بسم الله الرحمن الرحيم
السودان بعد أن ألحت عليه الخطوب، وألحفت عليه الكوارث، هل يستطيع أن يحتفظ بقوميته؟، يحتفظ بوحدته وشعوره، وبمثله العليا وعقله، هل تستطيع أقاليمه، ومدنه، وقراه، بعد هذه الأحداث العظيمة التي هزتها، أن تنخرط في غير عنف ولا اكراه، بعد أن تضع الحرب أوزارها، في نفس الوحدة التي كانت عليها؟، وحدة التفكير، والشعور، والآلام، والأمال، هل ستظل محتفظة بهذا كله؟ أم تنقسم ولاياته وتستقل بعضها عن بعض؟
الشيء الذي استطيع أن أجزم به وأنا مطمئن، أن شعب السودان على اختلاف شرائحه، وسحنه، وطوائفه، ليس بحاجة إلى فطنة أو ذكاء، حتى يحكم على الأشياء حكماً صحيحاً أو مقارباً، فالشعب الذي نفذت بصيرته، وأصبح عقله قادراً على أن يفهم الساسة حينما يتحدثون، حتماً سيبتغي إلى الوحدة وسائلها، وسيسلك إليها سبلها، وسيكون مهيأً دائماً لأن ينهض بواجباتها، لأنه مستيقن بقلبه، وعقله، أن أبغض شيء إليه، وأنآه عنه، هو الفرقة والتشرذم.
السودانيون المقيم منهم أو الظاعن، المطمئن أو القلق، الموسر أو المعسر، سيجدون في أنفسهم هذه المشاعر الفياضة التي لا ينكرها إلا المكابرون، مشاعر الألفة والتضامن التي تملك القلوب، وتسيطر على الضمائر، سنرى مهد العصبية سيهجر أو كاد يهجر، وسيعود الناس إلى سجيتهم القديمة، يعودون إلى سماحة طبعهم، ونبل أخلاقهم، وستخضع تلك القبائل النافرة التي أشعلت أوار الحرب إلى ما يبتغيه الأغلبية، وسيخوضون مع هذه الأغلبية فيما يخوضون فيه، وستفرض عليهم بنود الوحدة التي يأنفون منها حتى يأخذوا بحظ منها، وسيكون التعليم هو سبيل هذا الأخذ، حينها تتحقق الصلة بينهم وبين الوحدة دون إكراه، أو ارغام، أو عنف، نعم هذا ما سيتحقق، كل هذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن الوحدة كامنة بعقل السواد الأعظم من هذا الشعب وبشعوره ووجدانه ومتربعة في حناياه.
لقد صاغت الحرب عقولنا، ولعل من مأثرها أننا لن نتردد ولن نتلكأ في أن تجري الأمور على هذا النحو بيننا وبين من أشعلوا نائرتها، سنظل على هذه الخصومة المتصلة، والحرب التي لا تأصرها آصرة، حتى تثوب تلك القوى إلى رشدها، ولن نتركها تمضي هائمة حتى ندبر لها حبالاً وثيقة حول أعناقها، نفعل ذلك حتى تبقى الصلة متينة بيننا وبين ماضينا التليد، الذي لا يجوز التفريط فيه، فنحن أمة لا تعنو إلى قهر، أو تطمئن إلى غضاضة، و"محل الرهيفة تنقد" كما يقول المثل السوداني.
د.الطيب النقر
nagar_88@yahoo.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
مبعوثة أوروبية: لابد من إنهاء حرب السودان والحل الوحيد التفاوض
قالت مبعوثة الاتحاد الأوروبي لمنطقة القرن الأفريقي، الدكتورة أنيت ويبر، إن الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع تسببت في دمار مروع وإنه لا يمكن القبول باستمرارها، مؤكدة أن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو عبر التفاوض المباشر بين طرفي النزاع.
وأضافت ويبر، خلال مقابلة مع قناة الجزيرة، أن الاتحاد الأوروبي يراقب الأوضاع في السودان بقلق بالغ، لا سيما في ظل تعاظم المعاناة الإنسانية واستهداف المدنيين في مناطق عدة، مشددة على ضرورة أن تبذل دول الإقليم مزيدا من الضغط على طرفي الصراع لدفعهما نحو وقف إطلاق النار وبدء محادثات سياسية.
وأوضحت أن تركيز الاتحاد الأوروبي ينصب حاليا على الحفاظ على فاعلية الدولة السودانية، مشيرة إلى أن نحو 14 مليون سوداني أصبحوا عالقين في الداخل، في حين لجأ آخرون إلى دول الجوار، الأمر الذي يهدد بتفكك مؤسسات الدولة وانهيار بنيتها التحتية.
وشددت ويبر على أن الاتحاد الأوروبي يعمل مع جميع الأطراف لإيصال المساعدات الإنسانية، مؤكدة الحاجة إلى اتفاق يحمي المرافق الحيوية مثل محطات المياه ومولدات الكهرباء التي تعتمد عليها المستشفيات، وذلك لتخفيف آثار الأزمة المتفاقمة.
الحسم العسكريوقالت إن الاتحاد حاول التواصل مع طرفي النزاع لضمان عدم استهداف البنية التحتية، مضيفة أن غياب المفاوضات منذ اجتماعات جدة عام 2023 يعكس إصرار الطرفين على الحسم العسكري، وهو ما يفاقم معاناة المدنيين ويمدد أمد الحرب.
إعلانوفي معرض حديثها عن التطورات السياسية، لفتت إلى أن تعيين حكومة جديدة في السودان قد يفتح المجال لتعزيز الاستقرار، لكنها أكدت أن هذه الخطوة لن تكون كافية ما لم تتوقف الحرب التي تمزق البلاد.
وأضافت ويبر أن هناك فرصة للخروج من هذا "النفق المظلم" إذا وُجدت إرادة حقيقية للسلام، مؤكدة أن استمرار الصراع سيؤدي إلى انهيار إقليمي شامل، مما يفرض على جميع الأطراف، محليا ودوليا، التحرك بسرعة قبل فوات الأوان.
وأكدت أن مفتاح الحل يبدأ بوقف إطلاق النار الفوري ثم الانتقال إلى مفاوضات جدية بين الأطراف، مشيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي مستعد لتقديم الدعم السياسي والإنساني، لكن مسؤولية تحديد مستقبل البلاد تقع على عاتق السودانيين أنفسهم.
رؤى متباينةوأشارت إلى أن لدى الطرفين رؤى متباينة بشأن مستقبل السودان، مما يتطلب حوارا عميقا يُفضي إلى رؤية مشتركة لمستقبل مدني وسياسي، يشارك فيه المجتمع المدني بقوة إلى جانب الدعم الإقليمي والدولي.
ورأت ويبر أن الضغوط السياسية لا يجب أن تقتصر على العقوبات الغربية، بل يجب أن تتوسع لتشمل ضغوطا داخلية من المجتمع السوداني نفسه، الذي عليه أن يرفع صوته رافضا استمرار الدمار وانهيار البلاد.
وأكدت أن العقوبات وحدها لم تفلح حتى الآن في إجبار الطرفين على تغيير مواقفهما، مضيفة أن تقديم بدائل إيجابية ومقترحات لبناء الدولة هو ما يمكن أن يحدث فارقا حقيقيا، لأن السودانيين يحتاجون إلى رؤية أمل لما بعد الحرب.
وأشارت ويبر إلى أن الحديث عن إعادة الإعمار أو تطوير البلاد لا يمكن أن يتحقق ما دامت الحرب مستمرة، مؤكدة أن المسار الوحيد الذي يمكن أن يفضي إلى ذلك يبدأ من وقف القتال والجلوس إلى طاولة المفاوضات.
ومنذ اندلاع النزاع في أبريل/نيسان 2023، بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أسفرت الحرب عن سقوط أكثر من 20 ألف قتيل، ونزوح قرابة 14 مليون شخص.
إعلان