في ليلة الثالث من ديسمبر/كانون الأول 1984 انفجر مصنع للكيميائيات في مدينة بوبال الهندية ليتسرب في هواء المدينة النائمة 45 طنا من مادة "إيزوسيانات الميثيل" (Methyl isocyanate)، وتودي بحياة 7 آلاف شخص خلال أول 24 ساعة من الحادث، ونحو 20 ألف على مر السنين اللاحقة.

باتت كارثة مدينة بوبال -مركز ولاية ماديا براديش وسط الهند- واحدة من أسوأ الكوارث الصناعية والبيئية عبر التاريخ، فقد أدى الحادث إلى تلويث المدينة الهندية بشكل دائم، كما تبقى آثار الكارثة البيئية ومضاعفاتها تعصف بـ 2.

5 مليون نسمة من سكان المدينة.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4"كابوس أسود" يؤرق أهلها.. مخاوف من كارثة وشيكة بزليتن الليبيةlist 2 of 4آثار مدمرة للحرب بأوكرانيا على النظام البيئي في المنطقةlist 3 of 4العواصف الرملية وزحف الرمال يهددان شنقيط وتاريخهاlist 4 of 4العلماء قلقون فالأرض على أعتاب مرحلة مناخية جديدة مخيفةend of list

وعلى مدى السنوات والعقود اللاحقة للحادث، أصيب مئات الآلاف من الأشخاص، وتوفي 20 ألفا منهم بسبب السرطان ومضاعفاته، ويقول الأستاذ نيخيل ديب، من جامعة كاليفورنيا بوليتكنيك لمجلة لاكروا الفرنسية" "إن كارثة بوبال هي بداية مأساة بطيئة ومتواصلة في الزمان والمكان".

ووفقا لتقرير نشرته مجلة لانسيت العلمية فإن "مجموعة من الأعراض" التي تعزى إلى الكارثة لا تزال تصيب أكثر من 150 ألف شخص يتعرضون اليوم لمادة إيزوسيانات الميثيل -وهو غاز أكثر سمية 500 مرة من سيانيد الهيدروجين والمنتجات السامة الأخرى-، كأمراض الجهاز التنفسي وأمراض الجهاز الهضمي والأمراض العصبية، وأمراض العيون.

إعلان

واستقبلت عيادة "شنغاري ترست" على بعد بضع كيلومترات من المصنع القديم 150 طفلا عام 2024، ومئات الأطفال منذ افتتاحها عام 2006، والذين يعاني معظمهم من التشوهات الخلقية والمشاكل العقلية وتأخر النمو والشلل الدماغي وضعف السمع والكلام وإعاقات أخرى، ناجمة عن عواقب استنشاق آبائهم لمادة إيزوسيانات الميثيل وتلوث المياه الجوفية.

وتقول الناشطة الهندية راشنا دينغرا -التي تقود النضال من أجل المطالبة بالعدالة للضحايا- لمجلة لاكروا الفرنسية: "لا نعرف متى سينتهي الرعب. الأطفال الذين كانوا في الرحم وقت وقوع الكارثة ولدوا مرضى". وحسب دينغرا لا تزال ما بين 4 آلاف و12 ألف طن من المواد السامة موجودة في التربة والمياه الجوفية للمدينة، حيث تبقى منطقة نصف قطرها يقارب 5 كيلومترات حول المصنع ملوثة، وفيها توجد أحياء فقيرة يشرب سكانها تلك المياه.

وكشفت اختبارات المياه الجوفية القريبة من الموقع في الماضي عن وجود مواد كيميائية مسببة للسرطان والعيوب الخلقية بنسبة أعلى بـ50 مرة من المستوى المقبول باعتباره آمنا من قبل وكالة حماية البيئة الأميركية.

تسربت سحابة قاتلة من الغاز من خزان المصنع في الساعات الأولى من صباح الثالث من ديسمبر/كانون الأول 1984 لتفتك بالآلاف (الفرنسية) إهمال جسيم

كانت كارثة بوبال نتيجة لمزيج من سوء الصيانة وضعف بروتوكولات السلامة وإهمال الشركات، فقد تسبب كل ذلك في تسرب المياه إلى خزان الميثان أيون في المصنع وحصول تفاعل كيميائي أدى إلى إطلاق الغاز القاتل.

وفي وقت التسرب، كانت العديد من أنظمة السلامة، بما في ذلك أجهزة تنقية الغاز وأبراج الشعلات وأنظمة التبريد إما معطلة أو غير صالحة للعمل تماما، وهي علامة على الإهمال الجسيم من قبل إدارة المصنع.

ولم يكن العمال الذين كان يفترض أن يتلقوا التدريب اللازم للتعامل مع مثل هذه الحالات الطارئة مستعدين على النحو اللائق، كما لم تكن بروتوكولات الاستجابة للطوارئ كافية أو مناسبة، وفق ما أكدت التقارير اللاحقة.

إعلان

وأشارت التقارير إلى أن استجابة الحكومة الهندية لم تكن كافية، وكان رد فعلها بطيئا وغير منظم، وهو ما زاد من تعقيد الجهود الرامية لتوفير الرعاية الطبية وإجلاء السكان المتضررين، كما أدى التأخير في تقديم المساعدات الطبية إلى ترك المئات من المصابين والضحايا من دون علاج في الساعات الأولى للحادث القاتل.

وكان ملف التهم قد كشف عن عيوب واضحة في تصميم المصنع وإهمال ممنهج في عمليات الصيانة كانت إدارة الشركة على علم بها لكنها تجاهلتها لدواعٍ تجارية. وأشارت مجلة لاكروا إلى أنه لم يتم إجراء أي تقييم للتكلفة الاجتماعية والاقتصادية للكارثة.

وكانت هناك العديد من العلامات التحذيرية قبل فترة طويلة من وقوع الكارثة، مثل التلوث داخل المصنع، ووفاة العمال، وما إلى ذلك. حتى إن أحد الصحفيين نشر ما توصل إليه حول المصنع بعنوان "استيقظوا يا شعب بوبال، أنتم على حافة بركان".

مع أنه تم اتهام شركة "يونيون كاربايد" الأميركية مالكة المصنع، التي أعيدت تسميتها "داو كيميكال"، وثبت إهمالها الصناعي، ولكن القضية عانت من تأخير المواعيد وعدم اللجوء إلى المحاكمة، ورفض الاعتراف بالمحاكم الهندية.

وفي عام 1989، تفاوضت الشركة الأميركية المتعددة الجنسيات على تسوية ودية مع الحكومة الهندية لدفع 14% فقط من مبلغ التعويض المطالب به، وحتى العام الماضي (2024) قدمت دفعة واحدة بقيمة 450 مليون يورو (487 مليون دولار).

وقال ساتيناث سارانجي، وهو ناشط رئيسي في بوبال لديه عيادة لضحايا العنف، إن "93% من الضحايا تلقوا أقل من 300 يورو إجمالا، وهو مبلغ قليل جدا مقارنة بعدد الأرواح التي أزهقت"، مشيرة إلى أنه "لم تتم إدانة أي من المسؤولين التنفيذيين في شركة داو كيميكال، كما عارضت حكومة الولايات المتحدة باستمرار تسليمهم".

أطفال من الجيل الثالث من ضحايا الغاز يحضرون مع أقاربهم وقفة احتجاجية أقامتها منظمات ضحايا الغاز المختلفة لإحياء ذكرى كارثة مصنع بوبال (الفرنسية)  كارثة مزمنة

ويستمر هذا الإفلات من العقاب -حسب صحيفة ليبراسيون الفرنسية – بالتواطؤ الضمني من جانب الحكومة الهندية التي لا تزال تعيق الإجراءات الرامية إلى الاعتراف بالضحايا، إذ اعتمدت في السنوات الأخيرة، تدابير تقييدية تجعل إجراءات الحملة الدولية من أجل العدالة في بوبال والعيادات أكثر صعوبة من أي وقت مضى.

إعلان

ورغم خطورة الكارثة، لم يتم تنظيف الموقع الملوث للمصنع القديم مطلقا، وهو يستمر في تسميم السكان المحليين من خلال تسربه إلى المياه الجوفية، ولا تريد الدولة الهندية ولا الشركة المتعددة الجنسيات تحمل المسؤولية عن ذلك، كما تقول راشنا دينغرا.

وتشكل مأساة بويال تذكيرا صارخا بالعواقب المدمرة المترتبة عن الإهمال الصناعي من قبل الدول أو الشركات وعدم احترام المعايير البيئية، وتؤكد الحاجة إلى أطر تنظيمية قوية واستعداد قوي لحالات الطوارئ الصناعية والبيئية وضمان الالتزام بالعدالة للمتضررين من الكوارث. ولا يزال الدمار الصحي والبيئي مستمرين، بينما يواصل الضحايا مساعيهم لحقيق العدالة.

يذكر أن مأساة مدينة بويال كانت محور فيلم "بوبال.. صلاة من أجل المطر" (Bhopal: A Prayer for Rain)، وهو فيلم شديد القتامة ومفجع وفاضح لدور الشركات الكبرى التي تشق طريقها في تحقيق المغانم، مخلفة كوارث بيئية تودي بحياة آلاف الأشخاص في بلدان العالم الثالث. ومع ذلك يبرز الفيلم جزءا من تلك المأساة، وكيف يتم التعامل باستهانة مع أرواح المواطنين ومصائرهم في تلك المدينة الهندية المكتظة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان بيئي المیاه الجوفیة

إقرأ أيضاً:

القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا

2025-07-30hadeilسابق القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: الغاز الطبيعي الأذربيجاني سيؤدي دوراً استراتيجياً في رفع القدرات الإنتاجية من الكهرباء في سوريا بما يبشر بمزيد من الانتعاش الاقتصادي انظر ايضاًالقائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: الغاز الطبيعي الأذربيجاني سيؤدي دوراً استراتيجياً في رفع القدرات الإنتاجية من الكهرباء في سوريا بما يبشر بمزيد من الانتعاش الاقتصادي

آخر الأخبار 2025-07-30القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: الغاز الطبيعي الأذربيجاني سيؤدي دوراً استراتيجياً في رفع القدرات الإنتاجية من الكهرباء في سوريا بما يبشر بمزيد من الانتعاش الاقتصادي 2025-07-30القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق ألنور شاه حسينوف لـ سانا: تدفق الغاز الطبيعي الأذربيجاني إلى سوريا عبر تركيا، المزمع في الثاني من آب 2025، يمثل حدثاً تاريخياً ينتظره الشعبان الصديقان ويجسد عمق علاقات التعاون المشترك بين البلدين 2025-07-30معاون وزير الداخلية يبحث مع محافظ حمص تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين 2025-07-30وزير الصحة السوري يبحث مع القائم بأعمال البعثة الألمانية سبل التعاون المشترك 2025-07-30الشيخ ليث البلعوس: ضرورة العمل وفق أجندة سورية محضة تُعنى بخدمة السوريين وبناء دولة القانون 2025-07-30اللاذقية… تنظيم الأكشاك لتحسين الواقع الخدمي والجمالي 2025-07-30وزير التربية يتفقد مراكز لتصحيح الامتحانات في حمص ويطّلع على واقع ترميم المدارس المدمرة 2025-07-30وزارة الاتصالات تعلن عودة سوريا إلى منظومة الاتصالات العالمية 2025-07-30دخول قافلة محروقات تحمل 120 ألف ليتر إلى محافظة السويداء-فيديو 2025-07-30ورشة عمل لإدراج قطاع النقل البري في دراسات التخطيط الإقليمي

صور من سورية منوعات دب يتسبب بإغلاق مطار باليابان وإلغاء رحلات جوية 2025-07-30 اكتشاف بصمة يد عمرها 4 آلاف عام على أثر طيني مصري 2025-07-28
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • خبير نفطي يتهم حكومة عدن بالتستر على كارثة بيئية في شبوة
  • السوداني يوجه بإزالة جميع المعوقات التي تعترض مشاريع الطاقة
  • فتاة تروي لحظات الرعب التي عاشتها مع سقوط لعبة 360 في منتزة الجبل الأخضر بالطائف.. فيديو
  • بينهم طفلان .. مصرع 3 أشخاص إثر انفجار مصنع للوقود الحيوي في الولايات المتحدة
  • مرصد هابل يلتقط صورة لانفجار نجمي على مسافة 1300 كوينتليون كيلومتر
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • افتتاح مصنع للعطور والبخور في مدينة ريسوت الصناعية باستثمار يتجاوز 3 ملايين ريال عُماني
  • إصابة إثنين من عمال مصنع إسمنت الوحدة برصاص مسلح في أبين
  • ابتداءً من أغسطس المقبل.. الرئيس الأمريكي يفرض رسومًا جمركية على الواردات الهندية بنسبة 25%
  • وفد من جامعة البلقاء التطبيقية يزور مصنع “الدُرّة” للصناعات الغذائية