عندما ندرس بعضاً من التجارب القائمة في الواقع المعاصر، وفي التاريخ المعاصر، ما حصل للمسلمين في البوسنة: عشرات الآلاف من المسلمين قتلوا قتلاً جماعياً بدمٍ بارد، وآلاف المسلمات تعرضن للاغتصاب، اضطهاد رهيب جدًّا، في الأخير عندما تحركوا ليجاهدوا كان لهذا أهمية كبيرة، ومثَّل عاملاً أساسياً في إيقاف تلك المجازر الرهيبة جدًّا بحقهم، وأن يدفع عنهم ذلك الشر الرهيب والفظيع.

ما يعانيه مسلمو الروهينجا الآن معاناة كبيرة جدًّا، كيف لو كانوا أمةً قويةً مجاهدة تملك القدرات التي تحمي نفسها هل كان سيحدث لهم ما حدث أن يقتل منهم أكثر من مائة ألف مسلم، أكثر من مائة ألف مسلم بدمٍ بارد، بكل بساطة يقتلون ويضطهدون ويستذلون، وتعرضت النساء للاغتصاب، كم هي التجارب الكبيرة جدًّا والكثيرة، وكم هي التجارب الناجحة للجهاد والتحرك في سبيل الله؟، كم هو الفارق بينما في غزة في فلسطين وما في غير غزة؟، كم كان الأثر- في التصعيد الأخير الإسرائيلي- للضربات التي لقنه المجاهدون في فلسطين بها؟، كان أثراً مهماً جدًّا، عامل ردع وإذلال للعدو وفرضوا عليه أن يوقف تصعيده، لماذا؟ عندما أصبحت هناك أمة مجاهدة تتحرك على أساس الجهاد في سبيل الله للتصدي للإسرائيلي، كم كان أثر تجربة حزب الله في لبنان؟، كم وكم وكم… التجارب: تجارب ثقافة التدجين، وثقافة التحرك والجهاد والعمل، فوارق كبيرة جدًّا وواضحة وجلية، وفي التاريخ كذلك، في التاريخ كذلك التجارب كثيرة.

أيضاً من أهم ما يستفاد من هذه الفريضة العظيمة أنها تمثل عاملاً نهضوياً للأمة، الأمة إذا كانت تحرص على أن تكون أمةً قوية، متى تحرص على أن تكون أمةً قوية؟ إذا كانت أمةً مجاهدة، إذا كانت أمةً تنهض بهذا الواجب وتقوم بهذه المسؤولية، حينها ستحرص على أن تكون أمةً قوية؛ لتكون أقدر في مواجهة أعدائها، ولذلك يأتي التوجيه القرآني: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال: من الآية60].

في هذا السياق، في سياق الجهاد، في سياق هذه الفريضة العظيمة والمهمة، والأمة إذا اتجهت لأن تعد ما تستطيعه من القوة، يأتي في ذلك الاهتمام بالجانب الاقتصادي: كيف تكون أمةً منتجة؟، كيف تكون أمةً مصنِّعة؟، كيف تكون أمةً مبتكرة؟، كيف تواجه مستوى التحديات؟، وكل تحدٍ يستلزم قوة معينة، إمكانات معينة، قدرات معينة، وهكذا تستمر في تطوير نفسها، وفي تطوير قدراتها، وفي امتلاك كل عناصر القوة، وستبحث عن كل عناصر القوة، أما ثقافة التدجين فلا يبنى عليها إلَّا الضعف، فليس لها من نتاجٍ إلَّا الضعف، إلَّا الخور، إلَّا الاستكانة، إلَّا الإهمال، إلَّا الضياع… فرق كبير، الثقافة التي تنهض بالأمة، تبني الأمة لتكون قوية في كل المجالات، وفي كل شؤون الحياة، وبين ثقافة تضعف الأمة، تجعل من الضعف ثقافة، حتى حالة نفسية، التربية على الجهاد، وعلى النهوض بالمسؤولية، وعلى مواجهة التحديات والأخطار، حتى في بناء النفوس، تبني النفوس لتكون نفوساً قوية، تبني الناس ليكونوا أقوياء حتى في نفسياتهم ومشاعرهم، وثقافة التدجين تربي على الضعف حتى في النفوس لتكون نفوساً ضعيفة، نفوساً مهزوزة، نفوساً يهينها الآخرون، ويدوسها الآخرون، ويسحقها الآخرون وهي لا تتقن إلا حالة الاستسلام، وحالة الإذعان، وحالة الخنوع، وحالة السكينة، حالة الاستكانة التي هي حالة سلبية.

إذاً هناك فارق كبير بين ما يمثل عاملاً نهضوياً يبني الأمة، والآخرون هم يركِّزون على هذه النقطة، يدركون إيجابية الصراع لمن يتعامل معه على أساس أن يجعل منه عاملاً للنهضة، عاملاً للبناء، عاملاً لاكتساب القوة، وسلبيته فعلاً لمن يريد أن يكون ضعيفاً وأن يستسلم لا يتحرك، هذه حالة رهيبة جدًّا، تنهار شعوب، ويتحول أهلها- في الكثير منهم- إلى لاجئين في دول أخرى، ويتركون واقعهم، يتفككون كأمة، ينهارون انهياراً كاملاً، أمر خطير وسلبي، لكن من يجعل منه عاملاً نهضوياً، في الدول الأخرى هم يفعلون ذلك، الصين في الثقافة الصينية، لديهم هناك تحدٍ ولديهم عدو، ولديهم طموح في التفوق واكتساب القوة، عند الأمريكيين كذلك، عند كل القوى الناهضة في العالم، لا تنهض أمة إلا وقد جعلت من التحدي والخطر والعدو حافزاً لنهضتها، إذا شطب هذا الجانب تضعف، تكون أمة باردة، أمة لا تفكر بأن تكون قوية، ولا تسعى لأن تكون قوية، ولا تهتم بأن تكون قوية، كان واجبنا نحن المسلمين أن نكون أكثر الأمم اهتماماً باكتساب القوة في كل عناصر القوة: على المستوى النفسي، والتربوي، والاقتصادي، والعسكري… وفي كل مجالات الحياة. قبل غيرنا من الأمم، فما بال الآخرين وكأنهم هم من يكون في أهم مصادر ثقافاتهم وأفكارهم عبارة: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال: من الآية60]، كان المفترض بنا أن نكون نحن السباقين قبل غيرنا.

من المحاضرة الرمضانية التاسعة عشرة: الجمعة 19 رمضان 1440هـ 24 مايو 2019م

 

 

 

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: تکون قویة أن تکون

إقرأ أيضاً:

عاجل : مؤامرة صهيونية جديدة لإبادة أبناء غزة بمشاركة أمريكية غربية وهذا ما كشفه السيد القائد

في كلمة حملت وجع ومعاناة لا توصف، كشف السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله  الصورة المؤلمة للمأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مكرسًا في جوهر حديثه معاناة الأطفال الذين يمثلون العنوان الأبرز لهذه المظلومية نتيجة العدوان الصهيوني المدعوم أمريكياً ، مؤكداً أن هذه المعاناة ليست مجرد أرقام أو إحصائيات، بل هي انعكاس لخذلان دولي وإسلامي متواصل، وتحول الأطفال في غزة إلى أهداف مباشرة للعدوان الإسرائيلي.

يمانيون / خاص

 

أطفال غزة .. ضحايا التجويع والاستهداف المباشر

تبدأ مأساة الأطفال في غزة بخطر الموت جوعًا الذي يهدد 100 ألف طفل، بينهم 40 ألف رضيع محرومون من أبسط مقومات الحياة، كالحليب مثلاً، ويُبرز السيد القائد في كلمته أن استهداف الأطفال الرضع هو جزء من الاستراتيجية العملياتية للعدو الإسرائيلي، الذي لم يرحم حتى النساء أثناء الولادة، وهو ما يدل على مستوى التوحش والوحشية الذي بلغته آلة العدوان الصهيوني.

حصار خانق وتدمير ممنهج

كما يصف السيد القائد، لا تقتصر المأساة على استهداف الأفراد، بل تشمل الحصار الذي يُجبر مئات الآلاف من الفلسطينيين على التكدس في 12% فقط من مساحة القطاع، وسط تجويع ممنهج، قصف مستمر، وتهجير قسري، حتى المناطق التي يصنفها العدو الإسرائيلي بـ”الآمنة” ليست بمعزل عن التجويع والقصف.

خدع الهدن الإنسانية وإنزال المساعدات

أشار السيد القائد إلى خدعة من نوع آخر وهو إعلان الهدنة الإنسانية الذي أطلقه العدو مع استمرار القصف والقتل، موضحًا أن كثيرًا من الضحايا خلال هذه الفترة هم من يبحثون عن الطعام لسد جوع أطفالهم ونسائهم، وأشار إلى أن إنزال المساعدات جواً ليس سوى خدعة للعدو، تهدف إلى اللعب بحياة وكرامة الفلسطينيين، في ظل منع العدو لإدخال المساعدات برا وتوزيعها بشكل منظم.

استراتيجية الفوضى والإجرام المستمر

أوضح السيد القائد أن العدو الإسرائيلي يهدف إلى خلق حالة من الفوضى داخل القطاع حول ما تبقى من المساعدات الضئيلة، مانعاً أي تنظيم مدروس لتوزيعها، ما يزيد من معاناة السكان،  وأضاف أن تدمير العدو لكل مقومات الحياة في غزة، والنسف المستمر للمباني والمدن، يهدف إلى إنهاء وجود الفلسطينيين في القطاع.

الاستفزازات والتلذذ بمعاناة الفلسطينيين

كما انتقد القائد قيام مجموعات يهودية صهيونية بإقامة حفلات شواء قرب حدود غزة، ما يعكس استفزازًا مفتوحًا لعواطف العرب والمسلمين، ويظهر مدى الوحشية التي وصل إليها العدو الإسرائيلي.

الإجرام الذي لم يعد خافياً

أشار السيد القائد إلى أن حجم الإجرام الإسرائيلي أصبح مكشوفًا أمام العالم كله، وأن الإعلام ينقل هذه المشاهد القاسية، لكنه أكد أن مجرد الإدانات والبيانات لا تكفي، وأن المطلوب مواقف وإجراءات حقيقية لإنهاء هذه المأساة، كما لفت السيد القائد إلى أن الأصوات المنتقدة للعدو الإسرائيلي تصدر من معظم دول العالم، إلا أن الناشطين الذين يرفعون صوت الضمير الإنساني يُقمعون في بعض البلدان، مثل ألمانيا والولايات المتحدة، في محاولة لإسكات الحقيقة.

خاتمة

يوجه السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله ، صرخة المسؤولية والإنسانية واحتجاج على مستوى الإجرام للعدو الإسرائيلي الذي يستهدف الفلسطينيين بدون رحمة أو شفقة ، وبالأخص الأطفال الذين يمثلون رمز المأساة الكبرى، ويكشف حجم الخذلان الدولي والإسلامي، ويفضح خدع الهدن والمساعدات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، داعيًا إلى موقف دولي جاد وفعلي لإنقاذ ما تبقى من حياة الفلسطينيين في غزة ، بعيدًا عن الكلمات الرنانة والتصريحات التي لا تترجم إلى أفعال.

مقالات مشابهة

  • بيرم: السيادة لا تكون بتسليم أوراق القوة للعدوّ
  • ''مؤامرات الأعداء'' ومرحلة جديدة من التصعيد.. عبدالملك الحوثي يكرر خطابه المعتاد وينصرف عن تناول الشأن المحلي
  • اللقاء المشترك يؤيد مضامين خطاب السيد القائد ويدعو للمشاركة الواسعة في مسيرات الغد
  • اللقاء المشترك يعلن تاييده لمضامين خطاب السيد القائد
  • اليمن لن يسكت على الخونة والمتواطئين .. السيد القائد يوجه الشعب اليمني بهذا الأمر
  • السيد القائد يشيد بأجل العبارات على خروج الجمعة الماضية
  • السيد القائد يدعو الشعب اليمني للخروج الواسع غدًا الجمعة في العاصمة صنعاء والمحافظات
  • السيد القائد يوجه اقوى تحذير لادوات اسرائيل في الداخل
  • عاجل : مؤامرة صهيونية جديدة لإبادة أبناء غزة بمشاركة أمريكية غربية وهذا ما كشفه السيد القائد
  • السيد القائد: هدنة غزة خلفت ضحايا باكثر من 4 الاف وانزال المساعدات خداع