القطاع العقاري تحت المجهر
تاريخ النشر: 3rd, March 2025 GMT
سالم البادي (أبو معن)
لم يكن سوق العقار أفضل حالًا مما كان عليه في السابق، فما زلنا نُسلط الضوء على القطاع العقاري عبر وسائل الإعلام المختلفة، وعبر اللقاءات المباشرة مع الجهات المعنية، فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، مردفين بمقترحات جمة ترفع من مستوى القطاع العقاري وتحسن من أوضاعه، وتنعشه من سباته وتزيد من حركة تداولاته العقارية، ولكن للأسف الشديد تلك الجهود تذهب هباءً منثورًا تذروه الرياح وليس لها آذان صاغية ولا ردة فعل إيجابية من قبل الجهات المعنية بشأن القطاع العقاري.
وإن كان هناك من حراك ومبادرات وخطط لتطويره وإنعاشه من قبل الجهات المختصة خلال الفترة السابقة، فإنها للأسف لا ترقى للمستوى المطلوب الذي يمكن القطاع من أداء دوره البارز في رفع كفاءته واستدامته.
القطاع العقاري ما زال على حاله المتردي يترنح تارة ويتدهور تارة أخرى، والجميع يعلم أن قطاع العقارات في جميع دول العالم هو القاعدة الأساسية لنهضتها وارتفاع اقتصاداتها.
وهنا نُعرِّج إلى تساؤلات بعض المُهتمين بالقطاع العقاري والمستثمرين؛ هل سوق العقار بالسلطنة يلبي طموحات الحكومة والمستثمرين والعاملين فيه؟ هل سوق العقار بالسلطنة بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي؟ متى يصبح القطاع العقاري قادرا على استيعاب أعداد كبيرة من الباحثين عن عمل؟ وما الآلية؟ هل زادت نسبة مساهمة القطاع العقاري في الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الخمس الماضية؟ هل سوق العقار بالسلطنة قطاع يعتمد عليه في الحفاظ على الأموال؟ هل يستطيع سوق العقار رفد خزينة الدولة بالمليارات بوضعه الحالي ليصبح أكبر القطاعات مساهمة في الناتج القومي؟ هل القطاع العقاري بيئة محفزة للأعمال؟
وردًا على ما جاء أعلاه نوجز أهمية ودور القطاع العقاري، نقول إن ارتفاع سوق العقار يعني ارتفاع مستوى دخل الفرد وزيادة الدخل القومي.
وقطاع العقار قادر على استيعاب مئات الآلاف من الباحثين عن عمل، إذا ما تم تنظيمه واستغلاله جيدا وتوفير مئات الوظائف المختلفة بالقطاع مثل: مدير مكتب عقاري، مدير أملاك، مدير مرافق، مدير مزاد، مقيم مزاد، مستشار عقاري، محلل عقاري، وسيط عقاري، مسجل عقاري، مدير جمعية ملاك، ومدير عقار مشترك، مثمن عقاري، مندوب مبيعات عقارية، مسوق منتجات عقارية، فني عقاري، وكيل عقاري، مطور عقاري، معاين عقاري.... إلخ.
ولا شك أن تعديل أوضاع العاملين بالقطاع هو تحسين ورفع لمستوى المعيشة لفئة كبيرة من المواطنين، كما إن القطاع العقاري يمثل القاعدة الأساسية والعمود الفقري للاقتصاد الوطني ولا يمكن تجاهله وإهماله.
وسوق العقارات مرتبط ارتباطا قويا وفعالا ومؤثرا بسوق المال ولا يمكن فك ارتباطه. والقطاع العقاري هو الشريان الحقيقي للبنى الأساسية لمختلف القطاعات الحيوية.
وانتعاش السوق العقاري ينعكس على زيادة رفاهية المواطن والمقيم والمستثمر، علاوة على أن تعافي القطاع العقاري هو تعافٍ لبقية القطاعات مثل قطاع السياحة والزراعة والتجارة والصناعة وغيرها.
ومن المؤكد أن إصدار اللائحة التشريعية والتنظيمية للقطاع العقاري بمثابة زيادة الثقة فيه والإقبال عليه من قبل المستثمرين والعاملين. وزيادة التداولات العقارية تعد مؤشرا ايجابيا لرفد خزينة الدولة، وعاملا محفزا للمستثمرين.
ويمكن القول إن استمرار حركة القطاع العقاري له تأثير كبير في أسعار المساكن والإيجارات، كما إن ارتفاع حركة سوق العقار بمثابة نمو للحركة المصرفية وزيادة للسيولة النقدية وانتعاش لشركات التأمين والتمويل.
وقطاع التجزئة يعد محفزا لتنمية القطاع العقاري ويساهم في استقرار أسعار السوق، والعمل في القطاع العقاري أحد أسباب بناء الثروات.
ونؤكد كذلك أن الاستثمار في سوق العقار من أكثر أشكال الاستثمار شيوعًا وجاذبية في العالم، حيث يتمتع السوق بسمعة قوية كأداة استثمارية آمنة ومربحة على المدى الطويل.
والعقارات المستدامة تساهم في تعزيز سمعة المطورين والمستثمرين، كما إن القطاع العقاري المستدام يحقق التوازن البيئي والاقتصادي.
والاستثمار في القطاع العقاري المستدام يعد التزامًا بالمسؤولية الاجتماعية ويسهم في تحسين جودة الحياة وصحة السكان.
لكن في المقابل، هناك أسباب لتأثير القطاع العقاري في نمو الاقتصاد، وهي:
أولاً: يعد سوق العقارات أكبر رافد للاقتصاد الوطني ويسهم بنسبة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي.
ثانياً: يوفر القطاع فرص عمل كثيرة في سوق العقار والقطاعات المرتبطة به كالتجارة والصناعة والسياحة...الخ.
ثالثاً: زيادة نشاط القطاع العقاري عامل مؤثر كبير في جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة.
رابعًا: القطاع العقاري عامل مؤثر في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحسين وارتفاع مستوى المعيشة للفرد.
خامسًا: قطاع العقارات عامل مهم في زيادة نشاط قطاع الانشاءات ومرتبط به ارتباط وثيق، فهما قطاعان توأمان لا ينفصلان، ومؤثران تأثيرا كبيرا في تحسين الاقتصاد.
وإذا ما ارتأينا ذكر العوامل المؤثرة في قطاع العقار، فمن الممكن العمل على التغييرات والتعديلات في القوانين والأنظمة واللوائح والتشريعات العقارية؛ بما فيها الضرائب والرسوم، لها تأثير كبير وعامل مهم في زيادة وتنشيط حركة السوق.
وإطلاق البرامج والمبادرات الحكومية التي تهدف إلى دعم قطاع العقارات، مثل تقديم تسهيلات للمشترين والمستثمرين وفتح برامج تمويل ميسر، تسهم في تحفيز السوق.
والسماح للأجانب بتملك العقارات في بعض المخططات والمناطق غير المحظورة، وتعديل بعض قوانين التملك للأجانب لزيادة وتحفيز وجذب الاستثمارات الأجنبية.
وزيادة الاهتمام بالعقارات الصديقة للبيئة وتوافر المساحات الخضراء وتطوير البنية الأساسية لها دوراً كبيراً في تحديد قيمتها والإقبال عليها.
التكنولوجيا الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، تلعب دوراً متزايداً في تحليل السوق وتوقعاته، مما يسهم في اتخاذ قرارات استثمارية أكثر دقة.
ونشر منصات التسويق العقاري عبر الإنترنت تسهل عملية البحث والشراء والبيع، مما تؤثر على ديناميكية سوق العقار.
وتنفيذ برامج التنمية العمرانية المستقبلية والتخطيط السليم لتحسين البنية الأساسية وتوفر الخدمات في المخططات تؤثر بشكل كبير على توقعات السوق العقاري.
والتركيز على تحسين وتطوير الخدمات والمرافق في المخططات والمناطق له تأثير كبير في ارتفاع الطلب عليها، مع الأخذ بأهمية استكمال إيصال جميع الخدمات الأساسية الضرورية للأراضي والمخططات (طرق- شبكات الكهرباء والماء- الصرف الصحي- الاتصالات- الألياف البصرية- الإنارة) قبل توزيعها على مستحقيها.
والتركيز في مشاريع كبيرة، مثل انشاء المدن الذكية والمشاريع السياحية الكبرى في مختلف المحافظات تسهم في زيادة الإقبال عليها، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار والطلب.
وإطلاق المؤشر العقاري يعطي أكثر مصداقيه ووضوح ويعطي انطباعا إيجابيا وثقه كبيرة لدى المستثمرين المحليين والوافدين والتزاما للعاملين بالقطاع.
إنّ جميع حقوق المواطن؛ سواء أكانت مدنية أم سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية، مترابطة مع بعضها البعض لا يمكن فصلها؛ فعلى سبيل المثال، غالبًا ما يواجه بعض المواطنين صعوبة في الحصول على الأرض أو المسكن الملائم أو حتى التأخير في الحصول على القرض الإسكاني، وهذا يقع على عاتق مؤسسات الدولة لتسريع وتيرة توفير المسكن المناسب للمواطن. فكما وفرت الدولة للمواطن التعليم والصحة، فمن التزاماتها الضرورية كذلك توفير المسكن الآمن والعيش الكريم، ليهنأ المواطن بحياة كريمة في النهضة المتجددة لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بين الإنجازات والانتهاكات.. أداء جهاز الأمن السوري تحت المجهر
مع دخول سوريا مرحلة سياسية جديدة بعد سقوط النظام المخلوع، برز جهاز الأمن العام، الذي أعيدت تسميته بعد إعادة هيكلة لقوى الأمن والشرطة ليصبح "الأمن الداخلي"، كواحد من أبرز المؤسسات التي أنيط بها حفظ الأمن والاستقرار في ظل تحديات داخلية وخارجية معقدة.
وقد شكل الزج بهذا الجهاز في المحافظات السورية المختلفة، بعدما كان يعمل في إدلب فقط في ظل حكومة الإنقاذ، خطوة ضرورية لتنظيم المشهد الأمني في مرحلة انتقالية شديدة الحساسية، وجاء في لحظة فراغ كان من شأنه أن يهدد بتفكك الدولة والمجتمع معا.
ومنذ اللحظة الأولى، وجد الجهاز نفسه أمام اختبارات صعبة، تتعلق بكيفية تحقيق الأمن من جهة، وبناء علاقة جديدة مع الشارع السوري من جهة أخرى، في ظل إرث ثقيل من انعدام الثقة بين المواطن والأجهزة الأمنية.
وتتعدد وجهات النظر حول أداء الأمن الداخلي بين مؤيدين يرون فيه صمام أمان ضروري، وناقدين يرون أن الانتهاكات ما زالت حاضرة رغم تبدل الوجوه.
يحاول هذا التقرير تسليط الضوء على أداء هذا الجهاز، كاشفا حدود قوته ونقاط ضعفه، ومجيبا عن سؤال: هل يمكن لهذا الجهاز أن يرسخ الأمن بعيدا عن الانتهاكات والتجاوزات؟
منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في أواخر عام 2024، تواجه سوريا الجديدة واقعا أمنيا معقدا يتطلب استجابة فورية ومستمرة. فقد وجدت الحكومة الانتقالية نفسها أمام سلسلة من التحديات الثقيلة، أبرزها داخليا التعامل مع فلول النظام السابق الذين ما زالوا يهددون الاستقرار عبر هجمات مسلحة أو محاولات تخريبية، فضلا عن خلايا تنظيم الدولة.
ويضاف إلى ذلك التوترات التي تخلقها المليشيات المحلية الخارجة عن السيطرة، كما تجلى في أحداث الساحل والسويداء، أما على الصعيد الخارجي فتبرز التحديات الإقليمية، وفي مقدمتها التهديد الإسرائيلي المتكرر.
إعلانوفي محاولة لتدارك الفراغ الأمني بعد سقوط النظام، فتحت وزارة الداخلية باب الانتساب إلى جهاز الأمن العام خلال أقل من أسبوعين، مما أدى إلى انضمام آلاف العناصر الجدد بسرعة ومن دون إجراءات فرز دقيقة.
ويصف الباحث في الشؤون الأمنية، عمار فرهود، هذه الخطوة بأنها تحول جذري في بنية الجهاز الأمني، الذي بات يضم أطيافا بشرية متعددة، بعضها يحمل ولاءات أو أجندات لا تنسجم مع أهداف المؤسسة.
ويؤكد فرهود، في حديثه للجزيرة نت، أن هذا التنوع رغم ضرورته في المرحلة الانتقالية، خلق فجوات في الانسجام والانضباط، وأدى إلى تسلل عناصر سعت لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب الاستقرار العام، في مقابل وجود عناصر منضبطة ومؤمنة بالقيم المؤسسية التزمت بأداء مهني في مختلف المناطق، وأسهمت في فرض النظام والتصدي لمحاولات التخريب.
نجاحات ميدانيةرغم التحديات البنيوية وواقع التأسيس في بيئة هشّة أمنيا، استطاع جهاز الأمن الداخلي في سوريا الجديدة أن يثبت حضوره كقوة ضابطة للمشهد الداخلي، وحقق خلال أشهر قليلة إنجازات ميدانية لافتة في مواجهة التهديدات المتنوعة التي واجهت البلاد.
على رأس هذه الإنجازات برز الدور المحوري للجهاز في ملاحقة فلول النظام السابق الذين انخرطوا في أنشطة مسلحة تهدف إلى زعزعة الاستقرار، خصوصا في مدن الساحل السوري.
فقد خاضت وحدات الأمن مواجهات عنيفة خلال حملة مارس/آذار 2025 في محافظات ومدن اللاذقية وطرطوس وجبلة، أسفرت عن تفكيك عشرات الخلايا المسلحة المرتبطة بأجهزة النظام المنهار، ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر كانت مخزّنة في الجبال والمناطق الريفية.
لكن هذه المواجهات جاءت بتكلفة بشرية باهظة؛ إذ دفع الأمن العام ثمنا كبيرا في معركة تثبيت الأمن، حيث بلغ عدد قتلى الجهاز في معارك الساحل وحدها 238 عنصرا بحسب تقرير اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق.
وفي الجنوب، خلال أحداث السويداء التي اندلعت في يوليو/تموز، إثر مواجهات طائفية بين مجموعات مسلحة محلية، خسر الجهاز مئات من عناصره خلال محاولات فرض الاستقرار ومنع تفكك الوضع الأمني.
إلى جانب هذا، واصل الأمن العام جهوده في محاربة خلايا تنظيم الدولة. وقد نُفذت عمليات نوعية، أبرزها مداهمة في مدينة حلب منتصف مايو/أيار 2025، أسفرت عن مقتل واعتقال عدد من عناصر التنظيم، وضبط عبوات ناسفة وأحزمة متفجرة، كانت معدّة لاستهداف المدنيين في مناطق مزدحمة.
وفي السابع من أغسطس/آب أعلنت قيادة الأمن الداخلي في إدلب أن وحدة المهام الخاصة التابعة لها تمكنت من إلقاء القبض على خلية تابعة لتنظيم الدولة، متورطة في اغتيال 5 أشخاص من الجنسية العراقية.
وأحبط الجهاز بالتعاون مع المخابرات العامة محاولة تفجير في مزار السيدة زينب جنوب دمشق، ما عزز من ثقة الشارع بقدرة المؤسسة على درء التهديدات عالية الخطورة.
وفي ملف مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة، برز الجهاز كأحد الأذرع النشطة في تفكيك شبكة الكبتاغون التي راكمها النظام السابق طوال سنوات، وقد أعلن مدير إدارة مكافحة المخدرات عن ضبط 13 مستودعا لإنتاج المواد المخدرة، ومصادرة نحو 320 مليون حبة كبتاغون كانت معدّة للتهريب.
إعلانوفي أواخر يوليو/تموز نفذت القوى الأمنية عملية أمنية نوعية أسفرت عن ضبط مليون و350 ألف حبّة مخدّرة من نوع "كبتاغون"، كانت معدّة للتهريب خارج البلاد، وذلك بالتعاون والتنسيق مع وزارة الداخلية العراقية.
وفي هذا السياق، يشير الباحث في الشأن الأمني عمار فرهود إلى أن هذه النجاحات تحققت بفضل العناصر المنضبطة داخل الجهاز، التي تنتمي في معظمها إلى خلفيات ثورية أو أمنية محترفة، وانتقلت من مناطق شمال سوريا للعمل تحت مظلة الدولة الجديدة.
ويؤكد فرهود أن هذه الكوادر لعبت دورا أساسيا في ترسيخ صورة مهنية لجهاز الأمن العام، واستعادت جزءا من ثقة المجتمع التي كانت قد تآكلت خلال سنوات القمع الأمني في عهد الأسد.
تجاوزات وانتهاكات تحت المجهررغم ما تحقق من نجاحات ميدانية لجهاز الأمن، فإن سلوك بعض العناصر الأمنية أثار موجة من القلق الشعبي والحقوقي، خاصة بعد توثيق انتهاكات طالت المدنيين في مناطق حساسة مثل الساحل والسويداء.
وقد طرحت هذه التجاوزات تساؤلات جدّية حول الانضباط المؤسسي داخل الجهاز، ومدى فاعلية القيادة في ضبط عناصره في لحظات التوتر والانفلات. ففي الساحل السوري مثلا، حيث اندلعت في مارس/آذار 2025 مواجهات عنيفة ضد فلول النظام السابق، لم تخلُ العمليات الأمنية من تجاوزات مؤلمة.
وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر بعد الحملة مقتل ما لا يقل عن 420 شخصا من المدنيين والمسلحين منزوعي السلاح، من بينهم 39 طفلا، و49 سيدة، و27 من الكوادر الطبية. ووجهت الشبكة الاتهام إلى من وصفتهم بـ"الفصائل والتنظيمات غير المنضبطة"، والتي تتبع شكليا لوزارة الدفاع.
وأكدت مصادر محلية في مدينة السويداء للجزيرة نت أن القوات التي دخلت مدينة السويداء في الأيام الأولى للاشتباكات كانت خليط من الفصائل العسكرية التابعة لوزارة الدفاع ومن عناصر الأمن الداخلي، وبحسب هذه المصادر فإن التمييز بين العناصر كان صعبا بسبب عدم وجود لباس خاصة بكل فئة.
من جهتها أفاد تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها يوم 22 يوليو/تموز أن سكان بعض المناطق في السويداء أفادوا بوجود أعمال نهب وحرق للمنازل واعتداءات طائفية وإعدامات تعسفية ارتكبتها قوات تابعة لوزارة الداخلية ووزارة الدفاع السورية، أثناء دخول لفرض الأمن على حد قول المنظمة الحقوقية.
ويعود جزء كبير من هذه الانتهاكات إلى الشحن الطائفي والإثني المكثف على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي غذّى مشاعر الكراهية وساهم في تفلّت بعض العناصر من ضبط النفس، وذلك بحسب الخبير العسكري العقيد فايز الأسمر.
ويربط الأسمر في حديثه للجزيرة نت هذه السلوكيات بضعف في التأهيل والتدريب والانضباط القيادي، مشيرا إلى أن بعض العناصر التي تم قبولها بعد سقوط النظام دخلت إلى صفوف الأمن من دون تدقيق حقيقي في خلفياتها أو جاهزيتها المهنية، ما أوجد ثغرات أمنية وسلوكية واضحة.
من جانبه، يفسّر الباحث الأمني عمار فرهود هذه التجاوزات بأن بعض العناصر الأمنية المنضمة حديثاً لجهاز الأمن الداخلي تعامل مع الجهاز كأداة نفوذ، لا كمسؤولية وطنية، ما انعكس في سلوكيات قائمة على الابتزاز وتصفية الحسابات مع المدنيين أو الخصوم المحليين.
ويدعم هذه المخاوف ما وثقته الشبكة السورية لحقوق الإنسان من انتهاكات أوسع نطاقا، شملت مقتل 50 مدنيا -بينهم أطفال ونساء- على يد عناصر الأجهزة الأمنية، ووقوع 192 حالة اعتقال تعسفي خلال النصف الأول من عام 2025.
ورغم تأكيد الحكومة على أنها أفرجت عن أعداد كبيرة من الموقوفين، إلا أن تقارير المنظمات الحقوقية ما زالت تشير إلى وجود حالات تعذيب واحتجاز خارج القانون، ما يعيد إلى الذاكرة ممارسات القبضة الأمنية التي كانت سائدة في عهد النظام السابق.
إعلانحادثة اقتحام منزل الشاب عبد القادر ثلجي في حي المزة بدمشق أواخر يوليو/تموز الماضي، كانت من أبرز الأمثلة على هذا التوتر في العلاقة بين المواطن وجهاز الأمن.
فقد أظهرت تسجيلات مصوّرة -انتشرت على نطاق واسع- عملية المداهمة العنيفة التي رافقها إطلاق نار وترهيب لأفراد العائلة، من دون وجود مبرر قانوني واضح، مما فجّر موجة من الغضب الشعبي ودفع وزارة الداخلية إلى إصدار بيان اعتذار وفتح تحقيق فوري في الحادثة.
ويرى محللون أن استمرار هذه الذهنية، حتى لو كانت محدودة، يهدد الثقة المجتمعية التي بدأت تتشكل حيال الجهاز، ويضعف فرص بناء عقد اجتماعي جديد يقوم على العدالة وسيادة القانون.
جهود الإصلاح وتطمينات رسمية
أطلقت وزارة الداخلية سلسلة من الإجراءات التنظيمية تمثلت في إعادة هيكلة الجهاز الأمني، ودمج قوى الأمن العام والشرطة في كيان موحد تحت اسم "قيادة الأمن الداخلي"، بهدف توحيد الصلاحيات، وتعزيز القدرة على الضبط والمساءلة.
كما استُحدثت إدارات جديدة لتلقي شكاوى المواطنين ومتابعة التجاوزات، من بينها دوائر مركزية مختصة بالشكاوى، بالإضافة إلى منصة إلكترونية تهدف لتسهيل الإبلاغ عن أي مخالفات يرتكبها عناصر الأمن أو الشرطة، وفق ما أعلن المتحدث باسم الوزارة نور الدين البابا في يونيو/حزيران الماضي.
من جهته، شدد وزير الداخلية أنس خطاب في أكثر من مناسبة على أن وزارته عازمة على تغيير الصورة الذهنية السلبية المرتبطة بالمؤسسة الأمنية منذ عهد النظام السابق، وهي صورة ارتبطت بالخوف والسلطة المطلقة.
وأشار خطاب إلى أن الوزارة تعمل على تحسين معايير الانتقاء والتدريب والانضباط، وتستعين بكفاءات وطنية من الضباط المنشقين وذوي الخلفيات القانونية والأكاديمية، في محاولة لإعادة بناء الهرم القيادي للجهاز الأمني على أسس مهنية حديثة.
ومن أبرز الخطوات الرمزية التي اتخذتها الوزارة، توقيف رئيس دورية أمنية وعناصرها على خلفية اقتحامهم منزل الشاب عبد القادر ثلجي في دمشق بطريقة غير قانونية، إضافة إلى توقيف عدد من عناصر الأمن في مدينة حماة في السادس من أغسطس/آب بسبب مخالفات مسلكية بحسب ما أعلن قائد شرطة حماة العميد ملهم محمود الشنتوت.
ولم تقتصر مواقف الحكومة على وزارة الداخلية، بل شملت رأس الدولة، ففي خطاب متلفز أعقب أحداث الساحل، تعهد الرئيس أحمد الشرع بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات وشكل لجنة للتحقيق فيها.
كما أدانت الرئاسة السورية رسميا في بيان أعقب أحداث السويداء الانتهاكات التي وقعت هناك، مؤكدة أن "أي جهة مسؤولة عن هذه الأعمال، سواء كانت فردية أو منظمات خارجة عن القانون، ستتعرض للمحاسبة القانونية الرادعة، ولن نسمح بمرورها من دون عقاب".
ورغم أن هذه الخطوات لا تزال في طور التأسيس، إلا أن مراقبين يرون فيها محاولة جادة لتقويم أداء الجهاز الأمني وإعادة بنائه على قواعد قانونية ومجتمعية أكثر متانة.
وهذا ما يؤكد عليه الباحث عمار فرهود بالقول إن بعض الإصلاحات بدأت تعكس نفسها على الأرض، خصوصا من خلال إتاحة قنوات للتواصل بين المواطن والمؤسسة الأمنية، وظهور خطاب رسمي يعترف بوجود تجاوزات ويعد بمحاسبة مرتكبيها.
غير أن التحدي الأكبر -بحسب محللين- لا يكمن فقط في سنّ التعليمات، بل في القدرة الفعلية على تنفيذها بصرامة، وفصل العناصر المنفلتة، وإعادة تشكيل الثقافة الأمنية من داخل الجهاز، بحيث تكون قائمة على الشراكة مع المجتمع لا التسلط عليه.
فالوصول إلى الأداء المنشود يتم عن طريق الإعداد الفكري والمهني لعناصر الأمن الداخلي ومن خلال صياغة عقيدة أمنية للمؤسسات الأمنية السورية، بحسب الباحث في الشؤون الأمنية لورانس الشمالي.
وإلى جانب هذه العقيدة الأمنية يشير الباحث الشمالي في حديثه للجزيرة نت أنه لا بد من وجود قيادة مؤهلة، وعناصر مدربة ومنضبطة، لكي تؤدي كلمة "الأمن" المعنى المطلوب منها لدى المجتمع، وليس المدلول القمعي الذي رافق المؤسسة الأمنية طيلة فترة حكم الأسدين.