طالبان وأخواتها.. صفحات سوداء من السطو والاغتصاب وصراع السلطة
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
"الاقتتال بين أمراء الفصائل الإرهابية المسلحة سعيًا وراء المال والسلطة جعل الحياة الطبيعية مستحيلة. لا مهرب من السرقة والنهب، وقد انتشر الشذوذ الجنسي والخيانة في كل مكان. كان أحدهم يتزوج من الفتيات لشهر واحد، ثم يطلقها ويلقي بها في بيت أهلها بلا حقوق. لم يكتفوا بإزعاج المارة وسرقتهم، بل كانوا يغتصبون النساء ثم يقتلونهن.
يُعد كتاب "حياتي مع طالبان" من بين الأعمال الوثائقية التي تقدم شهادة شخصية عن فترة حساسة ومهمة في تاريخ أفغانستان. يروي عبد السلام ضعيف، الوزير السابق في نظام حكم طالبان وسفيرها السابق لدى باكستان وأحد القادة البارزين في الحركة، قصته منذ نشأته في أفغانستان وصولًا إلى الأحداث التي شهدتها البلاد بعد الغزو الأمريكي.
الكتاب يقدم مذكرات حية عن تجربة حركة "طلاب الشريعة"، التي ظهرت في عام 1994 بعد حرب طويلة ضد القوات السوفيتية (1979-1989)، بالتوازي مع اقتتال المجاهدين في صراع على السلطة وخطاياهم التي قادت إلى الفوضى في أفغانستان. في هذا الكتاب، يروي عبد السلام ضعيف الأحداث التي شهدها في مراحل مختلفة من حياته، بدءًا من الجهاد المزعوم ضد الاتحاد السوفيتي، وصولًا إلى حكم طالبان ثم انهيارها بعد الغزو الأمريكي في عام 2001. يعرض الكتاب وجهة نظر داخلية عن تطور الحركة والجرائم التي ارتكبها أمراء فصائل المجاهدين.
عندما تَرَاجع التمويل الأمريكي الأوروبي، تحول "المجاهدون" من مقاتلين "لتحرير البلاد من الاحتلال" إلى مرتكبي جرائم سرقة، سطو مسلح، قطع طرق، واغتصاب، وظهرت مساوئ الانسحاب الروسي من أفغانستان عندما خففت الولايات المتحدة من دعمها للمجاهدين. ففي الفترة الممتدة من أكتوبر 1989 إلى أكتوبر 1990، خفض الكونجرس مخصصاته السرية لبرنامج وكالة الاستخبارات المركزية الموجه لأفغانستان بنسبة 60%. ونتيجة لذلك، بدأت أموال القادة وأسلحتهم تنفد، فراحوا يبحثون عن مصادر أخرى. اتجه بعضهم إلى النظام الشيوعي الجديد طلبًا للمساعدة، بينما لجأ آخرون إلى وسائل أخرى للحصول على المال وإشباع رغباتهم المجنونة، فكانوا يرتكبون جرائم السرقة والنهب في شوارع المدن. ويقتحمون المنازل والمحلات التجارية، ويسرقون ممتلكات الناس دون أي رحمة، مما خلق حالة من الخوف والذعر بين المواطنين.
يروي عبد السلام ضعيف موقفًا تعرض فيه للقهر والقمع قبل أن يصعد إلى المناصب وأضواء السلطة، ويقول: "حين مررت في المنطقة المحاذية للسجن، اعترض طريقنا مجموعة من الرجال ذوي المناظر القذرة، وطلبوا من جميع الركاب الترجل من الباص. أمرونا بحفر الخنادق. فتوجهت إلى أحدهم وأخبرته أني أحمل طفلي المريض، ابن الستة أشهر، من دون أمه، ونحن في طريقنا للطبيب. تابعت طريقي، لكن الرجل صرخ في وجهي وأمرني بالعمل فقط، وبالامتناع عن التكلم بأمور لم أسأل عنها، وهددني بثلاثين رصاصة تخترق جسدي إن تفوهت بكلمة. شتمني وسألني: لِمَ لا أنضم إلى هؤلاء المجاهدين؟"، وتابع ضعيف متجرعًا بعضًا من أحزانه: "بئس هؤلاء المجاهدون. لم يجلبوا سوى العار والسمعة السيئة والإحراج للجهاد".
تتناول المذكرات أيضًا تفاصيل عن الأضرار التي لحقت بالمدنيين بسبب انتشار عصابات المجاهدين الذين تحالفوا مع اللصوص وتجار المخدرات وقطاع الطرق. كانوا يهاجمون القوافل التجارية والمواطنين العزل، ويأخذون أموالهم وأمتعتهم بالقوة، ولم تتوقف جرائم المجاهدين عند السطو المسلح وفرض الإتاوات والاقتتال على مناطق النفوذ، بل امتدت إلى الاغتصاب والشذوذ. "كانت بعض الفصائل المسلحة تمارس اعتداءات جنسية على النساء في المناطق التي كانت تحت سيطرتها".
عبد السلام ضعيف وُلد في أفغانستان عام 1968، وهو أحد أبرز قادة طالبان في فترة التسعينيات. بدأ حياته السياسية بعد انخراطه في الحرب ضد القوات السوفيتية في الثمانينيات. ثم واصل نشاطه ضمن صفوف طالبان بعد انسحاب قوات الاتحاد السوفيتي، حيث شغل عدة مناصب، أبرزها منصب السفير الأفغاني لدى باكستان، وبعد سقوط طالبان في عام 2001، اعتقلته القوات الأمريكية لمدة أربع سنوات في جوانتانامو.
تُرجمت مذكراته إلى العديد من اللغات، ومن بينها الإنجليزية، وساهم كل من: إليكس ستريك فان لينشوتن وفيليكس كويهن بشكل كبير في تحرير كتاب "حياتي مع طالبان"، مع الحفاظ على الطابع الشخصي والواقعي للشهادة التي يقدمها ضعيف، ومع توضيح السياقات التاريخية والسياسية التي يذكرها.
لقد بات كتاب "حياتي مع طالبان"، الذي صدرت طبعته الأولى في عام 2010، وثيقة مهمة لفهم تعقيدات المشهد الأفغاني. فهو لا يكشف فقط عن الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعات الإرهابية المسلحة تحت ستار الجهاد الزائف والتحرر المزعوم، بل يقدم أيضًا دروسًا تاريخية تنزع أقنعة التدين الزائف عن وجوه أعضاء وقادة الحركات والتنظيمات التي تدّعي الثورية والتمسك بالقيم وهم في حقيقتهم أدوات وظيفية وعصابات مسلحة تخوض حربًا بالوكالة لتمزيق وتفكيك الأوطان ونهب الثروات ونشر الفوضى والدمار.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: فی عام
إقرأ أيضاً:
حركة المجاهدين الفلسطينية تعلن استشهاد أمينها العام أسعد أبو شريعة
أعلنت حركة المجاهدين الفلسطينية، السبت، استشهاد أمينها العام أسعد أبو شريعة، في غارة إسرائيلية استهدفته في حي الصبرة، شرقي مدينة غزة.
وقالت الحركة، في بيان نعي، إن "الغارة أسفرت كذلك عن استشهاد شقيقه أحمد أبو شريعة، القيادي في الحركة، إلى جانب عدد كبير من أفراد عائلته، في جريمة اغتيال جبانة نفذها الجيش الإسرائيلي".
وذكرت أن أبو شريعة، تعرض سابقاً لأكثر من خمس محاولات اغتيال، وقدم أكثر من 150 شهيدًا من أفراد عائلته خلال الحرب الجارية، من بينهم زوجته وأبناؤه وأشقاؤه وأقرباؤه.
وتوعدت الحركة بأن "هذه الجريمة لن تمر مرور الكرام، وستدفع إسرائيل ثمناً باهظاً إزاءها".
ووُلد أبو شريعة، الذي شغل منصب الأمين العام إلى جانب موقعه القيادي في الذراع العسكرية للتنظيم، في شباط/ فبراير 1977، في حيّ الصبرة بمدينة غزة، لعائلة لاجئة من مدينة بئر السبع المحتلة عام 1948.
وحصل أبو شريعة على درجة البكالوريوس في القانون من جامعة الأزهر في غزة، وعمل في القضاء والنيابة في المدينة لسنوات، قبل أن ينخرط في المجالَين السياسي والعسكري.
مع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، أسس أبو شريعة، برفقة شقيقه الأكبر عمر أبو شريعة وشخصيات أخرى، كتيبة عسكرية حملت اسم "المجاهدين"، قبل أن تتطوّر لاحقاً لتصبح "كتائب المجاهدين".
وبعد استشهاد شقيقه عمر عام 2007، تولى أسعد قيادة التنظيم، الذي بات يُعرف باسم "حركة المجاهدين الفلسطينية" وذراعها العسكرية "كتائب المجاهدين"، وقاد مرحلة إعادة بناء التنظيم وتوسيعه ليشمل ساحات الضفة الغربية وقطاع غزة والداخل المحتل.
وفي وقت سابق السبت، تحدث جيش الاحتلال الإسرائيلي، عن تمكنه من اغتيال أبو شريعة، مدعيًا مسؤولية الأخير عن مقتل عائلة "بيباس" الإسرائيلية.
وادعى الجيش أنه "قام بالتنسيق مع جهاز الأمن العام (الشاباك) في اغتيال أسعد أبو شريعة، خلال هجوم مكثف للجيش على قطاع غزة مؤخرا".
ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ترتكب "إسرائيل" بدعم أمريكي مطلق، إبادة جماعية بغزة، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر بوقفها صادرة عن محكمة العدل الدولية.
وخلفت الإبادة أكثر من 180 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال.
وقبل الإبادة كانت "إسرائيل" تحاصر غزة طوال 18 عاما، واليوم بات نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل 2.4 مليون، بلا مأوى بعد أن دمرت الحرب مساكنهم.