رداً على فتاوى التخذيل .. الجهاد إيمان وعزيمة لا ميزان قوى، أو معادلة رياضية تقاس بعدد الدبابات والطائرات
تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT
يمانيون ـ مبارك حزام العسالي*
يا دار الإفتاء “المصرية”، بوركت جهودكم في التنظير والتفصيل، كأنكم تجلسون على شواطئ النيل تتأملون خريطة العالم! فبدلًا من أن تكونوا “دار فتوى” للمستضعفين، أصبحتم “دار تخذيل” للمؤمنين.
تتحدثون عن “مفهوم شرعي دقيق” للجهاد وشروط وأركان، وكأن نصرة المسلمين المحاصرين في غزة تحتاج إلى تأشيرة دخول وقواعد بيانات!
عجيب أمركم، تستنبطون من الشريعة ما يخدم “أمن المجتمعات واستقرار الدول الإسلامية” قبل أن يخدم “أمن واستقرار” إخواننا الذين تُقطع أوصالهم.
وتؤكدون أن دعم الفلسطينيين “واجب شرعي وإنساني وأخلاقي”، ولكن بشرط أن يكون “في إطار ما يحقق مصلحة الشعب الفلسطيني”! يا له من قيد ذهبي..!
وهل مصلحة الشعب الفلسطيني الآن هي البقاء تحت القصف والحصار حتى يرضى عنهم المحتل؟!
يبدو أن “مصلحة الفلسطينيين” في نظركم هي عدم إغضاب الكيان الغاصب وحلفائه! أهكذا تُقاس المصالح؟!
أما عن “راية الدولة الشرعية والقيادة السياسية”، فنذكركم أن هذه “الراية” غائبة أو مغيبة في كثير من بقاع أمتنا، أو أنها مشغولة بـ”استقرارها” أكثر من انشغالها بتحرير المقدسات. وحتى في غياب هذه الراية الواضحة لنصرة الحق، فإن ذلك لا يعفي الأفراد والجماعات من مسؤولية نصرة المظلومين بكل الوسائل المتاحة والمستطاعة.
فهل ننتظر إذًا حتى تجتمع “القيادات السياسية” على مائدة المفاوضات مع المحتل ليعلنوا “الجهاد”؟!
يا له من جهاد مبارك مؤجل إلى يوم غير معلوم!
وتقولون “الدعوة إلى الجهاد دون مراعاة لقدرات الأمة وواقعها السياسي والعسكري والاقتصادي -هي دعوة غير مسؤولة”!
نسيتم أو تناسيتم قول الحق تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [الأنفال: 65].
فالله تعالى يحث على القتال ويعد بالنصر حتى مع قلة العدد، لأن المعيار الحقيقي ليس في ميزان القوى المادي وحده.
فالجهاد يا سادة الإفتاء ليس معادلة رياضية تقاس بعدد الدبابات والطائرات؛ إنه إيمان بالله، ونصرة للحق، ورفض للظلم، ولو بأضعف الإمكانيات؛ التحريض على القتال ليس دعوة إلى “مغامرات غير محسوبة”، بل هو إيقاظ للضمائر النائمة، وبث لروح العزة في أمة خارت قواها تحت وطأة التخاذل! وكما قال تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 76]، فبالإيمان الحق يمكن للمؤمنين أن يتغلبوا على كيد الأعداء مهما بلغت قوتهم الظاهرية.
أما عن “من يدعو إلى الجهاد يجب عليه أولًا أن يتقدم الصفوف بنفسه”، فنقول: وهل قادة الأمة الذين تتحدثون عنهم قد تقدموا الصفوف للدفاع عن كرامة الأمة وحقوقها المسلوبة..؟!
بدلًا من مطالبة الداعين بالتقدم، طالبوا القادة بالتحرك..
وأخيرًا، نصيحتكم بـ”توجيه جهود الأمة نحو العمل الجاد من أجل إيقاف التصعيد ومنع التهجير” تبدو كمن ينصح الغريق بعدم البلل؛ وهل إيقاف التصعيد والتهجير سيتحقق بالتنديد والشجب والبيانات، أم بالقوة التي تردع الظالم وتمنعه من التمادي في غيه؟!
وكما قال تعالى: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 249]، فالعبرة ليست بالكثرة العددية أو القوة المادية، بل بنصر الله وتأييده للصابرين والمجاهدين.
ونحن اليمنيون من موقعنا التاريخي والجغرافي والديمغرافي الذي اختارنا الله أن نكون فيه لأمراً أراده، ونرى أن نصرة غزة من أوامر الله، ويتردد صدى القول المأثور: “إذا وضعك الله في مكان تستطيع من خلاله نصرة المظلومين فكن لائقاً بالمكان الذي وضعك الله فيه.. وكن درعاً للمظلومين وسيفاً مسلطاً على الظالمين وحقق عدالة الله في الأرض”. فاليمن، رغم التحديات الكبيرة والصعاب والعقبات والخذلان ممن حوله، بل الخيانة التي تجلت في أنصع صورها خلال العدوان الأمريكي المستمر عليه حتى لحظة كتابة هذه السطور، يجسد هذا المعنى بكل إباء وشموخ، مقدمًا أغلى التضحيات ليكون درعًا لإخوانه في غزة وسيفًا في وجه العدوان الإسرائيلي، مؤكدًا بذلك أنه جدير بهذا الموقف المشرف الذي اختاره لنفسه -بصدق النية والتوكل على الله- في سبيل تحقيق العدل الإلهي ونصرة الحق، واختاره الله في هذا المكان لمثل هذه الأيام.
ختامًا: إن “الحكمة والمقاصد الشرعية” الحقيقية تقتضي نصرة المظلوم بكل ما أوتينا من قوة، ولو كانت قليلة في نظركم؛ فالله ينصر من نصره، ولا ينظر إلى قلة العدد والعتاد، بل إلى صدق النية وعزيمة الإيمان؛ فليتق الله كل امرئ وليراجع فتاواه في ميزان الحق والعدل؛
والله المستعان على ما تصفون.
• المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الله فی
إقرأ أيضاً:
ما حكم من نسى الاغتسال قبل دخول مكة المكرمة؟.. علي جمعة يجيب
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، إن من تعظيم العلماء لمكة المكرمة قالوا باستحباب الاغتسال قبل دخولها، حيث ذهب الفقهاء إلى أنه يستحب الغسل لدخول مكة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
حكم من نسي الاغتسال قبل دخول مكة المكرمةجاء عن «ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارا ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله» [رواه البيهقي في سننه الكبرى وأصله في صحيح البخاري]. وصرح الشافعية بأنه يسن الغسل لدخول مكة ولو حلالا للاتباع.
وأوضح علي جمعة أنهم يعلمون أن من تعظيم الله لبيته الحرام أنه سبحانه حرم على المشركين أن يقربوه، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة :28].
وتابع: لذا تراه يعظم الكعبة ولا يتحدث عنها إلا بكل قداسة، ولا يعتبرها كأي بناء مكون من أحجار متراكمة، ويعتبر أن من أسقط حرمتها وتكلم عنها على أنها مجموعة أحجار أو أن في زيارتها وتقديسها وثنية يعتقدون أنه جاهل بأصول الدين يخشى عليه من الكفر بعد علمه والإصرار على قوله، ويعتقدون أنه من الفجر الاستهانة بما عظم الله سبحانه وتعالى.
وبين، أن المسلم يعتقد وجوب تعظيم مكة كلها لأنها تحوي الكعبة المشرفة المسجد الحرام، قال النبي ﷺ : «إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس, فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة, فإن أحد ترخص لقتال رسول الله ﷺ فقولوا له : إن الله أذن لرسوله ﷺ ولم يأذن لكم, وإنما أذن لي ساعة من نهار, وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس , وليبلغ الشاهد الغائب» [رواه البخاري ومسلم].
كما يعظم المؤمن من الليالي ليلة القدر، قال تعالى : ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ القَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ * لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ﴾ ، وقال سبحانه : ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ ، كما أنه يعظم الليالي العشر من بداية ذي الحجة، قال سبحانه وتعالى : ﴿وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾.
وتابع علي جمعة من خلال صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: يعظم المسلم ذكرى مولده الشريف كما درج سلفنا الصالح منذ القرن الرابع والخامس على الاحتفال بمولد الرسول الأعظم ﷺ بإحياء ليلة المولد بأنواع شتى من القربات من إطعام الطعام، وتلاوة القرآن والأذكار، وإنشاد الأشعار والمدائح في رسول الله ﷺ ، كما نص على ذلك غير واحد من المؤرخين مثل الحافظين : ابن الجوزي، وابن كثير، والحافظ ابن دحية الأندلسي، والحافظ ابن حجر، وخاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطي رحمهم الله تعالى.
وأوضح علي جمعة أنه ألف في استحباب الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف جماعة من العلماء والفقهاء، بينوا بالأدلة الصحيحة استحباب هذا العمل؛ بحيث لا يبقى لمن له عقل وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، وقد أطال ابن الحاج في [المدخل] في ذكر المزايا المتعلقة بهذا الاحتفال، وذكر في ذلك كلامًا مفيدًا يشرح صدور المؤمنين، مع العلم أن ابن الحاج وضع كتابه المدخل في ذم البدع المحدثة التي لا يتناولها دليل شرعي.
وأشار إلى أن من إجلاله للأماكن التي اختارها الله بالبركة والقداسة، تقديسه للكعبة المشرفة بمكة المكرمة، ويعلم أن من شدة حرمتها وعظمتها أن الله جعل أحد أركان الإسلام زيارتها والطواف حولها وهو ركن الحج، قال تعالى : ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ﴾ [آل عمران :96]. وقال تعالى : ﴿جَعَلَ اللَّهُ الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [المائدة :97].