البوابة نيوز:
2025-06-16@05:24:08 GMT

عبد الرحيم على يكتب: مصطفى بيومي وشغف الذاكرة

تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ويمضى الأحبة.. تبقى تفتش فى التفاصيل عن زهرتين؛ تضعهما فوق قبر، ثم تقول سلامًا.. يخاصمك الآن قلبى ونصف وعد بأن نلتقى حيث كنا نزرع الطرقات فى عتمة الليل وحدنا.. نجالس الحلم، ونقرأ كل الوجوه الغائبة.. كل التفاصيل ما بيننا..

لكنك وحدك، الآن، قررت أن تفك طلاسمها واحدًا تلو الآخر.

. سلام عليك إذن فى العالمين..

هذه مدينة المنيا الجميلة وتلك دار «شعاع».. يجلس الرفيق «لطفي» خلفَ منضدةٍ خشبيةٍ عتيقة ويمسك النسخة الأولى من ديوانى الأول والأخير «العواصف».. كان ذلك فى منتصف عام ١٩٨٧.. لم تكن تلك بالطبع هى المرة الأولى التى أراه فيها؛ كنا قد تعرفنا على بعضنا البعض منذ عامين تقريبًا فى بدايات عام ١٩٨٥ فى قصر ثقافة المنيا.. قرأت مقدمة الديوان وشكرته ورد على بجملته المعهودة: لماذا تشكرني؟ أنت تستحق ما كتبته عنك، فلم أجاملك.

واتفقنا منذ ما يقرب من أربعين عامًا، ألا يجاملُ أحدَنا الآخر ولكن نظل أوفياء لما نكتب ونعتقد.. 

لم يكن مصطفى صديقى بالمعنى التقليدى للصداقة.. إنما كان، ولم يزل، واحدًا من عائلتي.. أخى وابن أيامي.

كنا مجموعة من الأصدقاء لا تتعدى أصابع اليدين ندينُ للأدب العربى وبخاصة الشعر والرواية بالكثير فى تكوين شخصيتنا وندين للفكر الماركسى بأكثر من ذلك فى جعلنا نمتلك مفاتيح طيعة لفهم ظواهر الحياة.. وكان مصطفى أكثرنا انضباطًا وكلاسيكية، يعرف ما يفعل ويفعل ما يعرف، عندما تزوره فى منزله لا بد أن تدهشك مكتبته العامرة بكتب الفلسفة والتاريخ والأدب هنا أرسطو وأفلاطون وماركس وإنجلز ونيتشه وسارتر بجانب تشيخوف وديستيوفسكى وكازنتزاكس.. هنا نجيب محفوظ ويوسف إدريس ويحيى حقي.. سلامة موسى وطه حسين وعلى عبد الرازق ولويس عوض.. بجانب عبد العظيم رمضان وطارق البشرى وصلاح عيسى.. هنا الجبرتى وعبد الرحمن الرافعى.. هنا حجازى وأمل وصلاح عبد الصبور وصلاح جاهين.. هنا مصر التى أحبها مصطفى بجنون..

والتى من أجلِها قررنا يومًا ما من عام ١٩٨٧ أن نشكل خلية شيوعية سرية.. كان الاجتماع الأول فى منزل مصطفى واختار هو أن يكون مسئول التثقيف واختار لنفسه الاسم الحركى «لطفي» ورشحنى هو وعادل وسليمان لكى أكون المسئول السياسى للخلية، أى المسئول الأول فيها، ربما لكى أتحمل المسئولية وحدى بحكم تهورى المعتاد عندما تقع الواقعة.

واخترت لنفسى الاسم الحركى «خالد»، تيمنًا بالزعيم خالد محيى الدين الذى سميت ابنى على اسمه فيما بعد..

كنا فى ريعان شبابنا نحلم بالحرية والاشتراكية والحب.. لكن أكثر شيء كنا مؤمنين به هو الحب وهو ما بقى بعدما تبخرت أحلام الحرية والاشتراكية..

لا أبالغ إذا قلت إن صداقتى لمصطفى بيومى كانت أحد أهم مصادر الفرح والسعادة بالنسبة لي.. تأثرتُ به كثيرًا خاصةً فى عادات القراءة واستخدام الكشكول ووضع الملخصات واستخدامها فيما بعد فى الكتابة.. كان مصطفى كاتبًا محترفًا وقارئًا محترفًا وكنت، وما زلت، أهوى الكتابة وأعشق القراءة، لا أكتب إلا عندما ترهقنى الفكرة وتلح على وتضغط، حتى تكاد تفجرنى من الداخل.. لكن مصطفى كان على العكس تمامًا يكتب كما يأكل أو يتنفس أو يمشي.. كانت مثل توأم روحه، نجيب محفوظ، يستطيع أن يحدد وقتًا من اليوم للكتابة ووقتًا للقراءة ويلتزم بهما التزاما حرفيًا.. كما كان يستطيع أيضًا أن يكتب مقالًا نقديًا فى عشر دقائق كما بستطيع أن يقول لك متى ينتهى من الرواية التى يكتبها دون أن يتأخر عن هذا الموعد ساعةً واحدة.. أذكر فى إحدى المرات وفى ساعة مزاح، قرر هو وعادل الضوى أن يكتبا شعرًا عموديًا يضارع الشعر العربى القديم فى القافيةِ والوزن والموضوعات والكلمات فكانا يكتبانه وكأنهما يلقيان النكات فى سهراتنا الليلية وفى الصباح يلقيانه على أساتذة اللغة والشعر فيبهرانهم بما كتبا وكنت أضحك فى داخلى كيف لهذين الشابين أن يخدعا كلَ هؤلاء الكبار ليثبتا أن ما يكتبه البعض لا يستحق عناء القراءة.

«من أى بحرٍ عصيِ الريحِ تطلبه.. إن كنتَ تبكى عليه فنحن نكتبه».. كانت تلك رسالتهم التى حملها حجازى شابًا إلى العقاد.. وافترقنا.. غادرت أنا إلى القاهرة وكان قد سبقنى إليها عادل وسليمان، وظل مصطفى هناك فى قلب المدينة الهادئة الجميلة يكتب ويقرأ ويقابل أصدقاءنا ويرسل تحياته بين الحين والآخر.. لكننى عندما أنشأت أول مركز للدراسات عام ١٩٩٨ اتصلت به وبعادل وسليمان فلبوا النداء جميعًا كالعادة، وكان أولهم مصطفى، وبدأنا رحلة جديدة أثمرت ثمارًا يراها العالمُ كلُه الآن وليس المصريين فقط، آثارهُا فى كل مكان فى أوروبا ولن تتوقف ما كان فى العمر بقية إن شاء الله.. 

لم تحن ساعة الرحيل بعد، يا درش، كنت دائمًا أمازحه كلما رأيته فى الشهور الأخيرة، وكان قد بلغ الإرهاق منه مبلغه، قلت له لقد حلمنا أن نرقص أنا وأنت يومًا ما على أنغام زوربا.. هل تتذكر؟ تلك الرقصة التى ما برحت أذهاننا يومًا.. لم نرقصها بعد، كنا نتذكرها بين الحين والآخر ونتساءل متى نمتلك الشجاعة كى نفعلها؟.. انتظرنى إذن يا درش لكى نفعلها معًا، مرة واحدة فقط يا صديقي، حين نلتقى بعد حين.. فإلى لقاء..

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: عبدالرحيم علي

إقرأ أيضاً:

الوستفالية وتعويضات أضرار العراق

حقوق تحتضر تحتاج مطالب

عندما نتكلم بحثا عن الحقائق، لا نجامل صديقا ولا نظلم عدوا، وإنما الحقائق كما نراها، وكل شخص يُرد عليه في عصرنا، فوجهات النظر لا تعتمد على وثائق مضمونة المصداقية وإنما عُرفت بالمعلوم وفق منطق الأحداث، والمعلومة تقود منطق المثقف فإن لم تك دقيقة فتحليله لا يصل إلى الدقة. وكلامي هذا ليس استجلابا للعذر إن كان ما أراه خطأ، العالم عندما يتطور فالحاجة أوقعت بصمتها على منظومة العقل ليفكر الإنسان فيسد حاجة أو يشبع غريزة. وهكذا كان الأمر في معاهدة وستفاليا وتعرف أيضا بمعاهدة مونستر (Treaty of Munster) أو معاهدة أوسنابروك (Treaty of Osnabruck)، تمّ توقيعها في 24 تشرين الأول/ أكتوب 1648 في مونستر وستفاليا (ألمانيا)، وكان هذا إيذانا بانتهاء الفكرة الدينية مع صراعاتها والانتقال للفكرة القومية، التي لم تلبث طويلا حتى ساد النظام الرأسمالي.

أصبح لكل دولة حدود وهنالك عُرف وقانون ونظام دولي ألا يُعتدى على حدود الدول، بيد الأمر مخترق دائما عند الحاجة إلى اليوم، حيث نرى الدول الاستعمارية تخترق الحدود وتستملك ما تريد من الدول الضعيفة، ويتحدث السيد ترامب عن امتلاك غزة وهو لحن نشاز عندما يقع في آذان العرب والمسلمين.

فهل هذا الإنهاء للنظام الوستفالي لصالح اعتماد القوة الذاتية هو لتعود إمكانية غزو دولة لدولة بلا محاسبة وضمها إليها ما دامت قوية؟

أوكرانيا دخلت إليها دولة أقوى، وتعاقدت بطريق شبه إجباري دولة قوية معها، وإسرائيل بدعم أمريكي تدمر الحرث والنسل وأكثر من تقتلهم هم الأطفال، وتجد الإدانات الرسمية خجولة والشعوب ثائرة لأنها تشهد خروجا عن منطق الدولة الذي عرفته فتدعم المشاعر الإنسانية التي هي مركزية. إذن نحن أمام عودة لحكومات القديمة بلباس الدولة المقدسة التي لم تعد مقدسة، والعقلية الإمبراطورية والتعسف لأنك الأقوى، من هنا نرى النظر في أمور لا بد منها احتياطا بدل انتظار النزوات للساسة في الدول القوية أو المدعومة من دول قوية.

نذكر النظام الوستفالي مع حروب الخليج وأوكرانيا، والاحتلال الصهيوني لفلسطين قبل هذا، والظاهرة الترامبية التي تبرز الوجه الغريب لأمريكا، كان ترامب يبدو كـ"Big foot" لكنه مع ظهور الرغبة في الهيمنة تحول تشبيهه إلى "Thunderbird"، إلا أنه مع تزويد الكيان بأسلحة فتاكة وقتل الأبرياء لإفراغ غزة واستملاكها واستثمارها بات كوحش فرانكشتاين؛ مخلوقا لا سيطرة عليه ولا سلطة، يطلب الأموال من هنا وهناك، ويفرض أتاوات على الكويت وفق مشتهاه، ولا أستبعد أن يعتبر اعتداء أمريكا وما أصاب العراق بلمسات أمريكا وتدخلاتها فضلا كبيرا، لذا لا بد من إجراء كشف الحساب احتياطا لأن العراق يدين أمريكا بكل ما جرى له منذ 1980 ولحد الآن.

سنكتفي في هذا المقال طرح النموذج العراقي:

كل المنطقة العربية يمكن أن تتعامل بالمنطق الذي سيطرح هنا حول العراق ودول التحالف وكل من تسبب لها بما هي فيه من دمار، ففي العراق تتصدر أمريكا قوى التحالف، وفي فلسطين الكيان ومن دعمه كل بقدر مسؤوليته، وما تعرضت له دول الخليج من خسائر بسبب الضغوطات.

العراق ومنذ نشأته يتعرض إلى تحديات ليست طبيعية لكن يمكن اعتبارها كذلك لعدم وجود أدلة على التدخل المباشر أو غير المباشر حتى عام 1980، حيث بدأت التدخلات الأمريكية والدولية تعمل بوضوح في حرب الخليج الأولى وتوجه الخلافات إلى حروب، واتضحت الأمور عام 1990 عندما بدأت حرب الخليج الثانية التي استمرت عمليا إلى حرب الخليج الثالثة عام 2003، واتجه العراق ليكون ساحة للصراعات وبإدارة أمريكية واتفاقات لا علاقة للعراق بها وليس من حكومة قادرة حتى لو أرادت تغير المسارات التي حصلت، وهذا ليس تبرئة لمن قبل تمثيل هذه الأدوار لكنه وصف واقع الحال عندما نتجه إلى الفاعل الرئيس في هذه السياسات.

حسابات لا بد من تسيير معادلات رياضية لها:

في عام 1980 بدأت حرب الخليج واتضح أنها كانت توقد في الجهتين بفعل مخابراتي، وما بين مساعدة العراق استخباريا يبدو أن هنالك شبيها له في إيران وإيران كيت شاهد على ذلك، وهنا خسائر في كل شيء اجتماعيا وقيميا وماديا وتفكك أسري ومعاناة ومعوقون، وضياع لفرص استثمار حقيقي للثروات، ليخرج العراق مديونا بعد الفائض.

في 1990، دخل العراق مرحلة أخرى، حيث أعطي الضوء الأخضر للمشكلة، والنتيجة عداء في العمق يبدو أنه أصبح أكثر تطورا وزراعة مشاكل للأجيال وتحديات للاستقرار، وتعطيل للموارد ومجاعة عمليا وتدهور في البنية التحتية وخسائر مادية ومنع من الحياة الطبيعية وهروب الطاقات وعتمة البلاد وتدميرها اقتصاديا واجتماعيا.

في عام 2003 أُدخل إلى العراق التمزق النسيجي والمجتمعي وقسم إلى أعراق وطوائف وفتحت الحدود للمغامرين والدخلاء وضُرب الأمن وأصبح الموت رفيق العراقيين في كل لحظة، وبدل أن يتحسن وضعهم ساء لدرجة ترى بالعين والواقع أفضل من يقدم الصورة.

من أجل هذا فلا بد أن يشكل العراقيون بدل خلافاتهم وانتقاداتهم وتلوين خيبتهم؛ فريقا من الخبراء بل مؤسسة اسمها استعادة حقوق العراق، تقوم هذه المؤسسة بما يلي:

1- إجراء دراسات على العراق منذ سقوط الملكية وإلى الساعة وما يحدث دوما.

2- حسابات الخسائر الظاهرية والخفية بشكل عام.

3- إحكام برامج حاسوبية لتسيير مسارات افتراضية (ماذا لو لم تتدخل الدولة الفلانية)؛ من النفط وتأثير التدخلات على النهضة والاستثمارات وإحداث الرفاهية، إلى الموارد البشرية وتدميرها، إلى الأمراض الاجتماعية والنفسية، إلى الخسائر في كل المجالات الزراعية والصناعية وتدهور التعليم، إلى السجون وما أحدثته من تأثيرات.. ويستمر البرنامج الحسابي إلى أن يستقر العراق مدنيا؛ نظرا لما تعرض له من خراب وتمزيق وخسائر مادية ومعنوية.

4- كل ما يمكّن من تطوير هذه الفكرة التي تحتاج إلى مركز كبير متنوع الاختصاصات الهندسية والقانونية، والباحثين في كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والمهنية والاستراتيجيات ومهارات في الحاسوب والرياضيات لبناء المعادلات التراكمية والنشاطات المستمرة بالذات.

5- وضع مكتب تمثيل في وزارة الخارجية وغيرها حسب تطور المطالبات التي توضع للمدى الطويل من التعويضات للشعب والحكومة.

مقالات مشابهة

  • بالسجن المؤبد.. القضاء يسدل الستار على قضية “عبد الرحيم امصاك”
  • نتنياهو: هجومنا على إيران سينتهي عندما نقضي على برنامجها النووي
  • من سقوط بغداد إلى حصار دمشق.. سيوف العرب ينعش الذاكرة التاريخية للمشاهد
  • اكتشاف روابط جينية بين السكري وتلف الذاكرة
  • خالد بيومي: الهلال سيكون من أقوى المفاجآت في المونديال ..فيديو
  • مختص: تأجيل الاختبارات لما بعد العيد ضغط الطلاب وكان الأنسب إنهاؤها قبله.. فيديو
  • منذر رياحنة.. "حارس الذاكرة" الذي أعاد سقوط بغداد إلى الحياة بدموع الحرف ولهيب المكتبات
  • عبد الرحيم موسوي رئيس هيئة الأركان الإيرانية
  • تعيين اللواء سيد عبد الرحيم موسوي رئيسا لأركان إيران
  • الوستفالية وتعويضات أضرار العراق