الثورة نت:
2025-05-15@22:59:05 GMT

الدراما والتوظيف السياسي

تاريخ النشر: 7th, March 2025 GMT

الدراما والتوظيف السياسي

 

من حيث المبدأ، لا أرى مانعاً من توظيف الفنون للغايات السياسية أو للإيديولوجيا فهذا حق لا غبار عليه وهو يندرج تحت مبدأ حرية التعبير للجماعات والكيانات، وعندي أن الانتقال إلى الفنون لبيان المحاسن والمثالب أفضل من الوقوف خلف البنادق والمتارس، بيد أن الفنون تعمل على ردم الفوارق في الغالب للوصول إلى وحدة إنسانية مشتركة وهذه هي رسالتها إن كانت تعمل خارج توجيهات الأيديولوجيات التي تتصارع للوصول إلى الأمجاد ثم تتوقف حركتها بعد بلوغ الغايات .

تستخدم الفنون على المدى الطويل لتعزيز الانتماء إلى المشروع الاجتماعي والثقافي، والى الأرض، والى التاريخ، وتظل الكثير من الأعمال الفنية خالدة في ذاكرة الأجيال المتعاقبة خاصة تلك التي تلامس القضايا الحيوية في التكوين والبناء للإنسان، وبعضها لا يكاد يتجاوز زمنه حتى تطويها الذاكرة في ملفات النسيان، وشواهد الحال كثيرة لمن يقرأ ويتابع في مجال الفنون .

وتاريخ الفنون قديم قدم الإنسان، فهو ملازم له منذ بدأ الإنسان يدب على تراب الأرض، وقد عبّر الإنسان عن نفسه بطرق وأساليب شتى عبر تاريخه على كوكب الأرض، ومع تطور الحياة تتطور تبعاً لها أساليب التعبير، فالإنسان بطبيعته يريد أن يعيش حيوات أخرى، ومن خلال الفنون والتفاعل معها يضيف الإنسان إعماراً إلى عمره، وتجارب إلى تجاربه، وبالفنون قد يجمع الأزمان، ويعتصر المكتبات في ذهنه، من خلال الصورة التي تكون ظلالا لواقعه، أو متخيلا يضاهي عوالمه النفسية والوجدانية.

فالإنسان يطمح إلى أن يكون أكثر من مجرد كيانه الفردي .. يريد أن يكون أكثر اكتمالاً، فهو لا يكتفي أن يكون فرداً منعزلاً، بل يسعى إلى الخروج من جزئية حياته الفردية إلى كلية يرجوها ويتطلبها، إلى كلية تقف فرديته بكل ضيقها حائلاً دونها، إنه يسعى إلى عالم أكثر عدلاً، وأقرب إلى العقل والمنطق، وهو يثور على اضطراره إلى إفناء عمره داخل حدود حياته وحدها، داخل الحدود العابرة العارضة لشخصيته وحدها، إنه يريد أن يتحدث عن شيء أكثر من مجرد “أنا” شيء خارجي وهو مع ذلك جوهري بالنسبة إليه، إنه يريد أن يحوي العالم المحيط به ويجعله ملك يده وهو- عن طريق العلم والتكنولوجيا – يمد هذه “الأنا” المتطلعة المتشوقة لاحتواء العالم إلى أبعد مجرات السماء والى أعمق أسرار الذرة، كما يربط – عن طريق الفن، هذه “الأنا” الضيقة بالكيان المشترك للناس، وبذلك يجعل فرديته اجتماعية.”

ولو كان من طبيعة الإنسان أن يكون فرداً مجرداً، لما كان لهذه الرغبة معنى ولا مضموناً، لأن الإنسان الفرد يكون في هذه الحالة” كلاً” قائماً بذاته، كلاً مكتملاً، يحوي كل ما يستطيع أن يكونه، أما رغبة الإنسان في الزيادة والاكتمال فدليل على أنه أكثر من مجرد فرد، وهو يشعر بأنه لا يستطيع الوصول إلى هذه “الكلية” إلا إذا حصل على تجارب الآخرين، وهي التجارب التي كان يمكن أن تكون تجاربه هو أو التي يمكن أن تكون تجاربه في المستقبل، وذلك يشمل كل شيء، وكل نشاط يمكن أن يقوم به الإنسان، والفن هو الأداة اللازمة لإتمام هذا الاندماج ‬بين ‬الفرد ‬والمجموع ‬فهو ‬يمثل ‬قدرة ‬الإنسان ‬المحدودة ‬على ‬الالتقاء ‬بالآخرين ‬وعلى ‬تبادل ‬الرأي ‬والتجربة ‬معهم.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

وإذا كانت وظيفة الفن الأساسية بالنسبة للطبقات التي تستهدف تغيير العالم لا يمكن أن تكون السحر، بل التنوير والحفز إلى العمل، إلا أن هناك في الفن بقية من السحر لا يمكن التخلص منها تماماً، لأن الفن بغير هذه البقية من طبيعته الأصلية لا يكون فناً على الأطلاق.

– يقول بريخت : إن ‬الفن ‬لازم ‬للإنسان ‬حتى ‬يفهم ‬العالم ‬ويغيّره، ‬وهو ‬لازم ‬أيضاً ‬بسبب ‬هذا ‬السحر ‬الكامن ‬فيه”.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ويقول: “إن النظرة الجمالية السائدة في مجتمع يحكمه صراع الطبقات تتطلب أن يكون الأثر “المباشر” للعمل الفني هو إخفاء الفروق الاجتماعية، بين المتفرجين، بحيث تنشأ منهم جماعة لا تنقسم إلى طبقات وإنما تكون وحده إنسانية شاملة”.

وتأسيساً على ذلك، قد تبدو حاجتنا إلى دائرة الفن – وهي إحدى دوائر تطور الروح المطلق عند هيغل .. أكثر الحاحاً ولزوماً، فالصراع يترك فروقاً اجتماعية وتمايزاً طبقياً وسياسياً ولا يمكننا أن نجتاز تلك العقبات إلا بالفن حتى نصل إلى وحدة إنسانية شاملة أو ‬وحدة ‬وطنية ‬مشتركة.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ما يجب أن ندركه ونعيه، أن الوظيفة الإبداعية لم تعد كما كانت عليه من قبل مشاركة وجدانية وتصويراً لشوارد الأفكار والوجدان، ولكنها أصبحت عملية استشرافية وصناعية للمستقبل، وهي جزء لا يتجرأ من عملية تطوير الروح في خلق فضاءات أكثر جمالاً تراعي التوازن الروحي والمادي لخلق معادلة الحياة المتسقة والقادرة على التفاعل مع الزمان والمكان وبما يعكس قيمتها الحضارية الدالة عليها والمحققة لهويتها الزمانية دون اجترار، فالفن حياة مركزة يحمل في نسيجه العام روح التطور والنماء والتحديث ويؤكد على القيمة الجمالية للحياة.

في واقعنا اليوم وبالتحديد في رمضان، يكون هناك سباق في مجال الدراما ويتم إنتاج عشرات الحكايات، وفي غالب ذلك الكم لا تجد فناً، ولا تجد سحراً يفتح طريق الوحدة الإنسانية المشتركة إلى القلوب الباحثة عن أمل في ليل الصراع، ولا تجد رؤية واضحة للتغيير في السياق العام، حتى المتلقي يشعر بالقلق الوجودي، فهو لا يجد إلا أنساقاً ثقافية تزيد من قلق وجوده في الحياة وفي الغالب تعمل على الشلل التام للطاقات الإيجابية القادرة على التغيير.

تعبيرات الواقع الدرامي غير واعية ويتم إنتاجها لغايات الاستغلال التجاري المؤقت ولذلك لن تستمر مع الإنسان في المستقبل إلا كجزء من تفاصيل تاريخ مبتذل يعكس وجه المرحلة الزمنية وتراجع الفنون فيها ليس أكثر من ذلك.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

قد يكون تاريخيا.. هل يلتقي ترامب بالشرع في الرياض؟

كشف مصدر مطلع لموقع "أكسيوس" الأميركي عن توقعات بلقاء مرتقب للرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة السعودية الرياض، غداً الأربعاء.

اقرأ ايضاًالشرع يكشف عن "مفاوضات غير مباشرة" بين دمشق وتل أبيب

وأمس الاثنين، عشية زيارته للمملكة العربية السعودية أولى محطاته في الرحلة الخارجية الأولى له منذ توليه فترته الرئاسية الثانية، أدلى الرئيس ترامب بسلسلة تصريحات صحافية، كان من بينها إمكانية تخفيف العقوبات على سوريا، ملمّحا إلى إمكانية "رفعها".

بدورها، رحبت دمشق بتصريح ترامب، بشأن إمكانية رفع العقوبات، ووصفته بأنه "خطوة مشجعة" نحو إنهاء معاناة الشعب السوري.

وخلال ترأسهما قمة سعودية أميركية، وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وترامب عقب مباحثات في قصر اليمامة بالرياض اليوم على وثيقة الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية بين البلدين.

اقرأ ايضاًهكذا رد الإسرائيليون على قرار نتنياهو بتوسيع العمليات في غزة

ومنذ وصولها سدة الحكم في سوريا، تطالب السلطات الجديدة في دمشق برفع العقوبات المفروضة على قطاعات ومؤسسات رئيسية في البلاد منذ اندلاع الثورة في 2011، مؤكدة أنها تتعلق بالنظام السابق، كما تعتبر رفع العقوبات عنها "خطوة أساسية لتعافي الاقتصاد والشروع في مرحلة إعادة الإعمار".

المصدر: أكسيوس


© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

عمر الزاغ

محرر أخبار، كاتب وصانع محتوى عربي ومنتج فيديوهات ومواد إعلامية، انضممت للعمل في موقع أخبار "بوابة الشرق الأوسط" بعد خبرة 7 أعوام في فنونالكتابة الصحفية نشرت مقالاتي في العديد من المواقع الأردنية والعربية والقنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي. ‎

الأحدثترند قد يكون تاريخيا.. هل يلتقي ترامب بالشرع في الرياض؟ لهذا السبب لم يتناول "ترامب" القهوة في السعودية توقيع وثيقة "الشراكة الاستراتيجية" الأميركية السعودية بـ600 مليار ريال إيران توجه تحذيراً عسكرياً حاداً تزامناً مع زيارة ترامب إلى الخليج مانشستر سيتي يحسم صفقة فيرتز بـ100 مليون يورو Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اقرأ ايضاًسوريا.. 6 قتلى خلال نزاع عشائري مسلح على ملكية أرض

اشترك الآن

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • إنعام محمد علي.. رائدة الدراما المصرية التي أنصفت المرأة وكتبت التاريخ بالصورة
  • رحيل الفنان أديب قدورة.. رائد الأداء الهادئ وصوت الدراما السورية
  • لقاء الرياض لن يكون بديلا” عن قمة بغداد
  • وداعاً أديب قدورة… صوت فلسطيني أضاء سماء الدراما السورية لعقود
  • محمد خميس لـ الفجر الفني: أنجذبت لشخصية مراد في الشرنقة لاختلافها.. واسعى لمزج الدراما بالمحتوى التاريخي الوثائقي (حوار)
  • الشرطة: الخطط الأمنية الإحترازية التي أسفرت عن ضبط أكثر من نصف طن من الذهب خلال النصف الأول من العام الجاري
  • شاهد مسلسل المشردين الحلقة 22 مترجمة HD.. مواعيد العرض والقناة الناقلة
  • اليافعي وعُباد يدشنان ورشة تدريبية ومعرضًا تشكيليًا بعنوان “صرخة غزة”
  • قد يكون تاريخيا.. هل يلتقي ترامب بالشرع في الرياض؟
  • الطفح الجلدي على الوجه.. متى يكون جرس إنذار لأمراض باطنية خفية؟