مواجهة الخطابات الطائفية.. الإعلام الديني العُماني أنموذج يحتذى
تاريخ النشر: 26th, March 2025 GMT
د. يوسف الشامسي **
عادت العنجهية الصهيوأمريكية لقصف لبنان وغزة واليمن مستبيحة الأطفال والنساء والشيوخ، في إجرامٍ تاريخيٍّ يلزم الضمير الإنسانيّ بالانتفاض غضبًا وإدانةً، ولم تكن سلطنة عُمان- بحكمة قيادتها ووعي شعبها- إلّا صوتًا صادقًا يجسّد وشيجة الدين وصلة الجوار؛ فانطلقت كلمتها الرسمية رافضةً هذا العدوان الغاشم؛ ولكن حتى حق الإدانة هذا بات اليوم مصدر واستفزاز لكبرياء سفّاكي الدماء ومجرمي التاريخ؛ فهم يريدونها إبادة بلا ضجيج من العرب والمسلمين إمعانًا في الإذلال، لذا نراهم قد أطلقوا خفافيشهم وجيّشوا مرتزقتهم الأقارب والأباعد لتصعيد الشحن الإعلامي لا لموقف الإدانة ذاته؛ وإنما لإشعال ما يمكن إشعاله من فتن وخلافات لتفتيت المجتمعات المتماسكة وإشغالها من الداخل.
ومن ذاك ما رأينا من تصاعد الكتابات المغرضة والموجهة بالإعلام الغربي وبعض أقلام المرتزقة حوالينا وفي وسائل التواصل الاجتماعي، في حالة تتكرر بنفس الوتيرة مع كل خطاب إدانة تصدره سلطنة عُمان ضد اعتداءات الصهاينة في المنطقة، فتخرج الدبابير تارة لاتهام السلطنة بدعم أطراف الصراع، وتارة تعزف على وتر المذهبية والخلافات الطائفية في عُمان مع محاولة تشويه الرموز، ولأن البروباجندا (الدعاية) السوداء وإلقاء التهم لم تعد تؤت نفعًا لسذاجة تلك التهم ومبالغتها في الفبركة والتزوير، بقي جهد الدبابير مستنفرًا في السعي لإذكاء ما أمكن من خلافات طائفية في الداخل، مُستغلة التنوع المذهبي، ومحاولة تسميم الفروقات في المناسبات الدينية كتواقيت دخول رمضان والعيد بسموم الصراعات السياسية، كل ذلك لا يخلو من خدمة أجندات الصهاينة، في فهل تؤثر مثل هذه الخطابات الطائفية على مجتمعنا؟ وما جهود إعلامنا للتصدي لهذه المخططات؟
إنَّ المتتبع للنزاعات الداخلية في عُمان على مر التاريخ يكاد لا يذكر مثالًا واحدًا أسبابه كانت خلافات طائفية، وإلى يومنا هذا نجد مؤشرات غير مباشرة لدى الكثير من التقارير الإقليمية والدولية؛ بما في ذلك تقارير حقوق الإنسان، تُشيد بغياب التوترات الطائفية في عُمان، ما يجعلها نموذجًا للتعايش في منطقة تعاني من انقسامات مذهبية؛ فعلى سبيل المثال، وضع مؤشر السلام العالمي سلطنة عُمان في الترتيب الـ37 عالميًا في عام 2024. وكذلك مؤشر الدول الهشة (FSI) الذي يصنف عُمان كواحدة من أكثر دول المنطقة استقرارًا. ويعود هذا الاستقرار بلا شك إلى إدارة حكيمة للتنوع، يحظر فيها الخطاب الطائفي، ويُركّز فيها على الهوية الوطنية الموحدة، وإضافة لتبنّي دبلوماسية الحياد في الصراعات الإقليمية ودورها الفاعل كوسيط إقليمي يجنّبها تداعيات الصراعات الخارجية.
هذا الواقع النموذجي الممتزج بجوهر الهوية العُمانية مدعاة للفخر والإشادة من سليمي القلوب؛ بينما يغيض تجّار الحروب ومقاولي الأزمات، فتتكالب مكائدهم- كما سنستعرض لاحقًا- محاولة إيجاد ثقب لها من هذا المدخل؛ إذ بانفراط التماسك الاجتماعي وفقدان اللحمة الوطنية يمّحي أثر هذا الكيان إقليميًا ودوليًا، فيغوص في وحل مشاكله محاولًا لملة بنيانه؛ فرغم وجود هذه القوة الدفاعية التي تحظى بها عُمان والتي قد تجعل من تأثير الهجمات الطائفية الموجهة على مجتمعنا محدود نسبيًا؛ ولكنه يظلّ- كباقي المجتمعات- ليس بمأمنٍ تام من التأثرّ، وكما قيل "من مأمنه يأتي الحذر".
ومن المحاولات التي تستهدفها تلك الحملات التأثير على فئات المراهقين والشباب- خصوصًا عبر منصات التواصل الاجتماعي- بالقفز على قضاياهم الاجتماعية والاقتصادية المشروعة وتغليفها بصبغة طائفية، أو السعي لتهشيم فسيفساء الهوية الوطنية والتي ارتكزت على التعايش لقرون؛ وذلك بتضخيم الاختلافات المذهبية بينها عبر الخطاب الطائفي المستورد، ويتجلى ذلك كثيرًا عند المناسبات الدينية، كما أشرنا من قبل، في محاولة لتقسيم الناس لفُسطاطين مُتناحرين، واتهام طائفة ما بالتلاعب بالدين، ثم تحويل الخلافات الفقهية من دائرة "الطبيعي" إلى صراع على "الشرعية الدينية" وربطها بمواقف سياسية كالاتهام بالتبعية لدولة أجنبية، أو نشر مقاطع محرّضة عند بعض المناسبات لطائفة ما ورميها بالتبديع أو الكفر. وهذا ما لا يخفى على المتتبع لهذه الحملات التحريضية، خصوصًا تلك التي تستغل الحسابات الوهمية لتأجيج التناحر والتنابز اللفظي بين فئات المجتمع الواحد، في محاولة لتفكيك المجتمع من الداخل، وتغريب التنوع المذهبي بتعزيز فكرة أن "الآخر" لا ينتمي للدين الذي تنتمي جماعتي له، وبمحاولة الإساءة للقدوات والرموز الدينية لإضعاف الثقة بها عبر رميها بالجهل أو التكسّب أو تصويرها كأدواتٍ بأيدي الساسة، هذه الحملات التحريضية لربما ستطفو من جديد بعد أيام إن اختلفت رؤية هلال العيد بيننا وبين الدول الأخرى، فينبغي استباقيا كشفها وتفكيك خطاباتها المفتعلة وارتباطها الوثيق بمخطّطاتٍ تهدف إلى إشغال المجتمعات العربية بمعاركها الداخلية، كي تغرق في وحل التشرذم، بعيدًا عن قضاياها المصيرية.
ولا ريب أن التنبُّه لأساليب تلك الخطابات الطائفية الخارجية بات ضروريًا كي لا يُستفز الناس بها من جهة، وللإشادة من جهة بالدور الذي تقوم به الدولة في ترسيخ مبادئ التعايش والمواطنة والتصدّي لتلك الحملات عبر الوسائل التوعوية المختلفة، وخاصة عبر الإعلام الديني.
لدينا اليوم أكثر من 16 برنامجًا دينيًا تُبّثُ عن عبر القنوات الإذاعية والتلفزيونية المحلية، تعكس هوية عُمان الدينية في الشكل والمضمون، وتتجلى عبرها قيم الوحدة الإسلامية والمواطنة والتعايش بأرقى أسلوب في أدقّ تفاصيلها. وأجزمُ أنها حالة فريدة في عالم الإعلام اليوم تستحق العناية والدراسة لإبرازها كمثال عالميّ يحتذى؛ فالمتابع على سبيل المثال لتلفزيون سلطنة عُمان يجدُ التنوع في المقدمين للبرامج الدينية من مختلف المذاهب الفقهية الموجودة بالسلطنة، ويتم ترجمة مضامين البرامج بلغة الإشارة لتصل التوعية الدينية الصحيحة للفئات المهمشة إعلاميا، تأكيدا لقيم الرحمة والعدل وتعزيزًا لمبدأ المساواة ودمج مختلف الفئات في النسيج الاجتماعي والديني.
استمعُ مثلًا لاستدلالات فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام، في برنامج "سؤال أهل الذكر"، تجده يستعرض الأقوال من مختلف المدارس الفقهية، فيستحسن في مواضع تفسير ابن عاشور (ت: 1394هـ) وهو مالكيّ المذهب، ويثني على كتاب "كشف المعاني" لابن جماعة (ت: 733هـ) وهو من كبار علماء الشافعية، ويتصل المُستَفتون بالبرنامج من مختلف بلدان العالم؛ فيُجيب فضيلته كلًا حسب مرجعيتهم الفقهية، ويشدد على مبادئ وحدة الأمة لرفع الظلم عن بعضها البعض، ويلهج بالدعاء لمناصرة المستضعفين في غزة ولبنان واليمن، ويحضّ لدعمهم إعلاميا، وعلى المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الداعمة للصهاينة، والأخذ بكل السبل المشروعة للوقوف في وجه العدوان.
هذا نموذجٌ واحدٌ، وعلى منواله نجد حضور ذات القيم والمبادئ في باقي البرامج الدينية المحلية، كل ذلك بلا شك يعزز الوحدة والاندماج الداخلي ويؤصِّل التعايش ليتجذَّر غرسه في جوهر الهوية العُمانية. وهكذا يضمن المجتمع تأسيس قواعد رصينة ثابتة لبنيانه، فلا يبقي لهجمات الأبواق الطائفية التحريضية القريبة والبعيدة إلا طنينًا لا يتجاوز "غرف الصدى" في منصاتهم وبين ذبابهم.
** أكاديمي بقسم الاتصال الجماهيري بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية في نزوى
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
نمو أرباح "أسياد للنقل البحري" 31%.. والأصول تسجل مليار ريال عُماني
◄ 90.6 % نسبة التعمين بالشركة.. وتوفير 122 فرصة عمل مباشرة للبحارة العُمانيين
مسقط- العُمانية
كشفت أسياد للنقل البحري عن تحقيق أداء مالي متميز خلال عام 2024، حيث سجّلت نموًا بنسبة 31% في أرباحها مقارنة بالعام 2023، كما بلغ إجمالي أصولها مليار ريال عُماني، ما يعكس استراتيجياتها الاستثمارية المتوازنة واستدامة عملياتها التشغيلية الممتدة لأكثر من عقدين.
وتضم الشركة أسطولًا متنوعًا يضم أكثر من 86 سفينة تشمل ناقلات النفط العملاقة، وسفن الحاويات، والبضائع السائبة، وناقلات الغاز الطبيعي، مع نطاق عمليات يغطي أكثر من 60 دولة حول العالم. وقال الدكتور إبراهيم بن بخيت النظيري الرئيس التنفيذي لشركة أسياد للنقل البحري: إن الشركة حققت نتائج مالية وتشغيلية قوية خلال عام 2024؛ حيث بلغ صافي الأرباح 51.5 مليون ريال عُماني (ما يعادل 133.9 مليون دولار أمريكي)، مسجّلةً نموًا بنسبة 31% مقارنة بعام 2023، ما يعكس كفاءة الأداء ومرونة الشركة في التكيّف مع تحديات السوق العالمية، مشيرًا إلى توقعات استمرار تأثر سوق النقل البحري بالتحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية في العام الجاري. وأشار - في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية- إلى ارتفاع الإيرادات إلى 366.1 مليون ريال عُماني (ما يعادل 951 مليون دولار أمريكي)، بزيادة بلغت واحدًا بالمائة مقارنة بالعام الماضي، وذلك نتيجة لإعادة توجيه المحفظة الاستثمارية نحو العقود محددة المدة، مما أسهم في تعزيز الاستقرار المالي. وأوضح أن قطاع ناقلات النفط الخام العملاقة وناقلات البتروكيماويات واصل تصدّره كمصادر رئيسية للإيرادات؛ حيث ساهما بأكثر من نصف إجمالي الإيرادات السنوية.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة أسياد للنقل البحري: إن الشركة سجلت نموًا في إجمالي الأرباح بنسبة 28% لتصل إلى 105.9 مليون ريال عُماني (275.2 مليون دولار أمريكي)، في حين ارتفعت الأرباح التشغيلية بنسبة 33% لتبلغ 86.9 مليون ريال عُماني (225.7 مليون دولار أمريكي)، وذلك بفضل تحسن الكفاءة التشغيلية والاستثمار الأمثل للفرص السوقية، ما يعكس التزام أسياد بأعلى معايير الأداء والتميّز المؤسسي.
وأكد أن شركة أسياد للنقل البحري واصلت جهودها في دعم المحتوى المحلي خلال عام 2024، حيث أسندت عقودًا محلية تجاوزت قيمتها أكثر من 13 مليون ريال عُماني (ما يعادل 34 مليون دولار أمريكي)، مع تركيز واضح على تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز دورها في الاقتصاد الوطني، كما أسهمت في توفير 122 فرصة عمل مباشرة للبحّارة العُمانيين، إلى جانب تنفيذ برامج تدريبية لتطوير الكفاءات الوطنية في القطاع البحري.
وأشار إلى أن نسبة التعمين بالشركة بلغت 90.6%، في خطوة تعكس توجه أسياد للنقل البحري نحو بناء قاعدة بشرية وطنية مؤهلة تواكب متطلبات النمو وتدعم تحقيق أهداف رؤية "عُمان 2040".
وفي جانب الاستدامة، أوضح الدكتور إبراهيم النظيري أن شركة أسياد للنقل البحري واصلت تنفيذ مبادرات النقل منخفض الكربون، مما أسهم في خفض الانبعاثات بنسبة 6% وتحسين كفاءة استهلاك الوقود بنسبة 5% مقارنة بالعام السابق، وذلك ضمن جهودها للتحول الرقمي والالتزام البيئي.
وأشار إلى أن شركة أسياد للنقل البحري تعمل على توسعة أسطولها من خلال إضافة سفن حديثة ومتقدمة تقنيًّا، تواكب معايير الكفاءة والاستدامة العالمية، كما تعمل على تطوير منظومتها اللوجستية الرقمية لتعزيز كفاءة العمليات وتقديم حلول مبتكرة للعملاء.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة أسياد للنقل البحري: إن الشركة تواصل الاستثمار في تنمية الكوادر الوطنية من خلال برامج تدريب وتأهيل متقدمة، وذلك بالتوازي مع التوسع في تطبيق تقنيات النقل البحري الصديقة للبيئة، بما يعزز من مكانتها العالمية ويضمن استدامة أعمالها على المدى الطويل.