أمريكا بين الذكريات والبحث عن الذات
تاريخ النشر: 9th, April 2025 GMT
إذا اعتبرنا ما يسير فيه ترامب أمريكا هي حروب تجارية اقتصادية تتداخل مع العسكرية، فهذا يطرح سؤالاً له أهميته والأهم في حقيقة ومصداقية الإجابة عليه..
السؤال هو: هل يريد ترامب من خلال هذا التصعيد غير المسبوق للحرب الاقتصادية التجارية حل مشكلة أو مشاكل مستعصية أو معقدة في الداخل الأمريكي، أم أنها فقط في إطار التنافس واستهداف المنافسين لأمريكا تجارياً واقتصاديا؟.
الإجابة من خلال تتبع الأحداث هي وجود مشاكل داخلية متراكمة ومعقدة، ولكن أمريكا تحتاج إلى أن تحارب كل العالم لتتمكن من حلها وفق نظرية ترامب وما وراءه ومن وراءه..
أمريكا في هذا السياق تريد حروباً عالمية وتشن حروباً على العالم كحلحلة مشاكلها وفق هذا التصور، ولكنها لا تريد حرباً عالمية نووية..
ومن هذا المفهوم الأمريكي فالسلام بالنسبة لأمريكا هو في شن وتأجيح حروب في أنحاء العالم ولكن دون الوصول لحرب نووية عالمية، ولهذا فأمريكا في تعاملها مع الحالة الأوكرانية بما يجنب أو يمنع الحرب النووية..
إذا أوكرانيا يرتبط بما يحدث فيها أمن روسيا القومي فروسيا ستسير في هذه الحرب حتى لو اضطرتها لاستعمال النووي..
هذا يعني أن أمريكا التي تتشدد وتتوسع في مسألة أمنها القومي وتعتبر غزوها للعراق وأفغانستان إنما لحماية أمنها فهي ترفض حق الآخرين فيما يتصل بأمنهم القومي، كما حالة روسيا مع أوكرانيا..
إذا أمريكا شنت الحرب على العراق لحماية أمنها فإيران هي بداهة بوابة الأمن القومي الصيني الأهم، فلماذا لا تراعي أمريكا حاجيات حيوية للأمن القومي الصيني وهي تهدد بحرب على إيران وتكرر تجربة أوكرانيا التي يتبرأ منها ترامب؟..
وهكذا ففلسفة أمريكا جوهرها نشر وتأجيح حروب في العالم تحت سقف النووي وهي قبل وبعد «ترامب» ستظل تقدم نفسها حمامة وراعية سلام، وبالتالي فإن ما يطرحه «ترامب» عن سلام كلام إعلامي ليس جديداً بل تكرار للخطاب الكلامي الإعلامي المخادع لأمريكا..
كأنما عبارة «الأمن القومي» لا علاقة لكل دول العالم بها ولا حق لها في الدفاع عن أمنها القومي بإستثناء أمريكا وربطاً بها إسرائيل فقط..
فروسيا والصين مثلاً لا يحق لهما الدفاع عن أمنهما القومي بمستوى إسرائيل وليس أمريكا، فكيف ينظر لحالة إيران ربطاً بالأمن القومي الصيني مقابل الأمن القومي لإسرائيل و أمريكا ومن الأحق بداهة و بمجرد العين المجردة..
فكيف لـ«ترامب» الذي يحب السلام ولا يريد الحروب ـ وفق زعمه ـ أن يشن حرباً على اليمن و يهدد إيران بحرب أكبر وأوسع، وكيف يفكرّ في حق الصين بل وروسيا في أمنهما القومي وهو الأحق وعين الحق في مقابل التمطيط والتفصيل للأمن القومي على أمريكا وإسرائيل؟..
إذا أمريكا لا تحترم الحد الأدنى من احترام حق دول عظمى في أمنها القومي، كما الصين وروسيا ربطاً بإيران – فهي بهذا تدفع العالم إلى حرب عالمية حتى لو كانت صادقة في أنها لا تريدها..
أريد من خلال كل هذا الوصول إلى حقيقة أن أمريكا تتخبط في حروبها الاقتصادية التجارية المتداخلة مع حروبها العسكرية وليس من حل لهذا التخبط الواضح إلا القبول بعالم متعدد الأقطاب أكثر عدالة وأكثر واقعية أو السير إلى حرب عالمية لا يستطاع فهم سقف لها أو نتائج، وصدقوني أن الكرة هي في الملعب الأمريكي فوق التذاكي والألعاب والمؤامرات..
إذا فهم ترامب وهو يتحدث عن إعادة العظمة أن يستعيد أولاً التعامل مع العالم كما في فترة الهيمنة الاستثنائية الأمريكية فهو مخطئ ويرتكب خطيئة في حق أمريكا بقدر ما هو مجرد خطأ في حق العالم، والذي يؤكد ذلك هو أن أمريكا ترامب تراهن على فصل أو عزل بين الصين وروسيا وهذا مجرد تنظير لم يعد له من صلة أو ارتباط بواقع العالم ومتغيراته القائمة والقادمة..
أمريكا تتخبط إن شنت حرباً على إيران وستظل تتخبط حتى لو تشنها، ومن أي وجه تتابع أو تقرأ أمريكا فإن جوهرها وعنوانها ليس غير التخبط والمزيد من التخبط!!.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
فريدمان: قانون ترامب الضريبي “يخدم الصين ويقوّض مستقبل أمريكا”
صراحة نيوز- نشر الكاتب الأميركي توماس فريدمان مقالاً في صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان: “كيف سيجعل قانون ترامب الكبير والجميل الصين عظيمة مجددًا؟”، شن فيه هجومًا لاذعًا على مشروع القانون الضريبي الجديد الذي وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ”الكبير والجميل”، والذي أقرّه الكونغرس مؤخراً بأغلبية ضئيلة.
واعتبر فريدمان أن القانون يخدم مصالح الصين بالدرجة الأولى، قائلاً إن الصينيين “لن يصدقوا حظهم”، بعد أن اختارت الإدارة الأميركية ـ في خضم ثورة الذكاء الاصطناعي ـ تبني واحدة من أسوأ السياسات الاستراتيجية من حيث الإضرار الذاتي.
وبحسب فريدمان، فإن القانون الجديد يُمدد الإعفاءات الضريبية الضخمة التي أُقرت خلال ولاية ترامب الأولى، ويخصص مليارات إضافية لقطاعي الدفاع ومكافحة الهجرة، ويلغي الضريبة المفروضة على الإكراميات، ويُقلص من برامج الحماية الاجتماعية، في خطوة وصفها بأنها تخدم مصالح الأغنياء على حساب الطبقة الوسطى والفقراء.
كما أشار إلى أن المشروع يلغـي الدعم الضريبي الموجه للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ويقضي على كافة الإعفاءات الضريبية للسيارات الكهربائية، ما يضعف مستقبل التقنيات النظيفة، ويفتح الباب أمام تفوق الصين في هذا المجال.
ورغم الانتقادات، لفت فريدمان إلى أن القانون أبقى على حوافز ضريبية للشركات التي تطور تقنيات خالية من الانبعاثات مثل المفاعلات النووية ومحطات الطاقة الكهرومائية والحرارية الأرضية وتخزين البطاريات، حتى عام 2036، وهي ميزة وصفها بـ”النقطة المضيئة الوحيدة”.
وخلص فريدمان إلى أن مشروع ترامب لا يُضعف قدرة الولايات المتحدة على التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة فحسب، بل يقوّض مستقبل بنيتها التحتية الكهربائية في وقت تشهد فيه مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي طلباً غير مسبوق على الطاقة، مشيرًا إلى أن الجمهوريين ينظرون للطاقة المتجددة على أنها “ليبرالية”، رغم كونها اليوم الأسرع والأرخص في تلبية هذه المتطلبات.