تقرير: بيت لاهيا .. المدينة المثمرة تحاول النهوض من تحت الركام
تاريخ النشر: 28th, February 2025 GMT
غزة- «عُمان»- بهاء طباسي: تجلس أم أحمد العطار، سيدة خمسينية، أمام ما تبقى من منزلها في بيت لاهيا، وقد نصبت خيمة على الأنقاض. لا تستطيع التعبير عن الصدمة، التي انتابتها، عند العودة، كونها «صدمة لا توصف»، حسب تعبيرها، فلم يعد هناك منزل يحتويها، ولا أي غرض معيشي يساعدها على الحياة.
لكنها رغم ذلك ترفض المغادرة.
تفقدت ما تبقى من ذكرياتها بين الركام، إلا أن الألم الأعظم كان حين لم تجد قبر ابنتها التي استشهدت خلال حرب السابع من أكتوبر.
تشير إلى المساحة التي دفنتها فيها، وتضيف بصوت مختنق: «دفنتها هنا، لكنني لم أجد القبر عند عودتي، كأن كل شيء قد مُحي تمامًا».
تواصل حديثها مؤكدة أن حياتها لم تعد كما كانت، فزوجها اعتُقل خلال الحرب وتم نقله إلى أحد السجون الإسرائيلية، لتجد نفسها اليوم وحيدة مع بناتها وسط هذا الدمار.
أنقاض لا تصلح للحياة
وسط الركام، تحاول سعاد المصري، سيدة أربعينية، أن تستعيد جزءًا من حياتها السابقة. تروي كيف اضطرت إلى مغادرة بيت لاهيا مع عائلتها إلى رفح بحثًا عن الأمان، لكن العودة كانت أكثر إيلامًا مما تخيلت.
تقول لـ«عُمان»: «ما وجدناه لم يكن منزلًا، بل أكوامًا من الحجارة، نصبنا خيمة جواره، فلا يوجد لنا مكان آخر».
تحاول مع جيرانها البحث عن أي مورد يمكنهم استخدامه للبقاء، فالمياه شحيحة والكهرباء غائبة تمامًا، فيما لا تزال أبسط الاحتياجات غير متوفرة.
تضيف: «الدمار طال كل شيء، حتى الأرض لم تعد كما كانت، وكأن بيت لاهيا محيت من الوجود». مشددة على أن العيش في هذه الظروف القاسية يمثل معركة يومية من أجل البقاء.
بين الإصرار واليأس
يحاول محمود العطار، شاب في الثلاثينات من عمره، إزالة الركام من أمام منزله، لكنه يدرك أن المهمة تفوق قدراته. يشير إلى الحطام المكدس حوله، ويقول: «ليس هناك متسع للحركة، الركام يملأ كل الطرقات والمنازل، لكننا سنواصل العمل».
يرى في رفع الحجارة أول خطوة نحو إعادة بناء حياته، رغم إدراكه أن الأمر قد يستغرق سنوات.
يضيف لـ«عُمان»: «حتى لو احتاج الأمر مليون سنة، لن نغادر. سنبني من جديد، لأن هذه أرضنا ولن نتخلى عنها مهما حدث». رغم صعوبة الوضع، يحرص على مساعدة جيرانه في إزالة ما يستطيعون من الدمار، في محاولة لإعادة الحياة إلى البلدة المنكوبة.
العودة إلى زمن غابر
يبحث أبو خالد السلطان، رجل خمسيني، عن أي مصدر للمياه، في ظل توقف جميع الشبكات بسبب القصف. يشير إلى أحد الآبار القديمة التي يحاول تشغيلها.
يقول لـ«عُمان»: «رجعنا للزمن القديم، لا مياه ولا كهرباء، نحاول تشغيل الآبار البدائية لنحصل على القليل مما يمكننا العيش عليه».
يشرح كيف تحولت الحياة في بيت لاهيا إلى معاناة يومية، حيث لا توجد أي مقومات أساسية للعيش. يؤكد أن الوضع لا يطاق، فحتى الطعام أصبح نادرًا، والمساعدات لا تصل بالقدر الكافي. يلخص معاناته قائلًا: «المدينة كلها مدمرة، لم يبق شيء صالحًا للحياة، لكننا هنا، وسنبقى هنا».
البحث عن أمل بين الركام
يحاول أحمد غبن، شاب في العشرينات، أن يجد بين الأنقاض أي غرض معيشي، سواء ملابس، أو أدوات منزلية، أو أي شيء، يعينه على الحياة. يشير إلى منزله المدمر.
ويقول لـ«عُمان»: «كل شيء ضاع، حتى أبسط الاحتياجات لم تعد موجودة، نحاول استخراج ما يمكننا الاستفادة منه، أي أمل بين الركام».
يشدد على أن حجم الدمار يفوق التوقعات، فحتى البنية التحتية انهارت بالكامل. يضيف: «لم يسلم شيء، المستشفيات، المدارس، شبكات المياه والكهرباء، وحتى الطرق، وكأننا عدنا مئات السنين إلى الوراء».
ويصف يومياته بأنها صراع مستمر مع الدمار، إذ يتحتم عليه السير لعدة كيلومترات لإيجاد مستشفى أو مركز طبي لمساعدة المرضى والمصابين.
مدينة تتوارث المقاومة
بيت لاهيا ليست مجرد بلدة زراعية مثمرة، بل تاريخ طويل من الأحداث والصراعات. مر عليها الرومان والفرس والمسلمون، وسكنها العرب الكنعانيون، واحتلها الإسرائيليون عام 1948، قبل أن تصبح جزءًا من قطاع غزة في 2005. تتميز بأراضيها الخصبة، ومشروع الخياطة الذي كان أحد أكبر مصادر الدخل لسكانها.
لكن قربها من المناطق الحدودية جعلها في مرمى نيران الاحتلال على الدوام، حيث تعرضت لموجات متكررة من القصف والتجريف، خاصة بسبب دعم سكانها للمقاومة. اليوم، باتت المدينة أشبه بأطلال، لكن سكانها مصرون على البقاء رغم الخراب.
بيت لاهيا.. مدينة منكوبة
يؤكد علاء العطار، رئيس بلدية بيت لاهيا، أن المدينة أصبحت منكوبة بالكامل، وأن إعادة الحياة إليها تتطلب جهودًا ضخمة. يوضح: «95% من مباني المدينة دمرت بالكامل، وأكثر من 80% من آبار المياه الرئيسية خرجت عن الخدمة».
يضيف لـ«عُمان» أن الاحتلال لم يكتف بتدمير المنازل، بل استهدف البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك قطاعي المياه والصرف الصحي. يشير إلى أن 60% من المضخات الرئيسية تعطلت، ما أدى إلى أزمة مياه خانقة.
يتحدث عن قطاع الزراعة، الذي كان يمثل مصدر رزق لكثير من السكان، مؤكدًا أن الاحتلال تعمد تدمير الآبار الزراعية وتجريف الحقول.
يقول بأسف: «بيت لاهيا كانت السلة الغذائية الأولى لغزة، لكن الآن لم يعد هناك أي إنتاج زراعي، وكل شيء دُمر».
أما على صعيد الخدمات الصحية، فيشير إلى أن مستشفى كمال عدوان دُمر بالكامل، فيما لحقت أضرار جزئية بمستشفى العودة. يختتم حديثه بالقول: «الاحتلال تعمد القضاء على كل مقومات الحياة، لكننا مصرون على إصلاحها، رغم قلة الإمكانات».
الدمار ليس النهاية
رغم الخراب الذي يحيط بكل زاوية، يرفض أهالي بيت لاهيا أن يكون الدمار هو النهاية. في كل شارع مهدم، وفي كل منزل تحول إلى ركام، هناك قصة صمود تحكى، وإرادة تُجدّد. لا شيء في المدينة يوحي بالحياة كما كانت، فالمياه شحيحة، والكهرباء غائبة، والطرقات غير صالحة حتى للمشي، لكن وسط هذه الفوضى، يتجلى تصميم لا مثيل له على البقاء.
يستيقظ السكان كل يوم ليجدوا أمامهم مشهدًا يوحي بنهاية العالم، ومع ذلك، فإنهم لا يختارون الرحيل، بل يبحثون بين الحجارة عن بداية جديدة. النساء اللواتي فقدن أبناءهن ما زلن يخبزن الخبز على النار المشتعلة بالحطب، الرجال الذين فقدوا منازلهم يعملون على نصب خيام بسيطة لتحمي عائلاتهم من البرد، والشباب الذين رأوا أحلامهم تنهار تحت القصف يزيلون الركام، حجرًا بعد حجر، بأيديهم العارية.
بيت لاهيا، التي كانت يومًا جنة خضراء، باتت الآن مدينة من الرماد، لكن من بين هذا الرماد، ترتفع أصوات الحياة. ورغم انعدام الإمكانات، فإن الأهالي يراهنون على قدرتهم على إعادة إعمار ما تهدم، ولو بأدوات بدائية.
لا أحد ينتظر معجزة، ولا أحد يعوّل على المساعدات وحدها، بل يعتمدون على عزيمتهم وإيمانهم بأن هذه الأرض لهم، ولن يتركوا فيها فراغًا يسكنه الدمار.
في بيت لاهيا، لا يوجد وقت للبكاء طويلاً، فالحياة رغم كل شيء يجب أن تستمر. قد تمر سنوات قبل أن تعود المدينة كما كانت، وقد تتغير ملامحها إلى الأبد، لكنها ستظل رمزًا للصمود، ودرسًا في الإصرار، وعنوانًا لشعب لا يعرف الاستسلام.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بیت لاهیا کما کانت یشیر إلى لـ ع مان کل شیء لم تعد
إقرأ أيضاً:
الوزير هيكل يبحث مع القائم بأعمال السفارة القطرية سبل النهوض بقطاع الاتصالات في سوريا
دمشق-سانا
بحث وزير الاتصالات وتقانة المعلومات عبد السلام هيكل مع القائم بأعمال السفارة القطرية في سوريا خليفة بن عبد الله آل محمود والوفد المرافق له، سبل تعزيز التعاون المشترك وتطويره للنهوض بمجالات الاتصالات في سوريا.
وناقش الجانبان في الاجتماع، الذي عقد اليوم في مبنى الوزارة بدمشق، إمكانية الاستفادة من التجربة القطرية في مجال التطبيقات الذكية والابتكار والتحول الرقمي وتكنولوجيا الاتصالات، وتطبيق ذلك في سوريا، وفي مقدمتها تحسين جودة شبكة الاتصالات، وتطوير البنية التحتية بشكل عام.
واستعرض الوزير هيكل خطة الوزارة المتعلقة بمجالات الإنترنت والاتصالات ومشاريع ريادة الأعمال، وأوجه التعاون التي تدعم هذه الخطة، منوهاً بدور قطر في الوقوف إلى جانب الشعب السوري وتقديم الدعم له في كل المجالات.
بدوره أعرب القائم بأعمال السفارة القطرية عن استعداد بلاده للتعاون مع الوزارة في كل المجالات، وخاصة تحسين البنية التحتية وتبادل الخبرات، وتقديم الدعم اللازم في قطاع التكنولوجيا والاتصالات والتحول الرقمي.
الوزير هيكل 2025-05-25hadeilسابق لاعب منتخب سوريا لـ “المواي تاي” حسين عابدة يتأهل إلى دور الثمانية في بطولة العالمالتالي السورية للحبوب بحمص تبدأ استلام محصول القمح من المزارعين في صومعة تلكلخ انظر ايضاً الوزير هيكل يبحث مع وفد فرنسي سبل التعاون في قطاع الاتصالات وتقانة المعلوماتدمشق-سانا بحث وزير الاتصالات وتقانة المعلومات السيد عبد السلام هيكل مع وفد فرنسي برئاسة المبعوث …
آخر الأخبار 2025-05-25الوزير هيكل يبحث مع القائم بأعمال السفارة القطرية سبل النهوض بقطاع الاتصالات في سوريا 2025-05-25وزارة الاقتصاد والصناعة تمنح الشركات سنة واحدة لاستكمال تسديد رأسمالها وإجراءاتها القانونية 2025-05-25الرئيس الشرع يترأس وفداً سوريّاً رفيع المستوى في مباحثات مع الجانب التركي حول تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات 2025-05-25تنافس مثير على مقاعد البطولات الأوروبية في الجولة الختامية من الدوري الإنكليزي 2025-05-25وزير العدل يتفقد واقع العمل في عدلية حماة 2025-05-25“الأتارب بتستاهل” حملة لتحسين الواقع الخدمي والاقتصادي في المدينة 2025-05-25نجم كرة السلة السورية ميشيل معدنلي يعود إلى سوريا ويقيم معسكراً تدريبياً للفئات العمرية 2025-05-25مجمع درعا البلد الطبي يبدأ دواماً مسائياً لتعزيز خدمات الرعاية الصحية 2025-05-25الوحدة يلتقي الكرامة في مباراة قوية بدوري كرة السلة للرجال 2025-05-25اتحاد بناء الأجسام يقيم دورة التأهيل في التغذية الرياضية
صور من سورية منوعات لأول مرة… اكتشاف فيروس غرب النيل في بعوض ببريطانيا 2025-05-23 دراسة لباحثين من كوريا الجنوبية: العمل لساعات طويلة يغيّر بنية الدماغ 2025-05-23فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |