أمريكا و”إسرائيل”.. السقوطُ المهينُ من غزة إلى اليمن
تاريخ النشر: 15th, February 2025 GMT
إبراهيم محمد الهمداني
لم تعد غزةُ الشامخةُ بصمودها وركامها، فريسةً سهلة، يتسلَّى أعداؤها بتكرار اصطيادها، ويتشفون برؤيتها تتعثر، وتتخبط في دمائها، ولم تعد ساحاتها المقدسة، قابلة لإعادة عرض خرافات وأساطير القوة التوراتية، ولم يعد فوق ركامها، غير مخيمات أبنائها، بصمودهم الأُسطوري، المستعصي على الكسر؛ وما بين طوفان الأقصى وطوفان العودة، نصر إلهي عظيم، لا يمكن التشكيك فيه، وحق ثابت مقدس، لا يمكن سرقته بألف أوسلو، بعدما عجزت قوة أكبر تحالف عسكري صليبي، عن سلبه بترسانتها وجحافلها، كما لم يعد في وسع ترسانة أمريكا الصهيونية، ما يمكن الرهان عليه، لتنفيذ قرارات ترامب، ولم يعد في وسع حلفائه، في القارة العجوز، ما يمكن التهديد به، أَو الركون إليه، في إجهاض نصر غزة، وإعادتها إلى مربع الصفر.
في الجانب المقابل، يمكن القول إن المواقف الرسمية العربية، الصادرة مؤخّرًا، تعكس حالة متقدمة، و”تتسم بقدر من الإيجابية، وأنها خطوة في الاتّجاه الصحيح، وتعبّر عن مواقف حكيمة” – كما يصفها سماحة السيد القائد/ عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله – وأنها قد تغفر لأصحابها مواقفهم السيئة السابقة، “في حال كان لها ما بعدها، وتمت ترجمة بيانات الرفض، بمواقف إيجابية فعلية، لا تقبل المقايضة”، تردع العنجهية الترامبية المتغطرسة، ما لم فَــإنَّ بيان وزراء الخارجية العرب، وإعلان الأنظمة الحاكمة، في مصر والأردن والسعوديّة، رفضها القاطع قرار ترامب، تهجير أهالي قطاع غزة قسرا، وإعادة إعمارها وضمها للكيان الإسرائيلي الغاصب حينا، واستثمارها مشروعا تنمويًّا سياحيًّا أمريكيًّا حينا آخر، وفي الوقت ذاته، يصر ترامب على تهجير أهالي قطاع غزة، إلى مصر والأردن نهائيًّا، بينما يقترح نتنياهو الأحمق، إقامة دولة فلسطينية في السعوديّة، وهي تصريحات استعلائية استكبارية، يجب أن تواجَهَ بحزم كبير، ويجب أن تترافق مواقف تلك الأنظمة الحاكمة، بقرارات فعلية وموقف عربي موحد، ما لم فَــإنَّها لن تتجاوز كونها ظواهر صوتية، ومواقف تمثيلية للاستهلاك الإعلامي، وامتصاص غضب الجماهير.
لا يمكن التنبؤ بموقف عربي حاسم، يقف في وجه ترامب، ويفشل مشروعه الإجرامي بحق غزة أرضًا وإنسانًا؛ لأَنَّ الأنظمة العربية الرافضة حَـاليًّا، هي ذاتها الصامتة المتخاذلة المتواطئة سابقًا، والنظامين المصري والأردني، هما من نصَّبا نفسيهما دروعا لحماية “إسرائيل”، من ضربات صواريخ ومسيرات المحور، وهما ذاتهما من حاصرا غزة سلفا، وقدما كُـلّ أشكال الدعم والمساعدة، للكيان الصهيوني، ليتجاوز تداعيات أزماته، الناتجة عن الحصار البحري، الذي فرضته القوات المسلحة اليمنية، في معادلة إسناد غزة، كما أنه ليس من الحكمة، التعويل على مواقف الرفض الرسمية للأنظمة الغربية والعالمية، خَاصَّة وقد شهدنا مواقف وقرارات مماثلة، صادرة عن الأمم المتحدة والجامعة العربية، لكنها كانت مُجَـرّد حبر على ورق لا أكثر، ولذلك فَــإنَّ التعويل الحقيقي، على ثلاثية النصر في الداخل الفلسطيني في غزة أولا، ممثلة بمدى التحام الحاضنة الشعبيّة، بقيادتها العسكرية (المجاهدين) وقيادتها السياسية، ومدى قوة وحدتها وحصانتها ضد الاختراق، بالإضافة إلى مدى قوة وثبات موقف قوى المحور، في عملية الدعم والإسناد، حتى النهاية، ثانيًا، وما دام هذان الشرطان قابلين للرهان عليهما، فَــإنَّه يمكن القول، إن غزة ما بين الطوفانَين، قد أصبحت أرقى أنموذج تحرّري عالمي، يلهم ويشجع الشعوب المستضعفة، على كسر قيود الاستبداد والهيمنة العالمية.
يمكن القول إن ترامب في رئاسته الثانية، قد بلغ من العجز والفشل والسقوط، ما لم يبلغه أحد قبله، وذلك ناتج عن أمرين؛ أولهما:- مواقفه العدائية المعلنة، وتصريحاته الاستكبارية الفجة، وسلوكياته الهمجية القبيحة، وغطرسته المتعالية على حلفائه قبل أعدائه، وثانيهما:- سقوط هيبة ومكانة وقيمة أمريكا عسكريًّا واستعماريًّا وحضاريًّا، بداية من موقفها العدائي المشين، بعد عملية طوفان الأقصى، بانحيازها المطلق للكيان الصهيوني الإجرامي الغاصب، وبسقوط القوة السياسية والقوة العسكرية، سقطت الريادة الحضارية، ولم يعد أمام ترامب سوى المضي في الحرب الاقتصادية، وابتزاز واستنزاف الاقتصادات العالمية الكبرى، ولم يعد في مخزون أمريكا الصهيونية، من القوة والمهابة، ما يضمن تنفيذ قرارات ووعود مجنونها ترامب، الذي بلغ مرحلة الخرف الاستعماري، ليعيش في عصرنا الحاضر، بعقلية الهيمنة الإجرامية، قبل قرنين من الزمان، ولذلك هو يعيش حالة من الشيزوفيرينيا الحادة، فهو لا يستحي من القول إنه صانع السلام في غزة، بينما هو ذاته من يصادرها بقراراته السخيفة، ويساند العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية، وهو من يزود الكيان الصهيوني بصفقات الأسلحة، لتدميرها وإبادة أهلها، غير مدرك أن تجربة الاستيطان الإحلالي، التي مارسها القاتل الأُورُوبي، في أمريكا الشمالية سابقًا، لا يمكن أن تكرارها الآن، في غزة خَاصَّة، والمنطقة العربية عُمُـومًا، بأي حال من الأحوال.
لم يعد بإمْكَان الاقتصاد العالمي، أن يصمد فترة أطول، ولن تستطيع أمريكا المترهلة، ابتلاع الاقتصادات الأُورُوبية، دون أن تغص بها، ولن يستطيع سيف الجزية، المسلط على السعوديّة ودول الخليج، تحصيل مبالغ كافية لإنعاش الاقتصاد الإمبريالي، كما أن مبلغ التريليون دولار، المتحصل من السعوديّة، لا يكفي لتغطية النفقات التشغيلية، للجماعات الإرهابية الوظيفية –التابعة للبيت الأبيض– التي توعد ترامب إشعال منطقة (الشرق الأوسط) بواسطتها، كما أن مهمة ترميم الكيان الصهيوني، تعد أولوية قصوى لدى ترامب، تتساوى مع أولوية ترميم القوة البحرية، والأساطيل وحاملات الطائرات الأمريكيّة؛ مِن أجلِ حسم معركة البحر الأحمر، التي لا يمكن تأجيلها أكثر، ويستحيل حسمها في الوقت الراهن على الأقل، علاوة على استحالة التعويل على البدائل، من العملاء المحليين أَو الإقليميين، وعدم إمْكَانية الحد من قدرات الجيش اليمني، أَو استهدافه بضربات نوعية حاسمة، من شأنها شل قدراته وأنشطته العسكرية البحرية والجوية، ولم يعد بمقدور قرار تصنيفهم جماعة إرهابية، أن يحقّق من الردع، ما عجزت عنه آلة الحرب الأمريكيّة السعوديّة، على مدى عشر سنوات.
في الوقت الذي يتسارع سقوط الولايات المتحدة الإرهابية، من غزة إلى اليمن، يصعد المجرم ترامب، مبشرا بميلاد أمريكا الصهيونية مرة ثانية، ومعلنا تبني ربيب الصهيونية المدلل “نتنياهو”، وكلاهما عاجز فاشل مهزوم، سواء في حروبهما أَو في سياساتهما، وبنك أهدافهما المتعالي، بما يؤكّـد عجزهما عن استيعاب حقيقية المتغيرات العالمية، ونزعتهما الاستكبارية الفرعونية، الرافضة للسنن الإلهية، وما تفرضه معادلات القوى الصاعدة، وأنه لم يعد في تهديدات ترامب، فتح أبواب الجحيم على قطاع غزة، أَو جر المنطقة بأكملها إلى حرب شاملة، سوى تعجيل نهاية أمريكا الصهيونية، وربيبتها “إسرائيل” الكيان الوظيفي الإجرامي المتوحش، وتحقيق زوالهما الحتمي، وسقوطهما المخزي المهين.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: أمریکا الصهیونیة السعودی ة لم یعد فی لا یمکن ولم یعد ف ــإن
إقرأ أيضاً:
مجلة أمريكية تفند من المنتصر في حرب اليمن.. الحوثيون أم أمريكا؟ (ترجمة خاصة)
سلطت مجلة "ناشيونال انترسيت " الأمريكية الضوء على الاتفاق الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف الحرب مع جماعة الحوثي في اليمن في السادس من مايو/ أيار الجاري.
وقالت المجلة في تحليل للباحث "جيمس هولمز، وترجمه للعربية "الموقع بوست" بمعنى ضيق وجزئي، ربما يكون استخدام القوة الجوية دون هجوم بري قد دفع حسابات الحوثيين نحو نتيجة ترضي واشنطن.
وأضاف "في ضوء اتفاق الحوثيين الذي رُوّج له كثيرًا لوقف مهاجمة السفن العابرة للبحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، يكتب لي صديق طيار متسائلًا عما إذا كانت القوة الجوية حاسمة في الحرب البحرية غير النظامية ضد المتمردين اليمنيين.
وردا على التساؤل قال هولمز أجيب بجرأة: ربما.
وقال "ما دفعني إلى هذا النقاش، بالطبع، هو مقالي في الجيش الوطني الإندونيسي في أواخر مارس، والذي انحاز فيه إلى الأدميرال جيه. سي. وايلي، الذي أعلن أن القوة الجوية وغيرها من أشكال الحرب "التراكمية" العشوائية لا تحسم الصراع المسلح بمفردها. يرى وايلي أن السيطرة - عمومًا، السيطرة على تضاريس رئيسية أو شيء ما على سطح الأرض - هي غاية الاستراتيجية العسكرية. قصف شيء من الجو ليس كالسيطرة عليه. من ناحية أخرى، تستطيع القوات البرية فرض سيطرة دائمة وخانقة. لذا، تُعدّ القوات الجوية والصاروخية الذراع "الداعم" للقوة البرية في أي حملة. إنها مُمكّنة، وليست غاية في حد ذاتها.
يضيف "الرجل في الميدان حاملًا سلاحه" كما يصفه وايلي - جندي أو جندي مشاة بحرية يمتطي اليابسة حاملًا قوة نيران ثقيلة - هو الذراع "المدعوم". الجندي هو عنصر السيطرة المادية، وبالتالي هو الحكم النهائي على النجاح العسكري. بعبارة أخرى، القوة الجوية مهمة، لكنها غير كافية لتحقيق النصر وإرساء السلام بعد الحرب. فبدون قوة برية، لا نتائج دائمة.
وقف إطلاق النار الحوثي ليس سلامًا
وأردف "نقطتان. أولًا، لتقييم ما إذا كانت عملية أو حملة ما حاسمة، من المفيد تحديد معنى كلمة "حاسم". كما هو الحال مع العديد من المصطلحات في مجال الشؤون الحربية، لا يوجد تعريف متفق عليه عالميًا للكلمة. التعريف الذي نستخدمه عادةً في أروقة نيوبورت المقدسة يأتي من كارل فون كلاوزفيتز، الحكيم العسكري لبروسيا في القرن التاسع عشر. وبقراءة بسيطة بين السطور، يُعرّف كلاوزفيتز الهجوم الاستراتيجي الذي يؤدي "مباشرةً إلى السلام" بأنه مهمة حاسمة.
وأشار إلى أن هناك عالم من الأذى في هذا الظرف "مباشرةً". يمكن أن يشير إلى الوقت، أي هجوم استراتيجي يُعجّل السلام بشكل أو بآخر. يمكن أن يكون له أهمية جغرافية مكانية، أي أن السلام يأتي بمجرد السيطرة على تضاريس رئيسية أو مدينة أو قوات معادية. أو كليهما.
وأفاد "لكن الحملة الجوية والصاروخية التي قادتها البحرية الأمريكية ضد الحوثيين لم تُفضِ إلى السلام، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر. في الواقع، أشار متحدثون باسم الحوثيين تحديدًا إلى أن الهجمات على إسرائيل - الهدف الأساسي لحملة المسلحين - ستستمر ولن تتأثر بوقف إطلاق النار. واصل مسلحو الحوثي إطلاق الصواريخ باتجاه الدولة اليهودية. ما أسفر عنه القصف الأمريكي وقوات التحالف هو توقف مؤقت، ربما، في جهد ثانوي - الهجوم على ممرات الشحن الإقليمية. على أي حال، لم تُثر الهجمات العشوائية على الشحن ضغطًا يُذكر على إسرائيل. كان إنهاؤها خيارًا سهلًا".
لذا، فإن أقوى ادعاء يمكن الدفاع عنه لصالح القوة الجوية الرابحة للحرب في البحر الأحمر هو أن الضربات الجوية والصاروخية دفعت الحوثيين إلى تقليص جزء من حملتهم - حملة كلفتهم الكثير في البنية التحتية والمعدات العسكرية، بينما لم تُسهم إلا قليلاً، إن وُجدت، في تحقيق هدفهم الرئيسي المتمثل في إجبار إسرائيل على وقف هجومها على غزة. وبهذا المعيار، فإن الترويج الجوي سابق لأوانه في أحسن الأحوال، وفق هولمز.
الحرب تحليل للتكاليف والفوائد
بشأن النقطة الثانية يقول هولمز وهو أمر وثيق الصلة، ربما يكون الأدميرال وايلي قد بالغ في مقولته حول تردد العمليات التراكمية. دعونا نستشير كلاوزفيتز مرة أخرى. لاحظ الكاتب البروسي أن مدى تقدير المقاتل لـ"هدفه السياسي" أو غايته السياسية يُحدد "الحجم"، أو معدل إنفاقه للموارد العسكرية للحصول عليها، و"المدة"، أي مدة استمراره في الإنفاق. المعدل مضروبًا في الوقت يساوي المبلغ الإجمالي للشيء. في الحرب، كما في الشراء بالتقسيط، فإن ضرب قيمة كل دفعة في عدد الدفعات يُعطي التكلفة الإجمالية لهدف المشروع العسكري. ومقدار رغبتك في شيء ما يُحدد مقدار إنفاقك عليه.
ويرى أن النتيجة الطبيعية لحساب التكلفة والفائدة الكلاوزفيتزية هي: لا يوجد سعر ثابت للهدف السياسي. في الواقع، للعدو رأي في السعر، وسيحاول بلا شك رفعه. إذا أصبح الهدف مكلفًا أكثر مما يستحقه لقيادة المقاتل، فإن منطق التكلفة والفائدة يقول إن الوقت قد حان للتراجع والتوقف عن دفع ثمنه.
وأكد أن أي تطورات قد تُخلّ بهذه الحسابات. قد يضطر المقاتل إلى إنفاق موارد بمعدلات هائلة تفوق توقعات القيادة. أو قد تطول الحملة أكثر من المتوقع. أو قد تتوقف القيادة - التي ربما تتغير هي نفسها بمرور الوقت - عن الاهتمام بالهدف بنفس الحماس الذي كانت عليه سابقًا. أو قد تظهر التزامات أخرى أكثر إلحاحًا. في أي من هذه الحالات، قد يصبح الهدف السياسي مكلفًا أكثر مما يستحقه للمقاتل، وستميل القيادة إلى تقليل خسائرها بدلًا من مضاعفة التكاليف الغارقة.
وخلص الباحث هولمز في تحليله إلى القول "ليس من المستبعد أن يُجبر القصف الجوي عدوًا فاتر العزيمة على الاستسلام، وذلك بتفعيل حساباته المنطقية، على غرار حسابات كلاوزفيتز، للتكاليف والفوائد. إذا لم تر قيادة الحوثيين جدوى كبيرة في مهاجمة الشحن التجاري والبحري، فقد تُختصر هذا الجزء من الحملة ضد إسرائيل، مُوقفةً الهجمات التي تقودها الولايات المتحدة، ومُعيدةً توجيه الذخيرة والموارد إلى الجهد الرئيسي. بهذا المعنى الضيق والجزئي، ربما يكون القوة الجوية، دون هجوم بري، قد دفعت حسابات الحوثيين نحو نتيجة تُرضي واشنطن. لقد حسمت أمراً ما - حتى وإن لم تُحقق السلام بشكل مباشر".