جريدة الوطن:
2025-12-10@18:03:21 GMT

اتجاهات مستقبلية

تاريخ النشر: 17th, March 2025 GMT

اتجاهات مستقبلية

اتجاهات مستقبلية
الأزمات الدولية والعولمة الاقتصادية

تُهدد الأزمات الدولية العولمة الاقتصادية، لتنكمش حركة السلع ورأس المال والخدمات والتكنولوجيا. ومن نماذج هذه الأزمات جائحة كورونا، عندما أغلقت الدول على نفسها مع انتشار الإصابات بالفيروس، ونموذج آخر هو الحرب في أوكرانيا، عندما أثرت على سلاسل التوريد، لارتباط التحديات اللوجستية بالصراع العسكري.

كما تُشير سياسة الرسوم الجمركية من الولايات المتحدة، تجاه الصين وأوروبا وكندا، إلى معنى من معاني “الانعزالية”، حيث يكون الاعتماد على الذات أكثر من التفاعل مع العالم الخارجي.
ومن المعروف أن أبعاد العولمة تتعدد، ما بين اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية، إلّا أن البُعْد الاقتصادي ربما يتحمل العبء الكبير من الانتقادات، خاصة من الدول النامية. فبالرغم من تحرر وتوسع التجارة الدولية على مدى العقود الماضية، وبالتالي ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للدول، تعتبر بعض الدول النامية أنها أُجبرت على انفتاح اقتصادي غير مخطَّط له، كما تواجه بعراقيل من الدول المتقدمة أمام حركة العمالة، في مقابل استقطاب العمالة الماهرة من الدول النامية، مع حرية خروج رؤوس الأموال، ناهيك عن عدم قدرة العولمة على تحسين حياة الإنسان، بل ربما زادت حدة الفقر على المستوى العالمي.
وعلى أرض الواقع تنخرط معظم دول العالم، بما تبقَّى لها من نُظُم التخطيط المركزي، في سياسات معولمة، وتتفاخر بارتفاع معدلات التبادل التجاري مع العالم، لكن عند تبدأ الأزمات الكبرى تتغير الأوضاع، وتتجه الدول إلى “التخندق” حول ذاتها. وقد كان للعولمة دور في انتشار جائحة كورونا، دخل العالم نتيجة لها في مرحلة ركود اقتصادي، وبدأت الدول -خاصة الكبرى- تبحث عن ذاتها فقط، مع تعطل الحياة والإنتاج في أوقات الأزمات، وزادت حالة القلق واللايقين في المستقبل.
ونتيجة للتقدم السريع في الاتصالات والنقل، والاتفاقيات التجارية الدولية، استفادت بعض الدول من تسهيلات العولمة، فيما كانت استفادة الدول الأفريقية أقل من بلدان آسيا وأمريكا اللاتينية. وقد فتحت العولمة الطريق للشراكة في التصنيع بين أكثر من دولة لنفس المنتج، نظرًا لتوفر عناصر الإنتاج أو قلة التكلفة، ثم القيام بتجميعها وتركيبها بعد ذلك كوحدة متكاملة جاهزة للبيع، كما رسخت العولمة من وجود منظمات دولية تنظم التجارة والعمل وغيرها.
وفي جانب الاستهلاك، نوعت العولمة من المنتجات، وقللت من التكاليف، وحسّنت من الجودة، لكنها رسّخت ثقافة الاستهلاك حتى في المجتمعات الفقيرة، فيما أسهمت حرية انتقال الأموال في التقلبات الفجائية باقتصاديات الدول النامية، مع اتجاه رأس المال بشكل كبير إلى البلدان العظمى. وفي نفس الوقت تعرضت البنوك للأزمات، ولعل الأزمة المالية العالمية في 2008 -وهي نتيجة لأزمات بنكية أمريكية- تحولت إلى أزمة تجوب العالم كله.
وبغض النظر عما سبق، شكلت العولمة عالم اليوم على مستوى تبادل الأفكار والثقافات، والتكامل الاقتصادي بين الدول والتكتلات، والاعتماد المتبادل بين الدول في السلع والخدمات والتقنيات ورؤوس الأموال في جميع أنحاء العالم، وباتت إحدى سمات عصر العولمة، لكن يبدو أننا أوشكنا على الاقتراب من النهاية.
في كل الأحوال لن تتوقف حركة التجارة الدولية، ولن تتراجع معظم مظاهر العولمة المختلفة. لكن، مع وجود احتمال الأزمات الدولية من المُتوقع أن يُفضي تَوَجُّه بعض القوى الكبرى نحو الانعزالية إلى مجتمعات أقل تشابكًا في الأسواق الدولية. ومن الواضح أن السياسات الحمائية الأمريكية تتجه نحو هذا المسار، ولاسيّما مع العودة إلى سياسات تضع قيودًا كبيرة على حركة التجارة مع الحلفاء والأعداء، انطلاقًا من سياسة “الدولة أولًا”، أو “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، وهي سياسة إن أفضت إلى حرب تجارية فقد تذهب بنا إلى ركود عالمي.
إن بعض الأزمات قد تدفع باتجاه انحسار العولمة الاقتصادية، مع تسارع وتيرة الأزمات الدولية؛ كالحرب الروسية في أوكرانيا، وجائحة كورونا، والمنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، وخاصة أن الأزمات تكشف مدى الهشاشة في النظام الاقتصادي الدولي، من اعتماد متبادل في خطوط الإنتاج، والاستيراد والتصدير، والمشاركة في الأفكار. وعلينا ترشيد سُبُل التعاون الدولي من خلال أداء المنظمات الاقتصادية الدولية دورًا تنظيميًّا أكبر في عملية العولمة الاقتصادية، وعدم الانغلاق على الذات، فالدول الكبرى تحتاج إلى العالم حتى تبقى كبيرة.


المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: العولمة الاقتصادیة الأزمات الدولیة الدول النامیة

إقرأ أيضاً:

هل تكون «الترامبية» نهجًا سياسيًّا؟!

تعودنا أن نسمع عبارة «التقاليد الدبلوماسية» على ألسنة القادة والساسة في الدول المدنية الحديثة، حتى أن بعض الدول تتباهى بأنها ذات تقاليد دبلوماسية عريقة. والواقع أن هناك قوانينَ دولية تحكم العلاقات السياسية بين الدول، وأعرافًا ينبغي أن تُراعى في ممارسة التقاليد الدبلوماسية بين حكوماتها. ومع ذلك، فإننا نلاحظ في الآونة الأخيرة أن هذه القوانين والأعراف السياسية الدولية أصبح يُضرَب بها عرض الحائط.

حقًّا إن هذه القوانين والأعراف كانت تُنتهك دائمًا في كل زمان ومكان، ولكن هذا الانتهاك كان يُخفى أو يُسوّغ في نوع من الاعتراف الضمني بعدم مشروعيته؛ بينما هو الآن يتم في العلن، بل في نوع من التباهي أحيانًا. هذه الحالة قد تجسدت أخيرًا بوضوح في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة دونالد ترامب، حتى أن هذه السياسة يمكن أن يُطلق عليها اسم «الترامبية».

فما السمات العامة التي تميز هذه السياسة الجديدة المناقضة للقوانين والأعراف السياسية؟ وهل يمكن أن يكون هذا المنحى الجديد نهجًا يُحتذى في العلاقات بين الدول؟ سأحاول فيما يلي إجمال سمات السياسة الترامبية (إن جاز أن نسميها سياسة):

سياسة ترامب لا تنفصل عن شخصيته أو بمعنى أدق عن شخصه، أعني لا تحافظ على مسافة بين ميوله ونوازعه الشخصية وبين سياسة الدولة التي يحكمها دستور ومؤسسات ومنظمات؛ ولذلك فإن كثيرًا من قراراته تصطدم بمنظمات المجتمع المدني، وتجد اعتراضًا ليس فحسب من جانب الحزب الديمقراطي، وإنما أيضًا من جانب أعضاء في الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه.

ومن الواضح أن السمة التي تحدد هذا المسلك هي حالة الشعور بالعظمة التي تتبدى في مسلك ترامب الرسمي وفي قراراته السياسية على السواء.

حالة الشعور بالعظمة في المسلك الرسمي قد تبدت مؤخرًا في مواقف عديدة، منها أسلوب تعامله مع بعض رؤساء الدول، ولعلنا نذكر في هذا الصدد- على سبيل المثال- لقائه منذ شهور بصحبة نائبه مع الرئيس الأوكراني زيلنسكي، وتعنيفهما له بلغة لا تليق بلغة الحوار العلني بين رؤساء الدول (رغم كل تحفظاتنا على دور ومكانة هذا الرئيس الأوكراني).

ولعلنا نتذكر أيضًا في هذا الصدد لقائه الشهير مؤخرًا مع رؤساء وقادة الدول الأوروبية في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، وهو لقاء تم بثه رسميًّا بصورة علنية تعبر عن التعامل الاستعلائي مع العالم، بل مع أوروبا نفسها: إذا بدا أن ترامب قد أراد أن يُظهِر للعالم قادة أوروبا وهم جالسون أمامه بينما يجلس هو إلى مكتبه، وكأنهم تلاميذ يجلسون إلى المُعلِّم ليلقي عليهم الدروس والتعاليم التي ينبغي أن يلتزموا بها.

ولا شك في أن قبول هؤلاء القادة لأن يكونوا في هذا الوضع المُهين هو أمر يعكس وضعًا مجافيًا لأصول العلاقات الدولية، وهو وضع يعبر عن حالة من انسحاق القوى الأوروبية إزاء الهيمنة والغطرسة الأمريكية (رغم وجود أصوات داخل هذه القوى تطالب بالتحرر من هذه الهيمنة).

يرتبط شعور ترامب بالعظمة الشخصية بإيمانه بعظمة أمريكا نفسها، وبإيمانه بأنها دولة ينبغي أن تحكم العالم. وهذا يتبدى في التدخل دائمًا في سائر شؤون العالم: في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وفي الحرب على غزة والسعي لتسوية الصراع لمصلحة إسرائيل، وفي السيطرة على البحر الكاريبي والتهديد بضرب فنزويلا، والتهديد بالسيطرة على جرينلاند، وما إلى ذلك.

على أن هذه السياسة في الهيمنة والتدخل في الصراعات حول العالم تقوم على أساليب انتهاز الفرص لاقتناص الصفقات. فالحقيقة أن ترامب لم ينس أبدًا أنه تاجر عقارات وصفقات تجارية، وراح يدير سياسة أكبر دولة في العالم بهذا المنطق نفسه. التاجر لا يعرف لغة الحوار التي تختلف عن لغة التفاوض، فالتفاوض لا يهدف سوى إلى الحصول على صفقة ما بأقل قدر من الخسائر. وهذه هي سياسة ترامب، وهي سياسة قد تبدت أيضًا في قرارات مصيرية عديدة، منها: سياسة العقوبات وفرض الضرائب على الواردات من الدول بحسب مدى انصياعها للهيمنة الأمريكية، وهي سياسة قد فشلت وكبدت ميزانية أمريكا خسائر طائلة. وروسيا ينبغي إرضاؤها من دون خسارة أوكرانيا باعتبارها مصدرًا للمعادن النفيسة.

وتهديد فنزويلا بالحرب، لا من أجل القضاء على المخدرات، وإنما بهدف الهيمنة عليها وضمان تبعيتها باعتبارها تنطوي على أكبر مخزون نفطي في العالم. وإعادة إعمار غزة بهدف إنشاء ريفيرا جديدة؛ واتفاقية السلام من أجل إعادة رسم فلسطين ديموجرافيًا لمصلحة الكيان الصهيوني الذي هو مجرد ذراع قوية لهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط.

ويرتبط الشعور بالعظمة بحالة من العنصرية التي تتحيز للعرق الأبيض على حساب أية أعراق أخرى. تبدى هذا مؤخرًا في القرار الصادم الذي اتخذه ترامب (في أواخر شهر نوفمبر)، الذي يحظر الهجرة من دول العالم الثالث إلى أمريكا، ومراجعة أوراق ملايين المهاجرين من الأعراق الأخرى، بل إنه قام بسب أكثر هؤلاء بأقذع الألفاظ، وبأنهم عالة على أمريكا، من دون وعي أو مراعاة لحقائق تاريخية تتعلق بالدور الفاعل لكثير من المهاجرين في سائر نواحي الدولة، بما في ذلك ما يتعلق بالأمور العلمية. السؤال الذي يبقى هو: هل هذه السياسة الترامبية يمكن أن تؤثر على السياسات العالمية باعتبارها نموذجًا يُحتذى؟ الرأي عندي أن هذه السياسة فاشلة تمامًا؛ فهي وإن كانت تدرك التغير الهائل في موازين القوى الدولية، إلا أنها تتجاهل ذلك باستمرار في اتخاذ قرارتها. وهذا الفشل يتبدى بشكل واضح في تراجع شعبية ترامب نفسه داخل بلده، وفي تراجع مكانة الولايات المتحدة نفسها.

مقالات مشابهة

  • غدًا.. انطلاق الفعاليات الدولية الكبرى لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا
  • هل تكون «الترامبية» نهجًا سياسيًّا؟!
  • البحوث الزراعية: مؤتمر الفاو يستعرض التقارير الإقليمية ويضع رؤى مستقبلية للغذاء عالميًا
  • المشاط: جائزة القيادة الدولية تعكس جهود مصر في تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية الفاعلة
  • وكيل «دائرة التنمية الاقتصادية»: أبوظبي أحد أكثر الاقتصادات مرونة واستعداداً للمستقبل
  • ترامب: أوروبا تمضي في اتجاهات لا تُحمد عقباها
  • لميس الحديدي تهاجم “فيفا” بسبب إقامة مباراة إيران ومصر تحت شعار "فخر المثليين"
  • تحسن أداء المؤشرات الاقتصادية بشهادة المؤسسات الدولية
  • فيديو جراف.. الوزراء: بفضل الإصلاحات تحسن أداء المؤشرات الاقتصادية بشهادة المؤسسات الدولية
  • سيف بن زايد: جائزة الاتحاد للطيران الكبرى للفورمولا-1 تبرز تميّز الإمارات في تنظيم الفعاليات الدولية