بعد تخلي ترامب| أوروبا بحاجة إلى 300 ألف جندي لمواجهة تهديدات روسيا
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
في دراسة حديثة نشرت، تم تسليط الضوء على الحاجة الماسة للاتحاد الأوروبي لتدبير ميزانية دفاعية ضخمة تقدر بأكثر من 250 مليار دولار سنويا، وتهدف هذه الميزانية إلى تأمين القدرة على الدفاع عن دول الاتحاد الأوروبي بشكل مستقل، دون الحاجة للدعم العسكري الأمريكي.
وتستعرض الدراسة التي أعدها معهد بروغيل للأبحاث ومعهد كيل للاقتصاد العالمي، التحليل الشامل للاحتياجات الدفاعية الأوروبية وكيفية تلبية هذه الاحتياجات وفقا للقدرات الاقتصادية المتاحة للاتحاد.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، إن يسعى الرئيس الأمريكي إلى إعادة صياغة العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا بناءا على معادلة جديدة تركز على المنفعة والتكلفة والمكسب والخسارة، وأكد أن هذه التوجهات لا تقتصر على قضايا مثل الرسوم الجمركية أو السياسات الحمائية التي يتم التركيز عليها في الخطاب الإعلامي والسياسي، بل تمتد لتشمل قضايا أعمق ترتبط بالدفاع والأمن الأوروبي.
وأضاف فهمي- خلال تصريحات لـ صدى البلد"، أن تتمثل النقطة الرئيسية في استراتيجية الإدارة الأمريكية الحالية في ضرورة أن يتحمل الأوروبيون جزءًا من تكاليف الدفاع عنهم، وهو الأمر الذي يشكل الأساس الذي ينطلق منه الرئيس الأمريكي في رؤيته لتصحيح مسار العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. في المقابل، يعبر الاتحاد الأوروبي عن مخاوفه المتزايدة من هذه التوجهات، مما يعكس حالة من عدم الثقة بين الطرفين.
وأشار فهمي، إلى أنه في ظل هذه الأوضاع، بدأ الأوروبيون في البحث عن ترتيبات أمنية مستقلة بعيدا عن المظلة الأمريكية، مما قد يؤدي إلى تغييرات جوهرية في سياسات حلف شمال الأطلسي (الناتو).
الإنفاق الدفاعي الأوروبي وأهدافهوتشير الدراسة إلى أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى تخصيص نحو 250 مليار يورو (حوالي 261.6 مليار دولار) سنويا للاستثمارات الدفاعية، مما يعادل هذا المبلغ 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد، وهو ما يراه الخبراء مبلغا يمكن تحمله بالنظر إلى قوة الاقتصاد الأوروبي.
و من خلال هذا الإنفاق، سيتمكن الاتحاد الأوروبي من تجهيز قوات دفاعية قادرة على حشد نحو 300.000 جندي للدفاع عن أراضيه ضد التهديدات العسكرية، خاصة في ضوء التصعيد العسكري الروسي.
التنسيق الدفاعي والتحديات الحاليةعلى الرغم من الإمكانيات المالية المتاحة، تشير الدراسة إلى أن هناك تحديات كبيرة أمام التنسيق الدفاعي بين الجيوش الوطنية الأوروبية، فقد دعا التقرير إلى تعزيز التنسيق بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وزيادة المشتريات الدفاعية المشتركة لتحسين كفاءة الإنفاق وضمان الجاهزية العسكرية.
وهذا التنسيق سيكون أساسيا لتحقيق الأهداف الدفاعية الأوروبية بعيدا عن الدعم الأمريكي.
الضغوط الأمريكية وأثرها على السياسات لأوروبيةوتعرضت معظم الدول الأوروبية لضغوط متزايدة من الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، لزيادة الإنفاق الدفاعي وتعزيز قدراتها العسكرية، وفي سياق هذه الضغوط، حذر وزير الدفاع الأمريكي الأسبوع الماضي أوروبا من "استغلال" الولايات المتحدة، مؤكدا أن على أوروبا تحمل مسؤولية أمنها بشكل أكبر.
كما أبدى المرشح الأوفر حظا لمنصب المستشار الألماني، فريدريش ميرتس، شكوكه حول استمرار الوجود الأمريكي في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في وقت حدد فيه مستشار الأمن القومي الأمريكي، مايك والتز، شهر يونيو المقبل كموعد نهائي لجميع أعضاء الناتو للوفاء بهدف الإنفاق الدفاعي البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي.
الاقتراحات لتعزيز القدرات الدفاعية الأوروبيةأوصت الدراسة بزيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا، بدلا من النسبة الحالية البالغة 2%، ولفتت الدراسة إلى أن نصف هذا التمويل يمكن تغطيته من خلال إصدار ديون أوروبية مشتركة لتمويل المشتريات الدفاعية المشتركة، فيما تتحمل الدول الأعضاء النفقات الوطنية الأخرى.
كما أشارت الدراسة إلى أن روسيا قد زادت بشكل ملحوظ من قدراتها العسكرية منذ بداية الحرب في أوكرانيا، حيث حشدت نحو 700.000 جندي في الأراضي الأوكرانية وزادت بشكل كبير من إنتاج الدبابات والمركبات المدرعة.
وفي هذا السياق، تشير الدراسة إلى أن تجهيز 50 لواء عسكريا إضافيا يتطلب من أوروبا الحصول على 1.400 دبابة قتالية رئيسية و2.000 مركبة قتال مشاة، وهو ما يفوق المخزون الحالي لجميع القوات البرية في كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا.
والجدير بالذكر، أن تشير الدراسة إلى أن الاتحاد الأوروبي بحاجة ماسة إلى زيادة استثماراته الدفاعية بشكل كبير لتأمين استقلاله العسكري والحد من اعتماده على الولايات المتحدة في هذا المجال. تتطلب هذه الخطوة تنسيقا أقوى بين الدول الأوروبية وزيادة الإنفاق على الدفاع، بما يعكس قدرة الاتحاد على مواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة على حدوده.
وفي ظل التصعيد الروسي والضغوط الأمريكية، سيكون من الضروري أن يتم تنفيذ هذه التوصيات لتحقيق الأمن والاستقرار الأوروبي على المدى الطويل.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ترامب الاتحاد الأوروبي روسيا الولايات المتحدة الضغوط الأمريكية الدعم العسكري الأمريكي المزيد الاتحاد الأوروبی الإنفاق الدفاعی الدراسة إلى أن
إقرأ أيضاً:
أوروبا تحتاج إلى خطة لفك ارتباطها بالولايات المتحدة
عندما فوجئت أوروبا قبل أسبوعين أو نحو ذلك «بخطة السلام» الأمريكية الروسية حول أوكرانيا والتي لم تكن تتوقعها حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي شعبه في خطاب بقوله: «الآن تمامًا قد تجد أوكرانيا نفسها في مواجهة خيار قاسٍ جدا، إما فقدان كرامتنا وإما المخاطرة بخسارة شريك كبير». إذا كان كل زعماء الاتحاد الأوروبي يتحدثون بمثل هذا الوضوح لربما استخدموا نفس الكلمات في الحديث عن بلدانهم؛ فأوروبا كلها باتحادها الأوروبي وبلدانه الأعضاء هي التي تواجه الاختيار بين أن تكون مسيطرة على شؤونها الخاصة وبين شراكتها التي طال بها الأمد مع الولايات المتحدة.
ثلاث مرات حاول دونالد ترامب دفع أوكرانيا إلى التسليم بالمطالب الروسية من أجل سلام ظاهري وغير عادل.
ثلاث مرات تدافع الأوروبيون لتغيير رأي رئيس الولايات المتحدة حول شيء يعتبرونه وجوديا عن حق (مسألة بقاء أو فناء). كم مزيدًا من الدروس يحتاجونها كي يتوصلوا إلى أن العلاقة عبر الأطلسية قد انتهت؟
القبول بهذا لا يعني أن من الخطأ دائما البحث عن هدف مشترك مع ترامب كلما كان ذلك ممكنا، أو عدم ضرورة ملاطفته لدفعه إلى تغيير مواقفه لمصلحة أوروبا.
لكنه يعني التعامل بجدية حول ما إذا كان الاتحاد الأوروبي -بحسب كلمات مفوضة الاتحاد الأوروبي تيريزا ريبيرا- «سيظل صانعا للقواعد، أم يتحول إلى مُتَلَقٍّ للقواعد في نظام يشكل في مكان آخر» أو في الواقع إلى سائل متضرع في عالم لا تحكمه قواعد على الإطلاق.
لتجنب هذا المصير على أوروبا السعي لتقليل تعرضها لضغوط الولايات المتحدة إلى أدنى حد ممكن، وهي ضغوط لن تتوقف.
لقد حان الوقت لإعداد خطة أوروبية تهدف إلى فك الارتباط بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مع اتخاذ خطوات لتقليل الضرر الذي بمقدور واشنطن تحت شعار ماغا (أمريكا أولا) إلحاقه بأوروبا.
مثل هذه الخطة يجب أن تغطي على الأقل ثلاث مجالات هي: التجارة والتمويل والدفاع.
لنأخذ التجارة أولا: في الصيف الماضي وافق الاتحاد الأوروبي على «صفقة» مع البيت الأبيض أقرَّت في الواقع انتهاك ترامب للقواعد الدولية، وقبلت زيادات كبيرة في الرسوم الجمركية على صادرات الاتحاد الأوروبي، وذلك ظاهريا بأمل تجنب شيء أسوأ يقدِم عليه ترامب. ردت الجماهير الأوروبية على الصفقة بغضب يشوبه الشعور بالإهانة.
فمهما كانت مزايا القبول برسوم ترامب في الأجل القصير يجب أن يكون من الواضح تماما أن اعتماد المرء في معيشته على مبيعاته للولايات المتحدة عبء متزايد أكثر منه امتيازا.
وهذا العبء لا يقتصر على المصدرين الأوروبيين الذين قد يجدون أنفسهم ممنوعين من دخول السوق الأمريكية عندما يريد البيت الأبيض انتزاع شيء ما بالابتزاز في المرة القادمة.
فتداعيات التقييد الفجائي لنشاط الشركات ستمتد إلى الحكومات والاقتصادات بأكملها بسبب العاملين الذين توظفهم هذه الشركات والسلع أو الخدمات الحيوية التي تقدمها أو النفوذ السياسي الذي تمارسه في العادة.
إذن المبررات قوية لاتباع سياسة واعية بتقليل الانكشاف التجاري للولايات المتحدة إلى مستوى أدنى مما يمكن أن تفعله الشركات الخاصة بنفسها؛ فمجرد التصريح بفك الارتباط الاقتصادي مع الولايات المتحدة كهدف سياسي يبعث برسالة قوية إلى القطاع الخاص.
يمكن للسلطات سحب حوافز التعزيز التجاري للصادرات إلى الولايات المتحدة. أيضا عندما يريد ترامب في المرة القادمة رفع الرسوم الجمركية يجب عدم مقاومة ذلك، بل انتهاز الفرصة في الرد عليها باستهداف الأنشطة الأمريكية التي تفاقم الضعف الأوروبي مثل الخدمات الرقمية.
الشيء الثاني الذي يجب اتخاذ تدابير بشأنه هو الصادرات الكبيرة لرأس المال الأوروبي؛ فهي لا تقتصر فقط على تدفقها نحو أمريكا، ولكن ندرة التمويل المحلي التي تتسبب فيها تفاقم الضعف الأوروبي أمام التصرفات العدائية للولايات المتحدة.
عندما يصارع القادة لتمويل الاستثمارات الضرورية العامة والخاصة، ويهاجر أفضل وأذكى عقول أوروبا -رأسمالها البشري- إلى الولايات المتحدة لتمويل نمو شركاتها يجب ألا يرسل الاتحاد الأوروبي ما تصل قيمته إلى نصف تريليون يورو من صافي المدخرات إلى خارج الكتلة في كل عام.
هذا قد يتطلب معارضة القرارات التي تعتبرها الشركات معقولة بالاستثمار خارج أوروبا بدلا من داخلها؛ فهذه القرارات الخاصة لا تضع في الاعتبار التكلفة الاقتصادية والجيوسياسية لترك أوروبا بدون استثمار كاف.
ومن شأن اعتماد تعديلات استراتيجية في الإجراءات التنظيمية لتحويل الفرص من الاستثمار في الخارج إلى الاستثمار في الداخل تقليص الفجوة بين الادخارات والاستثمار في أوروبا وتحديدا بجعل التمويل أكثر وفرة للاحتياجات الرأسمالية الأوروبية.
أخيرا؛ تحتاج أوروبا إلى بديل محلي للقدرات العسكرية الاستراتيجية التي تعتمد الآن على الولايات المتحدة في توفيرها.
لقد أعدَّ الاقتصاديون فيليب هيلديبراند، وهيلين رَي، وموريتز شولاريك إطارا للتمويل الأوروبي المشترك بواسطة تحالف البلدان الراغبة لتحقيق الاكتفاء الذاتي الدفاعي.
تُتداول هذه الخطة على أعلى المستويات في فرنسا وألمانيا، ومن المؤمَّل أن يسارع هذان البلَدَان مع الدول الأوروبية الأخرى إلى دعمها.
اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة ليس أمرًا مفروغًا منه، ولكنه عجز مُكتَسب على مدار 80 عاما، ويجب أن يبدأ التخلص منه الآن.
مارتن ساندبو معلق الاقتصاد الأوروبي بصحيفة الفاينانشال تايمز