الرأسمالية الترامبية تحوّل جذري في النظام الاقتصادي الأميركي
تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT
على مدار العقود الماضية، ساد النظام الرأسمالي العالمي بمبادئه التي ترسخت بعد الحرب العالمية الثانية، مستندًا إلى اقتصاد السوق الحر والتكامل الاقتصادي الدولي.
غير أن فترة حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب حملت تغيرات جوهرية هزّت أسس هذا النظام، وأعادت تشكيل طبيعة العلاقة بين الدولة ورأس المال.
فقد تبنّت "الترامبية" نهجًا جديدًا يقوم على الحمائية القومية، وازدياد نفوذ الشركات الكبرى، وتقليص دور الدولة في الاقتصاد لصالح قوى الأوليغارشية الاقتصادية (شكل من أشكال الحكم بحيث تكون السلطة محصورة بيد فئة صغيرة تتميز في هذه الحالة بالمال).
يرى محللون أن وصول ترامب إلى السلطة شكّل نقطة تحوّل في النظام الرأسمالي السائد منذ عام 1945، إذ تعمدت سياساته تفكيك القواعد التي قامت عليها منظمة التجارة العالمية، وفرضت قواعد جديدة تضع مصلحة الولايات المتحدة فوق أي اعتبارات أخرى.
ويطرح أناتول كاليتسكي، المؤسس المشارك لشركة جافكال دراغونوميكس وكاتب في رويترز، تساؤلًا جوهريًا حول ما إذا كانت هذه التغيرات تمثل "نهاية البداية" لرأسمالية جديدة أشد توحشًا.
أحد أبرز ملامح الرأسمالية الترامبية هو السعي إلى إعادة هيكلة الدولة الأميركية العميقة ومؤسساتها الاقتصادية والأمنية، بعد اتهامها بالفساد والعجز البيروقراطي. وقد عكست سياسات ترامب، ومن بعده أنصاره، توجهًا نحو منح الشركات الكبرى دورًا أكبر في إدارة الحكومة، وهو ما تجسد في تعيين شخصيات بارزة من رجال الأعمال في مناصب حكومية حساسة.
إعلانويبرز هنا الدور المحوري لـإيلون ماسك، الذي أصبح جزءًا أساسيًا من منظومة صنع القرار الأميركي، من خلال شركاته الضخمة مثل "تسلا" و"سبيس إكس" مما مكّنه من تحقيق مكاسب اقتصادية وإستراتيجية غير مسبوقة.
الأوليغارشية الرقميةتمثل "الترامبية الثانية" تحولًا أكثر تطرفًا في الرأسمالية، حيث تندمج الحمائية القومية مع سيطرة قلة من الأثرياء على القرار الاقتصادي والسياسي. ويحدد الدكتور إبراهيم أوزتورك، أستاذ الاقتصاد في جامعة دويسبورغ-إيسن، 3 ملامح رئيسية لهذا التحول:
الحمائية الاقتصادية: فرض تعريفات جمركية مرتفعة لحماية الصناعة المحلية وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية. الأوليغارشية الشركاتية: تعزيز نفوذ الشركات الكبرى بحيث تصبح جزءًا من الحكم وليس فقط الاقتصاد. الإقطاع الرقمي: تحوّل الأسواق إلى منصات تديرها شركات تكنولوجية عملاقة مثل أمازون وغوغل، مما يؤدي إلى احتكار الاقتصاد. إعادة توزيع السلطة والثروةيحاول ترامب وأنصاره من حركة "ماغا" (MAGA) إعادة هيكلة الرأسمالية الأميركية بحيث تصبح أكثر انحيازًا لفئة محدودة من رجال الأعمال الكبار، على حساب البيروقراطية التقليدية والنخب الأكاديمية.
ويُشير أدريان وولدريدج، كاتب في بلومبيرغ، إلى أن هذا التوجه يعكس طموح فئة من الأثرياء الذين يرفضون "القيود التنظيمية الحديثة" ويريدون إعادة تعريف دور الحكومة بما يخدم مصالحهم المباشرة.
تبنّى ترامب سياسات حمائية صارمة، رافعًا شعار "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" وفرض تعريفات جمركية باهظة على الواردات من الصين وكندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي.
ووفقًا لسيمون جونسون، من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، فإن هذه السياسات أدت إلى نتائج مزدوجة. فمن ناحية، عززت أرباح الشركات الأميركية الكبرى، لكنها في المقابل زادت من تكاليف المعيشة وأدت إلى خسائر وظيفية بالقطاعات الصناعية.
إعلان الإقطاع الرقمييرى الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي أن "العالم القديم يحتضر، أما الجديد فيحتاج إلى وقت ليظهر". وينعكس هذا المفهوم في ظهور "الإقطاع الرقمي" حيث تتجه القوة الاقتصادية نحو احتكار تكنولوجي مطلق.
وقد أشار الكاتب اليوناني يانيس فاروفاكيس في كتابه "الإقطاع التكنولوجي" إلى أن الأسواق التقليدية يتم استبدالها بمنصات رقمية تحت سيطرة شركات عملاقة، مما يجعل الدخول إلى عالم الاقتصاد الحديث مشروطًا بالخضوع لهذه المنظومة.
العملات المشفرة أداة للهيمنة الماليةجزء من التحوّل الترامبي يتمثل في استغلال العملات المشفرة كوسيلة لإعادة توزيع السلطة المالية. فمع تزايد استثمارات ترامب ومستشاريه في هذا المجال، بات واضحًا أن هناك محاولة لإنشاء منظومة مالية بديلة تستفيد منها النخب الاقتصادية الجديدة.
ووفقًا لتحليل بنيامين تي جونز في منصة "ذا كونفرسيشن" فإن هذا الاتجاه قد يؤدي إلى تعزيز سلطة الأوليغارشية الاقتصادية وتقليص دور الدولة في التحكم بالنقد والسياسة المالية.
لا تقتصر السياسات الترامبية على الداخل الأميركي، بل تمتد إلى استغلال موارد الدول الأخرى بوسائل متعددة. ويشير كتاب "طغيان الجشع" لتيموثي ك. كوهنر إلى أن النظام الاقتصادي الأميركي بات أكثر انحيازًا لمصالح الشركات الكبرى، على حساب الدول الفقيرة التي تُنهب ثرواتها بطرق مختلفة، سواء عبر السياسات التجارية المجحفة أو عبر النفوذ المالي والتكنولوجي المتزايد.
ويبدو أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء مرشحة للاتساع في ظل استمرار هذه السياسات. فالرأسمالية الترامبية تسير نحو نموذج اقتصادي يمنح الثروة والسلطة لأقلية، بينما يترك غالبية المواطنين يواجهون تكاليف معيشية متزايدة وفرص عمل محدودة.
ويبقى السؤال المطروح: هل نحن أمام نظام اقتصادي جديد يعيد تشكيل مستقبل العالم، أم أن الترامبية مجرد مرحلة عابرة ستواجه مقاومة داخلية وخارجية؟ هذا ما ستكشفه السنوات القادمة.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان الشرکات الکبرى
إقرأ أيضاً:
WSJ: أمريكا محبطة من عدوانية إسرائيل ضد النظام الجديد في سوريا
حللت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير أعده دوف ليبر، ملامح التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن النظام السوري الحالي الذي تتعامل معه واشنطن كحليف جديد لها، وتريد من إسرائيل المضي معها في موقفها. وأشارت الصحيفة إلى أن الموقف الإسرائيلي العدواني تجاه الحكومة السورية الجديدة يتناقض مع موقف واشنطن.
ويريد الرئيس دونالد ترامب حلا سريعًا للتوترات المستمرة منذ عدة عقود بين سوريا وإسرائيل. وبعد انهيار نظام بشار الأسد وسعت إسرائيل من وجودها داخل الأراضي السورية على مدى 155 ميلا مربعًا ولا تزال تسيطر عليها، وقامت منذ ذلك الحين باعتقالات ومصادرة أسلحة وشنت غارات جوية على جنوب البلاد.
تعثر المحادثات
وفي الصيف شنت الطائرات الإسرائيلية غارات على العاصمة دمشق في محاولة قالت إنها للدفاع عن الأقلية الدرزية، ذات العلاقة القوية مع إسرائيل، وقام الرئيس ترامب بناءا على مطالب من السعودية وتركيا برفع العقوبات عن الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، حيث أثنى على الجهادي السابق ووصفه بـ"الرجل الشاب والجذاب" و "يقوم بمهمة جيدة".
وتضيف الصحيفة أن الانقسام بين سوريا وإسرائيل ظل مصدر إحباط لواشنطن، التي دعمت إسرائيل في حروبها مع حماس وحزب الله وإيران، وتقول، إن الولايات المتحدة تتوسط في محادثات بشأن اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل، من شأنه أن يمهد الطريق لسلام طويل الأمد، إلا أن هذه المحادثات تبدو متعثرة.
الشرع يرفض..."نزع السلاح سيخلق فراغًا أمنيا"
وفي ظل وقف إطلاق النار في غزة وجهود جديدة لإنهاء القتال في أوكرانيا، يدعو ترامب إسرائيل إلى إبرام هذا الاتفاق. ويؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن مثل هذا الاتفاق لا يمكن تحقيقه إلا إذا قبلت سوريا بنزع سلاح الأراضي الممتدة من جنوب دمشق إلى الحدود الإسرائيلية، وهو مطلب يرفضه الشرع، الذي يرى أنه سيخلق فراغًا أمنيا في جنوب سوريا.
وتضيف الصحيفة إن هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر ،علمت إسرائيل ألا تقايض مصالحها الأمنية لإرضاء جيرانها أو الولايات المتحدة. وهي تتعلم اليوم من أخطاء انسحاب قواتها من غزة في عام 2005 ومن جنوب لبنان في عام 2000. ونقلت الصحيفة عن عن يعقوب أميدرور، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق قوله: "من السهل المخاطرة في واشنطن، لكن الأمر أكثر خطورة في مرتفعات الجولان، فالوضع قريب جدا".
ترامب يحذر من عوائق تعرقل مسيرة سوريا
ولم ينتقد ترامب إسرائيل علنا بسبب سياستها تجاه سوريا، لكنه أوضح ما يريده. وكتب في منشور على موقع "تروث سوشيال" مطلع هذا الشهر: "من المهم جدًا أن تحافظ إسرائيل على حوار قوي وحقيقي مع سوريا" و"يجب ألا يحدث أي شيء يعيق مسيرة سوريا نحو الازدهار"، وتظهر المواقف الإسرائيلية من سوريا، طريقة تعامل "تل أبيب" مع المخاطر الأمنية منذ هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وتلقي المؤسسة الأمنية الإسرائيلية باللوم على القيادة السياسية لعدم قدرتها على التنبؤ بالهجمات التي قادتها حماس، وذلك لفشلها في التصدي للتهديدات على طول حدودها، ومنذ التوصل إلى وقف إطلاق النار مع حزب الله في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، أبقت إسرائيل على وجود عسكري داخل لبنان قرب حدودها، ونفذت غارات جوية شبه يومية تقول إنها تهدف إلى إحباط محاولات المليشيا اللبنانية لإعادة التسلح.
"إسرائيل" قوة تسعى للحرب الدائمة
لكن حتى في إسرائيل، يخشى بعض الجنرالات السابقين وخبراء الأمن من أن نتنياهو يبالغ في رد فعله تجاه سوريا المجاورة، ما يهدد علاقة إسرائيل مع حليفها الأهم، الولايات المتحدة، ويُرسخ صورة إسرائيل كقوة إقليمية تسعى للحرب الدائمة.
ونقلت الصحيفة عن أفنير غولوف، المدير السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي قوله إن "المخاطر في سوريا أقل من أي مكان آخر، وإذا كنتم تريدون من ترامب أن يكون إلى جانبكم في العديد من القضايا الأكثر أهمية وخطورة، فهذه هي الورقة التي يجب أن تدفعوا بها".
ويدعو غولوف إلى حل وسط سريع بشأن اتفاقية أمنية مع سوريا تسمح للقوات السورية بتسيير دوريات في المناطق القريبة من حدودها، مع حظر وجود الأسلحة الثقيلة أو القوات التركية. وأضاف أن إسرائيل بحاجة إلى الانتقال من "استعراض القوة العسكرية إلى بناء قوة دبلوماسية".
ويأمل ترامب في ضم سوريا إلى اتفاقيات "أبراهام"، وقال مسؤولون إسرائيليون وسوريون وأمريكيون بأن الوقت ما زال مبكرًا لذلك، وأن على الطرفين أولا الاتفاق على الأمن. ومن المرجح أن يكون هذا الاتفاق مشابهًا لاتفاقية عدم الاعتداء السابقة لعام 1974 التي أنشأت منطقة عازلة منزوعة السلاح.
"سوريا تستجيب و"إسرائيل" لا تبادر بالمثل"
توم باراك، مبعوث ترامب إلى سوريا وسفيره لدى تركيا، قال إن: "الحكومة السورية تستجيب لمطالب واشنطن المتعلقة بإسرائيل، لكن الإسرائيليين لا يبادلونها بالمثل"، وفي مقابلة مع صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية نشرت يوم الجمعة، قال باراك عن سوريا: "إنهم يفعلون كل ما نطلبه منهم، وندفعهم نحو إسرائيل". وأضاف: "إسرائيل لا تثق بهم بعد، لذا فالأمر أبطأ قليلًا".
وقد ظلت الحدود بين إسرائيل وسوريا من أهدأ الجبهات خلال فترة حكم الأسد، الذي كان حليفًا مقربًا من إيران. وسمح الأسد لطهران ببناء قوة وكيلة على حدود إسرائيل وتهريب الأسلحة عبر سوريا إلى حزب الله، الذي بدوره ساعد نظام الأسد على قمع خصومه الداخليين.
محاولات إبقاء سوريا ضعيفة ومنقسمة
ويعارض الرئيس السوري الجديد وأتباعه طهران. لكن إسرائيل لا تزال تشك في الإدارة، التي كان العديد من أعضائها جزءًا من تنظيم القاعدة. كما تشك إسرائيل في قدرة الشرع على توحيد سوريا، بتنوعها العرقي والطائفي والديني، نظرا للانقسامات العميقة التي تحولت إلى عنف خلال العام الماضي بين الأغلبية السنية والأقليات، بما في ذلك العلويين والأكراد والدروز، وينظر في سوريا والولايات المتحدة والشرق الأوسط عامة إلى محاولات إسرائيل لإبقاء سوريا ضعيفة ومنقسمة على أسس عرقية، مما يقوض جهودهم لمساعدة الشرع على توحيد البلاد.
وبينما تطيل إسرائيل أمد المفاوضات الدبلوماسية مع سوريا، اندلعت جولات من القتال. وفي أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، دخلت القوات الإسرائيلية بلدة بيت جن، التي تبعد أقل من 16 كيلومترا عن الحدود مع إسرائيل، لاعتقال اثنين من المشتبه بهم في الانتماء إلى جماعات مسلحة. وأسفرت الاشتباكات التي تلت ذلك عن مقتل 13 سوريا على الأقل، وإصابة ستة جنود إسرائيليين، وفقا للجيش الإسرائيلي والتلفزيون السوري الرسمي.
وفي تلك الليلة، تجمع سوريون في دمشق للاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لسقوط الأسد، حيث أحرق بعض الأشخاص أعلامًا إسرائيلية. وفي هذا الأسبوع، أعربت إسرائيل عن قلقها للولايات المتحدة بشأن مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر، على ما يبدو، جنودا سوريين يسيرون في شوارع دمشق، ضمن احتفالات الذكرى السنوية، وهم يهتفون تأييدًا لغزة، ويهددون إسرائيل بشكل واضح.
وقال مسؤول إسرائيلي إن إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة الطلب من سوريا إدانة تلك الهتافات. وقالت كارميت فالنسي، رئيسة برنامج سوريا في معهد دراسات الأمن القومي، وهو مركز أبحاث مقره تل أبيب:"من الواضح أن هناك تصعيدا في الموقف ونبرة أكثر تشددا تجاه إسرائيل في الأسابيع الأخيرة.
"إسرائيل تخوض حربا ضد أشباح"
وفي مشاركة بقطر نهاية الأسبوع الماضي، ندد الشرع بتوسيع إسرائيل لمنطقتها العازلة، واصفا إياه بالخطير واتهمها بمحاولة التهرب من مسؤوليتها عما وصفه بـ"المجازر المروعة" في غزة، وإثارة شبح هجوم آخر على غرار هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر عبر حدودها دون مبرر. وقال الشرع: "أصبحت إسرائيل دولة تخوض حربا ضد أشباح".
وقال ويليام ويكسلر، المدير الأول لبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلنطي بواشنطن، إنه التقى قبل فترة بمسؤولين حكوميين بارزين في دمشق، والذين أبدوا انفتاحًا للعمل مع إسرائيل للتركيز على مشاكل أخرى تواجهها، بما في ذلك العنف الطائفي. وأضاف ويكسلر أن فرصة هذه الشراكة تتضاءل، وأن الموقف الإسرائيلي العدائي يدفع سوريا نحو أحضان تركيا، الداعمة للشرع والعدوة لإسرائيل.