صدى البلد:
2025-08-01@05:05:13 GMT

منى أحمد تكتب: قيثارة السماء الخالدة

تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT

خمسون عاما على رحيلها ولكن صوتها سيظل حاضرا، فقد سكنت بإبداعها الروح والعقل والوجدان العربي الذى توراثت عشقه الأجيال وتبقى أم كلثوم حالة خاصة جدا تماثل فى الإبهار والإعجاز والخلود رسوخ الأهرامات ومكانة إِبداعية لم يستطع أحد أن يقترب منها. 

شيئان ثابتان لا يتزحزحان فى الشرق الأوسط ،الأهرامات وأم كلثوم فعندما يحين موعد حفلتها الشهرية ليلة الخميس الأول من كل شهر منتصف القرن الماضي ،كانت الحياة تتوقف وتخلو الشوارع من المحيط إلى الخليج ،فى القاهرة كما فى الدار البيضاء وتونس وبيروت ودمشق والخرطوم والرياض وبغداد، الجميع  ملتفا حول الإذاعة المصرية يستمعون إلى أم كلثوم.

تفتح الستار وتطل من ورائه الساحرة بحنجرتها الذهبية فتنتفض الصالة ضجيجا، تحية لها  ثم الصمت في حرم الجمال جمال ،عندما تشدو أداؤها  يآسر كل فرد على حدة ويخلق حالة توحدا كاملا بين المسرح والحضور، تتأرجح بين الشجن والنشوة وسحرمن نوع خاص.

ومثلما كان صوتها اِستثنائيّ كان جمهورها يشبهها بهيئته المميزة فكان يستعد لحضور حفلاتها بالملابس الرسمية  وكأنها مراسم ملكية فهم فى حضرة سيدة الغناء العربى.

أنه وهج اِمرأة فاقت في هيمنتها على الشعوب حدود السيطرة ,هي الوحيدة التى أستطاعت أن تجمع العالم العربي على إختلاف مذاهبه وطبقاته تحت راية إبداعها فصنعت المستحيل وكسرت الحواجز الجغرافية بل والسياسية نعم السياسية.
ففي عام 1967 كان برونو كوكاتريكس مالك صالة الأوليمبيا قد سارعلى نهج الاِنفتاح على الموسيقى الشرقية,وأثناء زيارته للقاهرة قبل حرب67ولقائه بوزير الثقافة المصري د.ثروت عكاشة أقترح عليه اِستَضافَة الأوليمبيا لأم كلثوم.

بالفعل ذهب كوكاتريكس إلى فيلا أم كلثوم فى الزمالك, يقترح عليها إقامة حفلين خريف 67 يومى 13و15 نوفمبر 1967, إلا أنه فوجئ بطلبها آجرا لم يدفع لفنان عالمى حتى تاريخه,وهو ما كان محل خلاف لكنه فى النهاية رضخ لطلبها ,فهى أيقونة الشرق التى يجتمع على حبها الملايين من المحيط للخليج.

حدثت نكسة67 وكانت أجواء النكسة تلقى بظلالها على كل عربى فى جميع دول العالم ,وظن كوكاتريكس أن أم كلثوم لن تحيى الحفلتين المتفق عليهما, لكنه فوجئ بإصرارها على إحياء الحفلات,فقد عقدت العزم على التبرع بأجر حفلاتها كاملة للمجهود الحربي.

وبدأ التجهير للحفل ومع الأجر الكبير لكوكب الشرق أضطر مسرح الأوليمبيا لمضاعفة ثمن التذاكر, التى كانت تترواح فى ذلك الوقت مابين 30 ل50 فرنك فرنسي إلى 300 فرنك لتحقيق المردود التجاري.

واِصطَدَمَ كوكاتريكس بأن الغالبية العظمى من العرب المقيمن بفرنسا، لا يستطيعون شراء تذاكر بهذا المبلغ الخيالى بحسابات هذة الحقبة نظرا لمستواهم المادى المحدود.

وبعد مرور شهرين من طرح تذاكر الحفل لم يبع منها إلا عددا قليل، فلم يتوقع أحد أن تغرد الست خارج الوطن أعقاب النكسة، ويستشعر كوكاتريكس خطورة الخطوة التي أقدم عليها بلاِتِّفاق مع أم كلثوم على هذا الآجر الخيالى، واِعتَبَرَها صفقة خاسرة فلم يسبق له طيلة مسيرته الطويلة أن شعر أنه على حافة الإفلاس مثلما شعر بذلك في صفقة أم كلثوم.

لكن وما أن وطأت قدم كوكب الشرق عاصمة النور،وتأكَّدَ إِحيائها الحفلتين حتى بدأ توافد الحضورمن كل الأطياف والطبقات، العمال بجانب السفراء والأمراء بجانب المغتربون العرب الذين يتوافدون من جميع أنحاء أوروبا إلى باريس.

وتم مد جسور جوية خصيصا بين دول الشرق الأوسط وباريس لنقل المريدين لفن الست،والغريب أن الفرنسيون أحتلوا20% من المقاعد رغم حاجز اللغة،وحضر اليهود الشرقيون بكثافة، الأمر الذى أثار دهشة مديرالمسرح فسال أحدهم عن سبب وجوده فى حفل عائده موجه لدعم جيش مصر فأجابه إنها أم كلثوم.

لم تنته رحلة فرنسا عند هذا الحد ولم يتوقف الاِحتفاء بأم كلثوم فى فرنسا طيلة أسبوع بعد حفلتها، وكرمها الرئيس الفرنسي شارل ديجول فى رسالة وصفا فيها الست (بضمير الامة)، وبدلا من الأحساس بالهزيمة كان صوت أم كلثوم تجسيدا لمصر المنتصرة مبددا لأثار العدوان.

انها أم كلثوم التى جمعت بين قوة الصوت وتعدد طبقاته، وبين القدرة المتفردة علي الأداء المتنوع فكانت تؤدى الجملة اللحنية الواحدة بأكثر من طريقة من خلال  طبقات صوتية مختلفة ومقامات موسيقية متباينة، تضفى فيها من إبداعها الكلثومى علي اللحن والكلمة، متمكنة من أَدَواتها التى وهبها الخالق ،فحنجرة قوية وصوت يتلألأ بأداءات متغايرة يضاف إليها الكايزما الساحرة والعبقرية الفطرية التى كانت تتمتع بهما كوكب الشرق.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الشرق الأوسط أم كلثوم المزيد أم کلثوم

إقرأ أيضاً:

نجاة عبد الرحمن تكتب: ما وراء البريق الخادع للشهرة السريعة

في زمنٍ أصبحت فيه الشهرة تُقاس بعدد المشاهدات، وتصنعها الخوارزميات لا الجدارة، لم يعد مستغربًا أن نرى بثًا مباشرًا يتجاوز دخله مئات الآلاف من الجنيهات خلال دقائق، دون أن يحمل أي مضمون حقيقي أو قيمة معرفية.

تنتشر مشاهد لفتيات وشباب يحتفلون بما يُسمى "النجاح الرقمي"، وهم يتلقون سيلًا من الهدايا الافتراضية: ورود، نجمات، وأيقونات رقمية تبلغ قيمة بعضها عشرات الآلاف من العملات داخل التطبيق. عند هذا الحد، تبدأ الأسئلة:
من أين تأتي هذه الأموال؟ ولماذا تُمنح بهذا السخاء لمحتوى سطحي؟

خلف الستار: صناعة الترند

ما يبدو للمتابعين كنجاح عفوي، تقف خلفه منظومة منظمة تديرها ما يُعرف بـ"الوكالات الرقمية"، وهي جهات تمثل بعض صانعي المحتوى وتتحكم في ظهورهم، ومسارهم، وحجم أرباحهم.

تقوم هذه الوكالات باختيار أشخاص بعينهم ممن يمكن دفعهم إلى مقدمة المشهد، بغض النظر عن نوعية المحتوى الذي يقدمونه، وتعقد معهم اتفاقات يُقتطَع بموجبها جزء كبير من العوائد، مقابل الترويج والدعم المستمر.

غير أن الخطر الحقيقي لا يكمُن فقط في الترويج للسطحية، بل في توظيف هذه المنصات كوسيلة حديثة لعمليات غسيل الأموال، وهي ظاهرة باتت تثير قلق المهتمين بالشأن الاقتصادي والأمني.

كيف تتم العملية؟

يبدأ السيناريو من طرفٍ يمتلك أموالًا نقدية يصعب إدخالها إلى النظام المصرفي نتيجة غياب مصدر قانوني واضح. يبحث هذا الطرف عن قناة تُخرج أمواله في صورة شرعية، فيلجأ إلى بعض الوكالات الرقمية التي تتولى تحويل هذه المبالغ إلى "دعم" ظاهر على المنصة.

يُقدَّم الدعم لصناع محتوى مختارين مسبقًا على هيئة هدايا رقمية، تُحتسب كأرباح رسمية تصل إلى حساباتهم المصرفية. ثم تُعاد غالبية هذه الأموال إلى المصدر الأصلي، بعد اقتطاع نسبة بسيطة منها كأرباح شكلية لصانع المحتوى، بينما تدخل الأموال إلى النظام المالي وقد تم "غسلها" رقميًا.

الخوارزميات وتفكيك الوعي الجمعي

لا يمكن فصل ما يحدث على منصات التواصل عن السياق الأوسع الذي يُعيد تشكيل وعي الشعوب وفق مخططات دقيقة وممنهجة. فالخوارزميات التي ترفع بعض الشخصيات السطحية إلى صدارة المشهد، لا تفعل ذلك اعتباطًا، بل تعمل وفق معايير تستهدف إعادة توجيه الذوق العام، وتشويه منظومة القيم، وإضعاف البناء الثقافي للأمة.

هذه الاستراتيجية تتقاطع — بشكل أو بآخر — مع ما ورد في ما يُعرف بـ"بروتوكولات حكماء صهيون"، تلك الوثائق المثيرة للجدل التي، وإن اختلف البعض حول مصدرها، فإنها تُظهر بوضوح نوايا استهداف الشعوب من خلال إغراقها في اللهو، وتشتيت وعيها، وتفريغ مفاهيم القدوة والمعرفة والعمل من معناها الحقيقي.

إن صناعة نجوم من فراغ، والترويج لمحتوى فارغ من المعنى، وتمرير الأموال عبر قنوات تبدو ترفيهية، ليست مجرد عوارض رقمية، بل جزء من منظومة أوسع تسعى — ربما بوعي أو دون وعي — إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط ثقافيًا واجتماعيًا، بما يخدم مصالح القوى التي ترى في وعي الشعوب خطرًا على مشاريعها التوسعية.

أثر اجتماعي مدمِّر

تكمن الخطورة في الأثر الاجتماعي والنفسي الذي تخلّفه هذه المشاهد.
فالشباب الذين يجتهدون في دراستهم أو يعملون بكدّ لا يمكنهم إلا أن يشعروا بالخذلان حين يرون من يُحَقق مكاسب طائلة دون جهد معرفي أو إبداع حقيقي.
ويُعاد تشكيل الوعي العام ليُصدِّق أن "الظهور السهل" طريق للنجاح، وأن الجهد لم يعد شرطًا لنيل التقدير.

الثمن الحقيقي

المال الذي يُكتسب عبر طرق غير مشروعة، ولو بدا لامعًا في ظاهره، فإنه يحمل في طياته ثمنًا باهظًا:
ثمنًا أخلاقيًا، وربما قانونيًا، ناهيك عن التآكل الداخلي الذي يصيب صاحبه.
فمن يُستخدم أداةً في منظومة كهذه سرعان ما يُستغنى عنه، وقد يدفع وحده ثمن التورط.

بوصلة الوعي
في عالم يزداد ضجيجه يوماً بعد يوم، ينبغي علينا أن نُعيد الاعتبار للمعنى، لا للرقم.
أن نُعلّم أبناءنا أن الرزق لا يُقاس بالسرعة، بل بالنزاهة،
وأن المال حين يُكتسب من باطل، فلا بركة فيه ولا استقرار.

الطريقان لا ثالث لهما:
طريق الحلال، وإن طال، يمنح صاحبه الطمأنينة وكرامة النفس.
وطريق الحرام، وإن سهل، يُفضي إلى التيه والندم.

فلنختر الطريق الذي يُشبهنا، لا ذاك الذي يُغري بريقه ويُخفي خيبته.

طباعة شارك النجاح الرقمي صناعة الترند الوكالات الرقمية الوعي الجمعي

مقالات مشابهة

  • أقوى رد من أحمد موسى بعد الهجوم عليه من الإعلام العبري
  • أحمد موسى يخرج عن صمته بعد الهجوم عليه من الإعلام العبري
  • فدوى عابد: شخصيتي في فات الميعاد نموذج لجدعنة الست المصرية
  • نجاة عبد الرحمن تكتب: ما وراء البريق الخادع للشهرة السريعة
  • هند عصام تكتب.. الملك أمنمحات الثالث
  • محمد مدحت يكشف مفاجأة عن علاقة جده بكوكب الشرق: كان عضوا في فرقة أم كلثوم
  • الهادي آدم.. الشاعر السوداني الذي كتب لفلسطين و غنت له أم كلثوم
  • معدات ثقيلة تسقط من السماء تتسبب بإصابات وخسائر في كركوك (فيديو)
  • ناشئ قطار المنيا.. قصة كفاح تكتب فصلاً جديداً في ملحمة الحلم الكروي
  • أحمد جمال يطرب جمهور صيف الأوبرا 2025 ونسمة عبد العزيز تستعرض مهاراتها