بوابة الوفد:
2025-10-12@17:04:04 GMT

فرص وآفاق الثورة الرقمية

تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT

 

شهد العالم في العقود الأخيرة ثورة رقمية غير مسبوقة، أحدثت تحولات جذرية في جميع مجالات الحياة. هذه الثورة لم تقتصر على الدول المتقدمة، بل امتدت إلى العالم العربي الذي أصبح جزءًا من هذا التحول الرقمي الكبير. فمع انتشار الإنترنت والهواتف الذكية، شهدت المنطقة العربية تحولات سريعة نحو اعتماد التكنولوجيا الرقمية، وأثر ذلك بشكل كبير على المنظومة الاقتصادية والاجتماعية والحكومية.


وفقًا للإحصاءات الحديثة حتى أكتوبر 2024، بلغت نسبة مستخدمي الإنترنت في العالم العربي حوالي 67.5%، ليصل عدد المستخدمين إلى أكثر من 305 مليون شخص. هذا النمو يعكس التحول الكبير الذي شهدته المنطقة، ولكنه أيضًا يطرح تساؤلات عديدة حول كيفية استثمار هذه الفرصة لتحقيق التنمية المستدامة، وما هي التحديات التي يجب معالجتها لضمان مستقبل رقمي مستدام.
بحسب التقديرات فإن الاقتصاد الرقمي يساهم بحوالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، مع توقعات بنمو هذه النسبة في السنوات القادمة مع ارتفاع الاستثمارات في التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية. التجارة الإلكترونية، على سبيل المثال، حققت نموًا استثنائيًا في السنوات الأخيرة، حيث تُقدر قيمة هذا القطاع في دول مجلس التعاون الخليجي بأكثر من 76 مليار دولار، مع توقعات بارتفاع هذه القيمة نتيجة ارتفاع معدلات استخدام الإنترنت وتبني حلول الدفع الإلكتروني. على مستوى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، يصل حجم السوق إلى حوالي 135 مليار دولار، مع توقعات نموه إلى 264 مليار دولار بحلول عام 2029.
إجمالاً، الشباب العربي، الذي يشكل حوالي 75% من سكان المنطقة، يعد من أبرز المستفيدين من الثورة الرقمية. فالتقنيات الرقمية توفر فرصًا غير مسبوقة للشباب في مجالات ريادة الأعمال والابتكار، وتساهم في خلق وظائف جديدة وتحفيز النمو الاقتصادي.
وقد لعبت التقنيات الرقمية دورًا كبيرًا في تحسين الخدمات الحكومية. تتبنى الدول العربية عامةً استراتيجيات وطنية للتحول الرقمي، ساهمت في تطوير الأداء الحكومي وتقديم خدمات إلكترونية سريعة وفعّالة مقارنة بالسابق. في الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، تشير البيانات بأن استراتيجية الإمارات للبلوك تشين توفر على الحكومة 3 مليارات دولار سنويًا.
وعلى الرغم من المكاسب الكبيرة التي تعد بها الثورة الرقمية، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه العالم العربي في عمومه. من أبرز هذه التحديات هي الفجوة الرقمية. على الرغم من أن نسبة استخدام الإنترنت في المنطقة تعد مرتفعة نسبياً، إلا أن ثلثي السكان لا زالوا غير موصولين بالشبكة. في بعض الدول مثل اليمن وسوريا، تعيق الأوضاع السياسية والاقتصادية الاستثمار في تطوير وتوسيع نطاق البنية التحتية الرقمية.
الأمن السيبراني يشكل تحديًا كبيرًا آخر. فمع زيادة الاعتماد على التقنيات الرقمية، أصبحت البيانات الشخصية عرضة للانتهاكات. تُقدر تكلفة الجرائم السيبرانية عالميًا بحوالي 6 تريليونات دولار سنويًا، وهو ما يفرض الحاجة إلى استثمارات كبيرة لحماية البيانات وتعزيز الأمن الرقمي.
نقص المهارات الرقمية يمثل عائقًا إضافيًا. وفقًا لدراسة أجرتها مجموعة بوسطن للاستشارات (BCG)، فإن نقص الكفاءات الرقمية يمثل التحدي الأكبر أمام التحول الرقمي في الشرق الأوسط. هذا النقص يعوق قدرة الشركات والحكومات على الاستفادة الكاملة من التقنيات الرقمية.
قد تكون الحلول النمطية هي الوسيلة المثلى للاستفادة من الفرص التي تتيحها الثورة الرقمية. أول هذه الحلول تتطلب الاستثمار في تطوير البنية التحتية الرقمية لضمان الوصول الشامل إلى الإنترنت. تقليص الفجوة الرقمية يجب أن يكون أولوية، مع التركيز على توفير الوصول إلى التكنولوجيا للفئات المهمشة والمناطق النائية.
ثم أنه لا بد أن يصبح التعليم الرقمي جزءًا أساسيًا من المناهج الدراسية. إدماج المهارات الرقمية مثل البرمجة وتحليل البيانات في النظام التعليمي سيساهم في تأهيل جيل جديد قادر على التفاعل مع متطلبات الاقتصاد الرقمي. ومن الأهمية أن تعمل الحكومات وبالتعاون مع القطاع الخاص لتوفير برامج تدريبية لتطوير مهارات القوى العاملة الحالية في القطاع العام والخاص.
سن التشريعات لحماية البيانات وتعزيز الأمن السيبراني هو أمر ضروري أيضاً. يجب أن تعمل الحكومات العربية على تطوير قوانين شاملة لحماية الخصوصية وضمان أمن البيانات، وموائمة هذه القوانين مع المعايير الدولية لمواجهة تهديدات الفضاء السيبراني.
من جهة أخرى، الابتكار وريادة الأعمال يجب أن يحظيا بدعم كبير. توفير بيئة تنظيمية مرنة مشجعة للاستثمارات في الشركات الناشئة سيدعم قدرة المنطقة على المنافسة في الاقتصاد الرقمي العالمي. ومن الأهمية التركيز على دعم المشاريع التي تجمع بين التكنولوجيا والتنمية الاجتماعية، مثل تلك التي تهدف إلى تحسين التعليم أو الرعاية الصحية باستخدام الحلول الرقمية.
ختاماً، الثورة الرقمية تمثل أكثر من مجرد فرصة اقتصادية، بل الوسيلة التي يمكن من خلالها إعادة تموضع المجتمعات العربية لتتحول إلى قوة تنافسية في الاقتصاد الرقمي العالمي. تحقيق هذا المطلب يستوجب تكوين فهم العوامل الهيكلية، وعملية تخطيط توازن بين التكنولوجيا والتنمية البشرية، ووضع الاستراتيجيات الوطنية التي ترتكز على الابتكار والتكامل الإقليمي والتنمية المستدامة.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: ثورة رقمية مجالات الحياة

إقرأ أيضاً:

كيف خسرت الهند بنغلاديش وربحتها الصين وباكستان؟

في أبريل/نيسان من هذا العام التقى المستشار الأعلى لبنغلاديش محمد يونس بعد ثورتها العام الماضي برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والتقط معه صورة ودية وهما يتصافحان.

خرج بعدها المتحدث باسم محمد يونس قائلا إن لقاء القائدين كان بناء ومثمرا، وصرحت وزارة الخارجية الهندية بأن الهند ومودي يدعمان مسيرة التحول الديمقراطي وتحقيق الاستقرار في بنغلاديش ويدعمان إقامة دولة سلمية وتقدمية فيها، وأن الهند تسعى لإقامة علاقة بناءة قائمة على البراغماتية مع جارتها.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أسقطت المرأة الحديدية واستبعدت إسرائيل.. الثورة تغيّر بنغلاديشlist 2 of 2نيبال تشتعل.. هل هو ربيع آسيوي جارف؟end of list

لكن ما يدور على الأرض يشي بتوتر مكتوم قد يكون له بالغ الأثر في السنوات المقبلة، فانتخابات بنغلاديش المزمعة إقامتها في أبريل/نيسان 2026 من المرجح أن تأتي بأطراف إلى الحكم على خصومة كبيرة مع الهند وقيادتها الحالية.

وعلى مدار الشهور التي قضاها محمد يونس في السلطة اتسمت إدارته الخارجية بتغيير وجهة البلاد بمهارة وتأن، إذ قالت مجلة "ذا ديبلومات" إنه نجح في تقوية علاقته مع الصين وإبرام العديد من الصفقات معها، وفي الوقت نفسه نجح في التواصل ببراغماتية وذكاء مع مودي، كما حافظ على علاقة جيدة مع الإدارة الأميركية ويحافظ على دعمها لبلاده.

لكن رغم استخدام يونس وإدارته لغة ذكية وماهرة في التعامل مع جارته الكبرى وحرصه في خطاباته على ألا يثير استفزازها فإنه على أرض الواقع مال ببلاده بقوة نحو التقارب مع الصين على حساب الهند، الأمر الذي ربما يتعمق مع تولي حكومة منتخبة إدارة بنغلاديش العام المقبل إذا أجريت الانتخابات.

وإذا ما تسارعت الأمور أكثر فإن الهند ربما تجد نفسها في موقف لا تُحسد عليه يهدد أمنها القومي، فقد تتقارب بنغلاديش وباكستان والصين معا، وكل واحدة منهما لديها خصومة مع الهند.

كيف وصلت علاقة الهند وبنغلاديش إلى الحضيض؟

لا تتوقف وسائل الإعلام الهندية عن الإشارة إلى خطورة فقدان بنغلاديش وتوتر العلاقة بين البلدين، لكن اللهجة السائدة تعزو هذه الأزمة إلى ظروف خارجة عن إرادة الهند، فهي تعود في نظرها إلى أن الإسلاميين المتطرفين بعد الثورة صارت لهم كلمة عليا في بنغلاديش، فهم يكرهون الهند لأسباب طائفية بحسب تلك الرؤية.

إعلان

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الصين استغلت الثورة وحاكت مؤامرة ضد الهند استطاعت أن تكسب بها بنغلاديش إلى صفها بحسب تلك الرؤية السائدة في بعض وسائل الاعلام.

لكن هذا التفكير التآمري المنتشر في صفوف بعض المحللين الهنود يغض الطرف عن حقيقة كون الهند مسؤولة إلى حد كبير عن وصول العلاقات بين البلدين إلى ما هي عليه الآن.

لقد أتت الثورة على الشيخة حسينة بمثابة ضربة موجعة ومفاجأة لدلهي، إذ كانت حسينة قبل عام واحد من الثورة قد أعلنت أن علاقة بلادها بالهند تعيش عصرها الذهبي.

وكانت حسينة كنزا استراتيجيا للهند، وبحسب منتدى دراسات شرق آسيا فإن نظام حسينة وفر للهند 5 مزايا كبرى، الأولى أن بنغلاديش كانت تتعاون مع الهند في مكافحة الجماعات الإسلامية المسلحة وقمع نشاطها عبر الحدود، والثانية تحجيم الأنشطة الباكستانية في بنغلاديش، والثالثة توفير الحماية الكافية للأقلية الهندوسية في البلاد، والرابعة التوصل إلى اتفاقيات حدودية كانت معقدة قبل حسينة، والخامسة إقامة اتفاقات مفيدة اقتصاديا للهند كانت تتركز في مجالات الطاقة والبنية التحتية.

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي (يمين) ورئيسة وزراء بنغلاديش المخلوعة الشيخة حسينة في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2019 (الفرنسية)

والأهم من ذلك أن شراكة بنغلاديش مع الهند مكنت الأخيرة من ترسيخ صورة الدولة الرائدة لاقتصادات جنوب آسيا.

وقد وصلت العلاقات إلى حد إنشاء خط سكة حديد يمتد من دلهي إلى داكا، مما ساهم في تنمية شمال شرق الهند الفقير والمعرّض باستمرار للاضطرابات.

وبحسب مجلة فورين بوليسي الأميركية، فإن حسينة أيضا منحت الهند حقوق عبور حيوية، كما منحت بنغلاديش في عهدها عقودا ومزايا لمجموعة أداني، وهي تكتل من الشركات الهندية المقربة لمودي.

وفي المقابل، أعطت الهند نظام حسينة الدعم السياسي والدبلوماسي والاقتصادي حتى جاءت لحظة سقوطها.

وقد تجاهلت دلهي تماما الاتهامات الموجهة إلى حسينة بانتهاك حقوق الإنسان في بنغلاديش وتزوير الانتخابات، بل وبحسب مجلة فرونتلاين الهندية فإن وزير الشؤون الخارجية في الهند اعترف بعد الثورة بأنه كان على علم بحجم الغضب في الشارع البنغالي تجاه حسينة.

لم يكن غريبا إذن أن تكون ثورة بنغلاديش مفعمة بروح الخصومة مع الهند، فقد ظهر هذا التوجه منذ الأيام الأولى للثورة عند الطلاب والمسيسين من أنصار الحزب الوطني في بنغلاديش، إضافة إلى الإسلاميين.

ورغم أن إدارة بنغلاديش الحالية تبنت نبرة هادئة في الحديث مع الهند فإن ديبابريا بتاتشاريا -وهو خبير اقتصادي بنغالي مقرب من الحكومة- أجرى حوارا مع مجلة فرونتلاين حاول فيه تتبُّع خطاب الحكومة الهادئ، لكنه شرح في الوقت نفسه سبب غصب الشارع البنغالي من دلهي، وقال إن كثيرين في بنغلاديش يحمّلون الهند مسؤولية استمرار نظام حسينة، ويشعرون بالاستياء من أن الهند لم تجر مراجعة حقيقية لموقفها السابق.

وعلاوة على ذلك لا زالت الهند تستضيف حسينة الهاربة وتسمح لها بمحاولة التأثير على بنغلاديش من الخارج، وهو أمر يُنظر له في الشارع البنغالي على أنه عمل عدائي.

إعلان

وبحسب بتاتشاريا، فإن النظام الهندي اتبع نهجا في التعامل مع بنغلاديش اعتمد على المنظور الأمني بامتياز، وحتى حين سعت الهند إلى التعاون مع بنغلاديش في مسائل تنموية واقتصادية كانت تتصرف بهواجس أمنية، ولذا انتهى بها الأمر إلى دعم حكومة قمعية أجرت 3 انتخابات مزورة، وبالتالي يتوجب على الهند أن تتعلم احترام اختيارات الشعب البنغالي اليوم وتحترم استقلاليته وألا تحاول أن تفرض عليه من لا يمثلونه.

وبحسب صحيفة "إنديا توداي" الهندية، فإن هذه ليست المرة الأولى في التاريخ التي تشهد فيها العلاقات بين الهند وبنغلاديش توترا كبيرا، فبعد استقلال بنغلاديش عام 1971 كانت العلاقات في أوج قوتها، إذ دعمت الهند بنغلاديش بقوة للحصول على استقلالها من باكستان، وساهمت في تأسيس دولتها الجديدة بعد أن تعاونت مع المتمردين البنغال، وأعلنت بنغلاديش حينها أن الهند ستكون أقرب حلفائها وحجر زاوية علاقاتها الخارجية.

لكن سرعان ما استشعرت بنغلاديش أن الهند تستغل البلاد اقتصاديا وتحتكر موارد المياه التي من المفترض أن تكون مشتركة بينهما، ورأى قطاع واسع من البنغال أن للهند دورا في انتشار الفقر في بلادهم.

وقد تفاعل زعيم بنغلاديش آنذاك مجيب الرحمن مع تلك المشاعر المعادية للهند، وسرعان ما ظهر التوتر بين البلدين بعد معاهدة الصداقة والتعاون بينهما عام 1972، وبدأ مجيب الرحمن في الترويج لخطاب ينتقد الهند، ومع ذلك استمر دعم الهند للزعيم البنغالي، وظلت العلاقة بين البلدين مقبولة.

وبحلول منتصف السبعينيات اغتيل مجيب الرحمن، ولم يكن من أتوا بعده متحمسين للهند، ومالوا أكثر من ذي قبل نحو باكستان والصين، وسط أجواء معادية للهند.

وبحسب صحيفة "إنديا توداي"، كان على الهند أن تتعلم من هذا الدرس التاريخي وألا تفكر في الاعتماد على زعيم مستبد في بنغلاديش، لكنها كررت الخطأ نفسه مع الشيخة حسينة التي أدخلت العلاقات بين البلدين إلى عصرها الذهبي وحصلت في المقابل على دعم هندي كامل، لكن بمجرد سقوطها تكرر ما حدث في السبعينيات وبدرجة أكبر، فقد باتت الهند في عين قطاع واسع من الشعب عدوة له تدعم من يستبدون به.

ووفقا لمجلة فورين بوليسي، فإن الغضب العارم في الشارع البنغالي يعود أيضا إلى أسباب أخرى بخلاف الشعور العام بأن العلاقة مع الهند أفادت دلهي بشكل غير متناسب على حساب مصالح بنغلاديش، وأن الهند هي التي كانت تحمي نظام حسينة المستبد لسنوات طويلة.

فثمة غضب منفصل تجاه حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند وزعيمه ناريندرا مودي بسبب سياساته القومية الهندوسية المتطرفة التي تضطهد المسلمين، فضلا عن أن الشعب في بنغلاديش لا ينسى حين استثنى قانون تعديل الجنسية عام 2019 المسلمين من مشروع أحكام الجنسية الهندية السريعة للمضطهدين من الدول المجاورة.

ومع قيام الثورة باتت كراهية النظام الهندي الحاكم والعداء للهند تيارا جارفا في بنغلاديش، خاصة مع صعود القوى القومية والإسلامية في البلاد، والتي ترى أنه ينبغي أن يكون حلفاء بنغلاديش هم باكستان والصين وليست الهند.

والواقع أن المشاعر المعادية للهند بلغت مستوى لم يسبق أن وصلت إليه في تاريخ بنغلاديش بحسب تعبير بتاتشاريا، كما أن هناك شعورا عاما في بنغلاديش مفاده أن الهند تتعامل مع كل الأطراف في البلاد باستعلاء وبوصفهم جميعهم إسلاميين متطرفين سيحوّلون بنغلاديش إلى دولة إسلامية متطرفة وهمجية.

وبعد الثورة كان الحس القومي والإسلامي الكاره لحقبة الاستبداد يسود المشهد في بنغلاديش، وفي المقابل لم تحسن الهند التصرف من وجهة نظر الكثير من المراقبين لكي تحافظ على علاقة جيدة مع نظام ما بعد الثورة.

فإلى جانب استقبال الشيخة حسينة -الذي أثار استياء الحكام الجدد في بنغلاديش على نحو واضح في التصريحات الرسمية- تقول أصوات بنغالية مقربة من الحكومة إن بنغلاديش أرادت أن يكون أول اجتماع ثنائي بين يونس وزعيم أجنبي مع رئيس وزراء الهند مودي، لكن الهند لم تسارع إلى تلبية الأمر من جهتها، وبالتالي اختارت الحكومة البنغالية أن تكون أول زيارة ليونس إلى الصين.

إعلان

وعلى جانب آخر، خفّضت الهند تأشيرات المرضى البنغال وأوفقت صادرات بنغلاديش من الملابس الجاهزة وغيرها من السلع عبر جميع الموانئ البحرية، وسمحت بدخولها فقط من خلال مومباي وكالكوتا بعد عمليات التفتيش.

وقد بدأت الهند تنتقد بشدة الهجمات التي تعرّض لها أبناء الأقليات الدينية في بنغلاديش على أيدي بعض المتطرفين دينيا، وهي انتقادات لم يُنظر إليها بصورة إيجابية من الحكومة البنغالية التي رأت أن الهند تبالغ بشدة في الحديث عن تلك الأحداث، وتنشر معلومات مضللة ومبالغ فيها.

وقد أشار يونس بوضوح إلى أنه يرغب في تحسين العلاقة مع الهند لكن عليها أن تتوقف عن المبالغة بشأن ما يتعرض له الهندوس في بلاده.

رئيس حكومة بنغلاديش المؤقت محمد يونس، يتحدث في جلسة خلال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في 22 يناير/كانون الثاني 2025 (الفرنسية)

لكن رغم أن العلاقات بين الهند وبنغلاديش لم تصل إلى درجة الانهيار حتى الآن، إذ حاول كل من مودي ويونس أن يرقصا على السلالم في تلك العلاقة بعدم تجاوز الخطوط الحمراء مع بعضهما البعض فإن هناك دولتين ما زالتا تسعيان بجد إلى ملء فراغ الهند بعد نظام حسينة، مستغلتين صعود المشاعر القومية والإسلامية في بنغلاديش المعادية للسياسة الهندية، وزيادة نفوذ هاتين الدولتين في بنغلاديش يعد بمثابة خطر يحدق بالهند.

الرابحان.. باكستان والصين

وبحسب منتدى دراسات شرق آسيا، فإن نظام حسينة نفسه كان يقيم علاقات مع الصين ويسعى إلى تحقيق التوازن بين الهند وبين منافستها الصين ذات القوة الكبيرة، لكن حسينة كانت تميل بوضوح ناحية دلهي، فتحت الضغط الهندي على سبيل المثال ألغت مشروع ميناء سوناديا البحري في بنغلاديش الواقع في جزيرة سوناديا، والذي كان مدعوما من جهة الصين نظرا لأهميته الإستراتيجية بالنسبة لها.

لكن مع مجيء الثورة وجدت الصين فرصة كي تقلب المشهد، وسرعان ما بدأت السفارة الصينية في بنغلاديش بتقوية علاقتها بمختلف الجهات السياسية الفاعلة، بداية من أفراد حكومة يونس وصولا إلى قيادات الحزب الوطني البنغالي، وحتى زعماء الإسلاميين، وعلى رأسهم الجماعة الإسلامية في البلاد.

كل ذلك في وقت كانت الهند تتواصل فيه ببطء شديد مع الأطراف البنغالية الفاعلة، خاصة القوميين والإسلاميين، حتى إن الهند بدأت في التواصل مع الحزب الوطني البنغالي فقط في أعقاب تواصل الصين معه، بحسب صحيفة "إنديا توداي".

ومن جهة أخرى، استُقبل يونس استقبالا حافلا في الصين ومُنح الدكتوراه الفخرية هناك، ووقّع البلدان في أعقاب ذلك العديد من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية.

وفي إطار تخفيض الهند عدد التأشيرات التي تمنحها للمرضى البنغال بدأت بنغلاديش تتجه أكثر إلى فكرة تسيير رحلات مباشرة أكثر إلى الصين لتسهيل السفر الطبي بين البلدين.

والواقع أن الصين لا تدخر جهدا كي تجذب بنغلاديش بعيدا عن الهند، وتجرها إلى فلك مبادرة الحزام والطريق، وتستغل علاقتها بها في الضغط الإستراتيجي على الهند في إطار لعبة توازن القوى والقدرة على الردع بين البلدين.

خريطة بنغلاديش (الجزيرة)

وقد عرضت الصين على بنغلاديش أيضا أن تشاركها تكنولوجيا متقدمة وتمنحها وصولا معفيا من الرسوم الجمركية على الصادرات، وتعهدت بكين أيضا بأن تستورد المزيد من السلع من بنغلاديش، وكذلك تعهدت الصين بمعونات مادية لبنغلاديش.

وبحسب مجلة فورين بوليسي، فإن هناك مسألة حيوية في علاقات الصين ببنغلاديش تثير مخاوف الهند، وهي ممر سيليكوري الذي يربط شمال شرق الهند ببقية البلاد، وهو بحسب المجلة شريان الحياة للولايات الهندية المتاخمة لميانمار والصين.

فبنغلاديش في حال تحالفها مع الصين وباكستان يمكنها فعليا أن تخنق هذا الممر، مما يؤدي بدوره إلى عزل الشمال الشرقي الهندي، وقد عبرت دلهي عن مخاوفها أثناء زيارة يونس للهند حين استحضر الحديث عن الممر، إذ حثها على ترسيخ نشاطها الاقتصادي في بلاده، مؤكدا تميز بنغلاديش بموقع إستراتيجي فريد.

وقال يونس حينها "شمال شرق الهند منطقة غير ساحلية، وتسيطر بنغلاديش بالكامل على وصوله إلى المحيط، وممر سيليكوري الطريق الوحيد الذي يربط الشمال الشرقي ببقية الهند، ويمر هذا الاتصال عبر بنغلاديش".

من جهة أخرى، فإن باكستان لم تفوت الفرصة الذهبية المتمثلة في الثورة وصعود التيارات القومية والإسلامية بقوة في بنغلاديش، إذ شهدت العلاقات بين البلدين تطورا ملحوظا بعد الثورة، فقد رست سفن الشحن الباكستانية في الموانئ البنغالية لأول مرة منذ تأسيس دولة بنغلاديش.

إعلان

كما أعلنت الأخيرة إعفاء الواردات القادمة من باكستان من التفتيش الجمركي، بالإضافة إلى إجراء تسهيلات خاصة للمواطنين الباكستانيين الراغبين في دخول بنغلاديش، فضلا عن أن البلدين شرعا في الانخراط في تعاون عسكري لم تتضح معالمه بعد.

وبالطبع، أثارت تلك التطورات مخاوف هندية عدة، فعبر تلك العلاقة يمكن أن تصبح باكستان قادرة على تشكيل تهديد لاستقرار شرق الهند، كما أن تسهيل التأشيرات بين البلدين يقلق الهند من أن حدودها قد تصبح مرتعا للجهاديين الإسلاميين حسب تصورات شائعة في دلهي.

وبحسب صحيفة "إنديا توداي"، فإن الهند باتت لأول مرة مند قيام دولة بنغلاديش تفكر بقلق شديد إزاء توحد الصين وبنغلاديش وباكستان في جبهة متعاونة بشكل يهدد مصالح الهند بصورة غير مسبوقة.

مقالات مشابهة

  • البريد السعودي ‏يحذر من الروابط المزيفة قبل إدخال البيانات أو الدفع
  • العربي: تكنولوجيا البيانات تقود تطوير الرعاية الجلدية التفاعلية
  • "عمانتل" تطلق منصة ذكاء اصطناعي للرد على استفسارات الموظفين والبحث في البيانات
  • كيف خسرت الهند بنغلاديش وربحتها الصين وباكستان؟
  • انهيار في الأسهم الأمريكية.. عمالقة التكنولوجيا يفقدون 770 مليار دولار
  • شركات التكنولوجيا الأمريكية تخسر 770 مليار دولار بعد تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على الصين
  • متاح الآن.. كيفية إضافة المواليد على بطاقة التموين من خلال استمارة تحديث البيانات؟
  • السعودية.. ضبط مقيم تحرش بالنساء في مكة.. ما العقوبة التي تنتظره؟
  • صحيفة الثورة الجمعة 18 ربيع الآخر 1447 – الموافق 10 أكتوبر 2025
  • Red Hat تدعو المؤسسات العربية لبناء ذكاء اصطناعي خاص لضمان الاستقلالية وحوكمة البيانات