ما زال زيلينسكي يغرق في أوهامه
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
آخر تحديث: 6 مارس 2025 - 11:08 صبقلم: سمير عادل قال جوزيف غوبلز، وزير الدعاية في عهد هتلر (1933 – 1945): “اكذب، ثم اكذب، ثم اكذب، حتى يصدقك الآخرون.” هذا تماما ما فعله التحالف الغربي، بدءا من جو بايدن الرئيس الأميركي السابق، وإيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي، وأولاف شولتز المستشار الألماني، وبوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني السابق، مرورا بخلفه ريشي سوناك، عندما صوّروا وروّجوا للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على أنه البطل الذي يدافع عن قلعة الديمقراطية الغربية، متصدّيا لما سمّوه “الإمبريالية الروسية” وأحلام زعيمها فلاديمير بوتين.
بل إن زيلينسكي نفسه صدّق هذه الأكذوبة، فبات يرى أنه هو من حمى أوروبا من الغزو الروسي، بل وأكثر من ذلك، قال للرئيس الأميركي دونالد ترامب إن المحيطات بين أميركا وروسيا لن تحمي الولايات المتحدة من روسيا، مما أثار غضب ترامب. كثيرون هم الذين نفخ الغرب في صورتهم، محوّلا إياهم إلى نمور من ورق، لتمرير مشاريعه الجهنمية على حساب أمن ومعيشة وكرامة الطبقة العاملة والجماهير الكادحة في بلدانهم، بدءا من ليش فاليسا في بولندا، وميخائيل غورباتشوف وبوريس يلتسين في روسيا، وأحمد الجلبي وإياد علاوي ونوري المالكي عرابي الغزو واحتلال العراق، وكذلك أشرف غني الرئيس الأفغاني الهارب، ومحمد رضا بهلوي شاه إيران، وحسني مبارك، والقائمة تطول ولا تنتهي. الدفاع الأوروبي الذي هو في الأساس ظاهري عن الرئيس الأوكراني زيلينسكي، بعد أن حطّم دونالد ترامب ونائبه جي دي فانس صورته أمام العالم، في اللقاء الأخير الذي جمعهم في البيت الأبيض، لا ينبع من حرصهم على أوكرانيا وسيادتها أو عدالة قضيتها، فهذا آخر ما يشغل بال زعماء الدول الأوروبية. بل يعود ذلك إلى سببين رئيسيين: أولا، لم يكن في حسبانهم أن يضعهم ترامب بهذه السرعة أمام أمر واقع، يتمثل في إنهاء الحرب في أوكرانيا وتتويج بوتين بطلا لها، محققا بذلك جميع الأهداف الروسية من الغزو. لقد تجاهلت إدارة ترامب تماما المصالح الأوروبية، وتركتهم بلا وقت كافٍ لإعادة ترتيب أوراقهم مع الكرملين، أو حتى حفظ ماء وجوههم. ثانيا، محاولة إظهار الوحدة بين القادة الأوروبيين، وإن كانت هشة، وحتى إن كانت شكلية ودعائية، هي في الحقيقة لمواجهة سياسة ترامب الحمائية، وابتزازه السياسي والمالي لإبقاء الولايات المتحدة ضمن حلف الناتو. الضجيج الإعلامي الذي يثيره ماكرون وكير ستارمر رئيس الوزراء البريطاني وشولتز وجورجيا ميلوني رئيسة وزراء إيطاليا ليس سوى محاولة يائسة لكسب الوقت والخروج من المأزق الذي وضعتهم فيه الإدارة الأميركية. وكما خضع القادة الأوروبيون في الاتحاد الأوروبي تدريجيا لسياسة الحرب التي فرضتها إدارة بايدن وحكومة جونسون في بداية الغزو الروسي لأوكرانيا – سواء عبر تشديد العقوبات، أو تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، أو تقديم الدعم المالي والعسكري لكييف، أو حتى التغاضي عن تفجير خط السيل الشمالي 2 – فإنهم اليوم يبحثون عن إعداد سيناريو مشابه، ولكن في الاتجاه المعاكس، بهدف النزول من الشجرة التي صعدوا عليها عنوة بدفع من إدارة جو بايدن. إن معضلة الاتحاد الأوروبي وقادته فاقدي البصيرة تكمن في انعدام الأفق السياسي أمامهم، خاصة مع المأزق الذي وجدوا أنفسهم فيه، والمستنقع الذي غرقوا فيه، والذي يُدعى أوكرانيا. ومع هذا فإن القصة تتجاوز أوكرانيا بكثير؛ إنها قصة ما بعد اليوم التالي لانتهاء الحرب. فالطرف الذي ينتصر في أوكرانيا هو من سيرسم الملامح السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية للقارة الأوروبية، تماما كما حدث عقب الحرب العالمية الثانية، عندما كان انتصار الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي كفيلا بإعادة تشكيل أوروبا، حيث تقاسما النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري. إلا أن الفارق الجوهري اليوم هو غياب أيّ مشروع أميركي مماثل لخطة مارشال، بينما تتقدم الإمبريالية الروسية وحدها لتكون لاعبا رئيسيا في رسم مستقبل أوروبا السياسي. وعلى عكس أوروبا، فإن الأفق واضح تماما أمام الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة، التي يقودها اليوم دونالد ترامب، حيث تعتبر أوروبا مجرد تابع، ولا ترى مانعا في تسليم أمنها لروسيا في مقابل تحقيق هدفها الأسمى: فصلها عن الصين، والانفراد بمواجهتها واحتوائها باعتبارها العدو الرئيسي للولايات المتحدة. أما زيلينسكي، فقد ضحى بأمن الشعب الأوكراني وسلامته، مقدما الآلاف من الشباب الأبرياء قرابين لمشروعه القومي الزائف، الذي لم يكن سوى واجهة لمصالح الإمبريالية الأميركية. السيادة التي تبجح بها، والتي ساق من أجلها المجتمع الأوكراني وبنيته الاقتصادية نحو محرقة الحرب، ها هو اليوم يقدّمها على طبق من فضة للإمبريالية الأميركية، عبر السماح لها بالاستحواذ على ثروات أوكرانيا تحت غطاء زائف من “الضمانات الأمنية” التي لم ولن يحصل عليها، سواء من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي إلا بصيغة تعهد من قبل روسيا كما كان في اتفاقات “مينسك 1″ و”مينسك 2” اللذين ضربا بعرض الحائط من قبل التحالف الغربي وحلف الناتو. إن كراهية بوتين للينين، قائد ثورة أكتوبر 1917، والتي لا يفوّت أي مناسبة قومية دون التعبير عنها، تعود إلى أن الأخير تنازل عن مليون كيلومتر مربع من الأراضي لصالح ألمانيا وعدد من دول أوروبية أخرى من أجل إنهاء الحرب العالمية الأولى، ووضع حد لنزيف الدم. أما زيلينسكي، فقد قدم حياة شباب أوكرانيا ومستقبلهم قربانا لمصالح البرجوازية القومية الأوكرانية، وممثليها السياسيين الفاشيين الفاسدين، الذين ربطوا مصيرهم بمصالح الإمبريالية الغربية، متفوقين حتى على فاسدي العملية السياسية في العراق، الذين جعلوا أنفسهم أداة بيد البرجوازية القومية الإيرانية، مسخّرين لخدمة مصالحها وسياستها التوسعية تحت راية “ولاية الفقيه”. وتثبت مجريات الأمور في أوروبا وأوكرانيا أن مفاهيم السيادة وحقوق الإنسان والديمقراطية لا تساوي شيئا ولا تحمل أي قيمة عندما توضع في كفة الميزان أمام المعادن الأوكرانية والمصالح التوسعية للإمبريالية الروسية والأميركية والفرنسية والألمانية والبريطانية والإيطالية. إنه درس بليغ لأولئك الحمقى من السياسيين الذين يعلّقون آمالهم وأمانيهم دائما على السياسة الأميركية، وعليهم أن يتعلموا منه، ويكفوا عن الترويج لها، والكفّ عن إغراقنا بدعاياتهم الزائفة.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
زيلينسكي للجزيرة: دعم أميركا لأوكرانيا سيتراجع جراء حرب إسرائيل وإيران
كييف ـ أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن قلقه من أن يؤدي انخراط الولايات المتحدة في النزاع بين إسرائيل وإيران إلى تراجع الدعم الأميركي العسكري والسياسي لأوكرانيا في مواجهة روسيا، لافتا إلى أن دخول واشنطن في الحرب مقياس لتحديد مدى التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها.
وخلال إحاطة إعلامية في العاصمة الأوكرانية كييف، أكد زيلينسكي أن "الحرب في إيران مهمة للغاية ومقياس للكثير من الأمور"، في إشارة إلى تداعياتها المحتملة على المشهد الدولي وتوازنات الدعم الأميركي.
وأوضح زيلينسكي أن الموقف الأميركي من دعم إسرائيل في حربها على إيران يعد مؤشرا حاسما على توجهات إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وأشار الرئيس الأوكراني إلى أن واشنطن أوقفت لفترة المساعدات العسكرية والمعلومات الاستخباراتية الحيوية، في محاولة للضغط على كييف لتوقيع اتفاقية استثمار في مجال المعادن النادرة، مما اعتبره زيلينسكي "ضغطا مباشرا" على بلاده في وقت حرج من الحرب.
وربط زيلينسكي بين الهجمات الإسرائيلية على المنشآت الإيرانية والأضرار التي لحقت بأوكرانيا جراء استخدام روسيا طائرات "شاهد" الانتحارية، التي قالت كييف إن طهران زوّدت موسكو بها، بل شاركت في نقل التكنولوجيا وتدريب الكوادر.
وخلال الإحاطة، قال زيلينسكي للجزيرة "نتابع من كثب استهداف المصانع الإيرانية المُنتجة للمسيّرات، فإيران لم تكتف بتصدير السلاح، بل درّبت ونقلت كامل التفاصيل الصناعية، وقد أصبحنا هدفا مباشرا لذلك".
وأوضح الرئيس الأوكراني أن بلاده تواصلت مرارا مع طهران منذ بدء الحرب مع روسيا، مطالبة إياها بعدم دعم روسيا، لكن الإيرانيين -بحسب قوله- "لم يلتزموا بوعودهم، وتبين أنهم يواصلون التصدير وتقديم الدعم الفني".
إعلان
اصطفاف غربي
وحول الموقف من الحرب على إيران، أكد زيلينسكي تماهيه مع الطرح الأميركي والإسرائيلي برفض امتلاك طهران السلاح النووي. وقال "لا أحد يريد أن تمتلك إيران سلاحا نوويا، فذلك قد يشكل تهديدا لنا أيضا في ظل شراكاتها المتنامية مع روسيا وكوريا الشمالية".
كما عبّر عن مخاوفه من نقل إيران تكنولوجيا الصواريخ إلى روسيا بعد أن بدأت كييف تطوير أنظمة محلية مضادة للمسيرات، مما قد يدفع موسكو للبحث عن بدائل أكثر فتكا.
وفي رده على سؤال الجزيرة حول احتمال تراجع الدعم الأميركي بسبب انشغالها بالحرب على إيران، قال زيلينسكي "أتفهم أن للولايات المتحدة أولوية اليوم تتمثل بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، لكننا نتأثر مباشرة بتغيير هذه الأولويات، وقد حدث بالفعل أن حُولت دفعة كبيرة من الصواريخ المضادة للمسيرات -التي كنا ننتظرها- إلى إسرائيل بدلا من إرسالها لنا".
وأكد أن هذه الدفعة كانت ذاتها التي أشار إليها سابقا في مقابلة مع قناة "إيه بي سي" (ABC) الأميركية، وتضم نحو 20 ألف صاروخ، مضيفا أن واشنطن تتعامل وفق ما يفرضه الواقع، في حين تتعامل بلاده مع ما لديها من إمكانات.
أما بشأن مصير المفاوضات مع روسيا، فقال زيلينسكي إن "انشغال الإدارة الأميركية بالمحادثات والمواجهة في الشرق الأوسط، خصوصا من قبل الشخصيات الدبلوماسية ذاتها المنخرطة في الملف الأوكراني، قد يعرقل الحراك السياسي الجاري للتوصل إلى تسوية في أوكرانيا".
وأضاف "لا أحد يعلم إلى أين ستتجه الأمور في ظل التطورات الجديدة، لكننا ننتظر موقفا أميركيا أكثر وضوحا وضغطا لإنهاء الحرب الروسية علينا".
وفي كشف آخر خلال الإحاطة الإعلامية، اتهم الرئيس الأوكراني روسيا بالتلاعب بعمليات تبادل جثث الجنود، قائلا إن بلاده تلقت جثثا لجنود ليسوا أوكرانيين، وتم التحقق من أن بعضهم -وبينهم إسرائيلي- ألبسوا زيّا أوكرانيا قبل إرسالهم ضمن صفقات التبادل التي تمت في أعقاب اجتماعات إسطنبول الأخيرة.
وقال إن روسيا تسعى من خلال هذه الأساليب إلى "كسب الوقت وزيادة الضغط الداخلي في أوكرانيا عبر خلق حالة من الالتباس لدى العائلات المنتظرة لجثث أبنائها"، إضافة إلى استخدامها أداة دعائية لتضخيم أعداد القتلى الأوكرانيين.
وعرض زيلينسكي للجزيرة عددا من الوثائق والصور التي قال إنها تؤكد هذه المعلومات، دون السماح بنشر محتواها بسبب ارتباطها بتحقيقات جارية.
ويأتي حديث الرئيس الأوكراني في ظل تصعيد عسكري روسي غير مسبوق، كان آخره هجوم بالطائرات المسيّرة والصواريخ على العاصمة كييف يوم 17 يونيو/حزيران الجاري، أسفر عن مقتل 27 شخصا وإصابة أكثر من 150 آخرين.
كما تزامن الهجوم مع محاولات اختراق روسية على جبهات سومي وزاباروجيا وخيرسون، وسط اتهامات كييف لموسكو بمحاولة استغلال الانشغال الدولي بالحرب الإيرانية لتحقيق مكاسب ميدانية.