العسكرية في غرب السودان.

وعقب انتصار الجيش في وسط السودان خاصة في ولايات سنار والجزيرة والخرطوم، بدأ الزحف نحو إقليم دارفور عبر ولايات كردفان الثلاث، وهي شمال وجنوب وغرب كردفان، لتأمين الخرطوم ووسط البلاد وإبعادها عن دائرة الخطر.

ونجح الجيش في التوسع في الجزء الجنوبي من ولاية شمال كردفان، بعد استعادته مدينتي "أم روابة" و"الرهد" وإنهاء حصار "الأبيّض" عاصمة الولاية، بينما لا تزال محليات شمال الولاية -وتشمل "بارا" و"غرب بارا" و"الحمرة" و"سودري"- تحت سيطرة قوات الدعم السريع وانتشارها.

خريطة السيطرة

يتقاسم الجيش وقوات الدعم السريع السيطرة على مناطق ولاية غرب كردفان المتاخمة لإقليم دارفور، حيث تخضع للدعم السريع مناطق "الفولة" و"المجلد" و"أبو زبد" و"السنوط" و"غبيش" "وودبندا" و"الإضية" و"كيلك" ولقاوة".

من جهة أخرى، يسيطر الجيش في غرب كردفان على بعض المدن مثل "بابنوسة" التي توجد بها قيادة الفرقة 22 مشاة، و"الخوي"، و"هجليج" الغنية بالنفط.

إعلان

وفي ولاية جنوب كردفان يسيطر الجيش على معظم مدن الولاية الكبيرة مثل "كادوقلي" عاصمة الولاية، و"الدلنج" و"أبو جبيهة" و"العباسية" و"تقلي" و"كالوقي"، كما استعاد يوم الخميس بلدة "الدحيليب" من مقاتلي الحركة الشعبية- شمال بقيادة عبد الحلو، التي تقع في شرق "كادوا" معقل الحركة.

بالمقابل، تسيطر الحركة الشعبية منذ أكثر من 3 عقود على الجزء الجنوبي الغربي من ولاية جنوب كردفان، وتشمل محليات "البرام" و"أم دورين" و"هيبان، التي تضم مدينة كاودا العاصمة الإدارية للحركة وأنشأت إدارات مدنية فيها.

أما قوات الدعم السريع فتنتشر في شمال ولاية جنوب كردفان، في محلية "القوز" التي تشهد مواجهات دامية بين الطرفين بعد تقدم الجيش قبل يومين.

واستعاد الجيش السيطرة يوم الأربعاء الماضي على مدينة "الحمادي" التي ظلت تحت سيطرة الدعم السريع من أول أيام الحرب، كما يقترب من استعادة السيطرة على مدينة "الدبيبات" آخر معاقل الدعم السريع بالولاية.

السيطرة على الخوي والنهود تعني إحداث تحول في ميزان القوة بحسب خبراء سياسيين (مواقع التواصل) كسر العظم

تقول مصادر عسكرية للجزيرة نت إن الدعم السريع يستشعر الخطر من القوات المتجولة "متحرك الصياد" (المتحرك قوة عسكرية) التي تضم قوات عالية التدريب من الجيش والقوة المشتركة لحركات دارفور وكتائب الإسناد، ولديها أسلحة نوعية وأجهزة وعتاد لمجابهة كافة مراحل القتال وخطوط إمداد لوجستية تمكنها من الوصول إلى دارفور.

ودفعت قوات الدعم السريع منذ أسبوعين بتعزيزات عسكرية ضخمة نحو مدينة النهود العاصمة المؤقتة لولاية غرب كردفان، والتي تضم قيادات أبرزها رئيس المجلس الاستشاري لقوات الدعم السريع حذيفة أبو نوبة، والمتحدث باسم القوات الفاتح قرشي، حسب المصادر العسكرية.

واستطاعت قوات الدعم السريع في مطلع مايو/أيار الجاري السيطرة على مدينة "النهود" التي تعد منطقة إستراتيجية تربط بين كردفان ودارفور، وبها أكبر بورصة للفول السوداني والصمغ العربي، وتضم أبرز أسواق الماشية في غرب السودان.

إعلان

كذلك تقدمت الدعم السريع وسيطرت على منطقة "الخوي" غرب النهود، وهي في طريقها إلى الأبيّض عاصمة ولاية شمال كردفان، غير أن الجيش استعاد المنطقة وكبدها خسائر فادحة عدّتها المصادر العسكرية التي تحدثت للجزيرة نت أنها تماثل الضربة التي تلقتها قوات الدعم السريع في جبل موية بولاية سنار في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وتعتقد المصادر نفسها أن ضربة جبل موية كانت قاصمة ظهر للدعم السريع في وسط السودان، وفتحت الباب أمام تحرير ولايتي سنار ثم الجزيرة.

من جانبه، وصف حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، في منشور عبر صفحته على موقع "فيسبوك"، ما حدث في "الخوي" وما حولها بأنها "معركة كسر العظم"، بعدما دفعت قوات الدعم السريع بمعظم احتياط قواتها وعتادها الحربي، وقال إن الطريق الآن بات سالكا من كردفان إلى الفاشر.

وفي المقابل، قالت قوات الدعم السريع إنها أوقعت خسائر كبيرة في صفوف الجيش وحلفائه، وخلفت مئات القتلى وغنمت عشرات المركبات، مشيرة إلى أنها عازمة على التقدم ميدانيا في كردفان ودارفور.

موازين القوة

وتعليقا على تطورات الأوضاع في ولاية غرب كردفان، يقول الخبير العسكري عميد عمر باشري إن قوات الدعم السريع في سبيل تأمين وجودها في مدينة النهود واستعادة الخوي سحبت عددا كبيرا من قواتها التي كانت متمركزة حول مدينة الفاشر، ومن الضعين في شرق دارفور، ومحور شمال الصحراء في مناطق الراهب والعطرون عبر حمرة الشيخ.

وحسب حديث الخبير العسكري للجزيرة نت، فإن هذه الحشود قصدت منها قوات الدعم السريع إنشاء خطوط دفاعية تبدأ من الخوي والنهود، ثم تتواصل غربا في مناطق بروش وجبل حلة وأم كدادة، وصولا إلى الكومة شرقي الفاشر.

ويعتقد المتحدث أن الهزيمة القاسية التي تلقتها قوات الدعم السريع تمهد الطريق للتقدم لاسترداد النهود والتقدم نحو الفاشر، بعدما صارت قواتها مبعثرة في اتجاهات عدة مع تقدم الجيش جنوبًا أيضا عبر "متحرك الصياد" بالاتجاه الآخر، وتحريره منطقة الحمادي واقترابه من الدبيبات حاضرة محلية القوز في جنوب كردفان.

أما الباحث والخبير العسكري أبو بكر عبد الرحيم فيرى أن معارك غرب كردفان تمثل للجيش مفتاحا للتوغل نحو إقليم دارفور، وتأمين ظهر الأبيض حاضرة شمال كردفان، بينما تعني لقوات الدعم السريع نقطة لتأمين سيطرتها على مواقع بكردفان ودارفور والزحف نحو الأبيض.

إعلان

ويوضح الباحث للجزيرة نت أن معارك غرب كردفان تعد نقطة سيطرة إستراتيجية على خطوط الحركة بين الأبيّض والفاشر، وبين ولايات دارفور وولاية شمال كردفان المتاخمة لولاية الخرطوم.

ومن يسيطر على غرب كردفان يسيطر فعليا على طرق الإمداد ونقاط التدخل نحو دارفور وشمال كردفان، وحتى أطراف جنوب ليبيا، أما سياسيا فالسيطرة على الخوي والنهود تعني إحداث تحول في ميزان القوة، وفقا للباحث.

مقالات مشابهة

  • الإختراق الكبير !!
  • دولة النهر والبحر: من مأمنه يؤتى المركز
  • هل تغير معارك كسر العظم في غرب السودان الخريطة العسكرية؟
  • تدشين الوثبة الثانية من برنامج توزيع المساعدات الإنسانية للمواطنين بمدينة الفاشر
  • لحظة القبض على مقيم مصري لنقله 4 مقيمين لا يحملون تصريحًا بالحج.. فيديو
  • استعدادًا لانتخابات بيروت والبقاع وبعلبك - الهرمل... استنفار عام في الدفاع المدني
  • مكة المكرمة.. ضبط مخالف لنقله 4 مقيمين لا يحملون تصريحًا بالحج
  • قوات أمن الحج تضبط مقيمًا لنقله في مركبة (4) مقيمين لا يحملون تصريحًا بالحج ومحاولة إيصالهم إلى مدينة مكة المكرمة
  • مناوي يتبرأ من “فك حصار الفاشر”
  • برنامج الغذاء العالمي يعلن عن توجه قافلة من المساعدات الإنسانية لمدينة الفاشر