استطاعت مصر عبر نجاحها فى طرح المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادى التى بدأت فى نوفمبر 2021، أن تبرهن للعالم أنها جديرة بالتحدث عن نفسها ونيابة عن محيطها الإقليمى والقارى الذى تنتمى إليه، وهو القارة الأفريقية، وخاصة فى مجالات البنية التحتية، ولا شك أن اختيار مصر للتحدث عن غيرها لم يكن وليد اللحظة، بل هو نتيجة عمل دؤوب وشاق استمر سنوات لعلاج الاختلالات الهيكلية التى عانى منها الاقتصاد المصرى، والتوجه به نحو تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، فتحدث مصر بصوت أفريقيا خلال الاجتماعات السنوية للبنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية سبتمبر المقبل فى مدينة شرم الشيخ، هو أمر يجب أن نقدره حق تقديره؛ لأنه من ناحية دليل على ثقة دول القارة الأفريقية فى أداء مصر السياسى والاقتصادى خلال الفترة الماضية، ومن ناحية أخرى فهو انعكاس لنجاح تجربة مصر الاقتصادية التى قامت على توفير أكبر قدر ممكن من المرونة فى مواجهة التحديات الاقتصادية، الإقليمية منها والعالمية، وما يتطلبه ذلك من تمويلات ضخمة لضخ المزيد من الاستثمارات خاصة فى مجال البنية التحتية، على نحو يدعم المسار التنموى القارى، ليفتح من خلاله الاقتصاد فى أفريقيا آفاقًا رحبة أمام البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، من أجل أن تسهم فى دفع الحراك التنموى متعدد الأطراف والعابر للحدود داخل ربوع أفريقيا، تحقيقا للغايات القارية بامتلاك القدرة على تعزيز بنية الاقتصادات الناشئة، فى ظل الأزمات العالمية المتتالية، وما تفرضه من ضغوطات غير مسبوقة على موازنات الدول النامية لتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين من السلع الغذائية والوقود مع الارتفاع الحاد فى أسعارها، وفى الوقت نفسه زيادة تكلفة التمويل مع ارتفاع أسعار الفائدة، واستمرار حالة عدم اليقين بالأسواق الدولية.
سعى مصر نحو إطلاق مرحلة جديدة من التعاون العابر للقارات، ترتكز على توفير المزيد من الاستثمارات فى البنية التحتية، والاستفادة من توجه البنك الآسيوى لتخصيص 50% من استثماراته للعمل المناخى بحلول عام ٢٠٢٥، وهو ما يتسق وتوجه مصر نحو الالتزام بتوصيات مؤتمر المناخ الذى عقد فى نوفمبر الماضى فى مدينة شرم الشيخ، بما يسمح بدفع جهود التحول الأخضر والتوسع فى المشروعات الذكية والصديقة للبيئة فى مصر وأفريقيا، ويهدف البنك الآسيوى الذى يبلغ رأسماله ١٠٠ مليار دولار تعزيز الاستثمار فى مجال رأس المال العام والخاص لأغراض التنمية وبصورة خاصة للتنمية فى البنية التحتية للقطاعات الإنتاجية الأخرى، واستخدام الموارد الموضوعة تحت تصرفها لتمويل تلك التنمية فى المنطقة بما فى ذلك المشاريع والبرامج التى ستساهم بفعالية أكبر فى النمو الاقتصادى المنسجم للمنطقة ككل، والتى تعنى بصورة خاصة باحتياجات الأعضاء الأقل تطورًا فى المنطقة وتشجيع الاستثمار الخاص فى المشاريع والمؤسسات والأنشطة المساهمة فى التنمية الاقتصادية فى المنطقة وخصوصًا فى البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية الأخرى، وتكملة الاستثمار الخاص عند عدم توفر رأس المال الخاص. وبالتالى يوفر البنك تمويلات ميسرة ومنخفضة التكلفة لمشروعات الطاقة المتجددة والنقل منخفض الكربون وقطاع المياه والصرف الصحى ومكافحة التلوث وتعزيز خدمات النظام البيئى، على نحو يسهم فى توسيع الحيز المالى الأفريقى للمشروعات الخضراء، وتحقيق المستهدفات الاقتصادية والتنموية القارية وفقًا لأجندة «أفريقيا ٢٠٦٣»، خاصة فى ظل ما تعانيه من تبعات بيئية واقتصادية واجتماعية لظاهرة التغيرات المناخية.
خاصة أن البنك الآسيوى هو الآلية التمويلية لمشروعات مبادرة الحزام والطريق الصينية، وبالتالى هناك تطابق ما بين مشروعات التمويل ومبادرة الحزام والطريق الصينية، ومصر العضو فى هذه المبادرة استفادت مما قدمه البنك الآسيوى من تمويل للعديد من المشروعات بما حقق المزيد من التنمية فى الأراضى المصرية؛ لذا فإن سعى مصر نحو توسيع حجم التعاون لمضاعفة قدرات سد الفجوات التمويلية الناجمة عن الأزمات العالمية المتتالية على الاقتصادات الناشئة، يأتى اتساقًا مع رؤية وجهود الدولة الداعمة للقطاع الخاص لزيادة مساهماته فى عملية التنمية، والنشاط الاقتصادي؛ باعتباره قاطرة النمو.
رئيس المنتدى الاستراتيجى للتنمية والسلام
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: النشاط الاقتصاد الإصلاح الاقتصادي
إقرأ أيضاً:
حين تتحدث الأرقام… مؤشرات الأداء كمرآة للمؤسسة
حين تتحدث #الأرقام… #مؤشرات_الأداء كمرآة للمؤسسة
الأستاذ #الدكتور_أمجد_الفاهوم
ليست الأرقام مجرد نتائج في جداول، بل قصة مكتوبة بلغة الصدق. فالمؤسسة التي لا تراقب أرقامها تشبه من يسير في طريقٍ طويل بلا بوصلة، قد يظن أنه يتقدم بينما هو يدور في المكان نفسه. الأرقام لا تكذب، لكنها تحتاج إلى من يفهمها، ويقرأ ما وراءها. إنها مرآة الأداء، ومفتاح التوازن بين الطموح والواقع.
في بيئة الأعمال الأردنية، يمكن تمييز المؤسسات القادرة على النمو من خلال علاقتها بمؤشرات الأداء. فشركة البوتاس العربية مثلًا، لم تبنِ مكانتها العالمية على الحظ، بل على نظام متابعة دقيق لمؤشرات الإنتاج والتصدير والتكلفة، مما مكّنها من اتخاذ قراراتٍ سريعة في فترات الاضطراب الاقتصادي. وفي المقابل، كثير من المؤسسات الحكومية والخاصة ما تزال تتعامل مع الأرقام كمجرد تقاريرٍ سنوية تُعد لأغراض التقييم الشكلي لا للتحسين الحقيقي.
مقالات ذات صلة الباشا موسى العدوان… حين يتكلم ضمير الوطن ويسكت تجّار الأوطان 2025/12/12القائد الواعي يدرك أن مؤشرات الأداء (KPIs) ليست مجرد أدوات رقابة، بل وسيلة لإدارة المستقبل. حين يقيس الإنتاجية أو رضا العملاء أو زمن الاستجابة، فهو لا يبحث عن رقمٍ للعرض، بل عن إشارةٍ تدله على ما يجب أن يتغير. في جامعةٍ أردنية مثل اليرموك أو الأردنية، يصبح تتبّع مؤشرات البحث العلمي والرضا الأكاديمي ومعدلات التشغيل بعد التخرج دليلًا على جودة القرارات لا على حجم النشاط فقط. فالإدارة الحديثة لا تحكم بالانطباع، بل بالبيان.
في المقابل، من يسيء فهم الأرقام يحولها إلى عبءٍ على الموظفين. تُجمع البيانات بلا هدف، وتُراقب المؤشرات الخطأ، فتتحول الأرقام من وسيلةٍ للتطوير إلى أداةٍ للرقابة العمياء. فكم من مؤسسةٍ تقيس “عدد الاجتماعات” بدل جودة القرارات، أو “عدد الزوار” بدل رضا العملاء، أو “عدد المشاريع” بدل أثرها الحقيقي؟ تلك المفارقات تجعل الأرقام صامتة، لأنها تُستخدم بلا عقلٍ ناقد.
الشركات العالمية الناجحة أدركت هذه الحقيقة مبكرًا. فشركة Toyota تستخدم مؤشرات الأداء اليومية كجزءٍ من ثقافة العمل، لا كإجراءٍ إداري. كل عامل يعرف الأرقام التي تعنيه، ويفهم كيف تسهم في تحقيق الهدف العام. وفي Google، تُدار فرق العمل وفق نظام OKRs (الأهداف والنتائج الرئيسية)، حيث تُقاس النتائج ليس بالكمّ فقط، بل بمدى تأثيرها على الرؤية الكبرى. هناك يصبح الرقم لغة مشتركة بين القائد والفريق، لا مجرد تقريرٍ للمدير المالي.
في الأردن، نحن بحاجةٍ إلى هذا التحول في التفكير الإداري، حيث تُصبح مؤشرات الأداء وسيلة للتعلّم لا للمحاسبة فقط. أن نسأل: ماذا تقول لنا هذه الأرقام؟ ماذا تكشف عن ثقافة المؤسسة؟ وهل تحكي قصة نجاحٍ مستدام أم مجرد نشاطٍ عابر؟
الأرقام لا تزيّف الحقيقة، لكنها قد تُغفلها إن لم نُحسن قراءتها. والمؤسسة التي تتعلّم الإصغاء إلى بياناتها، تتعلم كيف تتغيّر قبل أن يُجبرها السوق على ذلك. فحين تتحدث الأرقام، على القائد أن يسمع جيّدًا… لأن الصمت في هذه الحالة ليس تواضعًا، بل خطرٌ وجودي.