خالد بن حمد الرواحي

يُعد التدقيق الداخلي ركيزة أساسية لتعزيز الثقة بالتقارير المالية في المؤسسات المحلية والدولية، حيث يسهم بشكل مباشر في ضمان الشفافية والمصداقية. ووفقًا لتقرير معهد المدققين الداخليين (IIA) العالمي الصادر في فبراير 2023، أظهرت أكثر من 80% من المؤسسات التي تبنّت التحول الرقمي في التدقيق الداخلي انخفاضًا ملحوظًا في الأخطاء المالية وتحسنًا كبيرًا في مستوى الامتثال التنظيمي.

ومع التسارع الكبير في التطورات الرقمية، أصبحت الحاجة إلى تدقيق داخلي فعّال أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فبينما تسهم التقنيات الحديثة في تحسين العمليات التشغيلية ورفع كفاءة الأداء، فإنها تجلب معها تحديات جديدة، مثل زيادة مخاطر الاحتيال الإلكتروني وتعقيد الإجراءات التشغيلية. هذه التحولات تُبرز أهمية التحول الرقمي كأداة رئيسية لتحسين الأداء المؤسسي وتعزيز الشفافية.

من جانب آخر، يجلب التحول الرقمي تحديات عديدة للتدقيق الداخلي، منها تعقيد الأنظمة التقنية والاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي والخدمات السحابية. كما أن الجرائم الإلكترونية، مثل سرقة البيانات والاحتيال عبر الإنترنت، تضع المدققين أمام مسؤوليات إضافية تتطلب استخدام أدوات تحليل متقدمة للتعامل مع المخاطر واكتشاف الأنشطة المشبوهة. ووفقًا لدراسة المخاطر العالمية الصادرة عن شركة PwC لعام 2022، تُعتبر الجرائم السيبرانية تحديًا رئيسيًا لنحو 64% من المؤسسات المالية.

علاوة على ذلك، غيّرت تقنيات حديثة مثل تقنية التعاملات الرقمية (بلوك تشين) طبيعة المخاطر المالية، ما يستلزم وجود فرق تدقيق ذات خبرات متطورة قادرة على التعامل مع هذه التحديات باستخدام أحدث الأدوات الرقمية.

وفي ذات السياق فأن التكنولوجيا الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من التدقيق الداخلي. حيث تُظهر رؤى التدقيق الداخلي الصادرة عن شركة Deloitte لعام 2023 أن تقنيات مثل التعلم الآلي تساعد على كشف الأنماط المشبوهة واكتشاف العمليات غير المعتادة بسرعة فائقة. ومن أبرز الأدوات المستخدمة في هذا المجال لغة أوامر التدقيق (ACL) وبرنامج Team Mate، التي تُساعد في تحليل كميات هائلة من البيانات المالية بدقة وكفاءة.

لذلك.. فعلى المستوى المحلي، وفي إطار تحقيق أهداف رؤية عُمان 2040، أطلقت سلطنة عُمان مجموعة من المبادرات لدعم التحول الرقمي في التدقيق الداخلي وتعزيز الحوكمة. فعلى سبيل المثال، أطلقت وزارة المالية برامج رقمنة تهدف إلى تحسين الرقابة المالية في الوحدات الحكومية، مما أدى إلى رفع كفاءة الأداء وزيادة الشفافية. كما اعتمد القطاع المصرفي تقنيات تحليل البيانات لمراقبة العمليات المالية واكتشاف الأنشطة المشبوهة، مما يعزز مصداقية التقارير المالية.

إضافة إلى ذلك، أطلقت الأكاديمية السلطانية للإدارة برامج تدريبية متخصصة لتحليل البيانات وإدارة المخاطر، بهدف تطوير مهارات الكوادر البشرية وضمان جاهزيتها لمواكبة التحولات الرقمية. هذه الجهود تعكس التزام سلطنة عُمان بتطوير بيئة عمل رقابية متكاملة تواكب المعايير الدولية وتدعم استدامة المؤسسات.

وعليه، فإن التدقيق الداخلي يلعب دورًا جوهريًا في تعزيز الحوكمة المؤسسية، حيث يسهم في تحقيق الشفافية والمساءلة. ووفقًا لدراسة أجرتها شركة KPMG عام 2021، سجلت المؤسسات التي تطبق تدقيقًا داخليًا فعّالًا انخفاضًا بنسبة 30% في حالات الفساد المالي والإداري؛ حيث يضمن التدقيق الداخلي الامتثال للوائح والقوانين ويُحسّن من تنفيذ السياسات المؤسسية، مما يقلل من المخاطر التشغيلية ويُعزز كفاءة الأداء.

وتُبرز مبادرات مثل برنامج تعزيز النزاهة المالية في سلطنة عُمان التزام السلطنة بتحقيق الشفافية من خلال توظيف التكنولوجيا الرقمية في نظم الحوكمة. هذه الجهود تُسهم في زيادة ثقة المجتمع المالي وتدعم استدامة المؤسسات.

ومن الأهمية بمكان ولتحقيق أقصى استفادة من التحول الرقمي، ينبغي على المؤسسات التركيز على تطوير أنظمة تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي، وتعزيز المهارات البشرية من خلال التدريب المتخصص، وتطبيق أنظمة تدقيق مستمرة للكشف المبكر عن المخاطر. كما أن بناء ثقافة مؤسسية قائمة على الشفافية والمساءلة يُعد ضرورة لتحقيق نتائج فعّالة.

وفي الختام، يُعد التدقيق الداخلي أداة رئيسية لتعزيز الثقة بالتقارير المالية؛ حيث يجمع بين الابتكار الرقمي ومتطلبات الحوكمة لضمان مستقبل مستدام. ومن خلال جهود سلطنة عُمان الرائدة في هذا المجال، يُمكن للمؤسسات تحقيق مستويات أعلى من الشفافية والكفاءة مع مواجهة تحديات العصر الرقمي بثقة ومرونة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

«الوطني للإعلام» ينظم طاولة مستديرة في لندن تحضيراً ل «بريدج»

نظّم المكتب الوطني للإعلام طاولة عمل مستديرة بحضور عبد الله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس المكتب، رئيس مجلس إدارة مجلس الإمارات للإعلام، على هامش أسبوع لندن للتكنولوجيا.
شهدت الطاولة عدداً من الجلسات والورش التفاعلية التي ناقشت تعزيز التعاون وتبادل الخبرات مع المؤسسات العالمية ورواد الإعلام في العالم بما يخدم منظومة الإعلام.
أكد عبدالله آل حامد أن دولة الإمارات، تواصل جهودها لترسيخ مكانتها مركزاً عالمياً للابتكار الإعلامي عبر قمة بريدج العالمية التي تقام في أبوظبي خلال ديسمبر المقبل وتسعى إلى تمكين منظومة إعلامية مرنة وفعالة، قادرة على مواكبة التحولات المتسارعة وصياغة روايات ملهمة تعكس قيم التسامح والانفتاح والتقدم وتدعم الصحافة المسؤولة في العصر الرقمي.
وقال: «سنعمل من خلال قمة بريدج العالمية على طرح حلول عملية وشراكات استراتيجية تعود بالنفع على الجميع وترسخ نموذجاً إعلامياً يقوم على الشفافية والمسؤولية والإبداع، نموذجاً يحترم التنوع الثقافي ويعزز قيم التسامح والتعايش السلمي».
ونوّه بأن هذه الطاولة المستديرة تمثل خطوة مهمة ضمن سلسلة اللقاءات العالمية الهادفة إلى الإعداد الشامل لقمة بريدج، عبر حوارات بناءة تعزز العمل المشترك وتوحد الرؤى نحو بناء إعلام متكامل ومتفاعل مع مختلف التخصصات والقطاعات.
منصة استراتيجية
وبدأت فعالية الطاولة بكلمة لدكتور جمال محمد عبيد الكعبي، المدير العام للمكتب الوطني للإعلام تحدث فيها عن قمة بريدج العالمية، التي تعد منصة استراتيجية تهدف إلى تطوير منظومة الإعلام، وتوسيع نطاق التعاون بين المؤسسات الإعلامية على مستوى العالم.
وأوضح أن القمة تعمل على تعزيز تبادل المعرفة والخبرات، وفتح آفاق جديدة أمام الابتكار الإعلامي من خلال دمج التقنيات الحديثة ومواكبة المتغيرات المتسارعة، مشيراً إلى أن هذه الجهود تنسجم مع رؤية دولة الإمارات الساعية لترسيخ مكانتها شريكاً رئيسياً في صياغة مستقبل الإعلام القائم على التعاون والتكامل.
وأكد الدكتور جمال الكعبي، أن قمة بريدج تسعى لتأسيس شبكة عالمية من الخبراء والمبتكرين في مجال الإعلام لاستشراف التوجهات المستقبلية ودعم صناعة القرار في المؤسسات الإعلامية وتحفيز ريادة الأعمال الإعلامية من خلال دعم الشركات الناشئة والمشاريع المبتكرة في قطاع الإعلام، وإيجاد بيئة تدعم تطوير منصات إعلامية جديدة ومستدامة.
بناء الثقة.
وفي جلسة بعنوان «القيادة الإعلامية: إعادة بناء الثقة في العصر الرقمي»، شارك فيها عبدالله آل حامد، ونخبة من الإعلاميين وصناع الفكر واستعرضت تراجع الثقة في المحتوى الإعلامي في العصر الرقمي أكد المشاركون أن المؤسسات الإعلامية بحاجة إلى تطوير استراتيجيات جديدة تجمع بين الابتكار التقني والمعايير المهنية الراسخة، مشيرين إلى أن الشفافية والمساءلة تمثلان حجر الأساس في استعادة ثقة الجمهور، خاصة في ظل التحديات التي تفرضها سرعة انتشار المعلومات المضللة عبر المنصات الرقمية.
وقال رئيس المكتب الوطني للإعلام خلال مداخلته: «نواجه اليوم أزمة ثقة حقيقية بعد أن تداخلت الحقائق مع المعلومات المضللة، وتنامت الشكوك حول المصداقية».
وأضاف:«نعيش اليوم في عصر تتسارع فيه المعلومات بوتيرة لم نشهدها من قبل، وبينما فتحت التقنيات الرقمية آفاقاً واسعة للتواصل والمعرفة، إلا أنها في الوقت ذاته خلقت تحدياً حقيقياً يتمثل في تآكل الثقة بين المؤسسات الإعلامية والجمهور».
وقال إن التحدي الأكبر الذي نواجهه اليوم ليس في كمية المعلومات المتاحة، بل في جودتها ومصداقيتها، فالمعلومات المضللة تنتشر بسرعة، والخوارزميات تخلق فقاعات معلوماتية تكرس التضليل بدلاً من توسيع المدارك.
وأضاف:«يكمن الحل في الجمع بين الابتكار والأصالة، بين التقنية والقيم الإنسانية، علينا أن نستثمر في الذكاء الاصطناعي المسؤول، وأن نطور منصات إعلامية تتسم بالشفافية والمساءلة، وأن نعيد تعريف دور الإعلامي ليصبح حارساً للحقيقة ومرشداً للجمهور في متاهة المعلومات».
مستقبل الأخبار
وفي جلسة بعنوان «المؤسسات الخيرية والمؤسسات: تمويل مستقبل الأخبار»، شارك فيها الدكتور جمال الكعبي، ناقش المشاركون التراجع في سوق الإعلانات وتغير سلوكيات الجمهور، إلى جانب بحث وسائل الإعلام عن طرق جديدة للبقاء والازدهار.
وقارنت النقاشات بين نماذج التمويل والربح التقليدية والحديثة، بدءاً من البث العام والعمل الخيري، وصولاً إلى منصات مثل«سابستاك» و«يوتيوب».
فيما تناولت جلسة بعنوان «الترفيه والقوة الثقافية: الجغرافيا السياسية للثقافة الشعبية»، شاركت فيها مريم بن فهد المستشارة في المكتب الوطني للإعلام إلى جانب مجموعة من الإعلاميين وصناع الترفيه.. دور الإعلام كقوة ناعمة قادرة على تعزيز الصور النمطية، وتشكيل الثقافة، والتأثير في كل شيء من الدبلوماسية إلى الرأي العام.
واستكشفت جلسة بعنوان «المؤسسات الأكاديمية: مناهج إعلامية مستقبلية»، شاركت فيها الدكتورة آمنة الحمادي المستشارة في المكتب، سُبل إعداد قادة الإعلام لمواجهة بيئة إعلامية مستقطبة ومعززة بالتكنولوجيا وركزت على تأثير المحتوى المدعوم بالذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية.
جلستان حول الأتمتة ومستقبل الإعلام
في جلسة بعنوان «الإعلام والابتكار: الأتمتة والذكاء الاصطناعي في غرفة الأخبار»، شاركت فيها علياء بن الشيخ القائمة بأعمال المدير التنفيذي للتطوير والاتصال الاستراتيجي بالمكتب وعدد من قادة الإعلام وخبراء التكنولوجيا، تناولت كيف يُعيد الذكاء الاصطناعي والأتمتة تشكيل سير عمل وسائل الإعلام على جميع المستويات.فيما ناقشت جلسة بعنوان«مستقبل الإعلام: أصوات تشكل المستقبل»، شارك فيها عمر الحميري، مدير مشروع التطوير المؤسسي في المكتب، سبل سرد قصص إعلامية أفضل، وتغيير التأثير، ومواجهة التحديات الأخلاقية والتقنية والمؤسسية التي تشكل مستقبل الإعلام في المرحلة المقبلة.

مقالات مشابهة

  • مجلس إعلام الأزهر يعلن عن معايير جديدة لقبول طلاب الإعلام الرقمي
  • في اشتداد الصراع.. التحصين المجتمعي أولوية
  • سلطة ضبط السمعي البصري تُحذر
  • الرعاية الصحية تطلق أول ورشة عمل مع روش لتعزيز التحول الرقمي
  • «الوطني للإعلام» ينظم طاولة مستديرة في لندن تحضيراً ل «بريدج»
  • قيادي بمستقبل وطن: بيان الخارجية يؤكد الشفافية مع الأجانب لحماية الأمن القومي
  • القوات المسلحة العراقية: التقارير تشير إلى أنه لا وجود لأي تهديد للبعثات الدبلوماسية
  • بمحافظتين.. اعتقال عصابة نصب تستغل أسماء المؤسسات الخيرية وتاجر مخدرات
  • أبوظبي للمحاسبة ينظم ملتقى ممارسي التدقيق الداخلي
  • السبكي يبحث مع روش إنشاء مركز لاستخدام قواعد البيانات الصحية والذكاء الاصطناعي