الترجمة عن الفرنسية: حافظ إدوخراز

اعتبارا من الخامس والعشرين من أغسطس الجاري ستخضع حوالي عشرين من كبريات المنصات الاجتماعية ومحركات البحث على شبكة الإنترنت، مثل غوغل وإكس (تويتر سابقا) وتيك توك وسناب شات، في أوروبا لتقنين غير مسبوق على مستوى العالم: قانون الخدمات الرقمية.

ومن خلال تبني هذا القانون المنظم للخدمات الرقمية، يكون الاتحاد الأوروبي قد وجّه ضربة إلى قلب آفات المجتمع: الخطابات المحرّضة على الكراهية أو العنصرية، التحرش عبر الإنترنت وخاصة في المدارس، الدعوة إلى ممارسة العنف في المظاهرات، بيع المنتجات المزيفة أو الخطرة على الإنترنت.

.. إن من يرتكبون هذه الأفعال، بهوياتهم الحقيقية أحيانا أو متستّرين وراء هوّيات مزيّفة في معظم الأحيان، يستخدمون أداة للإفلات من العقاب: الإنترنت والشبكات الاجتماعية. وبسبب سلبية المسؤولين السياسيين، أصبحت شبكة الإنترنت منطقة خارجة عن القانون. كل ما يحظره القانون، تتسامح معه الإنترنت. ولم يكن من الممكن استمرار هذا الوضع لوقت أطول.

ومن الآن فصاعدا، سيتعيّن على المنصات والشبكات الاجتماعية الرئيسية أن تمتثل لواجب سحب أي محتوى غير قانوني تستضيفه. وفي حال لم يلتزموا بذلك، فسيتم ضرب محافظهم المالية (غرامات تصل إلى 6٪ من رقم المبيعات العالمي)، أو حتى حظرهم من السوق الأوروبية.

يُثير هذا القانون الأوروبي بعض المخاوف. كيف تسمح أوروبا لنفسها بالحكم على شرعية المحتوى الذي تستضيفه شبكة اجتماعية من عدمه؟ أليست بذلك تمارس الرقابة على الآراء؟ كيف لها أن تمنع الدعوات إلى الانتفاضة على الإنترنت وكانت تشيد بها أثناء "الربيع العربي"؟ فهل يشكل قانون الخدمات الرقمية سلسلة من الخيانات لحرية التعبير؟

لن يترتّب عن قانون الخدمات الرقمية محظورات جديدة، بل سيطّبق على الإنترنت القانون الذي يطبّق بالفعل خارج الإنترنت. ولن يهدّد هذا القانون حرية التعبير، بل سيحميها.

ولم تمنح بروكسل (المفوضية الأوروبية) نفسها سلطة الحكم على مدى ملاءمة المحتوى المنشور على الإنترنت، فهذا ليس دورها ولا تسعى أصلا وراء ذلك. يتعامل قانون الخدمات الرقمية مع المخالفات التي يحددها أصلا القانون. وكل مسعاه هو ضمان تطبيق القانون أيضا على الإنترنت، وذلك باسم مبدأ: ما هو غير قانوني خارج الإنترنت يجب أن يكون غير قانوني أيضا على الإنترنت. لا أكثر ولا أقل.

وإذا كان قانون الخدمات الرقمية لن يحلّ مكان القاضي، فإنه بذلك لن يهدد حرية التعبير أيضا، بل على العكس سيحميها. المنصات والشبكات الاجتماعية هي شركات خاصة سمحت لنفسها، حتى الآن، بتعليق المحتوى أو سحبه بطرائق غير شفّافة، وإجازة محتويات أخرى على نحو يتجاهل القانون ولا يلتزم إلا بشروط اتفاقية الاستخدام على المنصة.

سوف يحمي قانون الخدمات الرقمية المواطنين من انحرافات بعض المنصات، وسيمنح المزيد من الحقوق لمستخدمي الإنترنت: يجب أن تكون قرارات حجب المحتوى أو حذف الحسابات شفّافة، وأي شخص سوف يتم تعليق حسابه أو حذفه سيكون لديه الأهلية القانونية من أجل الاعتراض على ذلك القرار. ومن الآن فصاعدا، لن يتعيّن على المنصات أن تتعاون مع العدالة فحسب، بل ستكون أيضا مسؤولة أمام مستخدميها. وليس بالإمكان تحقيق مثل هذه النتيجة إلا من خلال قانون على مستوى الاتحاد الأوروبي.

إن حرية التعبير التي يؤطّرها أصلا القانون سوف تظل محفوظة. وما يهددها ليس هو تطبيق القانون، بل إن ما يهددها على العكس من ذلك، هو الفوضى التي واكبت تطّور شبكة الإنترنت حتى الآن. ما يهدد حرية التعبير هو انتشار الخطابات المحرّضة على الكراهية التي يُبقي عليها الكثير من شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت عن عمد بسبب الجمهور الذي تجذبه والأرباح التي تدرها. ما من قانون سيقدر على أن يجتث الكراهية، غير أن القانون بوسعه الإبطاء من وتيرة انتشارها والتطبّع معها. إن حماية حرية التعبير لا تعني السماح لأقلية من الناس بإسكات الأغلبية من خلال قوة كراهيتهم. لقد كان ألبير كامو على حق حينما قال: "إن العيش كرجل حر يعني رفض ممارسة الإرهاب أو الخضوع له".

ومهما بلغت قدرته الوقائية فإن قانون الخدمات الرقمية ليس سوى محطة أولى، ويجب أن نذهب أبعد من ذلك. ومن أجل الحد من انتشار الكراهية على الإنترنت على نحو ملموس، سأقترح قريبا بشكل رسمي على المفوضية الأوروبية إنهاء إخفاء الهوية على الإنترنت في أوروبا. بإمكاننا أن نشترط على شبكات التواصل الاجتماعي أن تطلب من مستخدميها، لحظة إنشاء الحساب، نسخة من بطاقة الهوية من أجل التمكن من استعمالها في حالة انتهاك المستخدم للقانون. وإذا كانت إمكانية استعمال الاسم المستعار يجب أن تظل مُتاحة لأنها تسمح للمستخدمين بحماية سرية حياتهم الخاصة وآرائهم، فإن عدم الكشف عن الهوية يجب ألا يكون كذلك، لأنه يوحي للمرء بأن بوسعه أن ينتهك القانون ويفلت مع ذلك من العقاب!

ومن خلال تشريع أول قانون منظّم لعالم المنصات والشبكات الاجتماعية، وخاصة الأمريكية أو الصينية، يؤكد الاتحاد الأوروبي نفسه باعتباره فاعلا سياسيا ذو سيادة. كما أنه يذكّر العالم بروح حضارته: السماح للجميع بممارسة حرياتهم طالما أنهم يحترمون حرية الآخرين.

• جوفروا ديدييه عضو في البرلمان الأوروبي (الحزب الشعبي الأوروبي)، ونائب رئيس اللجنة الخاصة حول التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي.

** عن لوموند الفرنسية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على الإنترنت حریة التعبیر من خلال یجب أن

إقرأ أيضاً:

قانون الإيجار القديم من «شقة زمان» إلى «عدّاد زمنى» لإنهاء العقود.. التفاصيل س&ج

بعد سنوات من الجدل، يعود قانون الإيجار القديم إلى الواجهة بمشروع تعديل يهدف لإنهاء العقود الممتدة وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر بشكل عادل ومتوازن، التعديلات الجديدة تمس حياة ملايين المواطنين، وتطرح تساؤلات كثيرة حول مصير العقود القديمة، وحقوق المستأجرين، وتعويضات الدولة، ويقدم اليوم السابع في التقرير التالي كل الأسئلة التي تشغل بال المواطن سواء المالك أو المستأجر بشأن قانون الايجار القديم الجديد :

س: ما الهدف من تعديل قانون الإيجار القديم؟
ج: القانون يسعى لحل أزمة الإيجارات القديمة بشكل عادل، وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، خاصة بعد حكم المحكمة الدستورية الأخير.

س: هل ستنتهي عقود الإيجار القديمة تلقائيًا؟
ج: نعم، العقود السكنية ستنتهي بعد 7 سنوات من تطبيق القانون، أما العقود غير السكنية (محال – أنشطة تجارية) فستنتهي بعد 5 سنوات، ما لم يتم اتفاق جديد بين الطرفين.

س: هل هناك زيادات في الإيجار قبل إنهاء العقود؟
ج: نعم، الإيجار سيرتفع تدريجيًا حسب المنطقة:
• المناطق المتميزة: حتى 20 ضعفًا.
• المتوسطة: حتى 15 ضعفًا.
• الاقتصادية: حتى 12.5 ضعفًا.
• المحال التجارية: 5 أضعاف.
مع زيادة سنوية 15%.

س: هل يحق للدولة إخلاء الشقة؟ ومتى؟
ج: يحق للمالك رفع دعوى طرد في حالتين:
1. ترك المستأجر العين أكثر من سنة دون سبب.
2. امتلاك المستأجر لوحدة سكنية أخرى صالحة للسكن.

س: هل يحق للمستأجر الحصول على شقة بديلة؟
ج: نعم، يتيح القانون للمستأجر أو من امتد إليه العقد تقديم طلب للحصول على وحدة بديلة من الدولة بنظام الإيجار أو التمليك، بشرط تسليم الوحدة القديمة، مع أولوية للفئات الأولى بالرعاية.

س: ما مصير القوانين القديمة المنظمة للإيجارات؟
ج: سيتم إلغاء القوانين أرقام 49 لسنة 1977، و136 لسنة 1981، و6 لسنة 1997، بعد مرور 7 سنوات من بدء تنفيذ القانون الجديد.

س: كيف سيتم تحديد القيمة الإيجارية الجديدة؟
ج: وفقًا لمعايير محددة، منها:
• الموقع الجغرافي وطبيعة الشوارع.
• نوع البناء ومساحة الوحدة.
• المرافق المتصلة.
• وسائل النقل والخدمات العامة.
• القيمة الإيجارية للعقارات في المنطقة (وفق قانون الضريبة العقارية).

س: هل هناك لجان مختصة بتقييم هذه المعايير؟
ج: نعم، وسيصدر رئيس الوزراء قرارات بتنظيم عمل هذه اللجان، التي تنهي عملها خلال 3 أشهر (قابلة للتمديد مرة واحدة)، ويُعلن القرار في الوقائع المصرية.

س: متى يبدأ تطبيق القانون؟
ج: من اليوم التالي لنشره في الجريدة الرسمية.


 







مشاركة

مقالات مشابهة

  • قانون الإيجار القديم من «شقة زمان» إلى «عدّاد زمنى» لإنهاء العقود.. التفاصيل س&ج
  • جدعون ليفي: إسرائيل ليست أسدا صاعدا وإنما هي أسد مريض
  • الجامعات البريطانية ترفع الحظر عن احتجاجات غزة وتؤكد حرية التعبير
  • ماذا يفعل آلاف الأسر.. خالد أبو بكر: قانون الإيجار القديم يهدد الطبقة المتوسطة
  • 30 مليون دولار من البنك الدولي لدعم التعليم والبنية المالية الرقمية في اليمن
  • بعد التصديق على القانون.. حظر الجمع بين العلاوة وزيادة المعاشات.. تفاصيل
  • موسكو: روسيا تسعى لتطوير اقتصادها عبر المنصات الرقمية والتحول الهيكلي
  • اللجنة الفرعية النيابية تقرّ اقتراح قانون تنظيم ألعاب الميسر عبر الإنترنت
  • النواب يوافق على مشروع قانون الموارد المائية والري
  • غرامات بالملايين.. قانون الإنترنت يطوق مجرمي الفضاء الإلكتروني في مصر