الأدب والفن بين الدمار والإبداع
تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT
فى إحدى الأمسيات، كنت أنا وبعض الأصدقاء نناقش تأثير الحرب الاسرائيلية المدمرة على أهل غزة. تساءلنا عن أهوال المجازر هناك وحجم الألم الذى قد نرى أثره فى الأدب والفن القادم. فى خضم الحديث، تذكرنا تأثير الحروب عبر التاريخ على الفن والأدب، وكيف أن المآسى الكبرى أفرزت أعمالًا خالدة. ومن بين تلك اللحظات التاريخية، دار الحديث عن حركة «فن وحرية» فى مصر وتأثير السريالية فى فرنسا.
فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، كانت فرنسا تعيش حالة من الصدمة الجماعية، مما دفع الفنانين والأدباء إلى البحث عن أساليب تعبيرية جديدة تتجاوز المألوف. ظهر فى هذا السياق أندريه بريتون، الذى عُرف بلقب «أبو السريالية»، ليقود حركة فنية وأدبية تهدف إلى تحرير الخيال من قيود الواقع. استخدمت السريالية أحلامًا وصورًا رمزية لتجسّد مشاعر الألم والمعاناة التى ولّدتها الحرب.
فى القاهرة، وفى خضم التحولات السياسية والاجتماعية فى أواخر الثلاثينيات، وُلِدت جماعة «فن وحرية» لتكون صدى للسريالية فى مصر. فى عام 1938، أصدرت الجماعة بيانها الأول «عاشت الفنون المنحطة»، معلنة تمردها على الفن التقليدى الذى كان خاضعًا لسلطة الصالونات الرسمية والنخب البرجوازية.
تألفت الحركة من شخصيات مصرية بارزة مثل رمسيس يونان، كامل التلمسانى، وجورج حنين. رأى هؤلاء الفن كأداة لتحرير الإنسان وكسر القيود التى فرضتها الظروف السياسية والاجتماعية. جاءت أعمالهم الفنية والأدبية لتصور الإنسان ككيان ممزق، يعانى من واقع قاسٍ فرضه الاستعمار والفقر.
فى لوحاتهم وأعمالهم الأدبية، استخدم أعضاء جماعة «فن وحرية» الرموز السريالية لتجسيد الدمار الذى أحاط بهم خلال الحرب العالمية الثانية. جسّدت لوحاتهم الموت والحطام، لكنها حملت أيضًا رؤى قيامة جديدة من قلب الخراب. على غرار السرياليين فى فرنسا، رأى هؤلاء الفن وسيلة لكشف الحقائق القاسية عن الفجوة الطبقية والاضطهاد الاجتماعى. دفع رمسيس يونان ثمن مواقفه بالسجن والنفى، لكنه ظل وفيًا لفنه وأصدر كتابات وترجمات مهدت الطريق أمام الأجيال القادمة. وبرع كامل التلمسانى فى التعبيرية والتكعيبية، وقدم أعمالًا تركز على قضايا اجتماعية مثل تسليع الجسد ومعاناة الطبقات المهمشة. أمّا جورج حنين، الشاعر السريالى، فقد ساهم فى نشر الفكر السريالى فى مصر من خلال أعماله الأدبية ومقالاته الجريئة.
لاشك أنّ تجربة «فن وحرية» أظهرت الفن قادرا على أن يكون سلاحًا فى وجه الظلم والاستبداد. كما أن المأساة يمكن أن تكون شرارة للإبداع الذى يخلّد لحظات الألم، ويمنح الضحايا صوتًا يعبر عن معاناتهم.
فى غزة اليوم، كما فى مصر وفرنسا سابقًا، قد يولد من بين الأنقاض جيل جديد من المبدعين يستطيع أن يحول الحطام إلى لوحات أدبية وفنية، تُعبّر عن آلامهم وآمالهم، وتقف شاهدا على مأساة غزة وصمود أهلها البواسل.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأصدقاء الحرب الإسرائيلية الفن والأدب فى مصر
إقرأ أيضاً:
كارول سماحة: “الاستمرارية أقوى من الاستسلام.. والجمهور مصدر قوتي”
عبّرت النجمة اللبنانية كارول سماحة عن مشاعرها الصادقة تجاه جمهورها وفريق عملها، وذلك من خلال رسالة مؤثرة نشرتها عبر حسابها الرسمي على “تويتر”، حيث أكدت فيها أن الوقوف على المسرح لا يعني غياب الألم، بل هو شكل من أشكال القوة والاستمرار.
وقالت كارول في رسالتها:“وقوفي على المسرح ما بيعني إنه وجعي خف.. بس الاستمرارية أقوى من الاستسلام، والحياة أقوى من الموت".
وتابعت: “بشكر فريق عمل (كله مسموح) على دعمن ومساندتن إلي كل هالفترة، وشكر كبير للجمهور.. كنتو مصدر قوتي".
كلمات كارول لاقت تفاعلًا واسعًا من جمهورها ومتابعيها الذين عبّروا عن دعمهم الدائم لها، مشيدين بقدرتها على مواصلة الإبداع رغم التحديات. وتؤكد هذه الرسالة مكانة كارول سماحة كفنانة ملهمة لا تفقد شغفها بالموسيقى والحياة، مهما كانت الظروف.
فقدت كارول سماحة زوجها مؤخرًا، مما جعل ظهورها على المسرح يحمل طابعًا إنسانيًا مؤثرًا، إذ جسّدت من خلاله قدرة الفنان على مواصلة العطاء رغم الألم.
حيث اختارت كارول أن تكون مع جمهورها في هذه المرحلة الصعبة، مؤكدة أن الفن كان وما يزال وسيلتها لتجاوز المحن، وأن حب الناس هو السند الحقيقي في الأوقات القاسية.