زيادة النفقات الدفاعية تشغل الحكومة الألمانية قبل تشكيلها
تاريخ النشر: 3rd, March 2025 GMT
نقلت وكالة رويترز عن 3 مصادر ألمانية مطلعة قولها إن الأحزاب المشاركة في محادثات الائتلاف الحكومي الجديد تدرس إنشاء صندوقين -أحدهما للدفاع والآخر للبنية التحتية- بمئات المليارات من الدولارات.
وأضافت المصادر أن خبراء الاقتصاد الذين يقدمون المشورة للأحزاب التي من المرجح أن تشكل الحكومة الجديدة يقولون إن صندوق الدفاع سيتطلب نحو 400 مليار يورو (415 مليار دولار)، في حين سيحتاج صندوق البنية التحتية ما بين 400 مليار و500 مليار يورو.
وذكرت المصادر أن برلين ترى ضرورة التحرك بسرعة من أجل الإنفاق على الدفاع في ألمانيا وأوكرانيا، ولا سيما بعد المشادة الكلامية بين الرئيسين الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأميركي دونالد ترامب خلال اجتماعهما في البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي.
وذكرت تقارير صحفية أن المبالغ التي تمت مناقشتها لكل من الصندوقين "أعلى بكثير من مبلغ 100 مليار يورو المخصص للجيش، والذي حدد في العام 2022 بعد الغزو الروسي لأوكرانيا".
حكومة ائتلافيةوبدأ مسؤولون كبار من المحافظين والحزب الديمقراطي الاجتماعي في ألمانيا محادثات أولية 3 أيام لتشكيل حكومة ائتلافية على أمل أن يشكل فريدريش ميرتس زعيم تكتل المحافظين الذي تصدّر في انتخابات الأسبوع الماضي حكومة بحلول "عيد القيامة" في أبريل/نيسان المقبل.
إعلانلكن المصادر قالت إن الأحزاب تأمل أن يوافق البرلمان على إنشاء الصندوقين خلال الشهر الجاري قبل تشكيل الحكومة الجديدة.
وذكرت المصادر -التي طلبت عدم الكشف عن هوياتها- أن هذه الأحزاب هي الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي والحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي يرأسه أولاف شولتس، وأنها جميعا تعكف على دراسة التفاصيل الخاصة بالصندوقين.
وأضافت المصادر أنه لم تُتخذ قرارات نهائية بعد، ورفضت الأحزاب التعليق بسبب سرية المحادثات.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: الحزب الجديد!
ظلّت التجربة السياسية في السودان، منذ الاستقلال في العام 1956، تدور في فلك أزمات متكررة، لم يكن سببها غياب الأحزاب، بل عجزها عن تجديد مفاهيم العمل السياسي وبناء مشروع وطني جامع. فقد تنوّعت الكيانات وتعدّدت الأسماء، لكن كثيرًا منها ظلّ أسير الأجندات الضيّقة وواجهة لصراعات النخب الفاشلة.
في هذا السياق، لا يكفي تأسيس حزب جديد كـ “حزب الكرامة” أو غيره لتجاوز الانسداد في الأفق السياسي ، ما لم يُبنَ على وعيٍ بطبيعة الدور الحزبي نفسه: من يُمثّل هذا الحزب؟ ماذا يُقدّم؟ وكيف يُسهم في إعادة تعريف الدولة والمجتمع؟ فالتجديد المطلوب اليوم ليس في الشكل، بل في الرؤية، والوظيفة، والمفاهيم.
رئيس تحرير صحيفة “المجهر السياسي”، الهندي عز الدين، كتب بالأمس معلّقًا على هذا الاسم في منصة “إكس”، مُبديًا تحفّظه على رمزية “الكرامة”، التي يرى أنها ارتبطت وجدانيًّا بعملية عسكرية “معركة الكرامة”، اشترك فيها الشعب السوداني، لكنها ليست إطارًا سياسيًّا يمكن البناء عليه لمشروع حزبي طويل الأمد. إلا أنه لم يناقش الموضوع . في هذا المقال نحاول مناقشة جوهر الفكرة بعيدًا عن التشكيك في دوافع من يقف خلفها، سواء من رجال أعمال أو قيادات سياسية أو ناشطين.
عليه دعونا نطرح سؤالًا تأسيسيًّا: هل نحن بحاجة إلى قيام “حزب جديد”، أم إلى إعادة تعريف جوهر الفكرة الحزبية والسياسية في السودان؟
بالنظر إلى الواقع السياسي الذي تعيشه بلادنا منذ سنوات، وما تشهده الساحة من ارتباك عميق في المفاهيم والولاءات، إلى جانب بعض الممارسات الحزبية التي ترقى إلى مستوى خيانة الوطن؛ فالأحزاب التقليدية، رغم إرثها التاريخي، باتت عاجزة عن التجديد، بينما تتكاثر أخرى بلا هوية، وغالبًا ما تتأسّس وفق منطق المكايدة أو الطموح الشخصي، لا وفق برنامج سياسي جاد يعكس تطلّعات الشارع ويترجم أولويات المرحلة.
إن تأسيس حزب حقيقي في هذا الظرف يتطلّب ما هو أعمق من اختيار اسم جاذب أو شعار طَموح؛ يتطلّب أولًا إعادة تعريف مفهوم الحزب باعتباره أداة ديمقراطية لصياغة الإرادة الجماعية، لا وسيلة لتكريس المصالح أو تحصيل المكاسب الضيّقة.
إذا لم تتحرّر الأحزاب، القديمة والحديثة، من منطق التوظيف السياسي والمادي، ستبقى أسيرة أدوارها الوظيفية في صراعات عبثية تُعيد إنتاج الفوضى بدل أن تُنتج مشروعًا وطنيًّا جامعًا. لقد تحوّل العمل الحزبي في بلادنا إلى فضاء تغلب فيه الحسابات الشخصية والانتماءات الضيّقة على الرؤية الوطنية الجماعية، مما عطّل قدرتها على بناء مؤسسات تعبّر بصدق عن هموم الناس وتحوّل تطلّعاتهم إلى سياسات واقعية منتجة و فاعلة.
المواطن السوداني لم يعد يبحث عن زعيم مُلهم أو شعار براق، بل عن حزب يمتلك برنامجًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا واضحًا يعالج أزمات المعيشة، والخدمات، والعدالة الاجتماعية. وتُثبت تجارب إقليمية أن الأحزاب التي تقوم على برامج لا على شعارات هي التي أحدثت التحول المنشود. ففي تركيا، مثّل حزب العدالة والتنمية نموذجًا لحزب انطلق من برنامج إصلاحي مكّنه من التدرّج من المعارضة إلى الحكم. وفي رواندا، قادت الجبهة الوطنية بقيادة بول كاغامي نهضة شاملة في بلد خرج من جحيم الإبادة عبر خطاب وطني ومشروع تنموي صارم.
هذه النماذج تؤكد أن الحزب ليس مجرد وعاء تنظيمي، بل أداة لتجسيد إرادة جماعية ومشروع لبناء الدولة. ومن هنا، فإن إعادة هيكلة المشهد الحزبي في السودان لا تتطلّب مزيدًا من الكيانات، بل اندماجًا عقلانيًّا وفق المشتركات الفكرية والرؤى العملية.
المطلوب ليس تعدّد اللافتات، بل وجود ثلاثة أو أربعة أحزاب قوية تُمثّل التيارات الكبرى: الإسلامي، الليبرالي، القومي، اليساري، وتضم تحت مظلّتها الحركات والتيارات عبر برامج واضحة، لا تحالفات ظرفية أو انتهازية.
من أبرز معوّقات تطوّر الأحزاب السودانية استمرار الارتهان لنموذج “الزعيم الأوحد”، الذي يُختزل فيه العمل السياسي في شخصية فردية ترتبط غالبًا برمزية تقليدية أو تاريخية. هذا النموذج لم يعد ملائمًا لواقع السودان الراهن، في ظل تنوّع المجتمع وتباين قدرات النخب. فالعالم تجاوز فكرة “القائد الملهم” إلى نمط القيادة الجماعية المؤسسية، التي تقوم على توزيع المسؤوليات والعمل التشاركي.
هذا النموذج أكثر واقعية أمام تعقيد الأزمات، وأكثر انسجامًا مع الديمقراطية، وأقدر على إنتاج حلول قابلة للتنفيذ، كما يُحصّن الحزب من التبعية الخارجية. ومن هنا ينبغي أن تكون القيادة الجماعية والشورى الفاعلة جوهر أي مشروع حزبي جاد، بعيدًا عن الهياكل السلطوية التي تعيد إنتاج الفشل.
وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن اللحظة السياسية الراهنة تستدعي من النخب الجادة إعادة تعريف العمل الحزبي، لا كوسيلة للوصول إلى السلطة، بل كمنصّة لإنتاج مشروع وطني جامع. فالحزب الذي لا يتجاوز منطق الزعامة والشللية، ولا يمتلك برنامجًا متكاملًا، يبقى عبئًا لا أداة للتغيير. بدون هذا التغيير الجوهري في الفهم، لن تتجاوز الأحزاب في السودان حالة التجزئة والتخبط، وسيظلّ حلم دولة المواطنة والتنمية والعدالة حلمًا بعيد المنال.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الأربعاء 11 يونيو 2025م Shglawi55@gmail.com