الإعلامي السمكة و الاعلامي الدبور.. منْ يحمي الحرية ومنْ يقيِّدها؟
تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT
كتب وزير الشباب والرياضة جورج كلاس: كثيراً ما يجد الإعلامي نفسه مقيداً بمأزقية العلاقة مع المؤسسة التي يعمل فيها و مأزومية الواقع الذي تفرضه عليه طواعية العمل و الإنصياع لرغبة مسؤولي المؤسسة حفاظاً على موقعه في الوسيلة ، كمدخل للإرتزاق و البقاء في دائرة الولاء للسطلة الاعلامية من حيث هي رب عمله و مصدر رزقه و حامية دوره ، فيعيش تناقضاً حاداً بين مفهوم الحرية بثلاثية التفكير و التعبير و النشر، وهامش الحرية الذي تسمح به المؤسسة.
اكثر التوصيفات دلالة على العلاقة التبعية بين المؤسسة الاعلامية و الإعلامي المتفرغ للعمل في الوسيلة و المنضوي في سياستها و المنفذ لخططها الإستراتيجية و المتماهي في شخصيتها و الرافع لعلامتها التجارية ، هو تشبيه العلاقة العضوية بين السمكة و المجتمع المائي الملائم لها حياتيا و بيئياً ، إذ لا حياة للسمك خارج البيئة المائية. فكيف يمكن للإعلامي السمكة ان يجد له بيئة إحتياطية ينتقل إلى العيش فيها إذا ما ما وجد نفسه في مستنقع رطب مهدد بالنضب و الجفاف؟
يتظهّر وضع (الإعلامي السمكة) بكونه موظفاً في مؤسسة إستثمارية لها إقتصادها الخاص ، و تتبع إستراتيجية عمل تسعى الى تحقيق ربح معنوي و كسب مادي و تعمل لتسجيل تطويرات و تحديثات في خططها المعتمدة للبقاء في دائرة النجاح و المنافسة السياسية و الفنية ، اضافة الى العمل لتثبيت دورها ككيان مرجعي في المجالات التي تستهدفها و القطاعات التي تتوجه اليها و تشكل منبراً للدفاع عن شخصيتها و منصةً لتسويق سياستها . (الاعلامي السمكة) هو الموظف الذي يعمل في وسيلة اعلامية ، هي اشبه ببركة فيها سمك ، و الاعلامي هو سمكة تعيش في إنائها ، و اصبح لديه قناعة راسخة انه لصيق بها و لا يمكنه العيش خارج وعائها و نطاقها ، و ( الإعلامي السمكة ) هو دائم القلق و يعيش حالة عدم إستقرار و خوف من ان يتم الإستغناء عنه في أي وقت ، و يخاف ان تنضب الماء في حوض المؤسسة الإعلامية بشكلها المائي، فيموت بموت الماء في الحوض و حلول الجفاف فيه. (الاعلامي السمكة)، دائم الخوف من ان يجف الماء في البحيرة الاعلامية ، فيكثر من الولاءات و يصطنع التزلف ، من خلال إطلاق نكتٍ و طرائف ، يستلطف بها رئيسه و يسترضي طاعته للحفاظ على موقعه ، وَلَوْ غَلـتِ كلفة الكرامة الشخصية ، و تهدد رصيده المعرفي عند الجمهور. ففي مجتمع الماء ، السمكة الكبيرة تأكل السمكة الصغيرة ، و بدورها تكون السمكة الكبيرة، السمينة و الثمينة، حصيلة الصيد الوفير، و صَيْدةً للصيَاد وربحيَّةً للسمّاك ومشهىً للذوّاقة ، و ليس من مفرَّ للسمكة من العيش في الماء، في حين ان مجتمع الغاب تعم فيه الفوضى و تسود الغلبة و تكثر المحميات و يشيع منطق القوة، مقابل الاعلامي السمكة يظهر نمط ( الاعلامي الدبور ) الذي يكثر من العقص و يتفنن بالقنص ، فيؤذي البشر و يتلف المواسم و يقتل النحل و يسطو على العسل ، دأبه انه يدمر ولا يعمِّر. و هذه حالة الإعلامي الذي يعمل في اجواء حرية مقيَّدة ، فإذا به يصطدمُ بأن الحرية المعطاة له من الوسيلة هي حرية نسبية تحت الرقابة، و ان المؤسسة الإعلامية هي ترسم له خطوط تحركه و تحدد له الساحة المسموح له العمل فيها . على هذه القاعدة تبرز معضلة قوامها انه إذا قُيِّدَت الصلاحيات و انعدمت الثقة ، لن يكون هناك أيُّ قيمة و فاعلية للمهارات، وإن كل نظام حكم يوجد خلفه نظام ظلم ، انطلاقاً من التلازم بين الحرية التي يوفرها النظام السياسي للإعلام كسلطة كيانية ، و الحرية التي توفرها الوسيلة للإعلاميين العاملين عندها . فهل حرية الإعلام مطلقة و حريةُ الإعلامي نسبية ؟ و أيُ دورٍ للديمقراطية المعرفية في توفير حظوظ النجاح للإعلامي خارج آفاق الحرية ؟ و هل مطلوبٌ من الإعلامي ان يكون أسير حرية المؤسسة التي تتمتع بحصانة الحرية الدستورية المعطاة لها ، بحيث يتحوّل الإعلامي إلى مملوك و المؤسسة الإعلامية مالكة له ؟
فالإعلامي الناجح و ذو الرصيد المعرفي و الخبرة المهنية ، يتصف بأنه سمّّاعٌ للأحداث ، جمّاعٌ للمعارف ، لَحَّاظٌ لما يدور حوله ، حَفَّاظٌ لما يمرُّ أمامه ، كليمٌ بالحريَّة ، بلّاغٌ بالحقّ .و يترافق كل ذلك مع الحرص على الإعلام كسلطة و نفوذ و قيادة رأي و صناعة معرفية و توعوية كاشفة للوقائع و راعية للحقائق. المعضلة الإشكالية التي تنتظم العلاقة بين المؤسسة الاعلامية و الإعلامي ، هي التي تحدد مستوى المسؤولية الملقاة على عاتق كلٍّ منهما . و هذا ما يستوجب النظر إلى هذه العلاقة بواقعية ، و التعامل معها على اساس تكامل الركائز الثلاث بين مكوِّنات العملية الاعلامية في دورها الإبلاغي و المعرفي ، انطلاقاً من مفهوم الإعلام كسلطة ، و صولاً إلى إلى دور الإعلامي في خدمة الحقيقة و نشرها، مروراً بدور المؤسسة الإعلامية كصانعة و منتجة و مروِّجة للمعرفة . و إذا ما إختَلَّ ركنٌ من هذه الأركان ، تداعى البنيان الإعلامي كلُّه ، و إنتكست السلطة الإعلامية و ضاعت الحقائق، و بطلُ الدور. في مجتمع الماء يسود قانونُ السّمَك ..! حياتُنا مُحيطاتٌ بلا قَعْر..! مياهُها حُلْوَةٌ ، فيها فَوْضى ، و سُموم..! في مفاصلِ الحياةِ، تتقاذفُنا الظروف..! أحياناً تتحطّمُ مقاذِفُنا ، فيستضيفنا البحرُ ؛ بلا إستئذان ! وأحياناً ، تَكْسِرُ مجاذيفَنا الأيّامُ ، فنُسَلِّمُ للرَّبِ وَديعتَهُ ؛ بلا كلام ! وإذا ما تباطئ الزّمنُ ، وإسْتَهْدفنا القَدَرُ، وعزَّتِ الدُّنْيَا ، نُخابِطُ المَوْجَ فَننجو بفروسيّة ، ونرفعُ اليُمْنى إنتصاراً؛ أَوْ نُغْرِقُ مراكبنا ، غَبَّ الطَّلَب ، فَننتحِرُ إغْراقاً ؛ قَبْلَ أنْ يستضيفنا البحرُ و يأكلنا السّمَك قانوناً ! على الأرض، تسودُ ( شريعةُ الغاب ) ، حيثُ الغَلَبَةُ للأقوى..! هنا القرارُ للأسد! وفي البحرِ ، السيادةُ ل (قانون السمك) ، حيثُ الكبيرُ يأكلُ الصغيرَ..! هنا القرارُ لكبيرِ السّمَك..! في لبنان... الوطنُ جاروفةٌ ، و النَّاسِ، سَمَك بِزْري...! أللَّهمَّ ، أعْطِنا أنْ نَفْهَمَ... وإذا فَهِمنا ، أعْطِنا أنْ نَصْبرَ على ما فَهِمنا... وما لَمْ نَفْهمْ...!
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: المؤسسة الإعلامیة
إقرأ أيضاً:
ورشة احترافية للتصوير تحت الماء بمحافظة مسندم
نفذت بمحافظة مسندم ورشة التصوير تحت الماء بمشاركة نخبة من الغواصين والمصورين المهتمين بتوثيق الحياة البحرية قدمها المصور الإماراتي العالمي سعادة علي خليفة بن ثالث الأمين العام لجائزة حمدان بن محمد الدولية للتصوير الضوئي وتأتي هذه الورشة ضمن استعدادات المحافظة لمهرجان مسندم الدولي للغوص، المزمع إقامته في الأسبوع الرابع من شهر أغسطس وتهدف إلى تأهيل المشاركين لخوض منافسات مسابقة التصوير المصاحبة للمهرجان، عبر تزويدهم بأحدث المهارات والتقنيات في مجال التصوير تحت الماء وتعزيز قدراتهم على التقاط صور احترافية تعكس جمال البيئة البحرية في السلطنة.
بيئة مثالية
وقال سعادة علي خليفة بن ثالث، الأمين العام لجائزة حمدان بن محمد الدولية للتصوير الضوئي: تُعدّ ورشة التصوير تحت الماء في منطقة مسندم بسلطنة عمان محطة مهمة ضمن جهودنا المستمرة لدعم وتمكين المصورين في استكشاف البيئات الطبيعية الفريدة بعدساتهم في مسندم بما تحمله من تنوّع بحري مذهل ومياه غنية بالحياة تمثّل بيئة مثالية لتطوير مهارات التصوير المتخصص، وخاصةً تحت الماء مضيفا نهدف من خلال هذه الورشة إلى تعزيز فهم المشاركين لأساسيات الإضاءة والتكوين والتقنيات المتقدمة لالتقاط الجمال الخفي في الأعماق مع غرس حسٍّ فني يُترجم التجربة إلى رسالة بصرية تعزز من الوعي البيئي وتابع قائلا: أتطلع إلى رؤية شغف المشاركين ينعكس في صور تعبّر عن عظمة هذا التنوع البحري وآمل أن تكون هذه التجربة مصدر إلهامٍ لهم لمواصلة توثيق الحياة البحرية بعمقٍ واحترافية وبروح تحمل رسالة الحفاظ على كنوزنا الطبيعية للأجيال القادمة.
الجدير بالذكر أن محافظة مسندم تعد من أبرز الوجهات السياحية في سلطنة عُمان حيث تمتزج فيها التضاريس الجبلية الشاهقة مع مياه الخليج الغنية بالشعاب المرجانية والكائنات البحرية ما يجعلها بيئة مثالية للغوص والتصوير تحت الماء وتسعى المحافظة من خلال هذه الفعاليات إلى تعزيز مكانتها على خارطة السياحة البيئية العالمية والترويج للمقومات السياحية الطبيعية والحضارية فيها.