عودة الشرطة.. السودان يرفض الفوضى
تاريخ النشر: 2nd, April 2025 GMT
في زمن الحرب والفوضى، يصبح الأمن أمنية، والشرطة التي كانت بالأمس جزءًا من المشهد اليومي تتحول إلى رمز للطمأنينة والعودة إلى الحياة الطبيعية. الفيديو الذي وثّق وصول قوات شرطة محلية الخرطوم إلى مقرها في أركويت لم يكن مجرد مشهد عابر، بل لحظة نادرة تحمل في طياتها الكثير من المعاني. مشهد رجال الشرطة وهم يعودون إلى موقعهم وسط استقبال شعبي حافل، بالأحضان والتهليل وزغاريد النساء، يختصر علاقة ممتدة بين الشرطة والمجتمع، علاقة تعرضت لكثير من التشويه لكنها تظل أقوى من أي محاولة لتمزيقها.
لم يكن احتفاء المواطنين برجال الشرطة مجرد تعبير عاطفي عابر، بل كان تأكيدًا على أن المجتمع يدرك قيمة الأمن، ويعرف أن الشرطة – رغم كل شيء – تظل الحصن الأول في مواجهة الفوضى. في زمن تتراجع فيه مؤسسات الدولة أمام ضربات الحرب، يظل الناس يبحثون عن أي بارقة أمل تعيد لهم الشعور بالأمان، وعودة الشرطة إلى مواقعها هي واحدة من تلك البوارق التي تجعل الجميع يشعر بأن الغد قد يكون أفضل.
المشهد في أركويت لم يكن مجرد لحظة احتفال، بل كان استفتاءً شعبيًا على دور الشرطة، رسالة واضحة بأن السودانيين، رغم اختلاف آرائهم وظروفهم، يتفقون على شيء واحد: لا حياة دون أمن، ولا أمن دون شرطة. وربما من المناسب هنا أن نذكر الجميع بمقولة شهيرة:
(A society which chooses war against the police better learn to make peace with its criminals)
(أن المجتمع الذي يختار الحرب ضد الشرطة عليه أن يتعلم كيف يصنع السلام مع المجرمين)
قد يختلف البعض في تقييم أداء الشرطة، وقد تكون هناك انتقادات مشروعة لبعض التجاوزات، لكن يبقى السؤال الجوهري: ما البديل؟ الفوضى؟ سيطرة العصابات؟ انعدام الأمان؟ هذه ليست خيارات لمجتمع يسعى للحياة والاستقرار، ولهذا كان استقبال المواطنين في أركويت لرجال الشرطة أكثر من مجرد احتفاء، بل كان تعبيرًا صادقًا عن حاجة الناس للأمن والنظام.
الشرطة السودانية اليوم تواجه تحديات تعجز عنها دول مستقرة، فالحرب لم تترك مجالًا إلا وملأته بالفوضى، ومع ذلك لا يزال رجال الشرطة صامدين، يعملون في ظروف قاسية، بإمكانيات محدودة، ورغم ذلك لا يفقدون إحساسهم بالواجب. ليس من السهل أن تكون شرطيًا في مثل هذه الأوقات، حيث الخطر يتربص في كل زاوية، لكن الوطن يستحق، وأبناء السودان يستحقون من يحرس أمنهم، ولو كان ذلك يعني التضحية بالكثير.
ومع عودة الشرطة إلى مواقعها، تبدأ مرحلة جديدة، لا يجب أن تكون مجرد استعادة للوجود، بل انطلاقة حقيقية نحو علاقة أكثر متانة بين الشرطة والمجتمع. على الشرطة أن تدرك أن تقدير الناس لها ليس صكًا على بياض، بل مسؤولية تتطلب عملاً دؤوبًا لاستعادة الثقة وتعزيزها. وعلى المواطنين أن يدركوا أن الشرطة ليست خصمًا، بل شريك في أمنهم، وأن نجاحها في أداء واجبها ينعكس مباشرة على حياتهم اليومية.
هي رسالة لكل شرطي، بأن الناس يقدرون تضحياتهم، ويعرفون حجم الصعوبات التي يواجهونها. رسالة تقول لهم:
أوعك تقيف.. وتواصل..
الليل بالصباح.. تحت المطر وسط الرياح.. وكان تعب منك جناح في السرعة زيد.
عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
٢٩ مارس ٢٠٢٥م
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
حين تتحدث الأرقام… مؤشرات الأداء كمرآة للمؤسسة
حين تتحدث #الأرقام… #مؤشرات_الأداء كمرآة للمؤسسة
الأستاذ #الدكتور_أمجد_الفاهوم
ليست الأرقام مجرد نتائج في جداول، بل قصة مكتوبة بلغة الصدق. فالمؤسسة التي لا تراقب أرقامها تشبه من يسير في طريقٍ طويل بلا بوصلة، قد يظن أنه يتقدم بينما هو يدور في المكان نفسه. الأرقام لا تكذب، لكنها تحتاج إلى من يفهمها، ويقرأ ما وراءها. إنها مرآة الأداء، ومفتاح التوازن بين الطموح والواقع.
في بيئة الأعمال الأردنية، يمكن تمييز المؤسسات القادرة على النمو من خلال علاقتها بمؤشرات الأداء. فشركة البوتاس العربية مثلًا، لم تبنِ مكانتها العالمية على الحظ، بل على نظام متابعة دقيق لمؤشرات الإنتاج والتصدير والتكلفة، مما مكّنها من اتخاذ قراراتٍ سريعة في فترات الاضطراب الاقتصادي. وفي المقابل، كثير من المؤسسات الحكومية والخاصة ما تزال تتعامل مع الأرقام كمجرد تقاريرٍ سنوية تُعد لأغراض التقييم الشكلي لا للتحسين الحقيقي.
مقالات ذات صلة الباشا موسى العدوان… حين يتكلم ضمير الوطن ويسكت تجّار الأوطان 2025/12/12القائد الواعي يدرك أن مؤشرات الأداء (KPIs) ليست مجرد أدوات رقابة، بل وسيلة لإدارة المستقبل. حين يقيس الإنتاجية أو رضا العملاء أو زمن الاستجابة، فهو لا يبحث عن رقمٍ للعرض، بل عن إشارةٍ تدله على ما يجب أن يتغير. في جامعةٍ أردنية مثل اليرموك أو الأردنية، يصبح تتبّع مؤشرات البحث العلمي والرضا الأكاديمي ومعدلات التشغيل بعد التخرج دليلًا على جودة القرارات لا على حجم النشاط فقط. فالإدارة الحديثة لا تحكم بالانطباع، بل بالبيان.
في المقابل، من يسيء فهم الأرقام يحولها إلى عبءٍ على الموظفين. تُجمع البيانات بلا هدف، وتُراقب المؤشرات الخطأ، فتتحول الأرقام من وسيلةٍ للتطوير إلى أداةٍ للرقابة العمياء. فكم من مؤسسةٍ تقيس “عدد الاجتماعات” بدل جودة القرارات، أو “عدد الزوار” بدل رضا العملاء، أو “عدد المشاريع” بدل أثرها الحقيقي؟ تلك المفارقات تجعل الأرقام صامتة، لأنها تُستخدم بلا عقلٍ ناقد.
الشركات العالمية الناجحة أدركت هذه الحقيقة مبكرًا. فشركة Toyota تستخدم مؤشرات الأداء اليومية كجزءٍ من ثقافة العمل، لا كإجراءٍ إداري. كل عامل يعرف الأرقام التي تعنيه، ويفهم كيف تسهم في تحقيق الهدف العام. وفي Google، تُدار فرق العمل وفق نظام OKRs (الأهداف والنتائج الرئيسية)، حيث تُقاس النتائج ليس بالكمّ فقط، بل بمدى تأثيرها على الرؤية الكبرى. هناك يصبح الرقم لغة مشتركة بين القائد والفريق، لا مجرد تقريرٍ للمدير المالي.
في الأردن، نحن بحاجةٍ إلى هذا التحول في التفكير الإداري، حيث تُصبح مؤشرات الأداء وسيلة للتعلّم لا للمحاسبة فقط. أن نسأل: ماذا تقول لنا هذه الأرقام؟ ماذا تكشف عن ثقافة المؤسسة؟ وهل تحكي قصة نجاحٍ مستدام أم مجرد نشاطٍ عابر؟
الأرقام لا تزيّف الحقيقة، لكنها قد تُغفلها إن لم نُحسن قراءتها. والمؤسسة التي تتعلّم الإصغاء إلى بياناتها، تتعلم كيف تتغيّر قبل أن يُجبرها السوق على ذلك. فحين تتحدث الأرقام، على القائد أن يسمع جيّدًا… لأن الصمت في هذه الحالة ليس تواضعًا، بل خطرٌ وجودي.