عقد من الزمان أعلن كماله وولجنا إلى تباشير العقد الثاني وما نزال رغم الجوع والحصار ورغم القصف نتعامل مع نيران العدو وقنابله كمفرقعات لا قيمة لها، سنوات مضت من العدوان ومن التدمير ومن الاستهداف القاتل لكل مقدرات اليمن، لكن في مقابل ذلك خرجنا بكم هائل من التجارب ومن الخبرات التي من المستحيل أن يمر بها شعب من الشعوب دون أن ينكسر وأن يترمد، لكن في كوامن الذات اليمنية طاقات هائلة قادرة على صناعة الحيوات والخروج من تحت الرماد وعلى الاستمرار في الحياة ، والتعامل مع المستحيل حتى يصبح هينا وطيعا .
لم يؤثر في كل التاريخ أن الأمم تجتمع على شعب من الشعوب فتعمل على تدميره وتدمير عوامل قوته ووجوده ثم يخرج ذلك الشعب من تحت رماد الأحداث أكثر قدرة وأشد توهجا وأكثر سيطرة على مقاليد الأمور، هذه الحالة التي عليها اليمن خلال هذا الزمن جديرة بالتأمل وأخذ العبر منها بعيدا عن الغرور المدمر الذي تصل الأمم إليه فيكون سببا في هلاكها، ولكننا نحتاج إلى تنمية عوامل القوة والاستفادة من الخطوات التي ساندت للوصول إلى هذا الانبلاج الكبير والظهور الطاغي لأننا إذا استلمنا لغرور اللحظة وركنا لم نفلح في قابل أيامنا .
نحن اليوم نخوض معارك متعددة المستويات والوجوه ونقف في مواجهة كبريات دول العالم وننحاز إلى مناصرة القضية المركزية وهي قضية فلسطين في حين لم نزل نواجه عدوا دمر كل شيء في اليمن وما يزال يرسل طائراته وصواريخه كي تمارس غواية الموت والتدمير، وقد عشنا خلال شهر مارس من عام 2025م أوقاتا عصيبة ذكرتنا ببداية العدوان عام 2015م، وللمرء أن يتخيل كيف عاش بداية العدوان من خوف ورعب وهلع وكيف واجه النيران وأنهار الدماء المنسابة في الأزقة والحارات، وكيف يستعيد هذه اللحظة بعد عشرة أعوام بذات السيناريو بعد فترة ليست بالقصيرة من الهدنة ؟.
اليوم غيره بالأمس طبعا لم نكترث ولم نخف ولم يخامرنا الرعب والهلع تعاملنا مع الواقع الجديد بمشاعر صلبة تعتاد الموت وتعتاد الدمار وتعتاد الأشلاء المتناثرة على بلاط الأرصفة، وفي السياق كانت الطائرات تحلق على رؤوسنا وفي ذات اللحظة تحلق المسيرات والصواريخ على رؤوس العدو الذي أخذه غروره إلى إعلان رغبته على تحقيق الضربة الساحقة الماحقة فتعذر عليه، لأنه لم يفطن إلى بأس أهل اليمن التي تحدثت عنها الكتب المقدسة وقالها التاريخ لكل ذي لب أو بصيرة، لكن غرور القوة يجعل الناس على غير هدى أو بصيرة من أمرهم .
وعلينا أن ندرك أن المقدمة – التي يخط صورتها وأبعادها النفسية والاجتماعية والثقافية بحروف النار وريشة الرعد والبروق – العدوان على اليمن – سواء كان عدوانا مباشرا كما هو اليوم أو عن طريق الوكلاء كما كان في الأمس – هذا العدوان لن تكون له نتيجة واحدة بل سيكون له عدة نتائج منها النتيجة المنطقية، ومنها النتيجة التوسطية، ومنها النتيجة المعاكسة، وأغلب ما يتحقق هي النتائج المعاكسة في حياة الشعوب، وعِبْر التاريخ أكثر من أن تعد في هذا المجال، فقد كان من المنتظر أن تبقى فرنسا والاتحاد السوفياتي مرميين تحت أقدام الاحتلال النازي لكن الذي حدث هو العكس، بل وأكثر من العكس، فلم يكتف الاتحاد السوفياتي بإجلاء الاحتلال عن أرضه، وإنما اندفعت قواته حتى وصلت إلى قصر هتلر نفسه، وكذلك فرنسا فقد كانت الظواهر العامة تدل على أن الشعب الفرنسي قد خمُدَ .. وأن إرادته قد تعطلت، فإذا به ينبعث من بين ركام الهزيمة والدمار ويحقق هزيمة المعتدي ويحتل قطاعات من أرضة وهو الأمر نفسه الذي تتحدث عنه نتائج المقدمات للعدوان على اليمن، فانتصار الجيش اليمني على الصهيونية ودول الاستكبار العالمي أصبح ممكناً رغم التفوق المادي والعسكري وتكالب الأمم وتحالف الأعداء ورغم التفوق في العدد وفي العتاد وفي التقنيات والتكنولوجيا وفي إمكانات الجبهات المساندة سواء السياسية أو الإعلامية أو الدبلوماسية، وفي كل أدوات الحرب والصراع فاليمن – كما يقول البردوني – متعود على سحق الطغاة، وهو وطن يهزم الهزائم ويقفز فوق المعضلات، ولا يرضى لنفسه إلا النصر أو الفناء وكذلك دل تاريخه وتاريخ رموزه، فذو نواس فضّل الغرق في البحر على قبول هزيمة شعب الأكسوم له، وعلى نهجه ظل أبناء حمير.
فاليمني يشعر بالانتماء وهو في السياق نفسه يحمل عناصر البقاء والاستمرار في ذاته بحكم ذلك الانتماء الحضاري والتاريخي والثقافي الذي يحقق له الامتلاء والاعتزاز بالذات التي تأبى الهزيمة والانكسار .
ومن هنا يصبح من الضرورة القول: إن تمتين عرى النسيج الاجتماعي من ضرورات الاستقرار ومن ضرورات المراحل كلها ويلزم التفكير والتخطيط والتنظيم حتى ننتصر على المستقبل من خلال قدرتنا ووعينا المحكم في صناعته .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية ينتقد بشدة استنتاجات الاتحاد الأوروبي بشأن اليمن ويُطالب بمراجعة جذرية لسياساته
الثورة نت/..
انتقد وزير الخارجية والمغتربين جمال عامر، بشدة استنتاجات اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الأخيرة بشأن اليمن.
واعتبر الوزير عامر في رسالة وجهها إلى الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية “كايا كالاس”، تلك الاستنتاجات، انحيازاً واضحاً وتبنياً لرواية دول العدوان وأدواتها، كونها أغفلت حقيقة أن ما يشهده اليمن هو نتيجة مباشرة لعدوان وحصار جائر.
وفند ما جاء في الاستنتاجات من ادعاءات، مؤكداً أن العمليات العسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن، وكذلك ضد “الكيان الصهيوني”، تأتي في سياق “الرد المشروع والمبدئي” على استمرار العدوان والحصار المفروض على قطاع غزة، وضمن الواجب الإنساني والأخلاقي والديني تجاه الشعب الفلسطيني.
وأشارت الرسالة إلى أن العمليات اليمنية “ليست عشوائية” بل تستهدف سفناً محددة مرتبطة بالعدو الصهيوني أو الدول المشاركة في العدوان على اليمن.. مؤكدة أن حرية الملاحة لا يمكن أن تكون غطاءً “لاستباحة دماء أطفالنا ونسائنا في اليمن وفلسطين”.
وأرجع وزير الخارجية تعثر جهود السلام الأممية إلى “تعنت دول العدوان” ورفضها للمطالب اليمنية العادلة.. مشيراً إلى أن واشنطن هي من أوقفت اتفاقًا مع الرياض بشأن خارطة الطريق للضغط على موقف صنعاء من الأحداث في غزة.
وفيما أكد أن صنعاء مع السلام العادل والشامل الذي يضمن سيادة اليمن واستقلاله ووحدة أراضيه، أشار إلى أنه “لا يمكن الحديث عن سلام حقيقي ومستدام في ظل استمرار العدوان والحصار”، وينبغي أن تنطلق أي مبادرات دولية أو إقليمية من هذه الحقيقة، وأن تمارس ضغطاً حقيقياً على “دول العدوان” لإنهاء عدوانها ورفع حصارها وسحب قواتها.
كما انتقد استمرار دعم الاتحاد الأوروبي لما أسماه “الحكومة اليمنية” و”مجلس القيادة الرئاسي” المشكل من قبل قوى خارجية، معتبراً ذلك دعماً “لأدوات العدوان” وإطالة لأمد الأزمة.
وأوضح وزير الخارجية أن هذه الكيانات مسؤولة عن نهب ثروات اليمن وتفاقم معاناة المواطنين في المناطق المحتلة.
وأكدت رسالة وزير الخارجية والمغتربين رفض صنعاء القاطع لأي محاولة من الاتحاد الأوروبي لـ”فرض وصايته على مواقف اليمن الخارجية”، مشددًا على أن مواقفها “تنطلق من مبادئها وقيمها ومصالح شعبها العليا”.
وأعرب عن استغرابه الشديد للدعوة الموجهة لليمن لاتخاذ مواقف معينة، في وقت يواصل فيه الاتحاد الأوروبي “تجاهله الصارخ لجرائم الحرب والإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني” في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة و”التغاضي عن جرائم العدوان والحصار المفروض على اليمن”.
واعتبر الوزير عامر استمرار الاتحاد الأوروبي في تكرار الاتهامات بشأن “انتشار الأسلحة ودور إيران”، محاولة لتبرير فشل العدوان، مؤكداً على حق الشعب اليمني في تطوير قدراته الدفاعية.
ودعت الرسالة الاتحاد الأوروبي إلى النظر في تدفق الأسلحة إلى “دول العدوان”.. مؤكدًا أن عملية “أسبيدس” وغيرها من محاولات عسكرة البحر الأحمر هي “تصعيد خطير” يهدف لحماية مصالح “الكيان الصهيوني” وتهديد أمن الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب.
وجددّ وزير الخارجية والمغتربين الدعوة للاتحاد الأوروبي ودوله إلى إجراء مراجعة شاملة وجذرية لسياساتهم تجاه اليمن، والتحول نحو موقف يتسم بالتوازن والإنصاف ويعكس الحقائق على الأرض.. مؤكدًا ضرورة “العمل الفوري والجاد للضغط على دول العدوان لإنهاء عدوانها ورفع حصارها بشكل كامل وغير مشروط”، كون ذلك هو المدخل الوحيد والحتمي لأي حل سياسي مستدام.