نواح وعويل الولي الفقيه على غياب هلاله الشيعي
تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT
آخر تحديث: 14 يناير 2025 - 9:38 صبقلم: علي الكاش قال تعالى في سورة الاعراف/179((لهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ)). غالبا ما نردد القول بأن الصراخ يكون على قدر الألم، وهذا الأمر ينطبق على السياسة كما ينطبق على البدن، على ضوء ذلك يمكن تفسير صراخ الولي الفقيه على الخامنئي وازلامه في الحرس الثوري وذيوله في المنطقة، بعد نجاح الثورة السورية بالإطاحة بحكم ما قبل آخر الطغاة في العالم الحديث، على اعتبار ان الطاغية الأول هو المرشد الأعلى للثورة الساسانية وليس الإسلامية، ويليه بشار الأسد جزار دمشق، الذي ظهر انه ليس اسدا، بل جرذ سرعان ما فر من ساحة المعركة أمام هدير الثوار، لقد اختفى في انابيب المياه الصحية في موسكو بسرعة خارقة.
جعلت الثورة السورية بنجاحها منقطع النظير الولي الخرف يهذر، وأخذت العصافير تدور حول رأسه المفحم بالدجل والاكاذيب، غير مصدقا ان ما انفقه من مليارات الدولارات على الهلال الشيعي تحول الى نيازك وقعت على رأسه، واتلفت دماغه المتكلس، اكثر من أربعين عاما يبوق هو وازلامه بالمشروع الإيراني بالمنطقة وتصدير الثورة البائسة التي لا يمكن لدولة متحضرة ان تقتدي بها، انها اشبه ما تكون بتغييرات في زمن المشاعية البدائية، فلا هي ثورة، ولا هي إسلامية، بل مشروع باطل يهدف الى احياء الدولة الساسانية، وهذا محال فالتأريخ لا يعيد نفسه، والرجال ليسوا نفس الرجال، والعالم آنذاك ليس هو العالم الحالي، كل شيء تغير الا العقول المتكلسة في ولاية الفقيه، فقد بقيت على حالها ترفض كل ما هو حقيقي.
اول خطاب للعجوز الخرف بعد سقط طاغية دمشق بتأريخ 11/12/2024 أكد فيه ” أن سقوط بشار لن يضعف إيران، وما حدث في سوريا هو نتاج مخطط أمريكي صهيوني مشترك، تصور أنه عندما تضعف المقاومة تضعف إيران الإسلامية أيضا، يعني عدم معرفة معنى المقاومة”. لكن ما غر بوصلة التغيير من الشيطان الأكبر وحليفه الكيان الصهيوني التركيا، على الرغم من انه لم يدرأ على تسميتها، فقال” أن دولة جارة لسوريا لعبت ولا تزال تلعب دورا واضحا في الاحداث التي تجري في هذا البلد”.ولإعلان براءة نظامه مما حدث في الدول الخاضعة الى سيطرته، ذكر في 18/11/2024 ” من غير المنطقي أن ينهض جيشٌ من إيران ليُقاتل بدلاً من جيش سوريا”. وقال عبر تغريدة على منصة (اكس) إن ” الحرب الرئيسية ينبغي أن يخوضها جيش ذاك البلد”، مع ان جيشه وحرسه الثوري لا يقاتل بل أوكل المهمة الى النكرات من الأذرع الخاضعين لسيطرته والعائشين في عقلية الماضي!
اشار الفقيه الخرف في حديث له بتأريخ 11/11/2024 في حسينية الخميني بطهران ” كلما ازدادت الضغوط أصبحت جبهة المقاومة أقوى وكلما ارتكبتم الجرائم زادت حافزها، أن نطاق المقاومة سيتسع أكثر من الماضي ليشمل جميع المنطقة”. وفي تحريض واضح على الإرهاب قال” بعون الله سيتم تحرير المناطق السورية المحتلة بأيدي الشباب السوري الغيور، ولا تشكوا في أن هذا سيحدث وستخرج أمريكا أيضاً من المنطقة على يد جبهة المقاومة”. ان هذه المجموعة الحالية ـ يقصد الثوار ـ لن تستمر طويلاً. وقال الامام إن أمريكا تسعى لتحصل على موطئ قدم لها في المنطقة، لكنها لن تحقق أهدافها وجبهة المقاومة ستطرد الأمريكيين من المنطقة، أن عملاء الاستكبار عبروا عن سعادتهم بعد الأحداث التي عصفت بسوريا، ظناً منهم أنه مع سقوط الحكومة السورية التي كانت تساند المقاومة، فإن جبهة المقاومة ستضعف، لكنهم مخطئون جداً”.
الحقيقة لا يوجد مخطئ من هذه الناحية الا الدجال الخرف واذرعته الخائبة في المنطقة، فقد تفتت وحدة الساحات وتحولت الى ساحة كرة قدم، وتبين زيف الادعاءات في شعارهم ( لن تسبى زينب مرتين) مع انها لم تسبَ أولا لتسبى ثانية، لقد تخلص المرقد الوهمي من قاذوراتهم، وفك اسر المرقد من قبضة الدجاجيل، تلخص جهادهم المزعوم في سرعة الهرب دون اطلاق رصاصة واحدة ولو في الهواء، وتركوا أسلحتهم مهانة، وسلاح المرء شرفه.
هذا الدجال كما يبدو يهلوس فلا نعرف عن أي انتصار يتحدث عنه في غزة ولبنان وسوريا، بقوله ” انظروا إلى غزة، إنها تُقصف منذ عام وبضعة أشهر وهناك شخصيات بارزة في غزة استشهدوا مثل يحيى السنوار، كما ألحق العدو بالناس العديد من الضربات، إلا انه وفي نفس الوقت ما زال الشعب الفلسطيني صامد ويقاوم، ان القوات الإيرانية كانت متواجدة في العراق وسوريا لسببين: الأول هو الحفاظ على أمن العتبات المقدسة، لأن الدواعش عديمي الاخلاق والدين والايمان ارادوا هدم وتدمير الاماكن المقدسة، وقد شهدنا جريمة تفجير قبة الامامين العسكريين (ع) في مدينة سامراء العراقية بدعم الأمريكيين. أما السبب الثاني، فهو لعدم السماح بزعزعة أمن المنطقة، لذلك توجهت قواتنا وجنرالاتنا الى العراق وسوريا، ان خسارة السيد نصرالله كانت ثقيلة، لكن حزب الله ازداد قوة واشتدت قبضته، والعدو الذي رأى هذه الحقيقة، سعى إلى وقف إطلاق النار معه”.
يبدو ان الدجال الخرف لديه قصر نظر وربما حول في تفسير الحوادث، فقد تحولت غزة الى خرائب، وأضحى جنوب لبنان أرض بور، وفقد ذراعه السليم ـ غير العضب ـ في سوريا، واليمن التعيس على طريق الخراب، والعراق ينتظر مصيرا اسودا بسببه سياسات نظامه المستبد. بل ان الشعب الإيراني يغلي كالمرجل للتخلص من نظام الملالي الذي اذاقهم الأمرين، وبدد ثروتهم الوطنية لتحقيق الهلال الشيعي وتصدير الثورة البائسة، ويوم بعد آخر يدفع الشعب الإيراني ضريبة السياسة الحمقاء لنظام الملالي بسبب الحصار الاقتصادي وسياسة القمع وتبذير أموال الشعب.
اما عما ذكره عن تفجير العتبات الشيعية في سامراء، فهو والجنرال سليماني اعلم من غيرهما بأن من فجر العتبات هو الحرس الثوري لخلق فتنة طائفية، ونجح في مسعاه في اثارة الحرب الاهلية عامي 2006 ـ 2002 بعد ان دعم تلك الحرب المرجع الشيعي علي السيستاني ورئيس الوزراء المهووس إبراهيم الجعفري لعنه الله دنيا وآخرة علاوة على ازلام ايران كهادي العامري والحكيم ومقتدى الصدر وجلال الصغير وهمام حمودي وحازم الاعرجي وبقية الحثالات، وقبل ان يكشف الحقيقة الجنرال الأمريكي بترايوس عن ضلوع الحرس الثوري الإيراني في العملية الإرهابية، كانت المرحومة (اطوار بهجت) اول من وصلت الى عتبات سامراء وكشفت الحقيقة، لكن مسدس سليماني قتلها وقتل معها الحقيقة، والغريب ان هذا الملف ما زال مسكوتا عنه، ودماء المغدورة ضاع سدى.
يبدو ان عدوى الدجل انتقلت الى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ، فقد ذكر في 24/12/2024 ان ” من يعتقدون بتحقيق انتصارات في سورية، عليهم التمهل في الحكم، فالتطورات المستقبلية كثيرة”. ورد بعدها بساعات وزير الخارجية السوري الشيباني عبر حسابه على منصة أكس” يجب على إيران احترام إرادة الشعب السوري وسيّادة البلاد وسلامتها، ونُحذرهم من بث الفوضى في سورية، ونُحمّلهم كذلك تداعيات التصريحات الأخيرة”. وربما هذا يفسر المحاولة الفاشلة لتفجير مرقد السيدة زينب في دمشق من قبل عناصر ترتبط بالحرس الثوري لإثارة الفتنة وهذا ما حذر منه الكثير من المحللين السياسيين، ومنهم الكاتبة العراقية بيلسان قيصر، كل اصابع الاتهام تشير الى اضطلاع نظام الملالي في المحاولة البائسة، اما الدواعش فقد زجوا لحرف الأنظار عن الفاعل الحقيقي، مع انهم أي الدواعش صنيعة نظام الملالي. واعتقد انه بعد فشل هذه المحاولة فسوف لا يتوقف نظام الملالي عن حياكة مؤامرات جديدة في سوريا منها اغتيال مراجع سورية شيعية وعلوية ودرزية لأثارة الفتنة الطائفية، او تشجيع قسد على التمرد على النظام الجديد.
كعادة نظام الملالي في تناقض التصريحات من قبل المسؤولين، فكل منهم يغني على ليلاه، ذكر عراقجي في مؤتمر صحافي مع نظیره العماني بدر البوسعيدي في العاصمة طهران في 30/12/2024، ” نتفق علي ضرورة وقف النار الفوري بغزة وفتح طرق الإغاثة والمساعدة. بحثنا الأوضاع السورية بشكل مفصل وتم التأكيد علي ضرورة الحفاظ علي وحدة أراضي سوريا وسيادتها، وعدم التدخل بشأنها الداخلي وتشكيل حكومة شاملة تمثل جميع أطياف المجتمع السوري لعودة الاستقرار فيها”. ويبد ان وزير الخارجية الإيراني لا يعرف مفهوم (عدم التدخل في الشأن الداخلي) والا ماذا نسمي تصريحه السابق وتصريح وليه الخرف؟ صدق حذيفة بقوله” من اقتراب الساعة ان تكون أمراء فجرة، ووزراء كذبه، وأمناء خونة، وعلماء فسقة، وعرفاء ظلمة”. (الكنز المدفون/24). لماذا ينوح الخامنئي نوحا يقطع قلوب ذيوله الولائيين العرب؟
لو عرف الناس مقدار خسارة نظام الملالي المادية وتركنا بقية العوامل الأخرى، ربما أعطيناه بعض الحق في نتف لحيته وجعا، فقد اعلن افلاسه في ثلاث ساحات (غزة، بيروت ودمشق)، استثمر فيها المليارات من الدولارات، فضاعت كهواء في شبك، خذ مثلا خسارته في سوريا الجديدة الحرة، وستعرف السبب.
(30) مليار دولار كاعتمادات في البنوك السورية.
(150) مليار دولار كاستثمارات في سوريا للفترة من 2011 ـ 2014ـ
(76) مليار تكاليف حرب بشار ضد الثوار السوريين المطالبين بالحرية.
(25) مليار دولار استثمارات عسكرية في سوريا.
(8) مليار دولار تكاليف انشاء خط نقل الغاز من ايران عبر سوريا للبحر الأبيض المتوسط.
(2) مليار دولار صرفيات على المراكز الدينية والثقافية والاجتماعية لترويج مشروع ولاية الفقيه، بما فيها نفقات على العتبات الشيعية في سوريا .
(125) مليون دولار استثمارات في مناجم الفوسفات.
(300) مليون دولار مشاريع استخراج النفط السوري.
(250) مليون دولار نفقات انشاء قاعدتين بحريتين لتخزين الصواريخ في دير الزور.
(180) مليون دولار لإنشاء مركز لوجستي لتخزين السلاح والعتاد في اللاذقية.
(400) مليون دولار لبناء قاعدة (تي 4) في حمص.
وما خفي اعظم.
الا يحق للمرشد الأعلى ان يلعن ذلك اليوم الذي جند فيه بشار الأسد لمصلحته؟ الخاتمة
قيل لأعرابيّ: أتريد أن تصلب في مصلحة الأمّة؟ فقال: لا! ولكني أحبّ أن تصلب الأمّة في مصلحتي”. (الإمتاع والمؤانسة3/344). اليس هذا حال الولي الفقيه؟
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: نظام الملالی ملیار دولار ملیون دولار فی سوریا
إقرأ أيضاً:
هل انتهى عصر الوصاية السورية في لبنان؟
شكلت زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى لبنان محطة هامة في مسار العلاقات السورية اللبنانية، بوصفها بداية صفحة جديدة بعد عقود من التوتر والتأزم والخلل. وأعلنت نهاية عصر الوصاية التي كان يمارسها نظام الأسد البائد في لبنان، عبر تحويل لبنان إلى ساحة خلفية له، واستخدامه ورقة في صراعاته الإقليمية والدولية، فضلا عن ازدراء نظام الأسد المخلوع، فكرة الدولة اللبنانية، وعدم اعترافه بها.
الأهمية والتوقيتلا تأتي أهمية الزيارة في كونها الأولى من نوعها لوزير الخارجية السوري إلى بيروت منذ سقوط نظام الأسد البائد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، ولا تجسدها فقط اللقاءات التي عقدها الشيباني مع كل من رئيس الجمهورية جوزيف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، ووزير الخارجية يوسف رجي، ووزير العدل عادل نصار، ومدير المخابرات طوني قهوجي، ومدير عام الأمن العام حسن شقير، إنما تكمن أيضا في أنها تمثل خطوة أولى في مسار إعادة تطبيع العلاقات بين الدولتين على أسس مختلفة، في ضوء التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية المشتركة.
وكذلك العمل على حلحلة الملفات العالقة، بدءا من ملف الموقوفين والمعتقلين في السجون اللبنانية، مرورا بملف اللاجئين السوريين في لبنان، ووصولا إلى العلاقات الاقتصادية، وملف إعادة الإعمار، وفتح المعابر التجارية، ووقف عمليات التهريب، وترسيم الحدود البرية والبحرية، بما فيها مزارع شبعا.
تعتبر الزيارة إحدى ثمار اللقاء المشترك الذي جمع الرئيسين؛ السوري أحمد الشرع، واللبناني جوزيف عون في نيويورك، على هامش أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وجاءت في ظل مرحلة انتقال سياسي جديدة في سوريا، تسعى إدارتها الجديدة إلى الانفتاح على دول الجوار والعالم، وإعادة تموضع سوريا بوصفها دولة طبيعية، تنتهج الحوار ولغة المصالح المشتركة في علاقاتها الدولية، بعد عقود عديدة من العزلة الدولية، والقطيعة مع المحيط الإقليمي، والعربي، التي انتهجها نظام الأسد، وتسببت في خضوع البلاد لعقوبات دولية، على خلفية سلوكه الدموي حيال الشعب السوري، ورعايته الإرهاب.
إعلانكما أن الزيارة تزامنت مع لحظة لبنانية حساسة، يتصدرها تصاعد النقاش الداخلي حول تسليم سلاح "حزب الله" اللبناني، وإعادة تموقع لبنان في الخارطة الإقليمية الجديدة، خاصة إثر تراجع نفوذ بعض القوى التقليدية، وتقدم الدور العربي في صياغة التوازنات.
حيث تشير نتائجها إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد تشكيل لجان مشتركة لمراجعة مجمل الاتفاقيات الثنائية، وتحديد أولويات التعاون الاقتصادي والأمني، تمهيدا لانعقاد اجتماع موسع على مستوى الوزراء في بيروت قبل نهاية العام الجاري؛ لوضع خارطة طريق جديدة للعلاقات بين البلدين، تشمل قضايا الأمن والاقتصاد والحدود، وتضع أسس علاقة أكثر استقرارا بين دمشق، وبيروت.
اعتبر الشيباني أن الزيارة وفرت فرصا "تاريخية وسياسية واقتصادية لنقل العلاقة الأمنية المتوترة في الماضي، إلى علاقة متطورة تصب في صالح الشعبين".
كما أنها حملت رسائل متعددة الاتجاهات، بعضها نحو الداخل السوري الذي يُظهر انفتاحا سوريا على جيرانه بعد سنوات من العزلة والقطيعة، وبعضها الآخر إلى الداخل اللبناني الغارق في انقساماته، والذي يحتاج إلى ترتيب العلاقة مع الجار السوري.
إضافة إلى رسالة موجهة نحو الإقليم الساعي إلى تثبيت معادلة استقرار جديدة تمنع أي فراغ قوة قد تستغله أطراف أخرى، لكن التحدي الأهم يتجسد في قدرة الحكومتين على تحويل ما اتُفق عليه خلالها إلى خطوات تنفيذية ملموسة، بعيدا عن لغة المجاملات الدبلوماسية.
من الوصاية إلى الشراكةكان لافتا أن تستبق الإدارة السورية الزيارة بإبلاغ وزارة الخارجية اللبنانية عبر السفارة السورية في لبنان، قرار تعليق عمل "المجلس الأعلى اللبناني السوري"، وحصر كل أنواع المراسلات بين البلدين بالطرق الرسمية الدبلوماسية.
وهو الأمر الذي يشي بأن دمشق تريد أن تحصر العلاقات بين الدولتين، وبين الحكومتين، بشكل مباشر، وعبر الوسائل الدبلوماسية، وليس عبر المجلس سيئ الصيت، الذي شكله نظام الأسد عام 1991، وترأسه نصري خوري، وبقي مستمرا بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، ولم يتم إلغاؤه على الرغم من المطالبات المتكررة من قبل القوى اللبنانية السيادية، والذي تبعه توقيع نظام حافظ الأسد مع لبنان، إبان فترة رئاسة إلياس الهراوي، اتفاقية "الأخوة والتعاون والتنسيق" 22 مايو/أيار 1991، بغية إضفاء الشرعية السياسية على تنظيم العلاقات بين سوريا ولبنان.
لكن الاتفاقية كانت مجرد غطاء قانوني لبسط نفوذ نظام الأسد في لبنان، حيث حوله إلى ساحة لتصفية الحسابات على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية، وبات أي قرار سياسي لبناني لا يمر دون موافقة نظام الأسد وأجهزة استخباراته، فضلا عن أن لبنان أضحى ورقة بيده يستخدمها في كل صراعاته الإقليمية، وذلك على حساب العلاقة بين الشعبين؛ السوري، واللبناني، اللذين يجمعهما كثير من قواسم العيش المشترك في الإطار "المسكوني" التاريخي بينهما.
تكمن رمزية إلغاء المجلس الأعلى اللبناني السوري في القطع مع سياسة الوصاية التي كان ينتهجها نظام الأسد في لبنان، وتدخل من خلالها في كل شاردة وواردة فيه، خاصة على المستويين؛ السياسي، والأمني.
إعلانمن هنا نفهم تعليق الرئيس عون الذي اعتبر أن "القرار السوري بتعليق العمل في المجلس الأعلى اللبناني السوري يستوجب تفعيل العلاقات الدبلوماسية، وننتظر في هذا الإطار تعيين سفير سوري جديد في لبنان؛ لمتابعة كل المسائل من خلال السفارتين؛ اللبنانية والسورية في كل من دمشق وبيروت".
إذًا، أرادت الإدارة الجديدة من خلال زيارة الشيباني لبيروت، إيصال رسالة مفادها الرغبة في فتح آفاق جديدة في علاقة سوريا مع لبنان، يجري الانتقال فيها من موقع الوصي المتسلط إلى موقع الشريك الفعلي، وتحكمها مبادئ الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتقوم على الندية والمصالح المشتركة.
يعكس كل ذلك رغبة في تجاوز إرث الماضي، وبناء علاقة مؤسساتية متوازنة، والقطع مع الإرث المخادع لنظام الأسد الذي كان يصور كلا البلدين مهدَدا على الدوام من الآخر، واعتاد تحميل مسؤولية كل الأزمات والنكسات للبلد المجاور، وعلى وضع أي خلاف أو تعارض في الرأي أو الرؤية في خانة خدمة العدو الصهيوني ومؤامراته.
مشهدية جديدةاختلف مشهد العلاقات السورية اللبنانية الجديدة مع مشهدها في عهد الوصاية. وقبله كانت هناك خطوات لمأسسة هذه العلاقات، منذ بداية خمسينيات القرن العشرين المنصرم، مع إلغاء الوحدة الجمركية، وقيام المصرفَين المركزيين؛ اللبناني، والسوري، وغيرها من الخطوات الأخرى، لكنها بقيت محدودة، ولم تذهب بعيدا في هذا المجال.
وانتقل النشاط المالي والاقتصادي لجزء هام من رأس المال السوري إلى لبنان، عندما حاصرت إجراءات وشعارات نظام البعث حركة الرساميل وأوقفت العديد من نشاطاتها.
بالمقابل، كانت العِمالة السورية تنمو في لبنان، وجذبت أعدادا كبيرة من فقراء الشعب السوري، لكن التسلطية والهيمنة أنتجتا علاقات نفعية ما بين فئات مافيوية سلطوية في البلدين. وتكونت فئات حاكمة، سياسية ومالية، في كل من سوريا ولبنان، خلال فترات الصراع المحلية والإقليمية.
واستغل نظام حافظ الأسد ظروف الحرب الأهلية اللبنانية التي نشبت عام 1975، وبدأ بدعم أطراف من أجل بسط نفوذه الأمني والعسكري والسياسي في لبنان، ثم تدخل عسكريا بضوء أخضر عربي وأميركي، ومكنه ذلك من إحكام سيطرته عليه، وبات يتحكم في قرارات السلم والحرب في لبنان، وفي مختلف تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية فيه، عبر شبكة استخباراته المتعددة.
لم يكتفِ الوريث بشار الأسد بالسير على خطى أبيه في فرض الوصاية على لبنان، بل تمادى في تسلطه وعجرفته. وشكل اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005، لحظة فارقة، حيث اضطر نظام الأسد إلى سحب قواته من لبنان تحت الضغط الدولي والعربي، لكن وصايته لم تنتهِ، إذ تولى إدارتها حليفه حزب الله اللبناني، إضافة إلى المافيات المالية والاقتصادية الموالية له في لبنان.
بعد اندلاع الثورة السورية منتصف مارس/آذار 2011، حاولت الحكومة اللبنانية اتخاذ موقف النأي بالنفس، لكن حزب الله توغل في الأراضي السورية، وراح يقاتل الشعب السوري؛ دفاعا عن نظام الأسد، وارتكب مجازر كثيرة بحق الحاضنة الشعبية للثورة السورية.
أعلن سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 عن بداية مشهدية جديدة في العلاقات السورية اللبنانية، وبداية نهاية نظام الوصاية على لبنان.
وجاءت زيارة الشيباني إلى بيروت كي تتوج هذه المشهدية الجديدة، التي تدشن مساعي لبنائها على أسس سليمة ومتوازنة، بعيدا عن نهج الوصاية والهيمنة وهواجس الأمن والتوجس وعلاقات القوة والضعف.
المطلوب هو ألا تختصر العلاقات ما بين سوريا ولبنان في علاقات ما بين وزارات وأجهزة، أو بين فئات ومكونات، وأن يستفيد الشعبان؛ السوري، واللبناني منها بمقدار ما تفرضه علاقات الجيرة والأخوة وبحدودها القصوى، من خلال إقامة علاقات متبادلة بين القوى الحية والمؤسسات والمنظمات المدنية والأهلية في كلتا الدولتين، بوصفها الحامل الحقيقي لتلك العلاقات، التي لا يمكنها أن تنمو وتقوى إلا في ظل مناخ ديمقراطي وتعددي، يضمن تحقيق التكامل والتعاون في شتى المجالات بين البلدين.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline