بغداد اليوم - خاص

أصبح العراق اليوم في مواجهة تحدٍ مصيري يتطلب اتخاذ قرارات حاسمة بشأن التعامل مع الفصائل المسلحة، هذا ما أكده الخبير الأمني والاستراتيجي مخلد حازم، الذي حذر من أن العراق يواجه أحد خيارين لا ثالث لهما: إما حل الفصائل وتفكيك سلاحها أو مواجهة استهداف قد يتجاوز قدرة العراق على التصدي له.

رسائل أمريكية مباشرة وواضحة

يشير الخبير مخلد حازم في تصريحات متلفزة، إلى أن الرسائل الأمريكية المتعلقة بملف الفصائل المسلحة وصلت إلى العراق بوضوح، بل وبالأسماء، وتُظهر أن الوضع الحالي بات يشكل مصدر قلق كبير للولايات المتحدة، التي ترى في بعض الفصائل المسلحة تهديدًا لاستقرار العراق ومصالحها في المنطقة.

وأوضح حازم أن أي محاولة للعمل بعكس هذه التوجيهات الأمريكية ستقابل باستهداف مباشر، خاصة مع المتغيرات الكبيرة التي طرأت على المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، وعودة أجواء التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وإعادة تشكيل التحالفات الإقليمية بما يتضمن مصالح متشابكة ومعقدة.

أصل المشكلة

يعاني العراق منذ سنوات طويلة من وجود فصائل مسلحة تعمل خارج إطار الدولة، وتملك أسلحة ثقيلة وخفيفة تمنحها نفوذًا عسكريًا وسياسيًا كبيرًا. 

وقد تعزز وجود هذه الفصائل بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حيث نشأت العديد من المجموعات المسلحة كرد فعل على الاحتلال، ومع الوقت تطورت لتصبح قوى مؤثرة داخليًا وخارجيًا.

بعد القضاء على تنظيم "داعش"، برزت هذه الفصائل كجزء من قوات الحشد الشعبي، الذي اعترف به رسميًا كجزء من المؤسسة الأمنية العراقية. 

ضغط أمريكي متزايد وتصعيد محتمل

تصاعدت الضغوط الأمريكية على الحكومة العراقية في السنوات الأخيرة، حيث دعت واشنطن إلى تحجيم دور الفصائل المسلحة، وخصوصًا تلك التي تصنفها "إرهابية" أو ترى أنها تشكل تهديدًا لمصالحها. 

وقد نفذت الولايات المتحدة عدة ضربات جوية ضد مواقع الفصائل، كما اغتالت قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في أوائل عام 2020، وهو ما أثار توترات كبرى بين الجانبين.

وفي ظل المتغيرات الإقليمية، ترى الولايات المتحدة أن وجود هذه الفصائل يعرقل جهود تحقيق الاستقرار في العراق، ويعقد دور بغداد كطرف محايد في الصراعات الإقليمية، خاصة بين واشنطن وطهران.

تحديات تواجه الحكومة العراقية

الحكومة العراقية تجد نفسها اليوم في موقف حرج، من جهة، يمثل حل الفصائل المسلحة وتفكيك سلاحها تحديًا سياسيًا وأمنيًا هائلًا، إذ تتمتع هذه الفصائل بقاعدة دعم شعبية وسياسية، وقد يؤدي أي تحرك ضدها إلى ردود فعل عنيفة. 

ومن جهة أخرى، فإن تجاهل الضغوط الدولية، وخاصة الأمريكية، قد يعرض العراق لعقوبات واستهداف عسكري مباشر، بالإضافة إلى تقويض مكانته الدولية.

بالإضافة، الى أن العراق يعاني من وضع اقتصادي هش وبنية تحتية متدهورة، ما يجعل أي تصعيد جديد عبئًا إضافيًا يصعب تحمله.

خيارات محدودة وآفاق غير واضحة

أمام هذه المعطيات، يبدو أن العراق أمام خيارين كلاهما صعب، الأول، هو محاولة حل الفصائل تدريجيًا من خلال دمج عناصرها في المؤسسات الأمنية أو نزع سلاحها بشكل سلمي، وهي مهمة تحتاج إلى توافق سياسي ودعم دولي واسع. 

أما الخيار الثاني، وهو المواجهة المباشرة مع هذه الفصائل، فقد يؤدي إلى انزلاق البلاد نحو صراع داخلي جديد.

ويبقى العراق في مفترق طرق حاسم يتطلب اتخاذ قرارات جريئة ومتكاملة، فالتحديات التي تواجه البلاد ليست أمنية فحسب، بل تمتد إلى الجوانب السياسية والاجتماعية، حيث يجب على الحكومة العراقية أن تعمل على تحقيق توازن دقيق بين متطلبات الأمن الوطني والضغوط الدولية، مع الحفاظ على سيادة الدولة واستقرارها الداخلي.

السؤال الأهم الآن: هل يمتلك العراق الإرادة السياسية والقدرة العملية لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب؟ أم أن الجمود سيبقي البلاد في دائرة التوترات المستمرة؟، الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.


إعداد: قسم الشؤون السياسية في "بغداد اليوم"

المصدر: وكالة بغداد اليوم

كلمات دلالية: الفصائل المسلحة هذه الفصائل

إقرأ أيضاً:

إلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين يضر بالعلاقات الصينية الأمريكية

 

 

 

تشو شيوان

 

أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، عن بدء الولايات المتحدة في إلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين قبل عدة أيام، وهو ما أثار مُعارضة واسعة داخل الولايات المتحدة وخارجها.

ومنذ تولي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السُلطة، تم فرض قيود صارمة على الطلاب الدوليين، لا سيما الطلاب الصينيين، بما في ذلك القيود المفروضة على قبولهم في تخصصات مثل علوم الكمبيوتر والهندسة المالية في بعض الولايات، وقطع المنح الدراسية المقدمة لهم في الجامعات العامة، وحظر جامعة هارفارد من قبول الطلاب الدوليين، إلى جانب إجبار الجامعات على تقديم معلومات مفصلة عن الطلاب الصينيين، ويُعدّ الإلغاء غير المعقول لتأشيرات الطلاب الصينيين في هذه المرحلة خطوة أخرى لتعزيز "فك الارتباط بين الشعبين الصيني والأمريكي"، تحت ذريعة الأيديولوجيا والأمن القومي.

في الوقت الراهن، تشعر إدارة ترامب بقلق متزايد إزاء المنافسة الإستراتيجية مع الصين؛ سواء على الصعيد الاقتصادي أو العلمي أو العسكري، وفي هذا السياق، يواصل سياسيون أمريكيون مثل روبيو الترويج لمفهوم موسع للأمن القومي، مستخدمين الطلاب الدوليين كأداة في اللعبة الجيوسياسية مع الصين، بهدف تعزيز “الانفصال” بين البلدين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والتبادل الثقافي، بما يخدم مصالحهم السياسية الخاصة. ونتيجة لهذه القيود انخفض عدد الطلاب الصينيين في الولايات المتحدة من 370 ألفًا في عام 2019 إلى 277 ألفًا حاليًا، ومع ذلك ما زالت الصين ثاني أكبر مُصدِّر للطلاب الدوليين في أمريكا، ولكن مع إلغاء الولايات المتحدة لتأشيرات الطلاب الصينيين بشكل غير مُبرَّر، فمن المؤكد أن ذلك سيُقلِّل من حماس الطلاب الصينيين للدراسة في الولايات المتحدة.

ولا تستهدف القيود المفروضة على التأشيرات الصين وحدها؛ بل تطال العالم بأسره؛ حيث أوقفت وزارة الخارجية الأمريكية المواعيد الجديدة لجميع المتقدمين للحصول على تأشيرات الطلاب الأجانب والزوار المتبادلين، ما أثار قلقًا واسعًا بين الطلاب الدوليين في مختلف أنحاء العالم، وقد رفعت جامعات أمريكية مرموقة، مثل جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة كاليفورنيا، دعاوى قضائية ضد الحكومة الأمريكية، بينما حذرت شركات تكنولوجية كبرى مثل آبل وجوجل ومايكروسوفت من أن قيود التأشيرات ستضعف قدرة الولايات المتحدة على الابتكار.

ومن المعروف أن الطلاب الدوليين يشكلون جسرًا مهمًا في التبادل الأكاديمي الدولي. وإذا تم إلغاء تأشيراتهم، فإن ذلك سيؤثر سلبًا على التعاون في مجال التعليم العالي، ويعوق مشاريع البحث العلمي وتبادل المعرفة، ويُقلِّل من تنوع قاعدة المواهب في الولايات المتحدة؛ مما يضر بقدرتها على الابتكار على المدى الطويل. إضافة إلى ذلك، فإنَّ المصدر الرئيسي للدخل في العديد من الكليات والجامعات الأمريكية هو الرسوم الدراسية التي يدفعها الطلاب الدوليون. وفي الوقت الذي تهدد فيه الحكومة الأمريكية بوقف التمويل الفيدرالي والدعم لهذه المؤسسات، فإنها تقوم في الوقت نفسه بإلغاء تأشيرات الطلاب الدوليين، بما في ذلك الطلاب الصينيين، وهو ما سيؤدي حتمًا إلى تفاقم الأزمات المالية التي تواجهها هذه الكليات والجامعات، ويزيد من الضرر الذي يلحق بقطاع التعليم الأمريكي.

لطالما اعتبرت الولايات المتحدة نفسها "منارة للديمقراطية" وتفاخرّت ببيئة أكاديمية "حرة ومفتوحة". ولكن، وبكل أسف، فإن قرار إلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين يلحق الضرر بمصداقيتها الدولية وصورتها الوطنية كقائدة عالمية في مجال التعليم، ويؤدي إلى خسائر في المواهب والنفوذ الاقتصادي والثقافي، ولقد أثبت التاريخ أن الدول القوية لا تُبنى على العزلة وكراهية الأجانب، فعلى مر السنين، ساهم التعاون التعليمي في تعزيز التفاهم بين الشعبين الصيني والأمريكي، كما دعم الرخاء الاقتصادي والتقدم التكنولوجي في الولايات المتحدة. إن منع الطلاب الدوليين، بما في ذلك الصينيين، سيضر بمصالح الولايات المتحدة بشكل كبير.

في الختام.. إن إلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين لا يمثل مجرد إجراء إداري؛ بل يعكس توجهًا سياسيًا خطيرًا يُهدِّد أحد أهم جسور التفاهم والتعاون بين الصين والولايات المتحدة؛ فبدلًا من تعزيز التواصل الثقافي والتقدُّم العلمي المُشترك، يتم الدفع نحو الانغلاق والانقسام، وهو ما ستكون له عواقب بعيدة المدى على التعليم والاقتصاد والمكانة الدولية للولايات المتحدة. في حين أن الحفاظ على انفتاح النظام التعليمي الأمريكي وضمان حرية التنقل الأكاديمي ليس فقط ضرورة أخلاقية؛ بل هو أيضًا استثمار في مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للعالم بأسره.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • إلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين يضر بالعلاقات الصينية الأمريكية
  • الدبلوماسية العراقية تتعثر في دهاليز المحاصصة
  • عاجل- القوات المسلحة تهنئ الرئيس السيسي بمناسبة عيد الأضحى المبارك
  • جاهزية ثنائي الهلال أمام ريال مدريد
  • حيلة سوداء وثغرة مصرفية تدر على الفصائل العراقية ملايين الدولارات
  • نجم مانشستر سيتي يتحدث عن مواجهة الوداد والعين في كأس العالم للأندية
  • عاجل | بيان مصري قطري يؤكد تكثيف الجهود لتذليل العقبات التي تشهدها مفاوضات غزة
  • دوري أبطال أفريقيا يزين ملعب الدفاع الجوي قبل مواجهة بيراميدز وصن داونز
  • ماسكيرانو: مواجهة الأهلي مفصلية في مشوار إنتر ميامي بمونديال الأندية
  • السوداني:تبرعنا إلى لبنان (20) مليون دولار رغم الأزمة المالية التي يمر بها العراق