تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
نقل مكتب الإعلام في البطريركية اللاتينية بزيارة عشرة رهبانيات نسائية خلال هذا الشهر، اللواتي يلبسنّ اللون الأزرق أو البني أو الأبيض ... يعملنّ في الرعايا والمدارس والمكاتب والمؤسسات والكنائس...، يحملنّ الصليب حول عنقهنّ وخاتم في اصبعهنّ وغطاء على رأسهنّ ... هنّ الحجارة الحية للكنيسة الأم يعملنّ بصمت كي يستمر إشعاع الكنيسة.
راهبتان من الورديّة ينذرنّ النذور الدائمة في كنيسة دير ماميلا- القدس، ليس من الممكن الكتابة عن الرهبانيات النسائية في الأرض المقدسة، دون الكتابة عن رهبانية الورديّة التي تأسست في مدينة القدس سنة 1880، من قبل صبية مقدسيّة، ومن هذه المدينة المقدسة إنتشر إشعاعها إلى بلدان الشرق الأوسط برمتها، وصولاً إلى روما.
تتألف رهبانية الورديّة من راهبات ينتمين إلى بلاد الشرق الأوسط، حيث تعمل الرهبانية من خلال مؤساستها على نشر العلم، والتربية على الإيمان والأخلاق المسيحية والقيم الإنجيلية في صفوف الأجيال الصاعدة وخاصة الفتاة والمرأة العربية، التي نشأت وتأسست الرهبانية من أجل تربيتها ورفعتها وإعطاءها الدور الذي تستحقه في الكنيسة والمجتمع.
مؤسِسَة سريّة
عشرة فتيات مقدسيات في مقتبل العمر ينبض قلبهنّ الفتي بحب الرب وأمه القديسة مريم البتول، أبرزنّ نذورهنّ الرهبانية الأولى في كون-كاتدرائية البطريركية اللاتينية في القدس، وأقمنّ في بيت مجاور لمبنى البطريركية لسنوات عديدة. إنّ سلطانة دانيال غطاس المعروفة اليوم بالقديسة ماري ألفونسين- صبية مقدسية مسيحية، كرست نفسها لله في رهبانية القديس يوسف للظهور، أوحت إليها مريم العذراء عبر إشارات وأحلام وظهورات بتأسيس هذه الرهبانية.
تقول الأخت فرجيني حبيب التي تعيش في دير الورديّة بمدينة القدس:" إنّ الأب يوسف طنوس أحد كهنة البطريركية اللاتينية، هو الذي استأجر المنزل المجاور للبطريركية اللاتينية لإقامة راهبات الورديّة الأوائل، وكان المرشد الروحي للرهبانية لسنوات عديدة منذ تأسيسها حتى انتقاله إلى الديار السماوية، ولهذا السبب نحن نعتبره مشارك في التأسيس، فقبل موت الأم ماري ألفونسين، لا أحد كان يعرف عن ظهورات مريم العذراء لها، وطلبها بأن تؤسس رهبانية الورديّة".
دير راهبات الورديّة في ماميلا- القدس
استيقظت الدعوة في قلب سلطانة إلى الحياة المكرسة أثناء مشاركتها في قداس تكرست خلاله فتاة في مقتبل العمر، لكنها وجدت صعوبة في إقناع والدها لاتباع دعوتها، بسبب خوفه عليها من ركوب السفينة والسفر لوحدها إلى فرنسا للالتحاق بدار الابتداء، فالتجأت إلى الصلاة طالبة المعونة من أمنا مريم العذراء.
وحدث ذات يوم أن شبّ حريق في منجرة والدها أثناء عمله وقد نجى من الموت بأعجوبة، فنسب حادث النجاة هذا إلى شفاعة مريم العذراء، ووعدها بأنه سيوافق على تكرس ابنته سلطانة في الحياة الرهبانية إكراماً لها، على أن تقضى فترة تنشئتها في القدس. فبعد انقضاء فترة تنشئتها وإبرازها للنذور الرهبانية في كنيسة القيامة وتسلمها خدمة التعليم المسيحي للأطفال في مدرسة راهبات القديس يوسف في بيت لحم، بدأت مريم العذراء بالظهور لها طالبة منها تأسيس رهبانية الوردية قائلة لها: " هنا في هذه الأرض، حيث فرحت وحزنت وتمجدت مع ابني، أريد أن تؤسسي رهبانية الوردية".
اختفت مريم العذراء عن نظرها بعدما تركتها في حيرة من أمرها لا تعرف من أين تبدأ، ومن جديد التجأت سلطانة إلى أمها السماوية طالبة منها المعونة، فأرتها في الحلم الأب يوسف طنوس وحول رأسه هالة من نور، عندها علمت أنه المرشد الروحي الذي سيساعدها في تحقيق مشروع تأسيس الرهبانية، توجهت إليه كاشفة سرها له، طالبة مشورته ومساعدته، مما دفعه إلى تولي الدور الموصوف أعلاه. " فقط على فراش الموت طلبت سلطانة من أختها حنة، التي أصبحت أيضًا راهبة في الوردية، البحث عن مذكراتها وإحضارها إلى البطريرك، للسماح للجميع بمعرفة الحقيقة عنها" تقول الأخت فرجيني.
راهبات الورديّة مع غبطة البطريرك بييرباتيستا بيتسابلا، بطريرك القدس للاتين
رهبانية الورديّة اليوم
اليوم أصبحت رهبانية الوردية شجرة باسقة امتدت أغصانها لتحتضن بلاد الشرق الأوسط برمتها، تخدم راهبات الوردية في رعايا البطريركية اللاتينية والمدارس، والمستشفيات.
أنهنّ جميعًا يتكلمنّ اللغة العربية وينتمينّ إلى بلاد الشرق الأوسط العريقة في التاريخ والثقافة، كانت راهبات الوردية - ولا يزلنّ – ينبوعاً متدفقاً من العلم والمعرفة والتربية ينهل منه سكان الأرض المقدسة وباقي البلدان الناطقة بالعربية، للحصول على التعليم والرعاية الرعوية والروحية. "نشعر أحيانًا أن السماء لا تسمعنا، ولا تصغي لصلواتنا. لكني أرى أنّ تأسيس رهبانية الورديّة هو استجابة السماء إلى صلاة كل فتاة وامرأة كانت تصلي بحرارة وتقوى وإيمان راسخ أن يكون هناك رهبانية محلية وطنية تهتم بشؤونهن. أنا فخورة جدًا بكوني راهبة ورديّة، لأنهنّ كنّ أول من ذهب إلى القرى المعزولة، في فلسطين والأردن، حيث لم تكن أية رهبنة نسائية قد وصلت إلى هذه المناطق قبلهنّ، لتعليم وتربية الفتيات والنساء ونشر كلمة الله" تتابع الأخت فرجيني.
المسيحيين للتجذر في أرضهم والانتماء لكنيستهم
عندما تتحدث الأخت فيرجيني عن دوافعها اليوم، تتحدث عن المسيحيين المحليين. "كنت أرغب دائمًا في تشجيع المسيحيين على التجذر في أرضهم والانتماء الحقيقي لكنيستهم الأم".
وجودنا على هذه الأرض هو دعوة ورسالة، فمن هنا من هذه الأرض ومن كنيستنا الأم انتشر الإيمان المسيحي إلى أقاصي الأرض. فيجدر بنا أن نحافظ على شعلة الإيمان هذه مضاءة، وأن نشهد للمسيح هنا والآن بحياتنا وأقوالنا وأفعالنا. فلا تزيدنا التحديات والصعوبات التى نواجهها يومياً إلاّ إصراراً وعزماً وثباتاً على المضي قدما بهذه الرسالة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الراهبات البطریرکیة اللاتینیة مریم العذراء الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
نظرة بعين أخرى.. الإنسان قبل الاسم والقبيلة
إسماعيل بن شهاب البلوشي
منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وجعله خليفة في الأرض، ارتبطت هويته الأولى بكونه "إنسانًا" قبل أن تُلصق به أسماء أو تُرسم حوله حدود أو تُنزل عليه أديان ومذاهب وجنسيات. وحين نجرّد البشر جميعًا من هذه التصنيفات، يبقى الأصل واحدًا: بشرية مشتركة تبدأ من آدم وتتفرع إلى أمم وشعوب وقبائل، لكن حقيقتها أنها تعود إلى جوهر واحد.
هذا الإدراك البسيط -أن الإنسان هو أولًا إنسان- كفيل بأن يغيّر الكثير من مفاهيمنا الراسخة. لكن، ما إن يبدأ الفرد أو الأمة بالاعتقاد بأنهم مختلفون عن غيرهم أو متميزون بامتياز إلهي مطلق، حتى تبدأ العثرات التاريخية وتتوالى الانكسارات.
العرب بين الشعور بالخصوصية والوقوع في المطبات التاريخية
الأمة العربية، ومن بعدها الأمة الإسلامية، وقعت منذ قرون في مطبات متكررة جعلت تاريخها أشبه بسلسلة من النهوض والانكسار. والسبب -في رأيي- هو تضخيم الفكرة القائلة بأنها "الأمة المختارة"، أو أن الله عز وجل خصّها دون غيرها بالتكريم والجنة والخطاب المباشر.
هذا الاستحسان الذاتي ولّد شعورًا خطيرًا: أن العمل لم يعد ضروريًا، وأن مجرد الانتماء يكفي. فتحولت الرسالة السماوية من دين عمل وجهد وإعمار للأرض إلى دين شعارات وقشور. وغاب عن الأذهان أن الإسلام -كما جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم- كان دين حركة وعمل وفعل، لا دين جدل وفرقة وتشدد.
ومن هنا تبنّى المتعصبون والمتشددون فكرة أن هذه الأمة في تقاطع دائم مع البشرية، وأنها معزولة عن العالم، بينما الحقيقة أنها جزء أصيل من هذا العالم، تشعر كما يشعر الآخرون، وتنجح وتفشل كما ينجح الآخرون ويفشلون.
القراءة الكاملة للإنسانية في القرآن
من يقرأ القرآن الكريم قراءة شمولية، سيجد أن الخطاب موجّه للبشرية جمعاء. وخير شاهد على ذلك سورة الزلزلة التي هي بهذا الوضوح: {إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها * وقال الإنسان ما لها * يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها * يومئذ يصدر الناس أشتاتًا ليروا أعمالهم * فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره} صدق الله العلي العظيم.
هذه السورة وحدها تكفي كدراسة متكاملة لبيان أن الحساب والثواب والعقاب مرتبط بالإنسان -أي إنسان- وليس بفئة أو عرق أو مذهب. الجميع مخاطب، والجميع محاسب، والجميع مشمول برحمة الله وعدله.
القبول قبل الاختلاف
لذلك، على الأمة العربية والإسلامية أن تعيد التفكير في موقعها بين الأمم، وألا تظن أنها مختلفة عن البشر اختلافًا جوهريًا. الاختلاف الحقيقي هو في مقدار العمل، في الإبداع، في الصدق، في الإخلاص، وفي إعمار الأرض.
علينا أن نقبل أنفسنا أولًا: ألواننا، أشكالنا، أعمارنا، تنوعنا، قبل أن نتحدث عن قبول الآخرين. فالبشرية ليست نسخًا متطابقة، وإنما لوحة ملونة عظيمة أرادها الله كذلك لحكمة.
كما أن كثرة الممنوعات والتحريمات الشكلية لن تصنع إنسانًا كاملًا، بل ستقوده إلى وهم الكمال دون جوهره. الكمال يتحقق بالعمل، بالصدق، بالعدل، وبالمشاركة الإنسانية لا بالانعزال أو بادعاء الأفضلية.
العودة إلى الجوهر الإنساني
إن إعادة القراءة التاريخية، وإعادة التفسير الإنساني للرسالات السماوية، ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية. فالبشرية اليوم تواجه تحديات مشتركة: الفقر، الحروب، التغير المناخي، الظلم الاجتماعي، وكلها لا تفرق بين عربي وأعجمي، بين مسلم وغير مسلم.
إذا كان الإسلام قد جاء ليكون رحمة للعالمين، فإن أعظم خيانة لهذه الرسالة أن نحصرها في جماعة ضيقة أو مذهب أو جنسية. ولو أدرك المسلمون هذه الحقيقة، لما كانوا في عزلة فكرية، ولما ظلوا يتنازعون على الفروع وينسون الأصول.
وأخيرًا.. إن المطلوب اليوم أن نعيد ترتيب أولوياتنا: أن نفكر كجزء من البشرية، لا كأمة متفردة. أن نقرأ القرآن بعيون الإنسانية لا بعيون العصبية. أن نفهم أن "من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره" تعني كل إنسان، أيًا كان لونه أو لغته أو دينه.
حينها فقط يمكن أن ينهض العرب والمسلمون من مطبات التاريخ المتكررة، ويتحولوا من أمة شعارات إلى أمة عمل، ومن أمة ترفع الأصوات إلى أمة تصنع الأفعال. فالله سبحانه وتعالى لا يميز إلا بالعمل، ولا يكافئ إلا بما قدمت الأيدي، أما الأسماء والشعارات والقبائل فهي تفاصيل عابرة أمام عدل الخالق عز وجل.
رابط مختصر