وداع مليوني حزين في تشييع نصر الله وصفي الدين في بيروت
تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT
بيروت- في مشهد يفيض بالحزن والأسى، احتشد أكثر من مليون مشيع في شوارع بيروت، مودعين الأمين العام السابق لحزب الله السيد حسن نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين، في واحدة من كبرى الجنازات التي شهدها لبنان تاريخيا.
وتوافدت الجموع الغفيرة من مختلف المناطق اللبنانية، ومن دول عربية وأوروبية، لتشارك في وداع استثنائي، جسّد حجم الفقدان، وألقى بظلاله الثقيلة على قلوب المشيعين.
وسط الزحام والدموع، تحدث القادمون من مختلف الدول عن حزنهم العميق، وهو ما انعكس في كلام باقر الجابري، القادم من العراق، قائلا "باستشهاد سيد المقاومة وسيد الجهاد، جئنا نحن المواكب العراقية، وخاصة موكب جمعية أنصار الإمام الخيرية، لنشارك إخوتنا اللبنانيين حزنهم، ولنكون في خدمة المعزين والمشيّعين".
أما آيات أيوب، الفلسطينية القادمة من بيروت، فتعبر عن امتنانها وحزنها في آنٍ واحد، وتقول "حضرنا اليوم لنؤكد وجودنا وولاءنا، ولنعلن أننا باقون على خطاه، ماضون في مسيرته، نحن ممتنون جدًا للشعب اللبناني، ولأهل الجنوب الذين لم يساوموا على الحق".
ومن اليمن، جاء جميل محمد أحمد، متحدثا بحرقة وغضب "جئنا لتشييع سيد الشهداء وسيد الأمة، ولولا الإجراءات المشددة لكان كل الشعب اليمني هنا، لقد كان هذا الرجل نصيرا للعرب والمسلمين، قدم كل شيء لنصرة الحق، ودعم أهل غزة ورفع راية الإسلام هناك".
إعلانأما الطفلة زهراء، التي وقفت بعينيها الواسعتين وسط الحشد، فكان لكلماتها وقع خاص، إذ قالت بصوت بريء "عندما استشهد، شعرنا بحزن عميق، لقد فقدناه، لكنه الآن في الجنة، ومع ذلك نشعر أنه ما زال معنا على هذه الأرض".
انطلقت المراسم من ملعب كميل شمعون الرياضي في بيروت، حيث احتشدت الجماهير منذ ساعات الفجر الأولى، ووسط أجواء من الحزن والحداد، رفعت الأعلام اللبنانية وأعلام حزب الله، بينما علت الهتافات التي عبرت عن حجم الخسارة.
شهدت المراسم حضورا رسميا واسعا، حيث مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، في حين حضر وزير العمل محمد حيدر ممثلا لرئيس الحكومة القاضي نواف سلام، كما شاركت وفود رسمية وشعبية من أكثر من 70 دولة، أبرزها إيران، والعراق، واليمن، والكويت، والبحرين، وتونس.
واستُهلت المراسم بتلاوة آيات من القرآن الكريم، تلاها عزف النشيد الوطني اللبناني ونشيد حزب الله، قبل أن تُنقل الجثامين بين المشيعين لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة، ومع تصاعد مشاعر الحزن، شهدت الأجواء تطورا أمنيا لافتا، حيث حلق الطيران الإسرائيلي على علو منخفض فوق المنطقة.
في كلمته التي ألقاها خلال التشييع، أكد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم أن "المقاومة مستمرة كخيار إستراتيجي"، مشددا على أن الحزب باق على العهد رغم الخسائر الكبيرة، وأوضح قاسم أن "الموافقة على وقف إطلاق النار مع إسرائيل في هذه المرحلة تمثل نقطة قوة"، لكنه أكد في الوقت ذاته ضرورة تحمل الدولة اللبنانية مسؤولياتها.
وأضاف أن "إسرائيل لم تلتزم، وقد صبرنا، لكننا نواجه احتلالا وعدوانا، والقصف على الداخل اللبناني يعد اعتداء واضحا"، كما شدد على أن حزب الله لن يسمح للولايات المتحدة "بالتحكم بلبنان".
إعلانوبعد انتهاء المراسم في المدينة الرياضية، حمل المشيعون نعش الأمين العام السابق حسن نصر الله، في مسيرة امتدت لنحو 3 كيلومترات، وصولا إلى موقع الدفن المستحدث خصيصا له بين الطريقين المؤديين إلى مطار رفيق الحريري الدولي، والذي من المتوقع أن يتحول إلى مزار اعتبارا من يوم غد الاثنين.
أما جثمان هاشم صفي الدين، فسيُنقل إلى مسقط رأسه في بلدة دير قانون النهر في جنوب لبنان، حيث سيُدفن يوم غد الاثنين.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الهداية والاعتصام وبناء الأمة .. دلالات قرآنية عظيمة يشرحها الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي
في لحظة تعصف فيها التحديات الفكرية والاجتماعية بالمجتمعات الإسلامية، تبرز قراءة دلالية عميقة للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، للآيات (102 – 104) من سورة آل عمران، بوصفها محاولة للعودة إلى الأساس القرآني، الذي يوجّه الإنسان نحو التقوى، الوحدة، وتحصين الذات من الانهيار الداخلي ، قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِـمُونَ ,, وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ,, وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ )) ، صدق الله العلي العظيم .
يمانيون / خاص
تقوم هذه القراءة على ربطٍ محكم بين الإرشاد الإلهي والواقع الإنساني، وتعرض الآيات باعتبارها منهجاً متكاملاً للهداية، ونظاماً لبناء المجتمع، وتحذيراً من أخطاء الماضي التي قد تعيد الأمة إلى حافة الهلاك، في صلب هذه المقاربة، يظهر المعنى الدلالي في القرآن الكريم، وفق قراءة عميقة للشهيد القائد رضوان الله عليه، بأنه ليس كتاب موعظة فقط، بل كتاب حركة وصيانة اجتماعية، يضع للمؤمنين قواعد البقاء والثبات، تقوى تحفظهم من السقوط، واعتصام يوحّد خطواتهم، وأمة فاعلة تتولى إصلاح الداخل قبل مواجهة الخارج.
ومن هذه الآيات الكريمة من سورة آل عمران، استخلص الشهيد القائد رضوان الله عليه الدلالات التي تبدأ من مفهوم الهداية الإلهية وتنتهي عند مشروع النهوض المجتمعي الذي تتأسس عليه.
الهداية رحمة تُنقذ الإنسان من السقوط قبل أن تحميه من النار
ينطلق الشهيد القائد رضوان الله عليه، من قراءة تعتبر أن أول ما تضعه الآيات بين يدي المؤمن هو مفهوم الهداية بوصفه أعمق مظاهر رحمة الله بالإنسان، فالتوجيه الإلهي لا يأتي لفرض الطاعة، بل لحماية الإنسان من نفسه، ومن أخطائه، ومن الجهل الذي قد يقوده دون أن يشعر نحو الهلاك.
ويشدّد الشهيد القائد على أن الآيات القرآنية ليست نصوصاً إرشادية فقط، بل أعلام على حقائق حتمية، فحين يأمر القرآن بالتقوى أو الوحدة أو الخير، فإنه يشير إلى سنن لا تتخلّف، فالتراخي يقود إلى التفكك، والتفكك يفتح باب الارتداد، والارتداد يجرّ الإنسان إلى حافة النار، كما حدث للأمم التي أهملَت الهداية من قبل.
ويُشبّه الشهيد القائد غفلة الناس عن هذه الحقائق بانشغالهم بمشاكل صغيرة تُستنزف فيها الأعصاب والأموال والوقت، بينما يغفلون عن الخطر الأعظم، وهو خسارة الإيمان نفسه.
الاعتصام بحبل الله .. مشروع جماعي يحمي المجتمع من الداخل
في قوله سبحانه وتعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}، يقدّم الشهيد القائد، قراءة ترفض أن يكون الاعتصام مجرد التزام فردي أو شعار ديني، فالاعتصام هو حالة جماعية تمثل الضمان الأول لعدم سقوط المجتمع تحت تأثير التحولات الثقافية أو السياسية التي يفرضها العدو في حروبه الموجهة على كافة المستويات.
وتفكّك الداخل خطر أشد من ضربة العدو الخارجي، حيث يرى الشهيد القائد أن أخطر ما يواجه الأمة ليس العدو البعيد، بل الاختراق الناعم من الداخل، بثقافة تغزو البيوت، وقيم تتغير، واقتصاد يُدار من الخارج، ومفاهيم تتسرّب إلى النفوس دون مقاومة، لذلك، يصبح الاعتصام ضرورة وجودية، لا تعبيراً عقائدياً فقط، لأن وحدة المجتمع هي السدّ الأول أمام محاولات التفكيك.
أخوة الإيمان ذاكرة يجب ألا تفقدها الأمة
في وقفة مع قوله تعالى: {فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً}، يتوقف الشهيد القائد أمام التحول التاريخي الذي صنعه الإسلام في مجتمعٍ كان ممزقاً بالعداوات، هذه الآية ليست تذكيراً تاريخياً، بل تحذيراً من فقدان النعمة، فالخصومات القديمة التي اندثرت بفضل الهداية قد تعود في أي لحظة إذا فقدت الأمة وعيها، وإحياء هذه الذاكرة ضروري ليدرك الناس أن الأخوّة لم تكن حدثاً تلقائياً، بل نتيجة مباشرة لهداية تحفظ القلوب من الشقاق.
وإلى قوله سبحانه تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}، يقدّم الشهيد القائد رضوان الله عليه، تفسيراً يُخرج هذه الآية من نطاق الوعظ التقليدي، ليجعلها برنامجاً لإعادة بناء المجتمع، حيث يرى الشهيد القائد أن الأمة، هي مجتمعٌ فاعل يمتلك قدرة ذاتية على حماية نفسه، لا مجرد أفراد يعظون الآخرين في قضايا سطحية.
بل إن المعروف يشمل كل ما تحتاجه الأمة في السياسة والاقتصاد والأخلاق والعدالة وإدارة شؤون حياتها.
مواجهة التهديدات والتحديات تبدأ من الداخل
يقول الشهيد القائد إن أي مجتمع يطمح لمقاومة التهديدات الخارجية يجب أن يعالج أولاً أي خلل في داخله، لأن القوى الخارجية تبدأ بالتغلغل الثقافي والمعرفي والاقتصادي، قبل المواجهة المباشرة، لذلك، تصبح الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليست نشاطاً دينياً محدوداً، بل عملية شاملة لبناء مجتمع قوي ومتماسك.
الهداية حماية وقيادة
في نهاية هذه القراءة، يظهر أن الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله علييه، يتعامل مع الآيات بوصفها منظومة مترابطة، فالتقوى تحفظ الإنسان، والاعتصام يحفظ المجتمع، وتكوين الأمة يحفظ ماضيها وحاضرها ومستقبلها.
وبحسب هذه القراءة النورانية، فإن الهداية الإلهية ليست وعداً أخروياً فحسب، بل ضمانة دنيوية للكرامة والعزة والعدل، ولمنع أي قوة مهما كانت من تحويل الأمة عن هويتها أو السيطرة على قرارها.
وبهذا المعنى الدلالي العميق كما يراه الشهيد القائد رضوان الله عليه، تصبح هذه الآيات خطة قرآنية لصناعة مجتمع واعٍ وقادر، يحمي نفسه من التفكك، ويبنـي مستقبله اعتماداً على القيم التي أرساها القرآن الكريم .