بين الحشد والتعبئة والانقياد: مدخل إلى سيكولوجيا الجماهير في اليمن
تاريخ النشر: 25th, June 2025 GMT
هل تساءلت يوما لماذا يتغير سلوك شخص تعرفه بمجرد انضمامه إلى جماعة أو حزب؟ أو كيف ينجذب عدد كبير من الناس خلف فكرة أو شعار أو حتى قائد يفتقر إلى أبسط مقومات الكفاءة والكاريزما؟
عادة ما يتم تفسير هذا السلوك بعدة أسباب مثل الأيديولوجيا أو الضغوط، لكن ثمة منظور آخر يقدّمه لنا علم سيكولوجيا الجماهير، الذي يستكشف التحولات النفسية العميقة التي تطرأ على الفرد حين يذوب داخل الجماعة، ويتلاشى من فاعل مستقل إلى تابع يتأثر بالعاطفة والاندفاع الجمعي.
في هذا المقال، سنحاول مقاربة الواقع الراهن من منظور علم النفس الاجتماعي، لفهم آليات تأثير الجماعة على الفرد، وكيف يتغير سلوكه تبعا لذلك.
ما معنى “سيكولوجيا الجماهير”؟
يشير مفهوم “سيكولوجيا الجماهير” إلى فرع من علم النفس الاجتماعي، الذي يُعنى بدراسة سلوك الأفراد وتفكيرهم عندما يكونون جزءا من تكتل أو تجمع جماهيري.
ويُعد الطبيب والفيلسوف والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون، من أبرز رواد هذا الحقل، حيث وضع أسسه النظرية في كتابه الشهير “سيكولوجيا الجماهير” الصادر سنة (1895).
يرى لوبون أنه بمجرد انضمام الفرد للحشد يفقد استقلاله العقلي لصالح “العقل الجمعي”، الذي لا يمثل مجموع الأفراد، بل هو كيان جديد له سماته النفسية وديناميكياته الخاصة، التي تؤثر على سلوك الأفراد.
تخيّل أنك وسط مظاهرة أو في ملعب رياضي أو فعالية دينية، وفجأة تجد نفسك تردّد شعارات لم تكن لتقولها بمفردك، هذا هو جوهر سيكولوجيا الجماهير: حين يذوب الفرد داخل المجموعة ويتراجع تفكيره النقدي لصالح التأثر العاطفي والانفعال الجماعي.
وقد يتساءل البعض: هل يحدث ذلك دوما؟ الجواب ليس نعم أو لا، بل يعتمد على وعي الفرد، وفهمه لطبيعة الجماعة التي ينتمي إليها، إلى جانب مستوى التأطير الذي تمارسه عليه، وكما يقول المثل اليمني: “من ساير القوم أربعين يوما صار منهم”.
كيف يتصرف الفرد داخل الجماعة؟
تؤثر مجموعة من الخصائص النفسية على سلوك الفرد داخل الإطار الجمعي، أبرزها:
1-فقدان الهوية الفردية والشعور بالمسؤولية
يتراجع شعور الفرد بالمسؤولية حين يندمج داخل الحشود، مما يجعله أكثر استعدادا للقيام بتصرفات قد لا يفعلها بمفرده. تُعرف هذه الحالة في علم النفس بمفهوم “إزالة الفردية” (Deindividuation)، وهو مصطلح استخدمه عالم النفس فيليب زيمباردو في سياق دراسته الشهيرة “تجربة سجن ستانفورد”، ويُشير إلى لحظة يفقد فيها الإنسان وعيه الذاتي داخل الجماعة، فيصبح أكثر عرضة للسلوك المندفع وغير المنضبط.
تتجلى هذه الظاهرة بوضوح في سلوك عناصر جماعة الحوثي عند نقاط التفتيش أو خلال المداهمات، وكذلك لدى أفراد “المجلس الانتقالي”، إذ يُلاحظ تراجع الإحساس بالمسؤولية الفردية، لصالح طاعة عمياء تُغذيها التعبئة العقائدية والمزاج النفسي المصاحب للحظة.
وعلى النقيض من ذلك، يختلف الوضع في السياق القبلي، حيث يكون الفرد غالبا أكثر وعيا بمسؤوليته، لأن سلوكه يرتبط بمكانة قبيلته، وقد يترتب عليه عقاب وفقا للأعراف القبلية. صحيح أن البعض قد يتهور إذا كان ينتمي إلى قبيلة قوية، إلا أن العنف القبلي في العادة مقنّن، كما أن الإيدولوجيا ليست جزءا من البنية القبلية، بخلاف التنظيمات المسلحة ذات الطابع الإيديولوجي، التي تكرّس داخل الفرد ثقافة الطاعة والانقياد على حساب التفكير والاستقلالية.
2-طغيان اللاعقلانية والعاطفة:
تتأثر الجماهير بشكل كبير بالرسائل العاطفية والمشاعر الغريزية مثل الخوف، الحماس، الغضب، والتعصب، حيث تنتقل هذه المشاعر بين الأفراد كعدوى نفسية، ما يجعل الجماعة عرضة للانفعال السريع والتلقين دون تفكير عقلاني.
ولهذا، يمكن لشعار مثل: “بالروح بالدم نفديك يا يمن” أو “لبيك يا أقصى” أن يحدث تحوّلا سريعا في المزاج الجماعي، من الهدوء إلى الحماسة أو من العقلانية إلى الانفعال، دون أن يتوقف الأفراد للتساؤل عمّا إذا كانت الشعارات تعكس فعلا طبيعة الحدث أو أهدافه، أم أنها تُستخدم كأدوات تعبئة تُخفي وراءها أجندات أخرى.
3-القابلية للتأثر والتقليد:
بحسب عالم الاجتماع الفرنسي غابرييل تارد، فإن التقليد(Imitation) هو المحرك الأساسي في السلوك الاجتماعي، إذ ينتشر الفعل بين الأفراد كما تنتقل العدوى، بفعل التأثر المتبادل والاندماج في الجماعة.
في هذا السياق، حين يدعو عبدالملك الحوثي إلى مظاهرة في ميدان السبعين باسم “نصرة غزة”، رغم تكرارها وعدم جدواها الواقعية في التأثير على الكيان الإسرائيلي، فإن دوافع الاستجابة تتغير مع الزمن، فمن الالتزام الإيديولوجي والتضامن الإنساني إلى التقليد أسوة بالأصدقاء والمحيط أو تحت ضغطهم حتى يتحول الحضور إلى طقس جماعي واجب، بحيث يُعد التخلف عنه بمثابة خذلان أو نوع من الرفض الضمني لموقف الجماعة.
4-التلقائية والاندفاع:
غالبًا ما تفتقر الجماهير إلى التخطيط أو التفكير المسبق، إذ تكون استجابتها آنية، تحكمها اللحظة وتؤججها المشاعر، لا الحسابات العقلانية، مما يجعلها عرضة للاندفاع واتخاذ قرارات سريعة، دون وعي كافٍ بعواقبها أو خلفياتها.
وكمثال تطبيقي على ذلك، يهرب “المجلس الانتقالي”، من فشله في تأمين الحد الأدنى من الخدمات، إلى دعوة أنصاره للتظاهر ضد سلطة هو شريك فيها أساسا، بحيث يتم توجيه مشاعر الغضب والمعاناة ضدها، في قالب تعبوي عاطفي يصوّر الأزمة كجزء من “حرب خدمات” تستهدف الجنوب، ويُقدَّم التظاهر كفعل مقاوم لإفشال المؤامرة. وهكذا، يندفع الناس إلى الشارع بدافع الغضب والحاجة، دون أن يتوقفوا لمساءلة المجلس عن مسؤوليته المباشرة في ما يعيشونه من واقع سيء.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصةأنا طالبة علم حصلت معي ظروف صعبة جداً و عجزت اكمل دراستي و أ...
نحن اقوياء لاننا مع الحق وانتم مع الباطل...
محمد عبدالخالق سعيد محمد الوريد مدير بنك ترنس اتلنتيك فليوري...
قيق يا مسؤولي تعز تمخض الجمل فولد فأرة تبا لكم...
المتحاربة عفوًا...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: فی الیمن
إقرأ أيضاً:
النتائج المالية الموحدة للستة أشهر المنتهية في 0 3 يونيو 2025 .. "بلدنا من قطر الى العالم" نتائج استثنائية للنصف الأول من 2025
ارتفاع صافي الربح 229٪ إلى 331.2 مليون ر.ق، بفضل محفظة استثماراتها الخارجية المتنوعة
أعلنت شركة بلدنا ش.م.ع.ق، الشركة الرائدة في مجال الألبان والعصائر، عن نتائجها المالية للنصف الأول من عام 2025، وهي فترة الستة أشهر المنتهية في 30 يونيو 2025. حققت الشركة نمواً في الإيرادات ونمواً استثنائياً في صافي الأرباح بنسبة 229% مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق وذلك بفضل عوائد استثمارات استراتيجية خارجية، تم تنفيذها ضمن خطة التنويع الجغرافي والقطاعي لمحفظة الشركة.
في النصف الأول من عام 2025، سجلت شركة بلدنا إيرادات بلغت 642.5 مليون ريال قطري، بزيادة قدرها 8% على أساس سنوي، وبلغت الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاكات والإطفاءات 444.2 مليون ريال قطري، بزيادة قدرها 127.5% على أساس سنوي، وارتفع هامش الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاكات والإطفاءات إلى 69.1% مقارنة ب 32.8% في النصف الأول من عام 2024. وبلغ صافي الربح 331.2 مليون ريال قطري، بزيادة 229٪ على أساس سنوي، بينما ارتفع هامش صافي الربح إلى 51.5٪ مقارنة ب 16.9٪ في النصف الأول من عام 2024.
في ظل استقرار عملياتها التشغيلية، يعزى ارتفاع الإيرادات بشكل أساسي إلى الأداء القوي في مجال الحليب المبخر والمساهمة المستمرة من المنتجات الجديدة التي تم إطلاقها والتوسع في قنوات التوزيع. في حين أن الارتفاع في صافي الربح بنسبة 229٪، فهو انعكاس للمكاسب المحققة من محفظة الاستثمارات الخارجية الاستراتيجية، المنبثقة عن نهج بلدنا في توظيف رأس المال واستغلال العوائد الناتجة عنه ضمن استراتيجيتها في تنفيذ مشروعات استثمارية كبرى في أسواق إقليمية ودولية، مستهدفة رفع الطاقة الإنتاجية وتعزيز الحضور العالمي ووضع بلدنا بين أكبر منتجي الألبان في العالم، انسجاماً مع شعارها: “من قطر إلى العالم".
أبرز المؤشرات التجارية والتشغيلية
حافظت "بلدنا" على زخمها من خلال تعزيز حضور منتجاتها، وتوسيع عروضها. كما طرحت الشركة عبوات بشكل جديد في جميع منتجاتها، مما أبرز حضورها على رفوف المتاجر، وعزز جاذبية علامتها التجارية، وتركيزها على المستهلك.
كما قامت الشركة بتسريع وتيرة ابتكار المنتجات من خلال طرح 25 منتجًا جديدًا من مشروبات الزبادي اليوناني ومشروبات البروتين واللبن والحليب المنكه والعصائر والروب، مما أدى إلى إثراء محفظتها وتقوية قدرتها التنافسية.
أما مصنع الحليب المبخر فقد ساهم في دعم نمو الإيرادات والاتساق مع الجهود الوطنية الرامية إلى تعزيز الأمن الغذائي من خلال توفير إمدادات محلية موثوقة.
وتظل الشركة ملتزمة بقوة بتوسيع نطاق عملياتها وإطلاق منتجات جديدة وتوسيع نطاق التوزيع لضمان نمو بلدنا على المدى الطويل وزيادة مكاسب المساهمين.
بلدنا من قطر الى العالم: خطوات توسعية إستراتيجية
يبرز التوسع الإقليمي لبلدنا من خلال مساهمتها في جهينة، الشركة المصرية الرائدة في مجال الألبان والعصائر، والتي تمتلك بلدنا حصة 16.25% منها. كما حققت بلدنا تقدمًا ملحوظًا في توسعها خارج قطر من خلال توقيع عقود أولية بقيمة تزيد عن 500 مليون دولار أمريكي للمرحلة الأولى من أكبر مشروع زراعي صناعي متكامل لها في العالم في الجزائر. يمتد هذا المشروع على مساحة 117 ألف هكتار في ولاية أدرار، من خلال شركة بلدنا للتجارة والاستثمار ذ.م.م.، وهي شركة تابعة ومملوكة بالكامل لشركة بلدنا ش.م.ع.ق.، ويهدف الى تلبية احتياجات دولة الجزائر من الحليب المجفف، وتعزيز الإنتاج المحلي للحوم، والأمن الغذائي الوطني، في حين يتواصل التقدم في خط إنتاج حليب الأطفال بسلاسة.
وفي خطوة مهمة نحو تعزيز حضورها الإقليمي، حصلت شركة بلدنا على موافقة مجلس الإدارة للمضي قدماً في مشروع صناعي متكامل بقيمة 250 مليون دولار أمريكي في الجمهورية العربية السورية. سيشمل المشروع نظاماً إنتاجياً شاملاً، بما في ذلك منشأة لتصنيع الألبان، ومصنع للعصائر، ووحدة للتغليف البلاستيكي، ومنشأة متطورة لمعالجة المياه، مما يضع شركة بلدنا في موقع يتيح لها الاستفادة من مزايا السبق في السوق السورية ودفع عجلة النمو طويل الأمد وزيادة المكاسب لمساهميها.
بالإضافة إلى ذلك، وافقت الشركة على إنشاء شركة تابعة مملوكة بالكامل في مصر، بهدف تعزيز الفعالية التشغيلية وقابلية التوسع من خلال توحيد وظائف الدعم الإداري والتشغيل الأكثر كفاءة ومرونة عبر الأسواق.
إدارة قوية لتعزيز التوسع الدولي
كانت شركة بلدنا قد أعلنت عن تعيين السيد ماريك وارزيوودا في منصب الرئيس التنفيذي للمجموعة. يتمتع السيد وارزيوودا بخبرة تزيد عن 20 عامًا في مجال القيادة العالمية في شركة Lactalis، إحدى أكبر شركات الألبان في العالم، حيث قاد بنجاح العمليات في بولندا والبرازيل وكرواتيا وجنوب إفريقيا، ومؤخرًا في المملكة العربية السعودية. في هذه الأسواق المتنوعة، حقق وارزيوودا باستمرار نموًا مربحًا، ونفذ عمليات تحول معقدة في الأعمال، ووسع نطاق وجود الشركات في قنوات البيع بالتجزئة وخدمات الأغذية.
يعتبر تعيينه علامة فارقة ومهمة لشركة بلدنا، حيث تركز الشركة على التوسع الدولي وخلق قيمة طويلة الأجل. ستكون خبرة السيد وارزيوودا العميقة في مجال العمليات وقدرته على توسيع نطاق الأعمال عبر المناطق الجغرافية عاملاً أساسياً في توجيه طموحات بلدنا العالمية مدعوما بسجله الحافل في إدارة الكوادر متعددة الوظائف وتحقيق التحول الاستراتيجي، ما يجعله مؤهلاً لقيادة بلدنا في تحقيق أهدافها المستقبلية.