أعرف زميلا عربيا مقيما في قطر وكان لاجئا في إحدى الدول الأوروبية المرموقة والتي تدعي حداثة ورقيا وحفظها لحقوق الإنسان حتى حظي هو وأسرته بجنسيتها لاحقا وكانت عائلته مقيمة هناك وحاول مرات عدة جلب عائلته إلى الدوحة رغم المميزات التي قال إن أسرته تحظى بها هناك من تعليم وصحة ومعيشة ككل ونجح الحمدلله في أن يستقر مع عائلته في الدوحة ولذا سألته ولم كنت تحاول أن تستقدم أسرتك مع تواجد كل هذه الميزات المجانية؟! فأجابني بأن في قطر ما يفوق هذه الميزات فلاحظ استغرابي فاستكمل قائلا:
هنا الأمان الذي أفتقده لعائلتي هناك وهنا أستطيع أن أربي (بناتي) اللائي اقتربن من سن المراهقة على الشريعة والأخلاق والالتزام ولا يستطيع أحد أن يتدخل في تربيتي لهن بالصورة المحافظة التي أريدها أن يكبرن عليها أما هناك فأنا وأم البنات كنا مهددين بسلب بناتنا منا في أي لحظة فهل تتخيلين أن الفتيات حينما يلعبن في الشقة ويصدران صخبا في اللعب نتفاجأ بتواجد الشرطة على الباب يطرقون الباب بشدة بعد شكوى كيدية من الجيران بأن بناتي يتعرضن لعنف أسري داخل البيت فيصدمون بأن الفتيات كن يلعبن ببساطة ولم يتعرضن لأي سوء بل وأزيدك من الشعر أبياتا فهل تتخيلين أن المعلمات والمعلمين في المدرسة ينادين بناتي للسؤال عن معيشتهن داخل المنزل وهل منهن من يتعرض لسوء معاملة أو أن يكن مجبورات على أمر هن كارهات له ؟! الوضع لم أستطع تحمله خصوصا وإن بناتي اقتربن من سن المراهقة وكنت أخشى أن يصعب علي ضبطهن بالصورة التي أتمناها أنا ووالدتهن لهن إذا ما كبرن وباتت إغراءات أوروبا تلمع في عيونهن ناهيكم عن إغراءات زميلاتهن المتحررات ولذا فإنني حاولت أن أستقدم عائلتي وأستوفي الشروط كاملة لأتمكن من تفادي كل هذا الجحيم الذي باتت عائلتي بين الحين والآخر تعيشه هناك والحمدلله نحن مقيمون اليوم في قطر بصورة نظامية ولم نتشتت كما كنا نخشى.
كنا قد حذرنا من عالم (المثلية) الذي يهدد العرب والمسلمين هناك فإذا بخطر خطف الأطفال من ذويهم الخطر الآخر الذي يضاهي الأول قسوة وألما ووحشة وغربة أشد من غربة الجسد الذي سافروا به إلى أوروبا فماذا يعني أن يترصد هؤلاء بأطفال المسلمين هناك وتصيد أي عثرة ليست في قانونهم الوضعي السقيم لانتزاع هؤلاء الأطفال من أهلهم ودون مبالاة لكمدهم وحرقتهم وكأنهم ينتزعون جمادا وليس فلذات أكبادهم من أحضانهم؟! فهل هذه حداثة الغرب الذي لطالما ضج أسماعنا برقيه وحقوق الإنسان لديه وهو والله أبعد من أن يكون على قدر هذه الدعاية الواهية الهشة؟! فكثير من المقاطع الحية تصدّرها لنا مواقع التواصل الاجتماعي لمشاهد تكمد القلب تصور انتزاع الشرطة ومدعي حقوق الإنسان في أكثر من دولة أوروبية لأطفال صغار وبعضهم لم يصل لعمر الثلاث والخمس سنوات وهم يبكون بحرقة وسط صيحات الآباء والأمهات بعد انتزاعهم انتزاعا من أحضان والديهم ولأسباب أقل ما يقال عنها إنها تافهة بينما يغضون النظر عن بيوت مواطنيهم الذي لا تخلو أغلبها من تواجد المدمنين وغير المؤهلين لرعاية أطفالهم أو حتى إنقاذ المشردين في الشوارع ممن يحملون جنسية بلادهم الأصلية ولكنها (فوبيا العرب والمسلمين) المسلطة على رقابهم والحقد الدفين المختزن في قلوبهم السوداء هو من يحركهم تجاه هؤلاء الذين هربوا من حروب أوطانهم الأليمة إلى من كانوا يظنون أنها بلد الأحلام وتحقيق الأماني وبناء مستقبل باهر لأبنائهم فإذا بجحيم أوطانهم جنة لهم ولذا لا تجعلوا من إغواءات وإغراءات أوروبا الضعف الذي تذوبون في حباله دون تفكير وإنني أتمنى أن تثير حكومة أي دولة عربية هذه القضية الشائكة في أي مباحثات تجمعها مع حكومة أي دولة أوروبية ممن تكثر فيها هذه الحوادث المؤسفة والتي تستهدف العرب والمسلمين على حد سواء فلعل الله يأتي بالخير بعد هذا الاهتمام الذي نرجو.. لعل إن شاء الله.
ابتسام آل سعد – الشرق القطرية
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی قطر
إقرأ أيضاً:
حكاية موت يتكرر في غزة: أشرف شبات وعماد عبد الجواد
بعد أن غرز الجوع انيابه في أمعاء أطفالهم في خيام النزوح ومراكز الايواء في رحلة نزوح مؤلمة حملتهم من بلدة بيت حانون التي طالما كانت تتربع بزهوٍ على سلة خضار طيب المذاق تعرفه قرى ومدن محافظات غزة ، حمل عشرات الالاف من ابناء البلدة كسواهم ما خف من امتعتهم نزحوا في بداية العدوان إلى الجنوب لكنهم عادوا إلى بلدتهم التي ترعرعوا في مروجها الخضراء حاولوا ترميم بيوتهم المدمرة وزراعة حواكيرهم ومئات الدونمات لكن العدوان باغتهم مرة اخرى واضطروا لتجرع كأس النزوح مرة اخرى وهذه المرة نصبوا خيامهم البالية في شوارع مدينة غزة وحطوا الرحال في بعضٍ مراكز الايواء المزدحمة .
الشاب / اشرف احمد شبات
ورفيق رحلته الأخيرة الدكتور / عماد عبد الجواد ابو زريق ، مع اشتداد جائحة المجاعة وبعد أن بات الجوع ينهش أمعاء أطفالهم ، ذهبوا عدة مرات يبحثون عن ما يمكن العثور عليه لسد الرمق في منطقة تطل على بلدتهم بيت حانون نجحوا مرات رغم ازيز الرصاص ودوي المدافع، لكنهم صباح يوم الجمعة الموافق ٢٠ / ٦ /٢٠٢٥ ذهبو بصمتهم المعتاد جمعوا ما تيسر لهم من أوراق الشجر وبعضٍ مما زرع ، لكنهم لم يعلموا ان شبح الموت يخيم فوقهم في طريق العودة وهناك على شارع صلاح الدين حيث تتمركز في السماء طائرات الموت باغتتهم بصاروخ مزق اجسادهم التي تناثرت وغدت أشلاء دون أن يعلم أحد عن هذا المصير مثلهم مثل المئات الذين يقتلون يومياً بقصف وقنص لا يتوقف، على وقع الامل كان الأهل ، آبائهم وأمهاتهم اخوتهم وزوجاتهم واطفالهم والجوع ينهش أمعائهم ينتظرون بقلق لهذا الغياب المقلق ، اهالي غزة اعتادوا أن مثل هذا الغياب لما بعد غروب الشمس وحلول الظلام ينبىء بالخبر السيئ فبدأ ذوي اشرف وعماد بالبحث والتحري عن المكان المتوقع توجههم اليه ناشدوا الجهات الدولية الصليب الأحمر والهلال الأحمر البحث عنهما والمساعدة في الحصول عن اي معلومة يمكن الاستفادة منها لكن دون جدوى ، حينها قررت عائلة اهل الشهيد اشرف شبات البحث بأنفسهم عنهما وفي صباح يوم السبت ٢١/٦/٢٠٢٥ ذهبا تحت هدير الطائرات وأزيز الرصاص تحت غطاء من الكواد كابتر اللعينة وبعد استفسارات من بعض سكان المنطقة الذين ما زالوا تحت الخطر تبين ان المنطقة تعرضت لقصف عنيف وان جثثٍ لمجهولين تطايرت في المكان عصر يوم الجمعة مما زاد من الريبة والشك لمصير أبناءهم المتوقع ،في ساعات مساء الجمعة كان الليل يلف المنطقة وتنتشر بها عدد كبير من الكلاب الضالة التي تنهش جثامين الشهداء كل يوم وبسبب صعوبة الوضع عاد الشباب دون العثور عن من يبحثون ، لكن بعض الشباب من ال شبات قرروا المحاولة يوم السبت رغم شبح الموت وقد عززت شكوكهم المحزنة عندما شاهدوا الكلآب تتقاطر مجموعات على زوايا معينة تلتهم الأشلاء ، خاطروا بحياتهم وتنقلوا من بيت لبيت بحذر شديد وبخطر أشد حملوا معهم ادوات تساعدهم على حمل جثامين الشهداء مثل كروسة يد وبطانية وعصي لمواجهة الكلآب التي باتت تسرح وتمرح في المنطقة دون رادع وقد غدت منطقة تسكنها الأشباح ، بحث الشباب على اطراف الشوارع وجذوع الشجر هناك كانت اشلاء الشهيد اشرف شبات متناثرة حيث تعرف شقيقه عليها من هويته الشخصية وبطاقة الصراف التي مزقتها الشظايا وعلى بعد أمتار قليلة تم العثور على جثة رفيقه الدكتور عماد ابو زريق متناثرة الأشلاء على اطراف الطريق ، جرى كل ذلك في مغامرة تتكرر كل يوم للبحث عن مفقود سرعان ما يكون قطيع الكلاب هو الدليل القاطع على وجود اشلاء بشرية في الجوار ، جمعوا اشلاء من احبوا لفوها بالبطانية ووضعوها على الكروسة وطائرات الاكواد كابتر تزأر وترشق رصاصها المسموم في كل صوب ، لكن بفعل عزيمة الشباب وقوة روابط الاخوة نجحوا في تأمين وصول جثث الشهيدين إلى غرب مستشفى الدرة ، لكن المفاجئة التي تدمع لها العيون كانت اثناء تجميع الجثث كل على حدة بان قدم احد الشهداء لا زالت ناقصة وبقيت في المكان فقرر شقيقه الا يتركها لتنهشها الكلآب وعاد مخاطراً إلى ان استعادها لتكتمل الجثة باطرافها الاربع ، انها قدم الشهيد هذه هي اشرف من رأس كل الذين يستخفون بأرواح الناس ودماء الأطفال ويعتبرونها من شرفات فنادقهم خسائر تكتيكية يمكن اعادة إنتاجها ،، وبعد ان تمت عملية استعادة الجثامين بدت إجراءات التشييع والدفن في وداع مؤلم وقاسٍ من ذوي الشهداء ومواراتهم الثرى في مقبرة الشيخ رضوان ،، هنا حيث كما قلت في مقال سابق ( انه موت وخراب ديار ) ، حيث لايمكن ان تضع الميت في قبره ليستريح الا بعد دفع مبلغ 1000 شيكل ثمن لكل قبر وبالطبع دون ان تحصل على ايصال ولا حتى معرفة هوية الجهة التي تتحصل هذا المبلغ دون وصل دفع لأي جهة رسمية يمكن مساءلتها، اليوم الثلاثاء ذهبت لعزاء اسرة شبات التي اعرفها واعتز بها منذ ان كنت ازروهم في بيت حانون حيث العز وحسن الاستقبال وكرم الضيافة زرتهم اليوم معزياً باستشهاد نجلهم في مركز ايواء والده المكسور غلبت التجاعيد جبينه والدموع كادت ان تتحجر في مقلتيه و الابتسامة وخفة الظل التي كانت تميزه غابت ، ويبدو انها لم تغب عنه وحده بل عنا جميعاً، بعد ان ترك مصيرنا بيد الجهلاء والمراهقين والمراهنين على الأوهام .
جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025