وهْم رعاة التّهجير وتوهّم دعاة التطبيع.. سلامٌ دون حرب وأرضٌ بلا سلاح!!
تاريخ النشر: 28th, February 2025 GMT
منذ أن رفع ترامب قلمه الذي اعتاد أن يوقع به قراراته الغريبة بإزاء مكتبه الفخم ليقارن بين مساحة إسرائيل التي بدت له صغيرة جدّا بالنسبة إلى مساحة الشرق الأوسط، أصبحت مخاوف توسعها لتقضم مساحات من دول عربية مجاورة حقيقة ماثلة، وغدا مشروع دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات مطروحا للتنفيذ، حتى يخرج من دائرة الحلم الصهيوني إلى فضاء العلاقات الدولية والسياسة الخارجية بين الولايات المتحدة والدول العربية.
لا يكتفي ترامب بالتخيلات الوهمية، إنه يفضل عليها حقائق الواقع الذي يصنعه بأسلوب فج معهود ووقاحة لا يستحي أن يفرضها طريقة عقلانية، على العالم أن يرضى بها حتى وإن لم تكن معقولة، فهو لا يؤمن بالعقل من الناحية الأسلوبية بل بما يحكمه من موازين ربح وخسارة.
وطالما يؤمن ترامب بغلبة "الحقّ اليهودي" على ما سواه من المُثل، فإنّ الإنسان اليهودي الذي يسيطر على المال في أمريكا أكبر اقتصاد في العالم لا يمكن مقارنته بما عداه من البشر الذين عليهم أن يرضوا بحظهم في الترتيب العرقي، ويفسحوا الطريق أمام أسياد العالم حتى يحصلوا على ما يريدون من أراضي تكفي تعدادهم السكاني فأراضيهم شاسعة جدا، حتى ولو أدى ذلك إلى تساقط الآلاف من بينهم فهم بمئات الملايين.
كان تنفيذ إسرائيل لعملية التهجير في سياق مخاتلتها للسلطة الفلسطينية عبر وهم "الأرض مقابل السلام"، عبارة عن هدف استراتيجي لطموح استعماري توسعي رصدت له وسائل تكتيكية الغرض منها فرض الواقع الإسرائيلي بالتدريج حتى لا يشعر الفلسطينيون بوقوعه فجأة، على غرار سياسات جدار الفصل العنصري وقضم الأراضي والاستيلاء عليها وإحلال المستوطنين وتفتيت الضفة وحصار غزة، وتعقيد يوميات الفلسطينيين بين العمل ومشاغل الحياة التي جعلتها المعابر والحواجز والمنافذ مهينة وشبه مستحيلة
بالنسبة لإسرائيل فإنّ تنفيذها لما يفكر به ترامب اليوم بدأ قبل ثلاث عقود، وتحديدا منذ اعترافها المخادع بسلطة أوسلو وبحق الفلسطينيين بدولة مستقبلية في إطار وعود زائفة، وإن كانت قد حاولت طرح مشاريع للتهجير قبل هذا التاريخ في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات في سيناء، بل إنّ احتلالها للأراضي الفلسطينية وتوسعها عليها كان يجري بالموازاة مع تهجير الفلسطينيين وإجبارهم على اللجوء في أصقاع العالم.
لقد كان تنفيذ إسرائيل لعملية التهجير في سياق مخاتلتها للسلطة الفلسطينية عبر وهم "الأرض مقابل السلام"، عبارة عن هدف استراتيجي لطموح استعماري توسعي رصدت له وسائل تكتيكية الغرض منها فرض الواقع الإسرائيلي بالتدريج حتى لا يشعر الفلسطينيون بوقوعه فجأة، على غرار سياسات جدار الفصل العنصري وقضم الأراضي والاستيلاء عليها وإحلال المستوطنين وتفتيت الضفة وحصار غزة، وتعقيد يوميات الفلسطينيين بين العمل ومشاغل الحياة التي جعلتها المعابر والحواجز والمنافذ مهينة وشبه مستحيلة، وكل ذلك كان يصب في اتجاه "تطفيش" الفلسطيني بعد أن ييأس من إمكانية تغير أوضاعه نحو الأفضل.
طوفان الأقصى لم يكشف مسكّن "الكيان السياسي" الوهمي الذي كانت إسرائيل تحقنه في وريد الشعب الفلسطيني المنوَّم على هدهدات اتفاقيات أوسلو فحسب، بل إنه أحدث صدمة كبيرة على مستوى الوعي الجمعي المخدّر ما جعله يشعر بالكمّ الكبير من وخزات إبر المهدّئ وألمها على كامل جسده، لقد جعلته تلك الحُقن يستسلم لواقع إسرائيلي على أرض فلسطينية يريد أن يسحبها من تحت أقدامه بعد أن يقتلعه منها كما يفعل بأشجار الزيتون.
ولعل هذه الاستفاقة هي ما حدا بإسرائيل لأن تكشف عن حقيقة خطتها وتفضح عن نيتها المبيتة في تهجير الفلسطينيين، بعد أن كشرّ اليمينيون المتطرفون عن أنيابهم وأظهروا حقيقتهم في وضع يدهم على كلّ شبر من فلسطين انتقاما من مفجّري عملية الطوفان، ليتحوّل تفكيرهم الجاد منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، من خطّة "تهجير بالتقطير" إلى البحث عن خطة لترحيل شامل وممنهج لجميع فلسطينيي الضفة والقطاع في مدة زمنية قصيرة جدا، وليس من المستبعد أن يحدث الشيء نفسه مع فلسطينيي الداخل إذا ما نجحت معهما.
الاستفاقة هي ما حدا بإسرائيل لأن تكشف عن حقيقة خطتها وتفضح عن نيتها المبيتة في تهجير الفلسطينيين، بعد أن كشرّ اليمينيون المتطرفون عن أنيابهم وأظهروا حقيقتهم في وضع يدهم على كلّ شبر من فلسطين انتقاما من مفجّري عملية الطوفان، ليتحوّل تفكيرهم الجاد منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، من خطّة "تهجير بالتقطير" إلى البحث عن خطة لترحيل شامل وممنهج لجميع فلسطينيي الضفة والقطاع في مدة زمنية قصيرة جدا
على المستوى الإقليمي حرص الكيان الصهيوني على جرّ مزيد من الدول العربية نحو تطبيع علاقاتها معه، ليس فقط كمحاولة للقفز على خطة السلام التي اشترطت حل الدولتين، وبالتالي خلق بيئة إقليمية جديدة ترضخ لواقع إسرائيلي جديد، بل أيضا حتى ترضى الدول المطبعة بتبعات هذا الواقع والتي من بينها اضطرار الفلسطينيين إلى اللجوء خارج أراضيهم المحتلة من أجل فرضه.
وبالتالي لم يكن تطبيع تلك الدول العربية في أحدث موجة من موجاته فقط عبارة عن مد علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني، بل إنه دفع بكل دولة تبنته لأن تنشغل بقضاياها الأمنية بعيدا عن الأخرى، إنه شرّ مضاعف لمشروع الدول القومية الذي أنتجه الاستعمار، وعلى هذا الأساس فإنّ مفعول علاقات التطبيع هو مكمل لما أحدثته اتفاقيات "سايكس بيكو" والحدود المتوارثة عن الاستعمار من تمزيق في جسد الأمة العربية.
غير أنّ العائق أمام هذا المخطط هو سلاح المقاومة بالدرجة الأولى وسكان غزة والضفة لكونهم الحاضنة الشعبية ورصيد المقاومة للتجنيد، فالتهجير يروم تفكيك هذه المعادلة بما يؤدي إلى تجفيف منابع الصمود والحيلولة دون حصول المقاومة على رافد من القوة البشرية وإسناد لوجستي لطالما ضمنه لها سكان غزة، ومن ثمّ كشف الغطاء عنها، وعمليا حتى لو بقيت المقاومة لوحدها بعد التهجير فإنها ستقاتل دون مشروع دولة في ظل غياب الشعب.
وإذا كانت عملية تسليم حماس لسلاحها أو تحييده، كما يسعى إليه ترامب ونتنياهو، يعني آليا تصفية القضية الفلسطينية، فإنّ التهجير الذي يعتبر مرحلة سابقة عنها، يعتبر أعلى مراحل التطبيع، قياسا على عبارة لينين "الإمبريالية هي أعلى مراحل الرأسمالية"، فهو لن يتمّ إلّا بتنسيق مع دول الجوار المطبعة التي لن توافق فقط على استقبال الكتلة البشرية المهجرة قسرا من غزة والضفة على أراضيها، بل إنها ستتواطأ في عملية طرد السكان إن لم تقم بتنسيق الجهود وتسهيل العملية مع جيش الاحتلال.
كيف لم يدر بخلد المطبعين منذ زيارة السادات لتل أبيب إلى غاية عقد اتفاقيات أبراهام أنّ من يذعن للتطبيع سيقبل في النهاية بالتهجير؟ لو أنّ الثور لم يفرّ من حظيرة البقر لما ذهبت بعد عام وراءه الحظيرة مثلما أخبرنا الشاعر أحمد مطر، أما وقد وقعت الفأس في الرأس وطبّع من طبّع فلا أقل من أن تعود جميع الثيران إلى الحظيرة ويوقن كلّ من بها أنّ التهجير لن يوقفه سوى يقينٌ صادق بجدوى سلاحٍ وذخيرة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب إسرائيل الفلسطينيين تهجير إسرائيل فلسطين تهجير ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بعد أن
إقرأ أيضاً:
كيف تحولت مراكز المساعدات الأمريكية في غزة إلى مصائد لقتل الفلسطينيين؟
تتكشف الأهداف الحقيقية من وراء منظومة المساعدات الأمريكية- الإسرائيلية الجديدة، رويدا رويدا، رغم محاولات تقديمها كخطة إنسانية تهدف إلى انتشال الغزيين من الجوع.
وقتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، الأحد، نحو 30 شخصا وأصابت أكثر من 200 آخرين، خلال احتشاد آلاف الفلسطينيين لتسلم مساعدات في منطقة مواصي مدينة رفح، جنوب القطاع، ومنطقة "نتساريم"، جنوب مدينة غزة.
كيف جُهزت مراكز المساعدات كمصيدة للقتل؟
وقالت مصادر ميدانية في رفح لـ"عربي21"، إن الاحتلال و عبر الشركة الأمريكية "مؤسسة إغاثة غزة"، يتعمد إحداث أكبر قدر من الفوضى، بفتح المراكز دون تنظيم و دون قاعدة بيانات للمستلمين، إذ يترك الناس للذهاب إلى مناطق التسليم دون إبلاغ مسبق، أو بناء على بلاغ عشوائي عبر مكبر للصوت من طائرة "كواد كابتر" تابعة للاحتلال.
وفي هذا السياق، قال المصدر إن الخطط المعمول بها لتوزيع المساعدات سواء من المنظمات الأممية أو الدولية، تعتمد نظام الإبلاغ المسبق للمستفيدين من خدماتها، سواء بالرسائل النصية أو بالاتصال المباشر بهواتف المستفيدين، وذلك لعدم خلق فوضى أمام مراكز التوزيع.
وكشف المصدر أن تقصّد إحداث الفوضى المتعمدة من قبل قوات الاحتلال عبر الشركة الأمريكية المعنية، مبيت ومدروس بعناية، إذ إن الكمية المخصصة للتوزيع اليومي قليلة جدا، ولا تكفى سوى لـ 10% من المواطنين المتوجهين في مركز التوزيع، ما يخلق حالة مقصودة ومرتبة من الفوضى والتدافع في المكان.
اقرأ ما كتبته في التغريدة أدناه لتفهم عن ماذا سأتحدث الآن:
في ليلة الأمس، توجه مئات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والشبّان إلى مركز المساعدات التابع للمرتزقة في رفح، بهدف الوصول المبكر وحجز مكان، ومنع “الحشد الأول” وهم التجار والعصابات من الاستيلاء على السلع كما يحدث يوميًا… https://t.co/XjswAtffUb pic.twitter.com/zfRpsDfYx2 — Tamer | تامر (@tamerqdh) June 1, 2025
إلى جانب ذلك، ترفض الشركة الأمريكية أو قوات الاحتلال إعطاء جدول زمني أو آلية واضحة للعمل، ما يضطر المجوّعين إلى الذهاب في ساعات الفجر الأولى لحجز أدوار للحصول على الغذاء، وأحيانا يبلغون بتوقف التسليم، أو عدم وجود تسليم للمساعدات أصلا في ذلك اليوم.
"استدراج المدنيين الجائعين"
من جهة أخرى، قال مصدر آخر، إن قوات الاحتلال تراقب كل من يتحرك صوب مراكز التسليم، بهدف تنفيذ عمليات اعتقال وقتل، خصوصا في صفوف جيل الشباب.
ولتسهيل عمليات الرصد والاعتقال، قال المصدر إن قوات الاحتلال "هندست" مكان التوزيع بشق ممرات ضيقة جدا محاطة بأسلاك شائكة لدفع الناس إلى المرور منها.
وفي هذا السياق، قال المصدر إن قوات الاحتلال اعتقلت خلال الأيام الماضية عددا من الشبان كانوا قد توجهوا إلى مراكز تسليم المساعدات في منطقة غرب رفح، ومناطق "موارج" شمال المدينة، إضافة إلى موقع التسليم الثالث في محيط محور "نتساريم" جنوب مدينة غزة.
من جهته، قال المركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسرًا، إن المجزرة الوحشية في رفح، الأحد، يعد استمرارًا لسياسة ممنهجة في استدراج المدنيين إلى مواقع خطرة، وتحويلها إلى كمائن قاتلة، ما يُفاقم من أعداد المفقودين في ظروف يصعب فيها التتبع أو التوثيق الميداني المباشر.
وحمل المركز، الاحتلال المسؤولية الكاملة عن مصير المفقودين في هذه المجزرة، وطالب بالكشف العاجل عن أسمائهم وأماكن وجودهم، سواء كانوا معتقلين أو شهداء.
"مشروع فاشل وخطير"
من جهته، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن الاحتلال حول مواقع تسليم المساعدات الأمريكية- الإسرائيلية، إلى مصائد للموت والقتل الجماعي.
وقال المكتب في بيانه، إن ما يجري هو استخدام ممنهج وخبيث للمساعدات كأداة حرب، تُوظف لابتزاز المدنيين الجوعى وتجميعهم قسراً في نقاط قتل مكشوفة، تُدار وتُراقب من قبل جيش الاحتلال وتُموّل وتُغطى سياسياً من الاحتلال والإدارة الأمريكية، التي تتحمّل المسؤولية الأخلاقية والقانونية الكاملة عن هذه الجرائم.
وشدد المكتب على أن مشروع "المساعدات عبر المناطق العازلة" هو مشروع فاشل وخطير، يشكّل غطاءً لسياسات الاحتلال الأمنية والعسكرية، ويُستخدم للترويج الكاذب لمزاعم "الاستجابة الإنسانية"، في الوقت الذي يُغلق فيه الاحتلال المعابر الرسمية، ويمنع وصول الإغاثة الحقيقية من الجهات الدولية المحايدة.
وحمل بيان المكتب، الاحتلال "الإسرائيلي" المسؤولية الكاملة عن المجازر المستمرة في مواقع توزيع "المساعدات" التي تُنفذ تحت غطاء إنساني كاذب، كما حمّله ومعه الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية المباشرة عن استخدام الغذاء سلاحاً في الحرب على غزة.
ودعا إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة على وجه السرعة، لتوثيق هذه المجازر، بما فيها جرائم القتل في مواقع توزيع المساعدات، ومحاسبة المسؤولين عنها أمام المحاكم الدولية.
من هي الشركة التي تتولى توزيع المساعدات؟
استبعدت حكومة الاحتلال، الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية، وكلفت "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة إسرائيليا وأمريكيا والمرفوضة أمميا، بتوزيع مساعدات شحيحة جدا بمناطق جنوب قطاع غزة عبر 4 نقاط بدأتها بنقطة في مدينة رفح.
و"مؤسسة غزة الإنسانية" هي شركة أمريكية يقع مقرها الرئيسي في جنيف بسويسرا وتأسست في شباط/ فبراير 2025 قائلة إنها تهدف إلى "تخفيف الجوع في قطاع غزة" عبر إيصال المساعدات للغزيين.
والشركة التي تحمل بصمات العمل الأمني والعسكري ويقف خلفها عسكريون سابقون في الجيش الأمريكي، تقدم نفسها في رداء العمل الإغاثي والإنساني، لكنها سرعان ما افتُضح أمرها وانكشف سترها، عقب أول اختبار لها. حيث بادر موظفوها بإطلاق النار على مسرح توزيع المساعدات في رفح الثلاثاء الماضي، عند أول تجربة لتوزيع المساعدات وفق الآلية الجديدة التي فرضها الاحتلال.