أربعة أيام.. لأن العدو لا يفهم إلا لغة القوة!
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
حين ينطقُ القائدُ بكلمة، فإنها لا تسقطُ في الريح، بل تتحولُ إلى فعل، إلى موقفٍ، إلى زلزالٍ يضربُ أوكارَ الطغاة. لم يكن إعلان مهلة الأربعة أيام للعدو الصهيوني مجرد خطابٍ في زحمة البياناتِ العربية التي اعتادت أن تُولد ميتة، بل كان إنذاراً نارياً، رسم خطوطاً جديدةً على خارطة المواجهة، ورفع سقف الإرادة في وجه كيانٍ احترفَ الغدر والمكر والمجازر.
لأول مرة في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي، يتجرأُ قائدٌ عربيٌ على وضعِ حدٍ زمنيٍ مُحددٍ لإرغام الكيان الصهيوني على الانصياع، لا عبر التوسل، ولا عبر استجداء العواصم الغربية، بل عبر معادلة القوة التي فرضها اليمن بدماء أبطاله ومواقف قيادته.
في زمنِ الخنوع، حيثُ الزعماء العرب يتسابقون على موائد التطبيع، ويرتمون تحت أقدام الصهاينة، يأتي القائدُ القرآني، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، ليعلن للعالم أجمع أن فلسطين ليست قضيةً ثانوية، ولا شعارًا للاستهلاك الإعلامي، بل هي جوهرُ الصراع، ومفتاحُ العزة، وميدانُ اختبارِ الإرادات.
لماذا أربعة أيام؟ لأن الصهاينة لا يفهمون إلا لغةَ التهديدِ المقرونِ بالفعل. لأن العدو الإسرائيلي، المدعومَ من أقوى قوى العالم، لم يعتد أن يسمعَ لغةَ الإنذار من طرفٍ عربي، خصوصاً في زمنِ الضعفِ والتخاذل.
أربعة أيامٍ، ليست فرصةً للعدو، بل هي فرصةٌ للوسطاء كي يُدركوا أن مرحلةَ الإملاءات قد انتهت، وأن الزمن الذي كانت فيه فلسطين تُباعُ في صفقاتِ العار قد ولى، وأن اليمن، برغم ما يواجهه من حصارٍ وعدوان، لا يزالُ أمينًا على قضايا الأمة، لا يخون، ولا يبيع، ولا يهادن.
“سنُقابلُ الحصارَ بالحصار”… بهذه الكلمات الحاسمة، اختصر السيد القائد – يحفظه الله- معادلةَ الردع الجديدة، وأكد أن اليمن لا يقفُ موقفَ المتفرج على جريمةِ تجويع غزة، بل يواجهُها بكل الوسائل. إن قرار استئناف العمليات البحرية لم يكن مجرد استعراضٍ للقوة، بل هو جزءٌ من التزامٍ دينيٍ وأخلاقي، تجاه شعبٍ يذبحه الصهاينة في وضح النهار، بينما يتواطأُ العالمُ بالصمتِ والتواطؤ.
في الوقت الذي يفرضُ فيه بعضُ الأنظمة العربية شروطاً مذلّةً على المقاومة مقابل دعمٍ سياسيٍ فارغ، كان موقفُ السيد القائد مختلفاً تماماً. فبدلاً من فرضِ الإملاءات، كان الدعمُ بلا قيود، وبدلاً من البحثِ عن المكاسب، كان الالتزامُ بالمبدأ، وبدلاً من المتاجرة بالقضية، كان الانخراطُ في المواجهة.
شتان بين قيادةٍ تستمد شرعيتها من القرآنِ والسنة، وبين قياداتٍ تستمد بقاؤها من حماية الغرب، شتان بين من يؤمن أن فلسطين جزءٌ من عقيدة الأمة، وبين من يراها عبئاً يجبُ التخلصُ منه في مؤتمراتِ التطبيع والخيانة.
منذ انطلاق العمليات اليمنية في البحر الأحمر، لم تعد الحربُ مقتصرةً على غزة وحدها، بل توسعت دائرة الاشتباك، واهتزت الحساباتُ الإسرائيلية، وتضاعفت المخاوفُ الغربية. لأول مرة، يجدُ العدو نفسه محاصرًا في البحر، مكشوفاً أمام صواريخ لم يكن يتوقعها.
لقد فرضت صنعاء -بعون الله وتوفيقه- قواعدَ جديدةً للصراع، ونجحت في إعادة فلسطين إلى صدارة المشهد، بعدما كادت أن تُمحى تحت ركام المؤامرات العربية والدولية.
دخلنا التاريخ، وفرضنا المعادلات
ليس شعاراً، بل حقيقةٌ تشهدُ عليها شواطئ البحر الأحمر، وأعماقُ المضائق، ومساحاتُ الرعب التي تضاعفت في قلوب الصهاينة. ليس يوتوبيا، بل واقعٌ تصنعه صواريخُ اليمن وطائراتُه المسيرة التي وصلت إلى عمق الأراضي المحتلة، في الوقت الذي لا تزال فيه بعضُ العواصم العربية تتوسلُ لقاءاتٍ مع الصهاينة.
القائد الذي إذا قال فعل
حين يقول السيد القائد شيئاً، فإنه ليس كلماتٍ للاستهلاك الإعلامي، ولا تصريحاتٍ دبلوماسية تُلقى ثم تُنسى. أربعة أيامٍ فقط، مهلةٌ صنعتها يدُ الثقة بالله، والعزمُ الراسخ، واليقينُ بالنصر.
اليمن اليوم ليس دولةً على الهامش، بل هو محورٌ رئيسٌ في معادلة الصراع، وهو القلعةُ التي تقفُ شامخةً بينما تسقطُ عروشُ العملاء. أما الأنظمةُ العربية التي تراهنُ على التوسلاتِ والبياناتِ الفارغة، فهي لن تُنتجَ إلا مزيدًا من الهزائم، بينما تصنع صنعاءُ الانتصاراتِ بأفعالها لا بأقوالها.
الكلمةُ عنده فعل، والوعدُ عنده عهدٌ لا يُنكث
هذا هو اليمن، وهذه قيادته، وهذه بوصلته التي لا تنحرف، وهذه رسالته إلى العالم: “نحنُ هنا… وسنبقى حتى تتحررَ فلسطين، ويُكسر قيدُ آخر أسير، ويُطهَّر المسجد الأقصى من دنس المحتلين”.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تنهار من الداخل: حين تصير القوة عبئًا على الذات!
في هذا المقال التحليلي، نسلّط الضوء على التحولات العميقة في بنية الكيان الإسرائيلي، من التصدعات الاجتماعية والطائفية، إلى فشل أدوات الردع، وانكشاف هشاشة المشروع الصهيوني أمام حروب الجيل الجديد.إنها المرة الأولى التي تجد فيها إسرائيل نفسها في مواجهة جيوسياسية ممتدة، يتجاوز فيها الخطر حدود الجغرافيا، ويتسلل إلى أعماق الداخل الذي يبدو أكثر خوفًا من أي تهديد خارجي.
لأول مرة، تخوض إسرائيل حربًا جيوسياسية خارج حدودها.. .والحريديم يهربون من الجبهة إلى اليونان!
في مشهد يعكس مأزقًا وجوديًا يتجاوز ساحات القتال، تتكشف ملامح مأساة إسرائيل الحديثة، ليس في عدد الصواريخ التي تُطلق من غزة أو جنوب لبنان، بل في تصدع البنية الداخلية لكيانٍ استمد شرعيته من وهم التفوق العسكري وقدرته على فرض "السلام" من فوهة البندقية. غير أن هذا التفوق لم يعد كافيًا لضمان الاستمرار، إذ تتآكل الجذور من الداخل، بينما تحاول القمة أن تبدو شامخة.
منذ تأسيسها، لم تتخلَّ إسرائيل عن منطق الحرب كأداة لإدارة الصراع، لا لإنهائه. وبدلًا من البحث عن حلول جذرية، شيّدت استراتيجيتها الأمنية على الردع، وخلق فائض قوة يجعل التفكير في مهاجمتها كلفة باهظة. لكن هذا الردع لم يُنتج سلامًا، بل أعاد دورات متكررة من العنف، تنتهي باتفاقات هدنة، وتبدأ بسؤال أكبر: إلى أين؟ في حين يبقى الفلسطينيون باقين، والعرب لا يرحلون، والجغرافيا لا تتبدل.
لطالما روّجت العقيدة الرسمية الإسرائيلية لمقولة "الحرب من أجل السلام"، لكن ما نتج عنها هو حرب لا تنتهي، وسلام لا يُولد.فالدولة التي أرادت أن تفرض ذاتها في قلب القرار الإقليمي بالقوة العسكرية، فشلت في صناعة السلام، بل صنعت هشاشة دائمة في الداخل والخارج. ومع كل موجة عنف، تتسع الهوة بينها وبين حلفائها، وتتآكل صورتها حتى لدى الرأي العام الغربي.
من أبرز مظاهر التآكل الداخلي في إسرائيل، الطائفة الحريدية الأصولية التي تُشكّل عبئًا على بنية الدولة. ترفض هذه الجماعة التجنيد العسكري، ولا تُساهم في الإنتاج، لكنها تستهلك موارد الدولة عبر دعم حكومي واسع. وقد تكرّست صورة هذا العبء خلال الأيام الأولى من القصف، عندما هرعت آلاف الأسر الحريدية إلى مغادرة إسرائيل نحو قبرص واليونان، في مشهدٍ أثار الذهول بين القيادات العسكرية. هذا الهروب الجماعي كشف عمق الأزمة الاجتماعية، وعرّى ادعاء "وحدة الجبهة الداخلية".
لعل أخطر تحول استراتيجي في الحرب الأخيرة، تمثّل في خوض إسرائيل معركة مفتوحة مع خصم جيوسياسي بعيد، يمتلك عمقًا استراتيجيًا متعدد الأذرع، يتوزع من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان. إنها المرة الأولى التي تدخل فيها إسرائيل مواجهة مباشرة عبر آلاف الأميال، متجاوزة حدود الصراع التقليدي مع "العدو القريب". الخصم هنا ليس فقط مناورًا عسكريًا، بل يمتلك قدرة على الاستنزاف طويل الأمد، ولا يخضع لمنطق الضغط المباشر، ما أفقد منظومة الردع الإسرائيلية فعاليتها، وأجبرها على الاستغاثة المبكرة بحليفها الأمريكي.
في الداخل، تزداد الفجوة بين نخبة عسكرية وسياسية تحتكر القرار، وجمهور قلق على المستقبل. فكل حرب تترك جراحًا أعمق من سابقتها، وكل هدنة تُحمل بذور انفجار مقبل. وها هي إسرائيل تدخل مرحلة من الفوضى المؤسساتية: لا قادرة على فرض الحل النهائي، ولا راغبة في القبول بتسوية منصفة. والحديث عن "إسرائيل الكبرى" لم يعد واقعيًا، بل بات مشروعًا يقود نحو نظام فصل عنصري أو تهجير قسري.
رهان إسرائيل على الدعم الأمريكي بدأ يتآكل. فالرأي العام الغربي بات أكثر وعيًا، والصورة النمطية للديمقراطية الإسرائيلية تصدّعت بفعل المجازر والقصف العشوائي. الغرب السياسي، لا سيما في أوروبا، وجد نفسه في موقع الدفاع عن قيم لم تعد تنطبق على ما تمارسه إسرائيل من انتهاكات ممنهجة. ولم يعد في استطاعة أقوى الحلفاء تغطية الوجه البربري للحرب، ولا تبرير جنون جيش تُصنّفه تقارير حقوقية كأحد أقل الجيوش التزامًا بالأخلاقيات.
في المقابل، لا يزال العقل العربي، الرسمي والشعبي، أسير منطق المعارك الكلاسيكية وإحصاء الخسائر، دون إدراك لطبيعة الحروب الجديدة. فالحرب اليوم تُحسم في الوعي، في السرديات، وفي قدرة الخصم على إدارة صورته. إسرائيل تنهزم من الداخل، لكنها تُخفي انهيارها عبر آلة دعائية متقنة. وكلما أُعلنت نهاية حرب، كانت تلك بداية لانفجار داخلي لا نراه إلا بعد فوات الأوان.