جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-27@17:01:13 GMT

نهج الإصلاح الاقتصادي

تاريخ النشر: 8th, February 2025 GMT

نهج الإصلاح الاقتصادي

 

حاتم الطائي

 

◄ ضرورة وضع أهداف تنموية مُلزِمة يُحاسَب عليها الوزير والمسؤول

◄ أنجزنا الكثير في مسيرة الإصلاح المالي.. وآن الأوان للإصلاح الاقتصادي الشامل

◄ نحتاج إلى مبادرات نوعية لتحفيز نمو القطاع الخاص وتقديم الدعم له

 

خطوة وراء خطوة، واقتصادنا الوطني يواصل تحقيق النجاحات؛ سواءً فيما يتعلق بالأداء العام من حيث الإحصائيات وما تكشف عنه من ارتفاع في كثير من المؤشرات، أو من حيث انعكاسات هذا الأداء على النمو الاقتصادي بشكل عامٍ، وجهود جذب الاستثمارات الأجنبية، وتنمية القطاعات الأخرى، لا سيما تلك المُرتبطة بمُستهدفات رؤية "عُمان 2040".

ولقد برهنت التطورات المالية والاقتصادية الأخيرة، أهمية الإجراءات الناجعة والجهود التنظيمية في تحقيق الأهداف المنشودة، وتجاوز التحديات بمختلف صورها؛ الأمر الذي يفرض علينا الآن التفكير في مواصلة سلسلة الإصلاحات الهيكلية في منظومة اقتصادنا الوطني؛ إذ إنَّ مثل هذه الإصلاحات القائمة على التخطيط السليم والرؤية السديدة، نجحت في تجاوز ما يُمكن تسميتها مرحلة "عُنق الزجاجة"، واستطاعت عُمان أن تُحوِّل عجزها المالي إلى فوائض، وأن تُعزِّز من احتياطاتها النقدية، وأن تَزيد من استثماراتها النوعية. ولعل من أبرز المؤشرات التي عكست هذا النجاح، تراجع الديون السيادية من 20.8 مليار ريال عماني إلى 15.4 مليار ريال عماني؛ الأمر الذي ساعد على رفع التصنيف الائتماني لعُمان أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة، حتى استعدنا درجة الجدارة الاستثمارية.

لذلك نقول بكل ثقة إننا أنجزنا الكثير في مسيرة الإصلاح المالي، بفضل تخفيف أعباء الديون وشطب العجوزات المالية وتحقيق فوائض، وهو ما يستدعي بصورة مُلحّة أن تتكثف الجهود الآن نحو الإصلاح الاقتصادي، ونقصد بذلك اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لتعزيز نمو القطاع الخاص وتفعيل أدواره، وتشجيعه على القيام بها، وفي مقدمتها توفير فرص العمل للشباب، وهو الملف الأكثر أهمية، والذي يحظى باهتمام الجميع؛ إذ لم تعد تصلح حالة الإنكار التي يعيشها بعض المسؤولين، ولم يعد مقبولًا الحديث عن صغر حجم السوق وعدم التزام الشركات بالتعمين، وغيرها من الحُجج والمُبرِّرات؛ لأن المعضلة الأكبر تتمثل في التحديات الهائلة التي يُلاقيها القطاع الخاص لكي يتوسع ويستطيع أن يوفِّر المزيد من فرص العمل.

ولقد استبشرنا خيرًا بما كشف عنه البنك المركزي العُماني قبل أيام قليلة، عن مجموعة من المبادرات الرقابية والتنظيمية المُبتكرة، والتي تتضمن عدة إجراءات مُهمة ذات صلة بالقروض والتمويلات الموجهة لقطاعات اقتصادية مُحدَّدة. وما لفت نظري في هذه المبادرات أنها أعلنت عن حجم القروض المُستهدف تقديمها بتسهيلات مصرفية للقطاع الخاص، والذي يصل إلى نحو 10 مليارات ريال عُماني، وهذا مؤشر جيد، إذا ما وضعنا في الاعتبار أن هذه الحزم ستُعزِّز تنافسية البنوك في تقديم المزيد من القروض المُيسّرة للقطاع الخاص. ومن شأن هذه المبادرات أن تدعم نمو القطاعات غير النفطية، وهو ما أكد عليه البنك المركزي؛ حيث ستساعد المصارف على تقديم التمويل اللازم لتحقيق معدلات النمو الاقتصادي المنشودة.

إذن نحن أمام خطوات جريئة وجديدة من المؤسسات المعنية بالتنمية الاقتصادية، لا سيما فيما يتعلق بالتمويل الذي يمثل حجر الزاوية لأي نمو أو توسُّع في أي قطاع؛ إذ لن يتمكن القطاع الخاص من تنمية مشروعاته دون تمويل مصرفي بأسعار فائدة منخفضة، لا تتسبب في زيادة التكلفة النهائية. كما أن أي توسُّع في أنشطة القطاع الخاص، يعني بالضرورة مزيدًا من فرص العمل للمواطنين، ونُعيد ونؤكد أن ملف التوظيف يجب أن يكون الأولوية الأولى للجميع، حكومةً وقطاعًا خاصًا.

ولذلك جاء الدور لأن تؤدي البنوك الدور المأمول منها، في تمويل القطاعات الإنتاجية؛ بما يضمن زيادة الناتج المحلي وخلق فرص عمل، والتأسيس للكثير من المُمارسات المُحفِّزة للاقتصاد، علاوة على تحسين بيئة الأعمال التي عانى أصحاب الأعمال فيها كثيرًا، مما دفع البعض إلى إغلاق نشاطه التجاري أو إعلان الإفلاس أو التخارج من السوق بشكل عام والذهاب لأسواق أخرى تقدم كل ما يحتاجه المستثمر من تسهيلات، بما في ذلك التمويل الرخيص.

وبما أننا نحتفل اليوم، بيوم الصناعة العُمانية، فإن الحديث عن تنمية القطاع الصناعي يحمل أهمية خاصة، لا سيما في ظل ما تأسس من بُنى أساسية صناعية مثل المدن الصناعية والمناطق الاقتصادية الخاصة والحرة، والتي تحتضن اليوم آلاف المشروعات، منها استثمارات بقيمة تتجاوز 20 مليار ريال عماني في المناطق الاقتصادية والحرة والصناعية، التي تشرف عليها الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، إلى جانب استثمارات بنحو 7.6 مليار ريال عماني في المدن الصناعية التابعة للمؤسسة العامة للمناطق الصناعية "مدائن"، أي أننا نتحدث عن استثمارات صناعية بحوالي 27.6 مليار ريال عماني، والتي تسهم بحوالي 6.09 مليار ريال عماني في الناتج المحلي الإجمالي. وهذه الأرقام المُبشِّرة تُنبئ بقُدرة القطاع الصناعي على الإسهام في تحقيق النمو الاقتصادي والأهم من ذلك توفير فرص العمل للمواطنين. ولذلك نؤكد أن القطاع الصناعي يمثل القاطرة التي ستقود اقتصادنا الوطني لمزيد من الازدهار، خاصة وأنه يعتمد على الإنتاج وزيادة الصادرات وجلب العملة الصعبة وغيرها من العوائد الاقتصادية النوعية.

وهُنا يجب أن تضع الجهات المعنية مُستهدفات للتوظيف، وقبل الموافقة على أي مشروع استثماري نطرح على أنفسنا وعلى المستثمر السؤال الأهم: كم فرصة عمل سيوفرها المشروع؟ وما آفاق التوسع المستقبلي لزيادة أعداد العاملين من المواطنين؟ ويكفي القول إن استثمارات بمليارات الريالات في مناطق بعينها لم تحقق المأمول في توظيف الباحثين عن عمل.

والتحديات التي تعيق قطاع الصناعة، تنطبق على جميع القطاعات الأخرى، لا سيما الواعدة منها: السياحة والتعدين واللوجستيات والزراعة والثروة السمكية، الأمر الذي يفرض ضرورة وضع أهداف قصيرة ومتوسطة الأجل ينبغي أن يلتزم بتحقيقها كل وزير ومسؤول على أن يُحاسب في حالة عدم الالتزام بها، وليس فقط آمال طويلة الأجل قد تتحقق وقد لا تتحقق بعد عقد أو عقدين من الزمن.

ورغم ما تحقق من تقدم في الملف الاقتصادي، لكننا ما زلنا في أمسِّ الحاجة لتجاوز حالة الركود الاقتصادي الذي نمر به منذ جائحة "كوفيد-19"، من حيث تراجع الطلب على السلع والخدمات، وموجات متتالية من تسريح القوى العاملة الوطنية، وزيادة أعداد الباحثين عن عمل. والأمل يحدونا لأن تطلق الحكومة حزما تحفيزية للقطاع الخاص لتعود إليه حيويته وديناميكيته ويتجاوز الحالة التي يمر بها، ويحقق الانتعاش المأمول.

ويبقى القول.. إنَّ نهج الإصلاح الاقتصادي يجب أن يتواصل بلا توقف، وأن تنمية القطاع الخاص وزيادة الحوافز التمويلية والدعم الحكومي له، من شأنه أن يعزز من أدواره المأمولة وعلى رأسها توفير الوظائف، وهُنا لا بُد من تكاتف الجهود والعمل في تناغم تام بين الحكومة والقطاع الخاص، فعُمان تستحق أن نبذل من أجلها الغالي والنفيس لكي تظل مُزدهرة ووطنًا للاستقرار والرخاء.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

4.9 مليار ريال إجمالي إيرادات سلطنة عمان في أول 5 أشهر من العام الجاري

تقرير - أمل رجب

ارتفع حجم الإنفاق العام لسلطنة عمان خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري بنسبة 6 بالمائة ليصل إلى 5 مليارات و24 مليون ريال عماني، ما يعكس التوجه نحو تعزيز الإنفاق الاجتماعي والتنموي.

وبلغ إجمالي الإيرادات العامة الفعلية 4.9 مليار ريال عماني، متراجعا بنسبة 4 بالمائة خلال الفترة من يناير وحتى مايو 2025 مقارنة مع الإيرادات المحققة خلال الفترة نفسها من 2024 البالغة نحو 5 ملايين ريال عماني، وسجل العجز المالي الفعلي للميزانية 146 مليون ريال عماني مقارنة مع فائض مالي بقيمة 351 مليون ريال عماني خلال الفترة نفسها من عام 2024.

وتتضمن الإيرادات العامة المحققة فعليا خلال أول خمسة أشهر من العام الجاري 2.520 مليار ريال عماني من إيرادات النفط و747 مليون ريال عماني من إيرادات الغاز، إضافة إلى الإيرادات غير النفطية التي شملت 560 مليون ريال عماني من حصيلة ضريبة الدخل على الشركات، و324 مليون ريال عماني من ضريبة السلع والخدمات، و89 مليون ريال عماني من الضريبة الجمركية، و630 مليون ريال عماني من الإيرادات الأخرى التي تعد من أهمها أرباح الاستثمارات التابعة لجهاز الاستثمار العماني.

وفي إطار تحقيق مستهدفات رؤية عمان نحو الوصول للاستدامة المالية وتقليل الاعتماد على النفط وتنويع روافد الإيرادات من المصادر غير النفطية، صدر العام الجاري قانون الضريبة على دخل الأفراد بمقتضى المرسوم السلطاني رقم 56 / 2025، وتطبق الضريبة على الأشخاص الذين يتجاوز دخلهم الإجمالي 42 ألف ريال عُماني سنويا، وفق ضوابط حددها القانون، وتكون الضريبة واجبة السداد بمعدل 5 بالمائة من الدخل الخاضع للضريبة، وسيدخل القانون حيز التنفيذ اعتبارا من بداية عام 2028.

ورغم تراجع أسعار النفط خلال العام الجاري، ما زالت مستويات الأسعار مواتية لتحقيق الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2025 لمستهدفاتها في جانبي الإيرادات والالتزامات المالية، حيث بلغ المتوسط الفعلي لخام نفط عمان خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري 75.2 دولار للبرميل مقابل السعر المقدر مبدئيا في الميزانية عند 60 دولارا للبرميل، وحتى الآن تظل مستويات الايرادات الفعلية أعلى من التقديرات المبدئية للميزانية، كما أن العجز الفعلي أقل من تقديرات الميزانية العامة التي كان متوقعا عند بداية إعدادها أن يتم تسجيل عجز مالي بنحو 620 مليون ريال عُماني خلال العام الجاري بأكمله في حال كان متوسط سعر النفط الفعلي 60 دولار.

وتتوقع البنوك الاستثمارية والمؤسسات الدولية أن تظل أسعار النفط تحت ضغوط خلال الفترة المتبقية من العام الجاري مع ترجيح استمرار هذه الضغوط خلال عام 2026، وذلك نظرا لمخاوف من تبعات النزاعات التجارية المتصاعدة، وتأثيرها على تباطؤ نمو الاقتصادي العالمي وخفض الطلب على الطاقة وتزامن هذه المتغيرات مع بدء مجموعة أوبك بلس رفع حجم الإمدادات وتخفيف القيود على الإنتاج.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ متوسط سعر النفط حوالي 77 دولارا للبرميل بنهاية العام الجاري بتراجع 15 بالمائة عن متوسط سعر النفط في عام 2024، كما يرجح بنك «جولدمان ساكس» انخفاض أسعار النفط خلال العامين الحالي والمقبل، بسبب تزايد المخاطر المحيطة بالنمو الاقتصادي العالمي وزيادة الإمدادات من قبل دول مجموعة أوبك بلس، ليسجل متوسط خام برنت نحو 63 دولارًا للبرميل خلال الفترة الباقية من 2025 مع احتمال التراجع إلى أقل من 60 دولار خلال 2026.

مقالات مشابهة

  • 1.6 مليار ريال ارتفاعا في إجمالي السيولة المحلية بنهاية مايو إلى 25.3 مليار
  • البصرة.. الإعلان عن تجمع اقتصادي جديد لدعم القطاع الخاص
  • اجتماع لبحث تسريع وتيرة التكامل الاقتصادي الأفريقي بالدار البيضاء
  • بقيمة 3.7 مليار ريال.. «الذهب الأبيض» يُغذي الأسواق المحلية والعالمية
  • 4.9 مليار ريال إجمالي إيرادات سلطنة عمان في أول 5 أشهر من العام الجاري
  • الصادرات الصناعية تقود النمو الاقتصادي في سلطنة عُمان
  • البنتاغون يقر صفقة تاريخية.. مصر تستعد لاستقبال صواريخ متطورة بقيمة 4.67 مليار دولار
  • مباحثات أممية أمريكية لتعزيز العملية السياسية والإصلاح الاقتصادي في ليبيا
  • بـ24 مليار ريال.. الوفد السعودي الاستثماري يوقع 47 اتفاقية في سوريا
  • بعد ارتفاع تحويلات مصريي الخارج لـ32.8 مليار دولار في عام.. هذه نتائج الإصلاح الاقتصادي