سواليف:
2025-06-10@19:19:58 GMT

بلا مجاملة

تاريخ النشر: 22nd, February 2025 GMT

#بلا_مجاملة

د. #هاشم_غرايبه

لا يختلف اثنان في الأمة على تشخيص حالها الراهن، فالكل متفقون على أنها الآن في أسوأ وضع في تاريخها كله، الخلاف يحدث عندما يجري تحديد المسؤول عن ذلك، والأسباب التي أدت لهذه الحالة.
في كل الأمم الحية، من ينهض بها هم القادة إن كانوا مخلصين، ومن يدمرها هم القادة أيضا، سواء كانوا مستفيدين من ديمومة الوضع الراهن، أو رهنوا أنفسهم باختيارهم لاملاءات عدو الأمة، لذلك عندما ينسب سبب الإنهيار الى الشعب، فذلك تزوير من قبل هذه الأنظمة وعملاء أجهزتها الأمنية، ومن المنتفعين من الفساد ومن المرتعبين من عودة الدولة الاسلامية
دفاع المنتفعين والفاسدين عن مكتسباتهم مفهوم، لكن الأشد بلوى من ذلك عندما يصدر ذلك التشكيك عن القوميين واليساريين الذين يعتبرون أنفسهم قوى تقدمية مناوئة للإستعمار، فهم بذلك يحطبون في حبال الأنظمة، ويحافظون على تسلطها على أمتنا، بمناصرة أدوات من يدّعون مناوأته وهم أنظمة الحكم العربية، أي يفعلون عكس ما يرفعون من شعارات.


الحقيقة أنهم ما كانوا ليتخذوا هذا الموقف المتناقض لو كان التحول الديمقراطي المنشود سيوصلهم الى السلطة، لأنهم يعلمون أن خيار الغالبية العظمى من الشعب (لو أتيحت انتخابات حقيقية) سيكون لمنافسيهم (الإسلاميين). وعليه فمكسبهم متحقق أكثر في بقاء أنظمة القمع والفساد، لذلك يلتقون معها مصلحيا عند نقطة العداء للمنهج الإسلامي.
الخروج من هذا الواقع الأليم، معلق ومرهون بمعرفة المشكلة وبمسبباتها، فإذا تحدد السبب عرف العلاج، لذلك فسنبدأ بأساسها وهو أطماع الأروربيين في السيطرة على ديار الأمة بسبب الموقع الإستراتيجي والموارد الطبيعية.
لم يعد سرا القول أن بداية الإيقاع بهذه الأمة كان بعد الحرب العالمية الأولى، وتحول الأوروبيين من التصارع فيما بينهم الى تحقيق الرفاه باستغلال موارد الأمم الأخرى، والمرشح الأول كان الأمة التي تقطن الشرق الأوسط.
كانت الخطة بسيطة: فالصراع العسكري مع هذه الأمة العربية الإسلامية، ظل على مدى القرون الماضية سجالا، ومكلفا، لأنها موحدة على عقيدة واحدة، فالسبيل الأنجح تمزيق وحدتها، فقسموها أقطارا، وغرسوا في فلسطين كيانا لقيطا أغروا اليهود المشتتين باستيطانه، وتكفلوا بحمايته كقاعدة عسكرية متقدمة في قلب وطن الأمة، ولم يكن ذلك لينجح إلا بضمانات سرية من أنظمة حكم اختارتها من قيادات قبلية متناحرة أصلا، لإدامة التشرذم الإقليمي، واشترطت عليها التخلي عن فلسطين، وحماية ذلك الكيان فيها.
لتحقيق أمان الكيان، ألزمت الأنظمة بإفقار شعوبها، وجعلها تلهث طوال الوقت لتحصيل لقمة العيش، وبالإستبداد وقمع الحريات لمنع التململ.
وجُعل الفساد مؤسسيا، ومرتبطاً بالسلطة الحاكمة لتحصينه من الملاحقة القضائية، من أجل تبديد الموارد، وتعطيل التنمية، ومنع التقدم التصنيعي، لإبقاء التأخر الإقتصادي والإجتماعي وتبرير الهيمنة الغربية تحت مسمى خطط الإصلاح.
إذأ منتهى الأرب لدى الغرب بقاء هذا الحال، والذي لا يهدده أكثر من انتفاضة وحدوية، ولا يحقق حلم الوحدة غير العقيدة الإسلامية، لذلك انتهجت الأنظمة جميعها في كل أقطار العروبة العلمانية، وجعلت أولويتها محاربة كل من يدعو الى وصول الإسلام الى الحكم، لأن ذلك يعني توحدها من جديد، وعودة هذه الدولة مرة أخرى منافسة قوية للغرب.
ما تقدم من تفصيل الحال، ينطبق على كل قطر عربي، سواء كان غنيا بموارده مثل دول الخليج، فبددت أموالها فيما لا يرفع من قدر الأمة، أم مُفقَراً قصدا إفسادا وبمنعه من استغلال موارده مثل موريتانيا والأردن والصومال، فأوصلتها الى الدمار الإقتصادى…
ما يؤكد صحة التحليل الآنف تفصيله، هذا التطابق التام في أحوال 22 قطرا تمثل ما كان يعرف بالأمة العربية الإسلامية.
بعد التعرف على أساس المشكلة، فهل هنالك حل غير التغيير؟.
سيتصدى لذلك القلة المستفيدون من هذا الحال المائل وهم ثلاثة:

الفاسدون والإنتهازيون وعملاء اجهزة السلطة من بعض السلفيين متسلحين بفتوى الخروج على ولي الأمر، وبدعوى التخويف من الفوضى والخراب. القوميون واليساريون الذين يخشون أن يصل الإسلاميون الى السلطة إن جرت انتخابات نزيهة. المعادون تاريخيا للإسلام من الأقليات الطائفية، ولا يريدون تغيير الأنظمة لأنهم مطمئنون الى ممناعتها للإسلام، لذلك يريدون تغييرات تجميلية شكلية تحت مسمى “الدولة المدنية”.
السؤال للمترددين: ألا يكفيكم صبرا على هؤلاء قرنا من وعود التقدم والرخاء الكاذبة؟، فلو كانت ستمطر لرأينا غيوما على الأقل! مقالات ذات صلة ردّ السلام في خطبة الحجاج بأهل العراق 2025/02/21

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: هاشم غرايبه

إقرأ أيضاً:

العالم العربي وزمن انحطاطه الجديد!

 

 

ما الذي يمكن قوله عن أمة أرادت من تلقاء نفسها أن تدخل في عصر الانحطاط الجديد، وهي التي لم تستطع بعد الخروج من عصر الانحطاط القديم.
أمة ضلّت طريقها، وتخلّى قادتها عن هويتها، وتاريخها، ووجودها، وثوابتها، وأصالتها، ومستقبلها. أمة لم تعد تميّز بين الذئب والحمل، بين المفترس والأليف، بين القاتل والمقتول، بين الغاصب والمغصوب، وبين العدو والصديق. أمة رماها حكامها في أحضان قتلتها، ومستبدّيها، ومستعبديها، ومستغلّيها.
أمة يقف قادتها إلى جانب قتلة أبنائها دون أن يرفّ لهم جفن، يغازلون بلا حياء مجرمي العصر، وهم يدمّرون أوطانها، ويبيدون أبناءها. أمة تُفترس، وشعوبها تستغيث بزعمائها، وهي تدري أنّ «حماة» الديار والأوطان انقرضوا، وحلّ مكانهم المتسكّعون على أبواب واشنطن وتل أبيب، فيما أضحت الأمة على الساحة مطوّقة، محاصرة، غاب عنها الفرسان وبقيَت وحدها الفرسُ !
أمة تقف على مشهد جديد يتكرّر، فاصل من الزمان، بين ماض غابر، وحاضر مظلم يتجذر، بين جحافل مغول تنشقوا ريح القتر، وقراصنة مارقون أتوا من وراء البحار، مجرمون نهابون شأنهم كالتتار، عبثوا بالديار، واستباحوها، وأوغاد الأمة المغفّلين، يهلّلون للقاتل، يطبّلون، وهم له العون والحرس.
عالم عربيّ يُستباح أمام ناظريهم، من غزة إلى لبنان، وسورية، والسودان، وليبيا، واليمن، والصومال، والآتي أعظم.
غزة تُمزّق، تُقطّع، وشعبها يُذبح، تُنادي «الرجال» القابعين داخل قصورهم، وهم فرحون، مهللون، يتفرّجون على صلبها، ويسمعون أنينها، تنظر إليهم بطرفة عين، وهي تلفظ الأنفاس، تمقتهم، تبصق في وجوههم المحنّطة، دون أن تجد فيهم ذرّة من الضمير والشعور الإنساني.
ليتك يا غزة تعيشين عصر الجاهليّة، لكان أشرف لك من الوضع الذي أنت فيه. عيب الناس في الجاهليّة أنهم لم يدركوا الإله الواحد الخالق قبل الدعوة، ومع ذلك كانت لهم في المقابل صفات الرجولة، والمروءة، والعزة، والكرامة، والاستماتة في صون العرض والشرف، والدفاع بكلّ قوة عن قبائلهم، وحفظ ديارهم، ونجدة مستغيثيهم.
أين الأمة و»رجالها» اليوم، من صفات أبناء الجاهليّة؟! هل صان القيّمون على أوطانها شرف أبنائها، وكرامتهم؟! هل حموا الديار من المغتصبين المعتدين المحتلّين؟! ما الذي فعلوه لك يا غزة لمنع ما قام به مجرمو العصر بحقك، قتلة الأطفال ومجوّعوهم؟! هل كان الجاهليّ ليرضى أن يسكت عن قاتل أخيه، أو أبناء قبيلته؟!
«أعراب» الحاضر، تخلّوا عن أبناء جلدتهم، لكن لماذا يغازلون القتلة، ويستضيفونهم في عقر دارهم حتى يرى العالم كله، مدى الانحطاط الإنسانيّ والأخلاقيّ الذي وصل إليه جاهليّو الأمة اليوم؟! هل حفظ هؤلاء ديار أوطانهم وشعوبهم مثل ما حفظ «الجاهليون» قبائلهم من قبل؟! الجاهلي الحقيقي في الوقت الحاضر، هو الذي فرّط بالأوطان والشعوب والقيم والمبادئ، وشارك في زعزعة العالم العربي، وأمنه القومي، ووحدة شعبه، وتخلّى عن الدفاع عن أرضه، ودياره؟! إنّهم الجاهليّون الجدد الذين فرّطوا بمستقبل الأمة، وتاريخها، وكرامتها، وحياة أبنائها.
لا تعيّروا بعد اليوم الجاهليّة القديمة، فلا عتب عليها، بل عيّروا في هذا الزمن، جاهليّي الأمة الجدد الذين لم يحفظوا العهد ولا الوعد، ولا العرض، ولا الشرف ولا الكرامة، ولا الديار، بعد أن بانوا على حقيقتهم المخزية، وسيرتهم، ومواقفهم المقززة التي سترويها عنهم أجيال وأجيال.
غزة، يا شهيدة الأمة، ألم يسمع حتى الآن «أولياء» الأمر في عالمك العربيّ العجيب، آهات الأمهات، وأنين الجياع وبكاء اليتامى، وصرخات النساء والشيوخ؟! ألم يسمع عديمو الضمير والإنسانيّة، الأطفال يصرخون جوعاً وخوفاً وألماً؟! لم تعد تعنيهم فلسطين، ولا العروبة، ولا الشرف، ولا النخوة ولا الأمة كلها، بعد أن فقدوا كلّ معاني الكرامة والعزة، وسخّروا أنفسهم لقوى الهيمنة والعدوان!
هذا هو الانحطاط الذي يغوص فيه العالم العربي، والذي سيستغرق وقتاً طويلاً، قبل أن تستفيق الشعوب العربية من غيبوبتها، وتستعيد وعيها من جديد. انحطاط لا مثيل له، صنعه الذين ابتُليت بهم الشعوب العربية، وآثروا الخنوع، والانبطاح والسجود لواشنطن، التي يرون فيها ضمان سلطتهم، والملاذ الآمن لهم.
إلى متى سيظلّ الأميركي يُهيمن، يقرّر، يأمر، والإسرائيلي يجتاح، يستبيح، يبطش ويقتل؟!
لم تعُد فلسطين عند هؤلاء، قضية العرب المركزية وإنْ زايدوا، وكذبوا، ونافقوا، وخدعوا شعوبهم بها على مدى عقود طويلة. لقد بان كلّ شيء، ولم يعد خافياً على القاصي والداني، فالأقنعة سقطت عن الوجوه السوداء، التي آثرت أن تهرول باتجاه العدو في تل أبيب، تظرفه، تشجّعه، ترتمي في أحضانه، تعطيه صكاً على بياض، ليفعل ما يشاء، وكيفما يشاء، بدول المنطقة وشعوبها، بعد أن تخلّت عن مبادئ الأمة وحقوقها كلها، حيث لم يعد يعنيها ووجودها وحرية شعوبها وسيادتها!
إنه عصر الانحطاط الجديد الذي دخل ديار العرب من كلّ الجهات… حروب، وثورات، ونزاعات، واقتتالات دموية داخلية، وفتن، وانقسامات، ونعرات دينية وطائفية، وتنظيمات تكفيرية همجية لا حدود لها، ستترك آثارها السلبية، وتداعياتها الخطيرة لعقود طويلة، بعد أن زجّت دول عربية نفسها في الصراعات، ووقفت مع جهة ضدّ أخرى، مما أسفر عن مزيد من الفوضى والاقتتال، وسفك الدماء، وزعزعة الاستقرار !
إنّه عصر انحطاط، يتمّ هذه المرة، ويا للعار، نتيجة القرارات العقيمة، والمواقف المخزية، والسياسات المدمّرة التي لجأ إليها قادة وحكام عرب لهم براعة كافية في الهروب من قضاياهم المصيرية، وخبرة وافية في وأد الأوطان وخنق شعوبها!
كم هو مؤلم الصمت القاتل لقادة تجاه ما يحدث في العالم العربيّ، وكم هو محزن ومؤلم في الصميم، أن نجد الجاهليّة أكثر أصالة، وشرفاً، وإنسانيّة من العديد من «قادة» وسياسيين في العالمين العربي والإسلامي!
إنها صدمة حضارية وأخلاقية نعيشها، حيث تحتاج الشعوب المقهورة في العالمين العربي والإسلامي إلى انتفاضة، ووعي حقيقيّ، وقرارات حاسمة شجاعة، يعيد لها سيادتها، وكرامتها، وحقوقها المشروعة، ومكانتها في العالم.
هل سمع المتخاذلون، المتواطئون، المحنّطون، في العالمين العربي والإسلامي، أصوات العديد من السياسيين، والمسؤولين، والنواب والحقوقيين، والناشطين الأجانب، وهتافات الحناجر الشريفة في الغرب، الذين تأبى إنسانيتهم، ويأبى ضميرهم أن يسكتوا عما يشاهدونه من أبشع جرائم العصر على الإطلاق، وإبادة جماعيّة بحق سكان غزة التي يرتكبها جيش الاحتلال؟!
غزة تحتضر أمام عديمي الشهامة والإنسانية، فيما ضمير غربي يصحو وينتفض، وضمير عربي يغفو ويحتضر.
شتان بين ضمير الأحرار وذلّ العبيد، في عالم عربي يدوّن تاريخه في أحضان واشنطن وتل أبيب…!

*وزير الخارجيّة اللبناني الأسبق

مقالات مشابهة

  • ‏وما زال أهل غزة يُذبحون!
  • تصميم Liquid Glass من آبل يغيّر تجربة المستخدم مع تحديثات iOS 26 وباقي الأنظمة
  • في آخر أيام العيد.. مصرع طفل سقط من الرابع داخل مول بالقاهرة
  • انطباعات شخصية...مش ماشي الحال
  • منى.. الوفود الإعلامية تطلع على أحدث الأنظمة بمركز القيادة والتحكم
  • المقاومة.. الأفق الحضاري في مواجهة القُطرية
  • سوريا.. وزير الأوقاف يشعل ضجة بما قاله أمام محمد بن سلمان ورد فعل الأخير
  • نكبة فلسطينية أم انقلاب عربي؟
  • لعنة العقد الثامن.. لماذا ارتهنت الأنظمة العربية للكيان؟
  • العالم العربي وزمن انحطاطه الجديد!