لجريدة عمان:
2025-07-01@04:19:11 GMT

عندما يكون الإنسان أكثر وحشية من الآلة!

تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT

عندما يكون الإنسان أكثر وحشية من الآلة!

تفرض جرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، التي تجاوزت كل الحدود، محاولة بناء مقاربة بين مستوى جرائم وتوحش الإنسان، وما يمكن أن يكون عليه الوضع فيما لو أوكل أمر الإبادة والتوحش للآلة أو «الذكاء الاصطناعي» على سبيل المثال. هل يمكن أن ترتكب الآلة هذا المستوى من الوحشية وهي غير محكومة بالضرورة بقيم أخلاقية أو بأي مستوى من مستويات الإنسانية؟ أم أن ما نراه اليوم في غزة، من قتل للأطفال وتجويعهم وقصف للمستشفيات، ومحو جماعي لأحياء سكنية، ولذاكرة السكان، هو تذكير بأن أكثر الكائنات دموية على هذا الكوكب ما زال هو الإنسان نفسه؟

منذ قرابة عامين، وغزة تُباد وتُرتكب فيها أفظع جرائم يمكن تصورها.

. ليس عبر آلة فقدت السيطرة، بل عبر جيوش مدربة، وساسة يحسبون خطواتهم بدقة، ومجتمع دولي يتعامل مع هذه الإبادة وكأنها خطأ برمجي بسيط في النظام الأخلاقي العالمي. كل قذيفة تسقط على منزل، أو على نقطة تجمّع لتوزيع فتات الخبز، وكل مستشفى يُستهدف بشكل مباشر ودقيق، كل رضيع يُخرَج ممزقا إلى أشلاء من تحت الركام، هي نتيجة قرارات بشرية، تعكس اختلالا عميقا في منظومة القيم التي طالما ادّعى الغرب -ومن ورائه النظام الدولي- أنه يقوم على أساسها.

تخيفنا منظومة الذكاء الاصطناعي لأننا لا نعرف كيف تشعر، لكنّ الإنسان يخيفنا لأنه يشعر.. ورغم ميزة الشعور فإنه يُقتل وبتوحش. يُقتل رغم ذلك أو بسبب ذلك، يُقتل باستخدام الصواريخ والطائرات والمسيّرات ويُقتل بالحصار والتجويع والتعطيش وبكل فنون القتل والعدوان والتوحش التي وثقها التاريخ عن وحشية الإنسان. لا نستطيع أن نتصوَّر حتى الآن كيفية حقد الآلة إن كان يمكن أن تكون حاقدة، ولا أساليب انتقامها، لكننا نتصوّر بشكل واضح الآن شكل حقد الإنسان وانتقامه، وقدرته على صياغة الأساطير الدينية والتاريخية لتبرير مجازره، وتوحشه. هذا الأمر يجعل فعل الإبادة في غزة يتجاوز فكرة كونه جريدة ضد الإنسانية إلى كونه فعلا ضد أصل الفكرة التي قام عليها «العصر الإنساني».

وفي هذا المشهد يحضر سؤال الفيلسوف الألماني ماكس هوركهايمر بكثير من الإلحاح: هل يمكن لعالم العقل التقني أن ينتج أخلاقا إنسانية؟ ربما كان الجواب الذي بحث عنه هوركهايمر حاضرا بوضوح في غزة: لا. لا؛ لأن العقل عندما يُفصل عن الضمير، يتحول إلى وسيلة لتسويغ الفظائع. وتلك هي المفارقة المقلقة: التكنولوجيا تُنتج أدوات الدمار، لكن الإنسان هو من يقرّر متى وأين وكيف يستخدمها. ويستخدمها، غالبا، بأسوأ طريقة ممكنة، خاصة، حين تختفي «الرحمة» من قاموسه السياسي.

ما يجري في غزة من أهوال ومن توحش إنساني ليس استعادة لجرائم مماثلة في التاريخ بقدر ما هو كشف لنهاية مرحلة في التاريخ كانت فيها الحقوق الإنسانية تُصاغ على أنها ضمير البشرية. أما اليوم، فكل ما تفعله تلك الحقوق هو إصدار بيانات «القلق العميق» بينما تُغتال الحياة بشكل بشع جدا.

لسنا، إذن، إزاء انحراف طارئ في سلوك القوة، بل إزاء عودة مروعة إلى جوهرها: العنف. وليس من المبالغة القول إن غزة اليوم هي مختبر قاس لما يمكن أن يصبح عليه العالم حين تتراجع القيم، وتتقدم أدوات السيطرة والقتل، سواء كانت طائرات مسيّرة أو روبوتات قاتلة أو خطابات سياسية باردة تصف المجازر بـ«العمليات الدقيقة».

ثمة مفارقة كبرى هنا، حيث كان الناس يخشون من توحش الآلة حينما تستقل بذكائها عن قدرة الإنسان في التحكم بها، فإذا بنا نعيش اللحظة التي يتوحش فيها الإنسان، ويستقل عن قيمه ومبادئه الإنسانية ويقتل بلا رحمة ولا شفقة وبكفاءة تفوق أكثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي برودا.. لقد أصبح «القصاب» إنسانا أبرد من الآلة، وأكثر استعدادا لتبرير الدم من أي منظومة ذكية يمكن أن يخترعها.

هل ستبكي الآلة يوما على ما اقترفته من أخطاء؟ بالتأكيد أنها لن تفعل ذلك.. ولكن هل بكى جيش الاحتلال ومن يبرر له ويصمت عن إبادته في غزة؟ لا. وهذا هو الرعب الأكبر الذي على البشرية أن تخشاه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: یمکن أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

تعلن المؤسسة الوطنية والإستجابة الإنسانية عن إنزال مناقصة

تعلن المؤسسة الوطنية والإستجابة الإنسانية عن إنزال مناقصة

مقالات مشابهة

  • إعلام عبري: يجب ان يكون الدور على مصر بعد ايران
  • “حماس”: استشهاد الأسير نصر الله جريمة جديدة تكشف وحشية العدو بحق الأسرى
  • شاهد بالفيديو.. شاب سوداني يجهش بالبكاء أثناء سرده قصته مع “القطة” التي كان يطعمها كل يوم وعندما تعرض لضايقة مالية ردت له الجميل وجاءته بكيس فيه أموال والجمهور يصف الواقعة بالمعجزة الإلهية
  • رئيس مجلس إدارة شركة المها الدولية محمد العنزي: على بعد كيلو مترات من هذا القصر ولدت أول أبجدية عرفتها البشرية وعلى هذه الأرض خط الإنسان أولى الحروف التي تحولت لاحقاً إلى حضارات وتراث إنساني لا يزال نوره يهدي العقول والأمم ومن هنا من دمشق نطلق مشروعنا الث
  •  العجارمة : “التربية” ستحقق بواقعة تعطل الآلة الحاسبة لطالبة خلال امتحان الرياضيات
  • تعلن المؤسسة الوطنية والإستجابة الإنسانية عن إنزال مناقصة
  • اختبار دم بسيط يمكن أن يحدد المدة التي قد تعيشها
  • عندما يكون حظك سىء ومصمم تعيش
  • ماذا تدعم الولايات المتحدة تحديدا عندما تُموّل مؤسسة غزة الإنسانية؟