يمانيون ـ  مبارك حزام العسالي*

يا دار الإفتاء “المصرية”، بوركت جهودكم في التنظير والتفصيل، كأنكم تجلسون على شواطئ النيل تتأملون خريطة العالم! فبدلًا من أن تكونوا “دار فتوى” للمستضعفين، أصبحتم “دار تخذيل” للمؤمنين.
تتحدثون عن “مفهوم شرعي دقيق” للجهاد وشروط وأركان، وكأن نصرة المسلمين المحاصرين في غزة تحتاج إلى تأشيرة دخول وقواعد بيانات!
عجيب أمركم، تستنبطون من الشريعة ما يخدم “أمن المجتمعات واستقرار الدول الإسلامية” قبل أن يخدم “أمن واستقرار” إخواننا الذين تُقطع أوصالهم.

.!
وتؤكدون أن دعم الفلسطينيين “واجب شرعي وإنساني وأخلاقي”، ولكن بشرط أن يكون “في إطار ما يحقق مصلحة الشعب الفلسطيني”! يا له من قيد ذهبي..!
وهل مصلحة الشعب الفلسطيني الآن هي البقاء تحت القصف والحصار حتى يرضى عنهم المحتل؟!
يبدو أن “مصلحة الفلسطينيين” في نظركم هي عدم إغضاب الكيان الغاصب وحلفائه! أهكذا تُقاس المصالح؟!
أما عن “راية الدولة الشرعية والقيادة السياسية”، فنذكركم أن هذه “الراية” غائبة أو مغيبة في كثير من بقاع أمتنا، أو أنها مشغولة بـ”استقرارها” أكثر من انشغالها بتحرير المقدسات. وحتى في غياب هذه الراية الواضحة لنصرة الحق، فإن ذلك لا يعفي الأفراد والجماعات من مسؤولية نصرة المظلومين بكل الوسائل المتاحة والمستطاعة.
فهل ننتظر إذًا حتى تجتمع “القيادات السياسية” على مائدة المفاوضات مع المحتل ليعلنوا “الجهاد”؟!
يا له من جهاد مبارك مؤجل إلى يوم غير معلوم!
وتقولون “الدعوة إلى الجهاد دون مراعاة لقدرات الأمة وواقعها السياسي والعسكري والاقتصادي -هي دعوة غير مسؤولة”!
نسيتم أو تناسيتم قول الحق تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [الأنفال: 65].
فالله تعالى يحث على القتال ويعد بالنصر حتى مع قلة العدد، لأن المعيار الحقيقي ليس في ميزان القوى المادي وحده.
فالجهاد يا سادة الإفتاء ليس معادلة رياضية تقاس بعدد الدبابات والطائرات؛ إنه إيمان بالله، ونصرة للحق، ورفض للظلم، ولو بأضعف الإمكانيات؛ التحريض على القتال ليس دعوة إلى “مغامرات غير محسوبة”، بل هو إيقاظ للضمائر النائمة، وبث لروح العزة في أمة خارت قواها تحت وطأة التخاذل! وكما قال تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 76]، فبالإيمان الحق يمكن للمؤمنين أن يتغلبوا على كيد الأعداء مهما بلغت قوتهم الظاهرية.
أما عن “من يدعو إلى الجهاد يجب عليه أولًا أن يتقدم الصفوف بنفسه”، فنقول: وهل قادة الأمة الذين تتحدثون عنهم قد تقدموا الصفوف للدفاع عن كرامة الأمة وحقوقها المسلوبة..؟!
بدلًا من مطالبة الداعين بالتقدم، طالبوا القادة بالتحرك..
وأخيرًا، نصيحتكم بـ”توجيه جهود الأمة نحو العمل الجاد من أجل إيقاف التصعيد ومنع التهجير” تبدو كمن ينصح الغريق بعدم البلل؛ وهل إيقاف التصعيد والتهجير سيتحقق بالتنديد والشجب والبيانات، أم بالقوة التي تردع الظالم وتمنعه من التمادي في غيه؟!
وكما قال تعالى: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 249]، فالعبرة ليست بالكثرة العددية أو القوة المادية، بل بنصر الله وتأييده للصابرين والمجاهدين.
ونحن اليمنيون من موقعنا التاريخي والجغرافي والديمغرافي الذي اختارنا الله أن نكون فيه لأمراً أراده، ونرى أن نصرة غزة من أوامر الله، ويتردد صدى القول المأثور: “إذا وضعك الله في مكان تستطيع من خلاله نصرة المظلومين فكن لائقاً بالمكان الذي وضعك الله فيه.. وكن درعاً للمظلومين وسيفاً مسلطاً على الظالمين وحقق عدالة الله في الأرض”. فاليمن، رغم التحديات الكبيرة والصعاب والعقبات والخذلان ممن حوله، بل الخيانة التي تجلت في أنصع صورها خلال العدوان الأمريكي المستمر عليه حتى لحظة كتابة هذه السطور، يجسد هذا المعنى بكل إباء وشموخ، مقدمًا أغلى التضحيات ليكون درعًا لإخوانه في غزة وسيفًا في وجه العدوان الإسرائيلي، مؤكدًا بذلك أنه جدير بهذا الموقف المشرف الذي اختاره لنفسه -بصدق النية والتوكل على الله- في سبيل تحقيق العدل الإلهي ونصرة الحق، واختاره الله في هذا المكان لمثل هذه الأيام.
ختامًا: إن “الحكمة والمقاصد الشرعية” الحقيقية تقتضي نصرة المظلوم بكل ما أوتينا من قوة، ولو كانت قليلة في نظركم؛ فالله ينصر من نصره، ولا ينظر إلى قلة العدد والعتاد، بل إلى صدق النية وعزيمة الإيمان؛ فليتق الله كل امرئ وليراجع فتاواه في ميزان الحق والعدل؛
والله المستعان على ما تصفون.

• المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الله فی

إقرأ أيضاً:

المليشيا علي الباطل وأهل السودان علي الحق

■ مما قاله الشهيد علي عبد الفتاح ذات معركة من معارك الأمطار الغزيرة وصيف العبور .. ويومها كان (القصف يُرعِدُ والدّخانُ مُثار) .. قال الشهيد علي مخاطباً ثُّلّة من إخوانه وقد أثخنتهم جراح المعركة ولم يكملوا دفن إخوانهم الشهداء بعد : ( والله الخوارج ديل لو لحقونا لحدي سوبا ما حيدخلنا شك إننا علي حق .. وهم علي باطل )

■ مع تتالي الأجيال التي تخرّجت في مدرسة الشهيد علي تعددت النُّسخ المعدّلة من مقولته هذه تماماً كما تتالت نسخ وأجيال الجيل المقاتل حتي أكرمنا الله اليوم بمعايشة جيل الشهداء أمثال الشهيد النعمان والشهيد مكاوي وأجيال المقاتلين الشجعان من لدن البطل فتح العليم الشوبلي ودقشك ومهند فضل وعويس وجيل البرق الخاطف والبرّاؤون .. والقائمة تتزين بأسماء سطرت تاريخاً أسطورياً في كتاب القتال من المسافة صفر ..

■ هذا الجيل بفضل الله أذاق مليشيات التمرد صنوفاً من الويل وأقتلعهم من قلب العاصمة وآلاف الكيلومترات والنقاط الحاكمة التي كانوا يتحصنون فيها وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم حتي جاءهم من الله مالم يكونوا يحتسبون ..

■ وبذات اليقين في نصر الله .. ستُعيد قواتنا المسلحة والتشكيلات العسكرية الأخري صفوفها .. وستعود إلي الدبيبات والحمادي إلي طريق الصياد القاصد إلي هدفه المرسوم ..

■ هي جولة من جولات الصراع مع عصابات المليشيا التي ستكون علي الباطل وأهل السودان علي الحق وإن بسطت سيطرتها علي كل كردفان ودارفور ..

■ تقبل الله شهداء متحرك الصياد .. شفي الله جرحاهم .. وردّ أسراهم ..
■ نصرٌ من الله وفتحٌ قريب ..

عبدالماجد عبدالحميد
عبد الماجد عبد الحميد إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • فتاوى تشغل الأذهان| حكم صك الأضحية هل لها نفس ثواب نحر المضحى بنفسه؟.. حكم استعمال المحرم بالحج أو العمرة للشمسية.. هل ثواب الطواف بالأدوار العلوية مثل صحن الكعبة؟.. هل يجوز للمضحي بيع جلد الأضحية؟
  • فضل العشر الأول من ذي الحجة على غيرها من الأيام.. الأفضل عند الله
  • المليشيا علي الباطل وأهل السودان علي الحق
  • هل نصر الله الحق بأيدي الغرب وأضاعه العرب؟
  • الحديدة .. وقفتان نسائيتان في بيت الفقيه والمراوعة نصرة لغزة 
  • حشود مليونية بالعاصمة صنعاء نصرة للمسجد الأقصى والشعب الفلسطيني
  • نصرة لرسول الله وللأقصى ولغزة.. صعدة تخرج في عشرات المسيرات الكبرى
  • أبناء صعدة يحتشدون في 36 ساحة نصرة لفلسطين
  • اتحاد علماء المسلمين يدعو إلى جعل الجمعة يوم نصرة للمسجد الأقصى
  • فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان