الرئيس الشهيد صالح علي الصَّمَّاد (رحمه الله)، يظلُّ رمزًا حيًّا في وجدان أمته، وذاكرة شعبٍ عَرف فيه تجسيداً حقيقياً للهوية الإيمانية، والوفاء والصدق لقضايا الوطن والأمة، لقد كان أنموذجاً للقائد الصادق، والصابر، والمضحّي، الذي جعل من سعيه الدؤوب لمرضاة الله تعالى وإعلاء شأن شعبه غايةً لا تحيد عنها الإرادة.

كيف نبدأ الحديث عن “المواطن الصالح” و”الرئيس المكافح” الذي اتّسع عطاؤه كالبحر في كلّ اتجاه؟ فقد جمع بين العلم والفهم، والحكمة والدراية، مع زهدٍ وتواضعٍ قلّ نظيرهما، صبر حتى نال، وثبت حتى انتصر، وسعى بإيمان المؤمنين حتى حاز أعلى المراتب شهادةً في سبيل الله، وخلوداً في سجلّ العظماء.

عُرِف الشهيد الرئيس الصماد بصدق انتمائه للمشروع القرآني، فانطلق منذ شبابه يحمل هموم أمته، مجسداً قيم الثبات والتضحية في وجه أعتى المؤامرات، وفي زمن العدوان، كان حاضرا بقوةٍ كقائدٍ مُلهِم، يُوحّد الصفوف، ويُعزز القدرات، ويُحفز الهمم، في مرحلته الأصعب حضوراً وتفانياً وبذلاً لجهدٍ كبير عزّز به الأولويات المهمة إزاء مجتمعه وصولاً إلى التصدّي البارز للعدوان على وطنه، فاستهدفته أيادي الغدر الأمريكية لتُسكت صوتاً آمن بأن النصر رهينٌ بالثبات على المبادئ.

كان الرئيس الصماد مثالاً فذاً في تحمُّل المسؤولية؛ فقبل المنصب الأعلى بدافع الواجب، لا طمعاً في جاهٍ أو سلطة، فكرّس حياته لخدمة شعبه، صامداً أمام التحديات، صابراً على الإساءات، زاهداً في مغريات الدنيا، فكان شعاره “يدٌ تحمي ويد تبني” الذي جسّده الشهيد الرئيس الصَّمَّاد، تعبيراً عن رؤيته الثاقبة لمستقبل الوطن، فكان يعمل بلا كللٍ ولا مللٍ لتحقيق هذا الشعار على أرض الواقع، من خلال بناء الدولة، وتعزيز قدراتها، وحماية سيادتها، كان يؤمن بأنَّ الحماية والبناء وجهان لعملة واحدة، فلا بناء دون حماية، ولا حماية دون بناء، فكان يعمل على الجبهتين بكلّ إصرارٍ وعزيمة، حتى أصبح نموذجاً يُحتذى به في القيادة، وفي الإدارة، وفي التضحية.

وفي عهده، تحوّل التصدي للعدوان إلى أولويةٍ قصوى، فكان داعماً معنوياً للمقاتلين، وحاضناً للوحدة الداخلية، ومُعبئاً للشعب نحو النصر، ورغم حربٍ شاملةٍ شنها العدو عسكرياً واقتصادياً وإعلامياً، إلا أن إرادة الصمود – بقيادة الشهيد الرئيس – حوّلت الهزيمة الموعودة إلى ملحمة انتصار.

رحل جسد الشهيد الرئيس، لكن روحه ظلّت حيّةً تُحرّك الضمائر، وتُذكّر المسؤولين بواجباتهم، وتُلهم الأجيال دروساً في الإيمان والعزّة والإصرار، لقد أراد الأعداء محو أثره، لكنّ الله أراد أن يُعلي ذكره، وأن يجعل منه منارةً تهتدي بها الأجيال القادمة.

لقد كان الصَّمَّاد يحمل روح الشهادة فنالها، بإيمانه بأنَّ الشهادة في سبيل الله هي أعلى مرتبة يمكن أن يصل إليها الإنسان، فكان يسعى إليها بكلّ ما فيه، حتى تحققت له، فاستحقّ بجدارة لقب “الشهيد الرئيس”، فقد الشهادة كبداية الى طريق الخلود، فكانت حياته كلّها سعياً نحو هذه الغاية العظيمه.

هكذا خلّد التاريخ الشهيد الرئيس الصماد، فصار أيقونةً للإيمان وللوعي، ومنارةً للهدى، ومَعلماً يُستلهم منه دروس العزة والصبر، ستظلُّ روحُه حاضرةً في كل قلبٍ مؤمن، وعدوُّه خاسئاً أمام إرادة شعبٍ آمن أن الشهادة ليست نهاية الطريق، بل بداية الانتصارٍ.

أستشهد الرئيس الصَّمَّاد، لكنّ إرثه باقٍ، وذكراه خالدة، ودروسه مستمرة. لقد كان نموذجاً يُحتذى به في القيادة، وفي التضحية، وفي الإيمان، فسلامٌ عليه يوم وُلد، ويوم استشهد، ويوم يُبعث حياً. لقد كان بحقٍّ “علوّاً في الحياة، وفي الممات”، وكان “إحدى المعجزات” التي تُذكّرنا بأنَّ الإيمان بالله، وحمل قضايا الأمة، هو الطريق الوحيد لتحقيق النصر.

 

 

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

رثاء وحزن على الشيخ الشهيد.. من هو الداعية الفلسطيني نائل مصران؟

استُشهد الداعية الفلسطيني البارز نائل غازي مصران المعروف بـ(أبو محمود) يوم الجمعة الموافق 30 أيار/ مايو 2025، إثر قصف إسرائيلي استهدف خيام النازحين في مواصي القرارة شمال مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة. 

وأسفر القصف عن استشهاد 14 شخصًا من عائلته، بينهم زوجته وأطفاله: محمود، وشيماء، وسهام، وسمية، وريم نائل مصران، بالإضافة إلى عدد آخر من أقربائه ممن كانوا إلى جواره في الخيمة.

وولد الشيخ مصران عام 1970، في أسرة محافظة تهتم بالعلم الشرعي، وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدارس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بقطاع غزة، وأظهر اهتماما بالعلوم الشرعية واللغة العربية والعلوم العامة. 


بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة، التحق بكلية الهندسة وتخرج منها عام 1992 متفوقًا على زملائه.

ورغم تخصصه الهندسي، قرر مصران متابعة شغفه بالعلوم الشرعية؛ فدرس الفقه وأصوله في معاهد داخل غزة، ثم نال الماجستير في الفقه المقارن، واصل رحلته العلمية في القاهرة، وحصل على الدكتوراه في الفقه وأصوله من جامعة الأزهر–القاهرة عام 2004، وقد كانت رسالته الموسومة بـ “أحكام العمليات المالية الحديثة وأثرها في معيشة المسلمين”، التي تناول فيها مواضيع مثل التوافق بين المعاملات المصرفية المعاصرة والفقه الإسلامي.

بعد عودته إلى غزة عام 2004، وظّف مصران خلفيته الهندسية والشرعية في خدمة مجتمعه؛ ودرس الفقه وأصوله في معاهد عدة، وأسّس “دار الهداية” التربوية في مخيم النصيرات عام 2005، وهو مركز تعليمي يضم حلقات تحفيظ للقرآن وورش عمل شرعية واجتماعية. 

وشغل منصب باحثٍ أكاديميٍّ وزائرٍ في ندوات علمية داخل فلسطين وخارجها، فألقى محاضرات في الأردن وتركيا حول “فقه المقاومة” و”أحكام الجهاد”، معتبرًا نصرة القضية الفلسطينية واجبًا شرعيًا لا يقف عند حدِّ الخطاب فحسب، بل يمتد إلى التحرير والسلوك العملي المستنير.

وعُرف الدكتور مصران بمواقفه الفكرية الحازمة تجاه الشأن الفلسطيني؛ فقد حثّ على وحدة الصف وإنهاء الانقسام، ودعا باستمرارٍ إلى تعزيز روح المقاومة والثبات أمام التحديات، موضحًا في خطبه أن الصمود هو الطريق الوحيد للحفاظ على الحقوق. 

كما كان يرى أن القضايا الفقهية الحديثة—خاصة تلك المرتبطة بالواقع الفلسطيني الحاصر—لا بد أن تُعالج وفق منهجٍ علميٍّ يُراعي متغيّرات العصر.

 ولم يقتصر نشاطه على الداخل؛ بل توَجّه إلى الجمهور العربي الكبير محيطًا قضيه التحرر والمستقبل التنموي بدعواتٍ تحضُّ على التضامن والتكاتف لتجاوز التحديات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية كافة.

رثاء الشيخ
تفاعل عدد كبير من الناشطين على مواقع التواصل ضمن الأوساط الفلسطينية مع إعلان استشهاد الشيخ نائل مصران، داعين له بالرحمة والمغفرة، والنصرة لأهل غزة والفلسطينيين، ونعى عدد كبير من المتابعين الشيخ الشهيد.


وقال علاء الصالح: "أيها العالم الجليل والمهندس النبيل والقدوة الحسنة.. أيها الثابت في خيمته في خانيونس على الحق حتى الشهادة في أول شهر ذي الحجة المعظم، السلام عليك يا شيخا مفوها طيبا أحببناه دون أن نلقاه".

السلام عليك أيها العالم الجليل والمهندس النبيل والقدوة الحسنة.. أيها الثابت في خيمته في خان يونس على الحق حتى الشـ.ـهادة في أول شهر ذي الحجة المعظم.. السلام عليك يا شيخا مفوها طيبا أحببناه دون أن نلقاه.. طب حيا وشهـ.ـيدا يا شيخنا المحبوب #نائل_مصران.. تقبلك الله في عليين???????? pic.twitter.com/qX90wkwGGP — علاء الصالح (@AlaaElsaleh) May 28, 2025
وقال خالد صافي: "ما أثقل هذا الفقد، وما أوجعه، وما أشد أن تستيقظ الأمة على خبر ارتقاء عالمها، ومُحدّثها، وفقيهها، الدكتور نائل غازي مصران أبو محمود، وهو يُستهدف في خيمته في مواصي القرارة بخانيونس، لا يحمل سلاحًا، بل يحمل علمًا لا يرفع راية إلا راية الحق، ولا يشتبك إلا بالحرف والحجة، لكن الاحتلال الذي يخاف الكلمة كما يخاف البندقية.. قتله وزوجته وأطفاله".

رحمك الله يا أبا محمود
ما أثقل هذا الفقد، وما أوجعه
وما أشد أن تستيقظ الأمة على خبر ارتقاء عالمها، ومُحدّثها، وفقيهها، الدكتور نائل غازي مصران أبو محمود، وهو يُستهدف في خيمته في مواصي القرارة بخان يونس،
لا يحمل سلاحًا، بل يحمل علمًا
لا يرفع راية إلا راية الحق،
ولا يشتبك إلا… pic.twitter.com/epvzaOanid — Khaled Safi ???????? خالد صافي (@KhaledSafi) May 30, 2025

وقال عبدالرحمن دالاتي: "أُعلن عن استشهاد الشيخ نائل مصران أبو محمود في قصف خيمته بخانيونس. وقف معنا في ثورتنا أيّما وقفة في وجه المشروع الفارسي. ولم يعط الدنيّة في دينه لأجل مكاسب دنيوية. تقبل الله جهاده. إنا والله على فراق أمثاله لمحزونون".
https://x.com/abdulr7man_da/status/1928455891919253789

بدوره، قال الشيخ محمود حسنات: "بقلبي الذي انفطر، ودمعي الذي لا يجف، أنعى إلى الأمة استشهاد الشيخ الدكتور نائل مصران.. العالم المجاهد، الذي جمع بين نور الوحي ولهيب السلاح، فكان إمامًا في محرابه، وأسدًا في ميدانه.

لم يكن الشيخ نائل فردًا، بل أمة تسير، وصوتًا يجلجل في زمن الهوان، سقط جسده، لكن قامت به الحجة على كل شيخ خان، وكل واعظ سكت، وكل داعية".


بقلبي الذي انفطر، ودمعي الذي لا يجف، أنعى إلى الأمة استشهاد الشيخ الدكتور نائل مصران… العالم المجاهد، الذي جمع بين نور الوحي ولهيب السلاح، فكان إمامًا في محرابه، وأسدًا في ميدانه.

لم يكن الشيخ نائل فردًا، بل أمة تسير، وصوتًا يجلجل في زمن الهوان.
سقط جسده، لكن قامت به الحجة على… pic.twitter.com/uNzWoMNkbc — محمود الحسنات ALHASANAT (@mahmoudalhsanat) May 30, 2025
وقالت مريم أحمد: "فلتَبكِ البواكِي عليهم، فهم لا يُنسَونَ، وإن غابوا، ولا يُعوَّضون وإن طال الزمان، اللهمَّ اجبُر كَسْرَنَا بِفقْدِهِم، وَاخْلفنا فِي الباقِينَ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسِيرُ عَلَى آثَارِهِم حَتَّى نَلْحَقَ بِهِمْ فِي رِضوَانِك".

فلتَبكِ البواكِي عليهم، فهم لا يُنسَونَ، وإن غابوا، ولا يُعوَّضون وإن طال الزمان.
اللهمَّ اجبُر كَسْرَنَا بِفقْدِهِم، وَاخْلفنا فِي الباقِينَ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسِيرُ عَلَى آثَارِهِم حَتَّى نَلْحَقَ بِهِمْ فِي رِضوَانِك.#نائل_مصران '(( pic.twitter.com/ZN3y5OpmRf — مَرْيَم أَحْمَد (@marioma_ahmed2) May 30, 2025

مقالات مشابهة

  • الرئيس الموريتاني يزور المسجد النبوي
  • رثاء وحزن على الشيخ الشهيد.. من هو الداعية الفلسطيني نائل مصران؟
  • اختتام الدورات الصيفية بمدرسة الشهيد الصماد بالسخنة في الحديدة
  • حركة أمل وكشافة الرسالة الإسلامية شيّعتا الشهيد المسعف خضر فقيه في النبطية
  • الرئيس الموريتاني يصل إلى المدينة المنورة
  • الشهيد اللواء الركن ايهاب محمد يوسف
  • ترامب: إيلون ماسك سيظل مستشارا رغم مغادرته.. وإدارته ستواصل خفض التكاليف
  • بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد الشهيد علي إبراهيم بالقليوبية
  • أول تعليق من الرئيس اللبناني على رفع العقوبات عن سوريا
  • تشييع جثمان الشهيد المقدم صالح محمد المظفري بأمانة العاصمة