غزة تستقبل المساعدات وتنتشل الشهداء في اليوم الثاني للهدنة
تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT
يتواصل دخول شاحنات المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة اليوم الاثنين ثاني أيام اتفاق وقف إطلاق النار، وذلك بعد إطلاق كتائب القسام 3 أسيرات إسرائيليات مقابل إطلاق سراح 90 أسيرا فلسطينيا في سجون الاحتلال أمس الأحد.
وقال مراسل الجزيرة إن "هذه الليلة الأولى لأهالي غزة التي ينامون فيها من دون شهداء أو مصابين أو مفقودين، بعد 471 يوما من المجازر الإسرائيلية في القطاع، خلّفت أكثر من 155 ألف شهيد وجريح فلسطيني، وما يزيد على 11 ألف مفقود".
وينص الاتفاق على دخول 600 شاحنة يوميا إلى غزة -من معبر رفح بعد تفتيشها في معبر كرم أبو سالم- لنقل المساعدات الإنسانية ومواد الإغاثة والوقود، على أن تتوجه 300 شاحنة إلى شمال القطاع.
وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر، في منشور على منصة إكس، إن "630 شاحنة تحمل مساعدات إنسانية دخلت إلى غزة أمس الأحد، منها ما لا يقل عن 300 متجهة إلى شمال القطاع.
ولفت فليتشر إلى أن الاحتياجات الإنسانية هائلة؛ بعد 15 شهرًا من الحرب المستمرة.
وذكر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في وقت سابق أنه يسعى لتوفير الغذاء لأكبر عدد ممكن من سكان القطاع بعد إعادة فتح المعابر بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه أمس الأحد.
إعلان انتشال الشهداءفي هذه الأثناء، تواصل طواقم الدفاع المدني في أرجاء قطاع غزة انتشال الجثامين المتحللة لعشرات الشهداء، سواء الموجودة تحت الأنقاض أو التي تُركت في الشوارع، ولم يمكن الوصول إليها بسبب القصف الإسرائيلي وحجم الدمار، وقلة الإمكانات، خاصة في غياب الآليات الثقيلة.
بدوره، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة عن البدء في نشر الآلاف من عناصر الشرطة وفق خطة حكومية لحفظ الأمن والنظام في القطاع.
وقال المكتب الإعلامي -في بيان- إن الوزارات والمؤسسات الحكومية في غزة على جاهزية كاملة للبدء في العمل.
كذلك تواصل آلاف العائلات التوجه من مخيمات النزوح في مدينة غزة باتجاه منازلها أو ما تبقى من أنقاضها في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون شمالي القطاع.
الخطوة التالية للاتفاقوتنتهي المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غضون 42 يوما، ويفترض أن يفرج خلالها عن 33 محتجزا إسرائيليا مقابل 1900 أسير فلسطيني. وتترافق مع وقف الأعمال القتالية في قطاع غزة.
وفي اليوم السابع من الاتفاق ستنسحب قوات الاحتلال من شارع الرشيد شرقا حتى شارع صلاح الدين، وتبدأ عمليات تفكيك كل المواقع في هذه المنطقة، لتبدأ عودة النازحين إلى مناطق سكنهم، مع ضمان حرية تنقل السكان في جميع القطاع.
كذلك سيسمح للمركبات بالعودة شمال محور نتساريم بعد فحصها من شركة خاصة يحددها الوسطاء مع الجانب الإسرائيلي، بناء على آلية متفق عليها.
وفي اليوم 22 من بدء تنفيذ الاتفاق، تنسحب قوات الاحتلال الإسرائيلي من وسط القطاع، خاصة من "محور نتساريم" و"دوار الكويت"، إلى منطقة قريبة من الحدود، ويتم تفكيك المنشآت العسكرية بالكامل، مع استمرار عودة النازحين إلى أماكن سكنهم، ومنح السكان حرية التنقل في جميع مناطق القطاع.
وبدعم أميركي، ارتكبت إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلفت أكثر من 157 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
إعلانوفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهمتي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
غزة وهندسة الكابوس: بين السياسة والكارثة الإنسانية
يظهر العالم قدرا كبيرا من البلادة تجاه ما يجري في قطاع غزة، بينما مئات الآلاف يعيشون ظروفا كارثية، في مواجهة منخفضات جوية متتابعة في الخيام التي تشبه محاولة لترقيع العراء، وبالتوازي مع ذلك يعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليفقد حماسه تجاه ما يجري في غزة، فيؤجل الإعلان عما يسمى مجلس السلام إلى بداية العام المقبل.
يظهر المجلس نفسه خارج أية أطر معروفة سابقا للحلول الدولية، التي قدمت لتسوية الأوضاع في مناطق الصراع، والرئيس الأمريكي يريده كذلك بالفعل، لأنه يبحث عن هامش للتصرف خارج أي تصورات قانونية تتعلق بحقوق الفلسطينيين، ليحولهم من شعب يبحث عن حريته واستقلاله إلى مجرد كتلة سكانية، والإسرائيليون في المقابل يضعون شروطهم لتصنيف الفلسطيني المقبول وغير المقبول، ويحولون غزة إلى نسخة تستجمع تراثا كابوسيا، يسعى إلى تجريد البشر من إنسانيتهم بمعناها الحداثي والمعاصر ليصبحوا مجرد وقود حيوي لمشروعها الاقتصادي، بعضهم سيكون مفيدا ولا بأس أن يعيش مقابل لقمة العيش، والآخرون عليهم أن يبحثوا عن مكان آخر في تغريبة جديدة يتعرض لها الفلسطينيون.
تبقى الأسئلة معلقة حول غزة وكل الأحداث التي تتابعت بعد السابع من أكتوبر 2023، وفي زيارة قريبة للقاهرة، وحديث مع بعض الغزيين الذين خرجوا من القطاع بعد أسابيع من الأحداث، وصلت إلى نتيجة مفادها أن الطرقة التي تقصدتها المقاومة في القطاع على جدار الخزان، أدت إلى تصدعه وانهياره، وكان ذلك مفاجئا للجميع، بمن فيهم المقاومة نفسها، فالفشل الإسرائيلي في احتواء الهجمة التي تقصد أن تكون واسعة في ذلك اليوم، أدى إلى تحويلها إلى حدث غير مسبوق ومنفلت من أي حسابات يمكن التعامل معها.
في البداية كانت النشوة، يخرج الغزيون في مواكب احتفالية إلى شواطئ القطاع، ويتجمهرون في المخيمات، وفي ذاكرتهم ما تعرضوا له من اعتداءات إسرائيلية متواصلة على مراحل مختلفة، وما عايشوه حصارا طويلا كان يتقصد إبقاءهم على الحافة الحرجة للحاجة والعوز، لم يفكروا في شيء في البداية، ولكن في الليلة الثانية، وبعد تكشف المدى الذي وصلته عملية طوفان الأقصى، بدأت مشاعر القلق تنتاب الأهالي في القطاع، ومع الضربات الجوية الأولى ظهرت إسرائيل وكأنها تريد محو غزة من الوجود، فالمناطق التي تقصدها القصف، لم تكن مجرد أهداف متفرقة ومدروسة، ولكنها بدت وكأنها عملية تجريف ممنهج للقطاع لتقويضه بالكامل.
يتابع محدثي أن بيوت عائلته التي كانت تشكل مربعا صغيرا على مقربة من الشاطئ سويت بالأرض تماما، ومن تبقى من أقاربه يتنقلون من مكان إلى آخر حتى اليوم، ولا توجد أية فرصة للعودة، والكثير من أهالي القطاع يفكرون في الخروج، إلا أن انعدام الفرص في الخارج وعدم وجود ما يكفي لمباشرة حياة جديدة دائمة، أو مؤقتة في خارج القطاع تبقيهم داخل الدوامة غير المنتهية من الاحتمالات المرتبطة بتصورات يجري تداولها على نار هادئة بخصوص المستقبل، ونوعية الحياة التي ستوضع أمام الغزيين بعد دخول القوى الأمنية ومباشرة ما يسمى بعملية إعادة الإعمار، التي ما زالت النقاشات حول تكلفتها وشكلها النهائي عالقة، تنتظر دورها في جدول أعمال مزدحم أمام الرئيس الأمريكي، الذي يعاني من تعدد الحسابات الثقيلة على أسلوبه في التفكير من أوكرانيا إلى فنزويلا.
ما عايشته إسرائيل مع الفلسطينيين في العامين الأخيرين، نقلها إلى اعتبارهم مسألة عسكرية بعد عقود من التعامل معهم بوصفهم تحديا أمنيا
ما عايشته إسرائيل مع الفلسطينيين في العامين الأخيرين، نقلها إلى اعتبارهم مسألة عسكرية بعد عقود من التعامل معهم بوصفهم تحديا أمنيا، ويبدو أن هذه العقيدة المستجدة ستتواصل في الجانب الإسرائيلي لسنوات مقبلة، وستكون تكلفتها مرتفعة، فالإسرائيليون لا يظهرون مهتمين بإعادة الإعمار، وكل ما قدموه حاليا هو أحاديث عن المساهمة في رفع الأنقاض، ما تبدو عملية منصبة في الرؤية العسكرية من أجل تحويل القطاع إلى أرض منبسطة وخالية تخضع لشروط إعادة بناء يخدم الغايات والمصالح الإسرائيلية، ولا يضع في الحد الأدنى مصالح الغزيين وأنماط معيشتهم في الاعتبار.
الواضح أن الغزيين سيفقدون عمقا عسكريا ـ أمنيا وراء الخط الأصفر، الذي سيصبح تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، وفي المقابل سيسلبون الشواطئ التي ستتوزع بين مرافق تجارية ولوجيستية ومنتجعات سياحية يحلم بها الرئيس الأمريكي، ليضع نموذجه الخاص بالسلام ذي الطبيعة العقارية والتجارية، وفي الوسط سيتبقى الفلسطينيون الذين يمكنهم أن يتسقوا مع الواقع الجديد المصمم لمصلحة إسرائيل شكلا وموضوعا. بغض النظر عن التباين في وجهات النظر والحديث حول الأدوار والمسؤوليات، يبقى أن سجل الرئيس الأمريكي الذي يخلو من إحداث تغيرات جذرية قائمة على فهم حقيقي للواقع ومعطياته، لا يشجع على التبني المتفائل لأي تسوية يمكن أن تعود بالفائدة على الغزيين بشكل خاص، والفلسطينيين في الضفة الغربية بشكل أوسع.
هل سيلقي الرئيس ترامب بتصوراته أمام مجلس السلام ليصبح مجرد جهة تنفيذ لأحلامه أو أوهامه، وهو ما سيتبدى في التصور الذي سيقدمه، أم أن المجلس سيكون جهة استشارية تقدم تصورا يصبح في حد ذاته موضوعا للجذب والشد؟
يتحدث الرئيس الأمريكي عن وجود رغبة من قيادات بعض الدول للوجود في المجلس الذي يؤجل الإعلان عنه، ولكن لا يبدو أن ذلك سيكون منتجا إلا في ممارسة الضغوطات على الفلسطينيين، لا الجانب الإسرائيلي الذي يظهر غير مكترث بأي مبادرة لا تخدم مصالحه بالكامل، وهو يحمل مقولة الأمن وتقديم الضمانات للحيلولة دون تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر بصورة نهائية، بمعنى إدارة القطاع بالوكالة لمصلحة هذه الغاية، التي تلتهم المطالب الفلسطينية المقابلة حول توفير سبل العيش الكريم للفلسطينيين على أرضهم وبأنماط الحياة التي يتطلعون لها.
الفجوات في الوقت، التي يعيشها الفلسطينيون وسط المياه التي تجرف خيامهم، تبدو مقصودة، من أجل توهين الخيارات الفلسطينية والوصول بها إلى الحد الأدنى وتفريغ أي شعور بجدوى ما حدث في السابع من أكتوبر، والعالم الذي تصاعدت عاطفته المناصرة للفلسطينيين، وضعت أمامه جزرة وقف إطلاق النار لتهدئته وتفريغ حركته المناصرة للفلسطينيين تجاه العمل على إعادة ترميم الرواية الإسرائيلية.
يعتاد العالم على فكرة الموت البطيء والمدروس، يحدث ذلك في بقاع كثيرة في الأرض، وغزة تتحصل على مكانها في وسط هذه المنظومة غير الصادمة، التي تعمل على هندسة الاعتياد تحت وطأة إدارة الآمال الفارغة والفواصل الإعلانية التي يقدمها الرئيس الأمريكي، والتخوف الحقيقي من أن تكون فترة الاستيعاب الراهنة مدخلا لتجريد الفلسطينيين من كل شيء في مقابل ترميم الأولويات الإسرائيلية تجاه واقع يحول غزة إلى بؤرة عشوائية محاصرة متوارية خلف قشرة من المنجزات الصغيرة التي ستظهر هي الأخرى مثل الفواصل الإعلانية في وسط مسلسل كابوسي يتابعه العالم بصمت وبلادة.
القدس العربي