موقع 24:
2025-12-07@18:13:48 GMT

هل يتقرّب الإنسان إلى الله بالعقل؟

تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT

هل يتقرّب الإنسان إلى الله بالعقل؟

لا بدّ أن يكون المؤمن ذا قلب سليم وعقل سليم ومستقيم وخالٍ من العلل




يعدّ القرآن معجزة عقليّة، تحتكم إلى العقل في فهمه وتدبّره أو استنباط الأحكام من نصوصه، كما يمثل العقل في الإسلام مناط التكليف بكل الفرائض والأحكام، لهذا جاء القرآن بكل الأدلة المنطقية والبراهين العقلية للبرهنة على وجود الخالق، ودحض حجج المنافقين والمكابرين، وأجاب عن كل التساؤلات الملحة التي قد تتكرّر عبر الزمان.

ألم يجعل الله سبحانه من التفكر والتدبّر عبادة يؤجر عليها المرء ويثاب؟ وجعل من العقل سبيل الوصول إلى الحق والخير وفهم العدل والفضيلة وجعل له قدرات التمييز ما بين خير الخيّرين وشرّ الشريرين، وكلّ هذا ليكون حجة على الإنسان (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ).
وعندما يصل الإنسان إلى الحق عن طريق العقل يفتح الله له أنوار الهداية والقرب منه لهذا جاءت كلمة لا يعقلون: أي الذين لا يهديهم عقلهم إلى طريق الله في 11 آية، وقد حدّدت هذه الآيات صفات واضحة وصريحة للذين لا يعقلون، أي لا يهتدون إلى طريق الله، أو اتخذوا من دون الله شفعاء، أو يتبعون آباءهم حتى ولو كانوا على ضلالة، أو يتخذون الصلاة هزءاً ولعبًا، أو يفترون على الله الكذب، أو الإيمان بغير الله... إلخ.
دعونا نتمعّن في المدلول اللّفظي للعقل "ملكة يناط بها الوازع الأخلاقي أو المنع أو المحظور والمنكر، ومن هنا كان اشتقاقه من (عقل) التي يؤخذ منها العقال.
متى يتقرب الإنسان إلى الله بالعقل؟ كيف أجعل العقل سليمًا قادرًا على الاستبصار والاستنباط؟ ما المقصود بنور الله الذى ينير به العقل المؤمن؟ ومتى يصبح العقل طريقًا إلى جنّات عدن؟ أليس أقصر الطرق وأفضل مقامًا من يعبد الله بعقله وقناعته وفكره؟!
لن يستدل المؤمن بكل هذه المقاصد إلّا بنور "البصيرة" التي تعني الفهم الثاقب الصحيح والعلم في دين الله، ومما لا شكّ فيه أن فقدان البصيرة الواعية حجاب طامس وتشويش لمعاني التدين الصحيح، تجعل الإنسان أضل من الأنعام.
المسلم بحاجة ملحّة إلى البصيرة في كل شيء، وفهم دين الله أشدّ أهميّة الآن من أيّ وقت مضى؛ وقد طغت الحياة المادية وزاد التشدّد والتزمّت في غالب تفكيرنا، وما ترتب عليه من بروز الطرق المنحرفة والسلوكيات المشينة والأخلاقيات السيئة، والبصيرة هي تلك القوة التي تقف وراء العقل، كما يسلط النور على الأشياء فتتضح وسط الظلمة، كذلك العقل مهما سما لن يستغني عن النقل أو ما شرعه الله لعباده من أحكام تقنن لحياته.
قاعدة قرآنيّة طالما تناسيناها كمسلمين ولن نهتدي إلى جادّة الصواب حتى نُحسن استخدام عقولنا، ويحذّر القرآن من أنّنا لن نهتدي إلى الحق الذي فيه إلا إذا كُنّا من الذين يعقلون، لهذا فإنّ "العقليّة المؤمنة" نابعة من القرآن دفاعًا عن الإيمان ومرادفاته. إذن كيف نسخّر هذه العقليّة المؤمنة لنتقرب بها إلى الله؟
لا بدّ أن يكون المؤمن ذا قلب سليم وعقل سليم ومستقيم وخالٍ من العلل والآفات التي تؤثر حتماً في إمكانيات العقل وقدراته، فإمّا أن يزيد نور هذا العقل بالإيمان وعمل الخير وإمّا أن يخفت حتى ينطفئ بسبب الظلم والطغيان، وكل ما يطغى إثمه على نفعه يوجب العقل تجنبه، ذلك رجس من جهة العقل، كما في الآية (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلونَ) وقد أريد في الآية بالرجس ما يقابل الإيمان من الشكّ والريب بمعنى يسلب الإيمان عن الذين لا يعقلون.
لهذا دعونا نقتنص هذه الأوقات الثمينة من عمر الزمن -رمضان- وأن نفسح المجال لعقولنا لتكون نيّرة واعية قادرة على أن تقتبس من أنوار هذا الشهر الفضيل، وأن تسهّل الطريق الأمثل إلى الله، ونزيد من الاجتهاد عند اقتراب مواسم الطاعات، فالاستثمار الأمثل في الآخرة في ليلة خير من ألف شهر، لهذا ورد الأمر الشرعي في رمضان بالتنافس، والمسابقة والمسارعة للخير، للحصول على منازل الآخرة؛ والفوز بالنعيم المقيم الذي لا يزول من خلال استخدامنا لعقولنا في الدنيا من أجل الآخرة.
الجاهل أو المقصّر هو الذي تكون عبادته موسميّة في أوقات معلومة، أو من يعبد الله على حرف، فالله يستحق الطاعة والرضوخ لأوامره التي ليست مصحوبة بشرط ولا شك.
والشعائر الظاهريّة بدون تعقل وتدبر لا تؤتى ثمارها من القبول، لأنّ الله يعبد بالعلم وبالتفكر وبالفهم والتدبر سواء في الصلوات والعبادات والنّسك، أو في التأمّل في ملكوته وآياته، وأقصر الطرق إلى الله ما كان فيها إدراك وتمعّن، لأنّ المسلم الحكيم هو من يسترعي انتباه كلّ المعاني الخفيّة والمقاصد من الشعائر والعبادات. ولهذا جعل الله الذين عطّلوا عقولهم هم الذين ضلوا وأضلّوا، ولهذا لا يقال للعاقل عاقلاً حتّى يعصم نفسه من الزلل والشطط والانحراف، كما في قوله تعالى على لسان أهل النار :(وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير).

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل صناع الأمل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الإمارات إلى الله طریق ا

إقرأ أيضاً:

بالدليل من القرآن والسنة.. مَن أنت أيها الإنسان؟

مَن أنت أيها الإنسان؟ سؤال يكشف لك حقيقة وجودك… ويُخرجك من دائرة الغفلة إلى نور الهداية. فمن عرف نفسه عرف ربه، ومن عرف ربه لم يهن، ولم يضع، ولم يَمُت قبل أن يعيش.

أنت لست مجرد جسد يتحرك، ولا اسم يُكتب على الأوراق، بل أنت مخلوق نفخ الله فيه من روحه، قال تعالى:

> ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [ص: 72]

نفخة من رب العالمين جعلتك مختلفًا، جعلت فيك عقلًا يميّز، وروحًا تتوق، وقلبًا يستطيع أن يحمل نورًا يهدي العالم.

وأنت مكرم، قال تعالى:

> ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70]

ومُكرَّم لأنك خُلقت لتحمل الأمانة، وتُعمر الأرض، وتكون خليفة، كما قال سبحانه:

> ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30]

ومع ضعفك، فأنت قوي بالله:

> ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28]
لكن الضعيف إذا اعتصم بالله كان أقوى من الجبال، كما قال ﷺ:
«احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز»
[رواه مسلم]

الله قريب منك:

> ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق: 16]
فإذا ضاقت بك الأرض، فلا باب يُغلق في وجهك، لأن باب السماء مفتوح:
﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]
---

لا تُضيّع عمرك فيما لا يرضي الله

أيها الإنسان…
إيّاك أن تنشغل بزينة الدنيا حتى تنسى ربك، وتنسى صلاتك، وتنسى الغاية التي خُلقت من أجلها.
الدنيا خدّاعة… تُعطيك بيد وتَسلبك بعشر، وتُزيّن لك المتاع والمال والمناصب، ثم عند أول اختبار تتركك وتمضي.

لا تترك دنياك تسرق صلاتك، فإن أول ما يُحاسَب عليه العبد يوم القيامة هو الصلاة، قال النبي ﷺ:

> «أول ما يُحاسَب به العبد يوم القيامة الصلاة…»
[رواه الترمذي]

لا تُشغل قلبك بزخارفٍ ستفنى، وأموالٍ ستتركك رغم حرصك عليها.
فالله يقول:

> ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ﴾
[الكهف: 46]

كم من إنسان ضيَّع عمره وراء دنيا لم يأخذ منها إلا الكفن، وجمع مالًا لم يستمتع به، ثم جاء اليوم الذي يُودَّع فيه، ويدخل قبره وحده…

> عند قبرك… في أول ليلة لك تحت التراب، لن يبقى معك إلا عملك الصالح.
لا مال، ولا جاه، ولا أصحاب…
فما الذي ستأخذه معك؟

لذلك… لا تجعل الدنيا أكبر همك، ولا تجعلها تُنسيك نفسك، فتستيقظ يومًا وقد ذهب العُمر، وذهبت القوة، ولم يبقَ إلا الحساب.
---

حقيقتك… ودورك في الحياة

أنت أيها الإنسان لست تائهًا.
أنت عبدٌ لله، خُلقت لتعبده، ولتكون قريبًا منه، قال تعالى:

> ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]

أنت عبدٌ محبوب إذا رجع، محفوظ إذا دعا، منصور إذا صدق.
أنت من يستطيع أن يقلب حياته كلها بـسجدة، أو دمعة، أو توبة صادقة، أو قيام ليل.

لا تبحث عن قيمتك في أعين الناس، ولا في كلامهم، ولا في نظرتهم إليك…
ابحث عنها في كتاب الله، لتسمع النداء:

"أنت عبدي… الذي خلقتُه بيدي، ونفختُ فيه من روحي، وكرّمته، وأحببته إذا عاد إليّ."

أيها الإنسان…
توقّف لحظة، وانظر في المرآة جيدًا…
أهذا الجسد الفاني هو كل ما تملكه؟
أهذه الدنيا التي تنشغل بها هي غايتك؟
أهذا العمر الذي يمرّ كالريح يستحق أن يُهدر فيما لا ينفع؟

تذكّر… أنك خُلقت لشيء أعظم بكثير.
خُلقت لتعرِف الله… لتعبده… لتسير إليه… لتكون نورًا في بيتك وفي مجتمعك وفي آخرتك.

لا تسمح لزينةٍ زائفة، أو مالٍ مؤقت، أو رغباتٍ عابرة أن تسرق منك رسالتك.
فالدنيا ستقف بك يومًا عند قبرك، وتتركك وترحل، ويبقى معك عملٌ واحد:
ما قدّمته لله.

فاجعل يومك شاهدًا لك لا عليك…
واجعل صلاتك حصنك…
واجعل قلبك موصولًا بربِّك…
فمن سار إلى الله سيرًا صادقًا، سار الله به إلى جنات الخلد.

وفي النهاية…
اسأل نفسك كل صباح:
"مَن أنا؟ وماذا أريد أن أكون عند الله؟"
فإذا عرفت الجواب… استقامت حياتك، وثَبَت قلبك، وسهل عليك الطريق مهما كان طويلاً.

فاسعَ إلى الله… فإنه لا يرد من جاءه، ولا يخيّب من طرق بابه.

مقالات مشابهة

  • د. عادل القليعي يكتب: ولكم فى التفكر حياة يا أولي الألباب
  • في 4 نقاط.. كيفية اغتنام المؤمن لفصل الشتاء؟
  • مظاهر كون الشتاء غنيمة المؤمن.. الإفتاء توضح
  • قصة الفتاة التي بكت وهي تعانق البابا لاوون في بيروت
  • بالدليل من القرآن والسنة.. مَن أنت أيها الإنسان؟
  • تفسير قوله تعالى صم بكم عمي فهم لا يعقلون.. علي جمعة يوضح
  • لهذا تتعثر استراتيجية الولايات المتحدة تجاه لبنان
  • متى تكون المعصية علامة حرمان ومتى تكون دليل إيمان؟
  • موعد صلاة الجمعة.. التوقيت الصحيح للصلوات
  • العقول المحمدية والتحذير من نشر روح التشاؤم.. موضوع خطبة الجمعة اليوم