بين الحقيقة والوهم الطبي عراقيون يسافرون خارج العراق يشكون من ارتفاع تكاليف العلاج والعناية
تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT
بقلم : جواد التونسي ..
يسافر آلاف العراقيون المرضى والمصابين سنوياً الى مستشفيات في دول مختلفة , منها الهند , تركيا , الاردن , مصر وايران , وغيرها من الدول , حيث يشكو العراقيون من ارتفاع أسعار الادوية والعلاجات ومعاينة بعض الاطباء الجشعين الذي تخّلوا عن الانسانية والعطف والرحمة , حيث اشتكى عدد كبير من المرضى بشأن وجود اتفاقات وتشفير بين أطباء وصيادلة في كتابة الوصفات الطبية كما ذكرناها في مقالاتنا السابقة , فضلاً عن الصعوبة التي يلاقيها الصيادلة في قراءة تلك الوصفات , على الرغم من صدور قرار من نقابة الصيادلة بإغلاق الصيدليات المخالفة , إلا أنه لم يُطبّق على الغالبية العظمى من الأطباء, وهناك اساب عديدة لجعل العراقيون يلجئون لمستشفيات الخارج ومن تلك الاسباب : هجرة بعض الاطباء بسبب الاوضاع الامنية المزرية في العراق من عمليات الخطف والتهديد والابتزاز , ناهيك عن الفصول العشائرية وما تسمى بـ “الدكة والكوامة ” , مما يضطر بعض الاطباء لترك مهنتهم والسفر خارج العراق او اللجوء الى اقليم كردستان الآمن نوعاً ما , سبب آخر يعزو في عدم وجود أجهزة طبية متطورة حديثاً وفق تكنلوجيا الطب الحديث, وعدم توفر المعدات الطبية المتطورة لإجراء الفحوصات الاولية , يرافق ذلك كله رداءة أغلب مستشفيات العراق وعدم أهليتها لإجراء عمليات كبرى وتكاليف تلك العمليات بملايين الدنانير, حيث ان البنية التحتية للقطاع الصحي متهالكة في أغلبها , ولا تلائم التطور العالمي, وان وجدت فان التكاليف تفوق أحياناً القدرات المالية للكثيرين الذين لا تتوفر لديهم خيارات للتعامل مع مشاكل المرض والاصابة , وانعدام الإمكانات الطبية في داخل العراق , وسبب آخر , ألا وهو ان اغلب المرضى والمصابين العراقيين لا يثقون بالأطباء المحليين رغم مهارة الاغلب منهم وأن أكثريتهم لا تنقصهم الكفاءة بالتأكيد , وتنتشر في العراق مكاتب سفر , تنشر إعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تستهدف إقناع أشخاص يعانون من مشاكل صحية بإجراء عمليات جراحية في الدول التي ذكرناها خارج العراق , وتوفير بيانات بـ ” الخدمات الطبية المتوفرة والمستشفيات” , ورغم ذلك كله فان سفر المريض خارج العراق تكلفه مبالغ طائلة تتضمن تأشيرات السفر ” الفيزا ” وتذاكر الطيران الباهظة الثمن , وحجز الفنادق واختيار المترجمين والمرافقين الصحيين , حيث ترتفع مبالغ تلك العمليات الى آلاف الدولارات والتي يطلع عليها باللهجة العراقية المتداولة ” الدفاتر ” وتصل قيمة بعض العمليات الكبرى الى ” 6″ دفاتر أو أكثر, وتذكر التقارير الطبية في اعداد المرضى المسافرين خارج العراق : حيث تأتي الهند بالدرجة الاولى تليها تركيا وايران والاردن, وعلى المسؤولين المعنيين بالصحة , تنفيذ برامج وخطط لرفع كفاءة الكوادر الطبية المحلية, وارسال البعثات الطبية خارج العراق لاكتساب الخبرة والمهارة والعمل على الاجهزة والمعدات الطبية التي تطورت حديثاً في دول الغرب والشرق على حد سواء , كذلك بناء المستشفيات المتخصصة في جميع محافظات العراق ومدنه , وعليه يجب التعاقد مع اطباء أكفاء للحالات المستعصية والمعقدة والضرورات القصوى لكافة الامراض والاوبئة والاصابات, في اجراء تلك العمليات داخل العراق, اضافة لكل ما ذكرناه آنفاً , يتوجب على وزارة الصحة العراقية تطبيق قانون الضمان الصحي وتعميمه وتطبيق ضوابطه لتطوير واقع الخدمات الصحية , وتقليل الاعتماد على إرسال المرضى إلى خارج العراق , وتوفير المستلزمات الطبية ومراقبة استيراد الادوية المغشوشة ” الاكسباير ” وفرض عقوبات صارمة على المستوردين ومذاخر الادوية والصيدليات , مما يشّجع المرضى والمصابين العراقيين على تلقي العلاج في داخل العراق, ويأمل المواطن العراقي في تطوير النظام الصحي بعد بدء تطبيق قانون الضمان الصحي وتعزيز مشاركة القطاع الخاص والشركات المتخصصة في إدارة بعض المستشفيات الكبيرة, ومن الله التوفيق والسداد .
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات خارج العراق
إقرأ أيضاً:
في غزة الجائعة.. الدواء لا ينفع والمعدة خاوية
في قسم الباطنة بمستشفى المعمداني وسط مدينة غزة، يرقد الطفل النحيف مالك السعدي (14 عامًا)، وقد رفع ما تبقى من ساقه المبتورة على وسادة. لا يبدو على جسده الغض أي أثر لنعومة الطفولة، فجلده بالكاد يُخفي عظامه، وعيناه غائرتان من شدة الهزال، بينما يلتف حول ذراعه أنبوب رفيع يحمل له قليلاً من محلول الجلوكوز، تعويضًا عن وجبة لم يتناولها منذ يومين.
طفولة مبتورة وجائعة
يحدق مالك في سقف الغرفة وهو يحاول إخفاء ألمه، ثم يقول بصوت واهن: «لا نأكل غير العدس، كل يومين مرة، ما في لا خبز ولا فواكه.. الطبيب قال بدنا موز وتفاح وطحين علشان أتعافى، بس ما في». صوته ينكسر وهو يستدرك: «كلما أتعب يضعوا لي جلوكوز، لكن ليس هذا علاجًا.. جسمي محتاج طعام».
ليس الألم الجسدي وحده ما يُعذِّب مالك، بل الأشد إيلامًا أنه يسمع أخبار أقرانه وهم يتزاحمون أمام شاحنات المساعدات أملًا في كيس طحين، بعضهم يسقط قتيلًا برصاص الاحتلال، وآخرون يُدهسون تحت الأقدام.
يقول مالك بنبرة ممزوجة بالحسرة خلال حديثه لـ«عُمان»: «نفسي ألعب مع أولاد الحارة، نفسي أكون طبيعي.. لكني لا أستطيع الحركة، ومجبر على التوقف عن الأكل».
تتوقف كلماته فجأة، يغمر الصمت الغرفة، ثم تنهار دموعه على خديه الشاحبين: «يا عالم، نريد الحياة، نريد الأكل، نريد اللعب مثل باقي الأولاد». في لحظات كهذه، لا يبدو أن الجرح الأكبر في ساقه، بل في قلبه الصغير الذي ذاق قسوة الحرمان قبل أن يكتمل نموه.
وبينما يقف والده إلى جواره عاجزًا عن التفسير أو التبرير، يتمتم في يأس: «أخذت ولدي من الميدان على كرسي بعجل.. والآن هو يموت من الجوع في مستشفى لا تملك غير الجلوكوز». وما بين البتر والجوع، يكبر مالك على ذاكرة الألم، بلا طعام، بلا دواء، وبلا وعد قريب بالشفاء.
جوع يمنع الشفاء
في غزة المحاصرة، لا تتوقف المعاناة عند صوت الانفجارات أو صور الركام، بل تمتد إلى أجساد المرضى والجرحى التي تنهشها المجاعة بصمت. ففي مستشفى المعمداني، تتوالى مشاهد المرضى الذين أنهكهم الجوع وأعاق تعافيهم. لا دواء يفيد إن لم يكن هناك طعام، ولا علاج يكتمل على معدة خاوية.
يؤكد أطباء في المستشفى أن المجاعة لم تعد خطرًا وشيكًا، بل واقعًا يوميًا يعرقل عملهم ويضعهم أمام خيارات شبه مستحيلة. فالمضادات الحيوية التي تُصرف بعد الجراحات يجب أن تُتناول مع الطعام، ولكن المرضى لا يجدون لقمة تسند أجسادهم الهزيلة، فتتأخر الاستجابة للعلاج أو تسوء الحالات الصحية أكثر.
وتكشف شهادات الطواقم الطبية أن كثيرًا من المرضى يرفضون تناول أدويتهم رغم توفرها نسبيًا، لأنهم يدركون أن تأثيرها على معدة فارغة سيكون مدمرًا، وقد يُسبب نزيفًا أو قرحة. أما الجرحى، فالكارثة أعظم، إذ يظل الجرح مفتوحًا ومتقيحًا لأن الجسم، المنهك بالجوع، يعجز عن إنتاج خلايا جديدة للشفاء.
وما يزيد من فداحة المشهد أن كثيرًا من المرضى لا يعانون فقط من الإصابة، بل من ضعف عام شديد، يجعل أجسادهم أقرب للهزال المزمن، فتفشل حتى محاولات التغذية الوريدية في تحسين الوضع.
هكذا تصبح المجاعة في غزة عدوًا خفيًا لا يكتفي بتجويع الأصحاء، بل يسرق الأمل من المرضى والجرحى، ويحوّل العلاج إلى عبء لا طائل منه.
جرح يتعفن بلا طعام
على سرير مهترئ في ركن القسم ذاته، يرقد الشاب حمزة البشيتي، الذي أُصيب بشظية قذيفة في فخذه منذ ثلاثة أشهر. كان الجرح في بدايته قابلًا للعلاج، لكن مع مرور الوقت، ومع غياب الطعام والدواء، بدأت حالته في التدهور حتى ظهرت الديدان في موضع الجرح.
يقول حمزة بنبرة مغلّفة بالخذلان: «الجرح كان بسيطًا، لكن مع الجوع ونقص المضادات الحيوية، صار يتفاقم. لا نأكل شي، والأدوية قليلة، وإذا موجودة، مش قادر آخذها على معدة فاضية». يرفع الغطاء عن ساقه ليكشف عن جرح متقيح، تفوح منه رائحة نتنة تعبّر عن تآكل الأنسجة.
يشير حمزة خلال حديثه لـ«عُمان» إلى صينية فارغة بجانبه ويقول ساخرًا: «هذه وجبتي اليوم.. ولا شيء». ثم يضيف بأسى: «صار لنا شهرين والطعام شحيح، بس الآن ما في بالمرة، حتى عندما تأتي مساعدات، أراها فقط في الأخبار، وليس في الصحن».
في بعض الأيام، كما يروي، يضطر لتأجيل جرعات المضاد الحيوي ليلًا علّه يجد شيئًا يأكله قبل تناولها، لكن في معظم الأوقات، يبتلع الجرعة وهو يعلم أنها ستؤذيه. يقول بنبرة منهكة: «الجوع يسبق الدواء.. ولو في دواء، لن يعمل دون طعام.. والجسد صار هيكل».
شيخ كسير هزيل
أبو ناصر الدحدوح، مسن في أواخر الستينات، وزنه لا يتجاوز 30 كيلوجرامًا، يعاني من كسور مزدوجة في ساقيه، وسوء تغذية حاد جعله غير قادر حتى على الجلوس بمفرده. صوته بالكاد يُسمع، لكن كلماته تخرج كأنها تنهيدة طويلة من جسد أثقلته المعاناة.
يقول بصوت مرتجف: «أتغذى على نصف رغيف في اليوم.. ولا أملك أي مال للدواء، لولا أهل الخير لمت منذ زمان». يشير إلى ساقه المغطاة بمثبت طبي خارجي من التيتانيوم.
ويضيف لـ«عُمان»: «العملية تأجلت ثلاث مرات لأنه لا توجد أدوات.. الأطباء يقولون: لا يوجد معدات أو طعام يساعد الجسم يتعافى».
جوع المرضى
في حديث مع أحمد عابد، الحكيم بالمستشفى العربي المعمداني، تتجلى صورة كارثية لما يمر به المرضى والطاقم الطبي على حد سواء. يقول عابد: «أغلب المرضى يعانون من سوء تغذية حاد، لا يوجد سكر ولا طحين، ولا حتى الأساسيات.. هناك خطر حقيقي على حياتهم».
ويضيف خلال حديثه لـ«عُمان» أن مرضى السكري والضغط خصوصًا يواجهون مصاعب هائلة، لأنهم بحاجة إلى نظام غذائي متوازن لم يعد متاحًا منذ شهور، ويضطر الأطباء إلى إعطاء أدوية لا يستطيع الجسم امتصاصها بشكل سليم لغياب الغذاء الداعم.
يشير إلى أن حتى الأطفال الذين يحتاجون مكملات غذائية لم يعودوا يجدونها، «وفي حالات صعبة، نضطر لتعليق جلوكوز مكان الطعام»، ويصف المشهد بأنه «أشبه بمستشفى حرب في العصور الوسطى.. بلا دواء، بلا أكل».
جلوكوز للطواقم
مرح جاد الله، حكيمة تعمل في المستشفى المعمداني منذ خمس سنوات، لم تكن تتخيل أنها ستضطر يومًا لتعليق محلول الجلوكوز لنفسها لتُكمل نوبتها، بعد أن سقطت مغشيًا عليها من الجوع. تقول: «اضطررت أن أعلّق جلوكوز، كي أستطيع العمل».
وتوضح خلال حديثها لـ«عُمان» أن الطاقم الطبي بأكمله يعاني من ضعف وإرهاق مزمنين بسبب نقص الطعام، وهو ما يجعلهم أكثر عرضة للأخطاء ويُقلل من فاعلية التدخلات الطبية.
تقول مرح: إن المرضى يعتقدون أن الطواقم أفضل حالًا، «لكن الحقيقة إننا نجوع مثلهم تمامًا، وما في تمييز، حتى عندما نحصل على أكل، يكون قليلًا ولا يكفي دوام 12 ساعة».
وتوضح أنهم أعدّوا جدولًا خاصًا لتوزيع المحاليل الوريدية للمرضى الأكثر تدهورًا، لأنهم لا يملكون بديلًا. تختم بصوت منكسر: «نعمل ونحن نشعر أننا سنسقط في أي لحظة.. الجوع هنا للجميع، للطبيب والحكيم والممرض».
الحياة أرخص من الخبز
يصف الدكتور «بسام زقوت»، مدير جمعية الإغاثة الطبية في غزة، الوضع في القطاع بأنه انهيار شامل للمنظومة الإنسانية، موضحًا أن غزة دخلت فعليًا في مجاعة مطلقة، وأن الحالة الصحية وصلت لمستويات غير مسبوقة من الخطر.
ويؤكد في تصريح لـ«عُمان»، أن كثيرًا من العائلات في غزة تعيش على وجبة واحدة فقط إن وُجدت، بينما يلجأ بعض الآباء إلى حرمان أنفسهم لتوفير لقيمات لأطفالهم، ويغادر الشباب منازلهم بحثًا عن الطعام، ولا يعود بعضهم إلا محمولين شهداء.
أما عن الوضع الطبي، فيُشير إلى أن المستشفيات لم تعد قادرة على تقديم أكثر من خدمات إنقاذ الحياة فقط، وسط نقص فادح في الأدوية الحيوية، خصوصًا تلك المرتبطة بسوء التغذية، مثل المكملات الغذائية الضرورية للأطفال الرضع، الذين لا يجدون حتى الحليب.
ويكشف زقوت أن بعض الأمهات يترددن على المستشفيات لإرضاع أطفال أخريات لم يعد لديهن لبن، «لأن الأمهات أنفسهن جائعات ولا يستطعن إدرار الحليب». ويضيف أن الطواقم الطبية لم تسلم أيضًا من آثار المجاعة، بل إن بعض الأطباء يُجازفون بالخروج بعد دوامهم بحثًا عن المساعدات.
ويختم بتحذير مرعب: «نحن أمام سياسة إسرائيلية ثلاثية الأركان: القتل بالتجويع، شلّ عمل مؤسسات الأمم المتحدة، ودفع المجتمع نحو الانفجار.. غزة تنهار على صمت العالم».
تحذير أممي
أصدر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بيانًا عاجلًا يحذر فيه من أن المجاعة في غزة وصلت إلى مستوى غير مسبوق من اليأس، مؤكدًا أن الوضع يتجه نحو كارثة شاملة في حال استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات.
ويُشير البرنامج إلى أن الغذاء بات «الحل الوحيد المتبقي» لمنع الانهيار الكامل، داعيًا المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري دون تأخير. ويحذر من أن أي تأخير إضافي في إيصال الغذاء والدواء سيُعرض مئات الآلاف للخطر.
كما يُسلّط البيان الضوء على أن قرابة 90 ألف امرأة وطفل بحاجة ماسّة لعلاج من سوء التغذية، وسط انهيار تام في البنية التحتية الطبية وشلل كامل في سلاسل الإمداد اللوجستي.
ويؤكد البرنامج أن استمرار الوضع الراهن يُنذر بموت بطيء لعشرات الآلاف من المدنيين، وأن غزة بحاجة لتدفق منتظم ومستمر للمساعدات، وليس شاحنات محدودة لا تكفي ليوم واحد.