«لعبة الحبار»عندما يطاردنا الماضي
تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT
علي عبد الرحمن (القاهرة)
أخبار ذات صلةبعد النجاح الساحق الذي حققه الجزء الأول من مسلسل «لعبة الحبار»، الذي ترك بصمته كواحد من أكثر الأعمال الدرامية تأثيراً في العصر الحديث، يعود الموسم الثاني ليغوص بنا أعمق في دهاليز النفس البشرية، ليُعمِّق من طرحه الفلسفي والنفسي حول قضايا البقاء، الأخلاق، والإنسانية، وتتحول السردية إلى مساحة أكثر قتامة وتأملاً، حيث نواجه أسئلة وجودية لا تتعلق فقط بالنجاة الجسديّة، بل بصراعات الإنسان مع ذاته ونظام العالم العبثي.
تدخل الحبكة في الجزء الثاني مرحلة جديدة من التعقيد، حيث لم تعُد الألعاب تختبر قدرة الفرد على النجاة فحسب، بل أصبحت امتحاناً أخلاقياً ونفسياً مُرهقاً؛ وتتطلب إحدى الألعاب الرئيسة في الموسم الثاني من اللاعبين، الاختيار بين إنقاذ أرواح الآخرين أو التضحية بهم لضمان بقائهم، مما يكشف عن هشاشة الأخلاق في مواجهة غريزة البقاء.
هنا تكمن العبقرية السردية للمسلسل، إذ يضع المشاهد أمام مرآة فلسفية تظهر تشابك الخير والشر داخل النفس البشرية، ونرى انعكاساً واضحاً لفكرة الفيلسوف الإنجليزي «هوبز» حول حالة الطبيعة حيث «الإنسان ذئب لأخيه الإنسان»، وفي الوقت ذاته، تطرح السردية تساؤلات عن إمكانية وجود أمل في إنقاذ الإنسان من ذاته.
تحمل الشخصيات العائدة من الجزء الأول في داخلها، صدمات التجربة السابقة، مما يضيف لطبقاتها النفسية أبعاداً جديدة، يظهر ذلك بوضوح في تفاعلهم مع الألعاب الجديدة واللاعبين الجدد، الذين يمثلون مزيجاً متنوعاً من الخلفيات الثقافية والاجتماعية. ويُظهر المسلسل في هذا الجزء كيف تؤثر الصدمات النفسية في اتخاذ القرارات، وكيف يمكن للماضي أن يطارد الفرد في أكثر اللحظات الحاسمة، هذه التركيبة تعزّز من درامية الأحداث وتضع الشخصيات في مواجهة مباشرة مع ماضيها وحاضرها.
وأحد الجوانب المميزة في الجزء الثاني، رمزية الألعاب التي تتجاوز مجرد التحدي الجسدي، لتصل إلى تعبيرات فلسفية عميقة، إحدى الألعاب على سبيل المثال تستند إلى أسطورة «سيزيف» حيث يُجبر اللاعبون على دفع حجر ضخم إلى أعلى التل مع علمهم بأنه سيسقط مجدداً، هذه اللعبة تجسّد فكرة العبثية التي طرحها الأديب الفرنسي من أصل جزائري «ألبير كامو»، الحاصل على نوبل، حيث يُصبح التحدي الحقيقي هو إيجاد معنى في وسط العبث. هناك أيضاً لعبة المرايا، التي تتطلب من اللاعبين مواجهة أنفسهم حرفياً، في إشارة إلى الصراع الداخلي الذي يعاني منه الإنسان في محاولة لفهم ذاته، هنا يتجاوز العمل حدود الترفيه ليصبح دراسة فلسفية عميقة للإنسانية.
وما يميز «لعبة الحبار»، قدرته على التلاعب بمشاعر المشاهدين، كما يخلق حالة مستمرة من التوتر، حيث تُصبح كل لحظة اختباراً نفسياً يضع المشاهد في موضع اللاعب، ولا تترك الأسئلة الأخلاقية المطروحة مجالاً للحياد، بل تُجبره على اتخاذ موقف، مما يجعل التجربة الترفيهية أقرب إلى رحلة نفسية عميقة.
التركيز على الرمزية
يرى الناقد الفني أحمد شعراني، أن الموسم الثاني فقد عنصر المفاجأة الذي ميّز موسمه الأول، والحبكة أصبحت مُتوقعة، والتركيز الزائد على الرمزية الفلسفية قد أضعف التوتر الدرامي، واستشهد بحلقة «لعبة المرايا»، ورغم قوتها الرمزية، فإنها افتقدت الإيقاع السريع الذي كان يميّز الموسم الأول. وتقول الناقدة جهاد هشام، إن الموسم الثاني استند بشكل مفرط إلى نجاح الموسم الأول، دون تقديم جديد حقيقي، وتحولت الشخصيات إلى أدوات لتمرير الرسائل الفلسفية، مما جعلها تفقد عمقها الإنساني، وحتى الألعاب بدت وكأنها مجرد استعراض بصري دون جوهر درامي يُذكر.
بينما أشارت الناقدة رانيا الزاهد، إلى أن الموسم الثاني نجح في تعميق الرسائل الفلسفية والاجتماعية، وتمكّنت الحبكة الدرامية من إبراز التعقيد النفسي للشخصيات، مع التركيز على التحديات الأخلاقية التي تواجهها، معتبرة على حلقة «سيزيف» تحفة فلسفية تعيد التفكير في معنى الجهد الإنساني وسط العبث.
وأوضح الناقد الفني مصطفي الكيلاني، أن الموسم الثاني ليس مجرد تكملة لمسلسل ناجح، وتأكيد على أن القصص القوية يمكنها أن تُعمق من فهمنا للعالم ولأنفسنا، وطرح العمل فكرة أن الحياة بأكملها قد تكون لعبة، وفهم القواعد ليس كافياً للنجاة، بل يجب علينا أن نتساءل عن جدوى المشاركة من الأساس، وبين الصراع النفسي والرمزية الفلسفية، يتركنا العمل أمام سؤال مفتوح: هل نملك الجرأة لترك اللعبة، أم أن اللعبة هي التي تملكنا؟.
هشاشة التوازن النفسي
ترى اختصاصية علم النفس، أميرة ألبير، أن لعبة الحبار في موسمه الثاني انعكاس دقيق لصراعات الإنسان مع ذاته ومع المجتمع، والألعاب الجديدة تمثل تجسيداً لضغوط الحياة اليومية، التي تجبر الأفراد على اتخاذ قرارات أخلاقية تحت وطأة القلق والخوف. وتُظهر هذه التحديات بوضوح، كيف يمكن للصدمات النفسية أن تُعيد تشكيل هويات الأفراد، وتكشف هشاشة التوازن النفسي في ظروف الضغط الشديد، موضحة أن هذه اللعبة تمثل تجسيداً لصراع الإنسان مع مخاوفه اللاواعية، حيث يصبح السقوط أشبه بمواجهة حقيقية مع الفشل والخوف من المجهول.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الموسم الثانی لعبة الحبار
إقرأ أيضاً:
الابتسام تحت الماء.. كيف تتواصل الدلافين بتعابير الوجه؟
عندما نرى نحن البشر تعابير وجه، مثل أفواه مفتوحة ومسترخية، فإن وجوهنا تحاكيها تلقائيًا في غضون أجزاء من الثانية. يُسمى هذا "تقليد الوجه السريع"، وهو رد فعل لا إرادي يبدأ دون أن نفكر فيه.
يساعد هذا التقليد، البشر وكثيرا من الحيوانات على مزامنة الحركات أثناء اللعب. ومع ذلك، ظل دور تعابير الوجه في إدارة اللقاءات المرحة بين الحيوانات البحرية لغزًا حتى الآن.
لكن الدلافين قارورية الأنف أو ذات الأنف الزجاجي أحدثت ضجة أخيرًا، إذ اكتشف العلماء أنها "تبتسم" أثناء اللعب، ووثقوا في دراستهم وجود تعبيرات وجه، مفتوحة الفم تشبه تلك التي تستخدمها الحيوانات الأخرى، ما قد يقدم رؤى جديدة عن تطور الثدييات، بما فيها البشر.
ووفقًا للدراسة الحديثة التي نُشرت في مجلة "آي ساينس"، فإن هذا التعبير الذي يُشبه الابتسام لدى البشر تستخدمه للتواصل مع بعضها بعضا أثناء اللعب، ويُلاحظ غالبًا أثناء تفاعلاتها المرحة مع الدلافين الأخرى، خاصةً عندما يكون المُرسِل ضمن مجال رؤية المُستقبِل.
الدلافين التي تعيش في المياه المعتدلة والاستوائية في العالم، بما فيها السواحل الأفريقية، توسع شبكتها الاجتماعية بعدما تكون الأم رفيقة اللعب الأولى، وتلعب مع الدلافين الأخرى في الأسابيع الأولى من حياتها.
إعلانوتعتمد الدلافين بشكل كبير على الإشارات البصرية للتنقل في عوالمها الاجتماعية، لكن حركات عضلات وجهها المحدودة تجعل دراسة تعابيرها أمرًا صعبًا للغاية.
ومع ذلك، فإن السلوك الاجتماعي المرح للدلافين وطريقة توجيهها للإشارات إلى المجال البصري إلى بعضها بعضا تُشبه ما تفعله الثدييات الأخرى، وهذا يشير إلى أنها قد تستخدم تعابير الوجه لنقل المعلومات، ما يجعلها نموذجًا مثاليًا لدراسة كيفية تواصل الحيوانات باللعب.
وإلى جانب ذلك، تتواصل الدلافين عبر أحد أكثر الأنظمة الصوتية تعقيدًا في عالم الحيوان، حيث تستخدم صفارات عالية النبرة للتعرف إلى بعضها بعضا والتفاعل اجتماعيًا.
ربما تطوَّر هذا لأنها تعيش في مياه عكرة حيث تكون الرؤية منخفضة، مما يُجبرها على الاعتماد على الصوت، ومع ذلك، يُمكن للصوت أيضًا أن يُعرّضها للحيوانات المفترسة أو المتنصتين.
عندما تكون الدلافين في مياه صافية أو عندما تكون قريبة من بعضها بعضا، فإنها تستطيع التحول إلى التواصل البصري. وقد افترض الباحثون أن هذا سيجعل تعابير الوجه أساسية للتبادلات السريعة بين الطرفين.
عندما تلعب الدلافين معًا، يساعدها مزيج من الصفير والإشارات البصرية على التعاون وتحقيق الأهداف، وتُعد هذه الإستراتيجية مفيدة، خاصة أثناء اللعب الاجتماعي عندما تكون أقل حذرًا من الحيوانات المفترسة.
وقد أظهرت أبحاث سابقة أن الدلافين، عند تواصلها مع أنواع أخرى، تُبدي اهتمامًا بالغًا بمعرفة ما إذا كان جمهورها منتبهًا أم لا، ويشير هذا إلى أنها تدرك تركيز مُتلقيها، وتُعدّل سلوكها وفقًا لذلك.
وعلى الرغم من أن الدراسات السابقة تناولت التواصل السمعي بين الدلافين، إلا أن القليل منها ركز على أساليب أخرى للتواصل، مثل لغة الجسد.
ما تكشفه "ابتسامات" الدلافينوتسلِّط الدراسة الجديدة الضوء على قدرات التواصل المتطورة التي تتجاوز مجرد الإشارات الصوتية لدى الدلافين، وتلقي ضوءًا جديدًا على كيفية استخدامها لإشارات وجهية دقيقة أثناء اللعب الاجتماعي.
إعلانفي حديقتين للحياة البرية (زومارين روما في إيطاليا وبلانيت سوفاج في فرنسا)، صوَّر الباحثون 22 دولفينًا من فصيلة قارورية الأنف لمدة 80 ساعة على مدار 60 يومًا.
خلال هذه الفترة، خاضت الدلافين 837 جلسة لعب حر، أدّت فيها حركات بهلوانية بمفردها، ولعبت أيضًا مع البشر، ومع أنواع أخرى من الدلافين، فهي حيوانات اجتماعية للغاية، وغالبًا ما يمكن رؤيتها في مجموعات تصل إلى 15 دلفينا.
وعند تحليل تسجيلات هذه الثدييات البحرية الاجتماعية فائقة الذكاء، أحصى الباحثون ما مجموعه 1288 حالة فم مفتوح أو "ابتسامة" خلال جلسات اللعب.
وفي حين أن الغالبية العظمى من هذه "الابتسامات" حدثت أثناء لعب الدلافين مع بعضها بعضا، إلا أنها لا تميل إلى إصدارها في مواقف أخرى، فالقليل منها حدث أيضًا أثناء اللعب مع البشر أو بمفردها.
كما كانت هذه الثدييات المائية أكثر ميلاً لاستخدام تعابير الوجه المفتوحة (ما يقرب من 90% منها) عندما يتمكن رفاقها من رؤية وجوهها.
فوجئ الباحثون باكتشاف، أن الدلافين لا تستخدم فقط تعابير الفم المفتوح أثناء اللعب، بل إنها قادرة أيضًا على التقليد السريع لتعابير وجوه الآخرين. كان هذا إحدى أبرز نتائج هذه الدراسة، إذ لم يكن أحد يعلم بوجود هذا التقليد لدى الدلافين.
وتقول إليزابيتا بالاجي، الباحثة المشاركة في الدراسة وخبيرة الرئيسيات المعرفية بجامعة بيزا في إيطاليا، في بيان: "تظهر إشارات الفم المفتوح والتقليد السريع بشكل متكرر عبر التصنيف الحيوي للثدييات، مما يشير إلى أن التواصل البصري لعب دورًا حاسمًا في تشكيل التفاعلات الاجتماعية المعقدة، ليس فقط لدى الدلافين، ولكن لدى العديد من الأنواع على مر الزمن".
كما بحثت الدراسة أيضًا في مسألة ما إذا كانت ابتسامات الدلافين المفتوحة تُعدّ استعدادًا للعضّ وليست إشارة. ومع ذلك، عندما كانت تبتسم لرفاقها، كانت تتلقى "ابتسامة" مماثلة في أكثر من ثلث الحالات (33.16%).
إعلانوفي 66.84% من الحالات الأخرى، لم يُبادِل المُستقبِل الابتسامة، ولم يعضّ الدلفين المُبادر رفيقه، ويشير هذا إلى أن هذا السلوك ربما يكون قد تطوّر من إستراتيجية منع العض إلى شكل من أشكال التواصل، حيث تحوّلت الوظيفة الأصلية إلى إشارة اجتماعية.
على الرغم من أن الباحثين لاحظوا أن الدلافين تُصدر تعبيرًا بفتح الفم أثناء اللعب، إلا أنه ليس من الواضح ما يعنيه هذا السلوك، ولا سبب "الابتسامة"، كما لا يعلم الباحثون ما إذا كانت "الابتسامة" تعني للدلافين الشيء نفسه الذي تعنيه للبشر.
وقد لوحظت كائنات أخرى، مثل الذئاب والقطط وإنسان الغاب، تُصدر تعبيرًا مشابهًا بفتح الفم أثناء اللعب، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنها تشعر أو تُعبّر عن حالة مزاجية معينة.
لم يُحلل الباحثون أيضًا ما إذا كانت الدلافين تُصدر أصواتًا أثناء ابتسامها، لذا يُحتمل أنها كانت ببساطة تفتح أفواهها لإصدار أصوات.
ركزت الدراسة حصريًا على رصد التواصل البصري للدلافين في بيئات مُتحكّم بها، ما أتاح للباحثين فهم تفاعلاتها الدقيقة، لذا يبقى السؤال مطروحًا، هل الدلافين البرية (الدلافين الموجودة في بيئتها الطبيعية في المحيطات والأنهار) "تبتسم" أيضًا لبعضها بعضا، وإذا كان الأمر كذلك، ففي أي سياقات.
على عكس الدلافين التي خضعت للدراسة، تتمتع الدلافين الحرة بمساحات أكبر بكثير للتفاعل ومطاردة بعضها بعضا أثناء اللعب، وكثيرًا ما توجد في مياه ذات رؤية محدودة. في هذه الظروف، قد لا تكون الإشارات البصرية بنفس فعالية الإشارات الصوتية.
يمكن إجراء أبحاث مستقبلية على الدلافين البرية، ويتطلب هذا استخدام الذكاء الاصطناعي، ومراقبة طريقة نظر الدلافين إلى بعضها بعضا (تتبع حركة العين)، وتسجيلات الموجات فوق الصوتية.
إعلانمن شأن هذا أن يُحسّن فهم العلماء للتواصل متعدد الوسائط والاختلافات بين الدلافين التي تلعب مع بعضها بعضا، وتلك التي تلعب مع الأنواع الأخرى.